مع تعدُّد وسائل تلقِّي المعلومة وتجاوُز جُلِّ الثقافات العالمية الحدود والسيطرة الممكنة من قنوات فضائية و"إنترنت"، لا تزال قنوات الإذاعة الراديو تحتفظ برصيد ضخم من المتابعين، إلى جانب أعداد كثيرة من الناس ما زالت طرق وصول المعلومة شبه مقصورة على جهاز المذياع... فهل من المعقول أن نُضَيِّق الدوائر الواسعة في تلقي المعلومة، ونُقْصِي مفهوم التقارب العربي الذي كثيراً ما نتفوَّه به في لقاءاتنا الرسمية، وغير الرسمية، وأن نتجاهل أهداف اتحاد إذاعات الدول العربية عند تأسيسه رسمياً - والذي كان في شباط فبراير 1969، في الخرطوم - ومنها:"تقوية الروابط وتوثيق التعاون بين إذاعات الدول العربية الصوتية والمرئية وتطوير فنونها شكلاً ومضموناً، لتقوم برسالتها في تعزيز روح الإخاء العربي، وتنشئة جيل عربي واعٍ معتز بقوميته العربية". إضافة إلى تعريف شعوب العالم بأصالة الأمة العربية وإمكاناتها وقضاياها... فهل التشويش الذي هو لغة العرب الحاضرة في خطابها الإذاعي هو الترجمة المهنية لتقوية التقارب العربي المزعوم؟ وبعد تطور حلقات الاتصال وتقنية نقل المعلومة صارت قنوات إذاعية كثيرة تبث برامجها عبر الأقمار الاصطناعية إلى جانب القنوات الفضائية المرئية, وهذا الإجراء لا يخدم سوى المتسمِّرين أمام الشاشات، ولأجل أن نضخم من دائرة الفائدة من برامج الإذاعات العربية علينا أن نلتفت إلى طبيعة البث على الأثير المذياع. هذا ما أحببت أن أقف عنده في هذا المقال. فمع وفرة الاجتماعات لتطوير مجالات الاتصال لدينا من خلال اتحاد إذاعات الدول العربية, والذي من أهدافه - إضافة إلى ما سبق - توطين تكنولوجيا الاتصال وتنمية التعاون العربي في الجانبين الإذاعي والتلفزيوني، وتطوير التعاون الهندسي ودعمه بين الهيئات والأعضاء، ومواكبة التطور التقني والبرامجي في مجال الإذاعة والتلفزيون... إلى غيرها من الأهداف، إلا أن البث الإذاعي ما زال لسانه مشلولاً لا يُفصح، إذا استثنينا الإذاعات المحلية لكل دولة عربية على حِدَةٍ في نطاقها الحدودي، فأنا مثلاً في السعودية لا يحق لأذني أن تسمع إلا القنوات الإذاعية المحلية المعتمدة، وهي البرنامج العام والبرنامج الثاني، وإذاعة القرآن الكريم، إلى جانب إذاعة"mbc FM"، و"بانوراما". أما غيرها فلا تبحث! حتى القنوات الإذاعية الخليجية, الأقرب إلينا انتماءً وفكراً ونمطاً في حياة المعيشة, ما زلنا إلى اليوم محرومين منها، فلا تسمع إلا تشويشاً تاماً، خصوصاً في أوقات النهار، وربما ينخفض هذا التشويش قليلاً في الليل، فتفضل إغلاق جهاز الراديو، أو تستسلم للواقع فترغم أذنيك وتجمِّدها على قنوات"مفروضة"بحكم طبيعة البث الإذاعي ونطاقه. وبحكم أن الإذاعات العربية تُعد حلقة وصل ثقافية مهمة في تبادل المعلومات والتجارب، ونقل الأفكار... فإنها إلى جانب ذلك تعمل على دمج الفكر، والممارسات الاجتماعية والأدبية, وتتحول في النهاية إلى مرايا مصقولة تعكس الواقع العربي في نواحٍ عدة. لنا أمل أن يتضح صوتنا العربي فَيَصِلَ إلى كل عربي في كل مكان، وسياسة الإقصاء التشويش، أو التجاهل لواقع البث الإذاعي العربي لا تخدم أحداً، وعليه لا بد من النظر في واقع هذا الاتصال المقطوع بين أمة عربية وحّدَها خالقُها بلسان عربي ورسالة ربانية واحدة. عبيد الدوسري - الرياض [email protected]