مساعد وزير الدفاع يزور باكستان ويلتقي عددًا من المسؤولين    البنك الدولي يختار المملكة مركزاً للمعرفة لنشر ثقافة الإصلاحات الاقتصادية عالمياً    الطائي يحقق فوزاً قاتلاً على الرياض بهدفين لهدف    كلوب: ليفربول يحتاج لإظهار أنه يريد الفوز أكثر من فولهام    اخضر 23 يكتسح تايلاند بخماسية دون رد    ميتروفيتش يكشف موعد عودته    "الأرصاد" ينبه من هطول أمطار غزيرة على منطقة مكة    جازان تُنتج أكثر من 118 ألف طن من الفواكه الاستوائية.. وتستعد لمهرجانها السنوي    أمير منطقة عسير يتفقد اليوم، عددًا من المراكز والقرى الواقعة شمال مدينة أبها.    متحدث الأرصاد: رصد بعض الحالات الخاصة في الربيع مثل تساقط البرد بكميات كبيرة.    احتفاءً بقرار الأمم المتحدة بتخصيص عام 2024 «السنة الدولية للإبليات».. السعودية تشارك في مسيرة الإبل بباريس    نجران: إحباط تهريب 58 كيلوغراما من مادة الحشيش المخدر    استثناء الجهات التعليمية الأهلية من اشتراط الحد الأدنى للحافلات في النقل التعليمي    "أبل" تسحب واتساب وثريدز من الصين    محترف العين: طعم الانتصار على الهلال لا يُوصف    بينالي البندقية يعزز التبادل الثقافي بين المملكة وإيطاليا    الزبادي ينظم ضغط الدم ويحمي من السكري    ثلث أطفال بريطانيا بين سن الخامسة والسابعة يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي    زيدان يقترب من تدريب بايرن    وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسبب المرض    «CIA» تحذّر: أوكرانيا مهددة بخسارة الحرب    بعد الفيتو الأمريكي.. استياء عربي لرفض عضوية فلسطين في الأمم المتحدة    السديري يفتتح الجناح السعودي المشارك في معرض جنيف الدولي للاختراعات 49    السينما في السعودية.. الإيرادات تتجاوز 3.7 مليار ريال.. وبيع 61 مليون تذكرة    خطيب الحرم المكي يوصى المسلمين بتقوى الله وعبادته والتقرب إليه    التلفزيون الإيراني: منشآت أصفهان «آمنة تماماً».. والمنشآت النووية لم تتضرر    خطيب المسجد النبوي: أفضل أدوية القلوب القاسية كثرة ذكر الله تعالى    الشاب محمد حرب يرزق بمولوده الأول    أمين مجلس التعاون : عدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية يعتبر خطوة للوراء في جهود تحقيق السلام    أمانة حائل تواصل أعمالها الميدانية لمعالجة التشوه البصري    مسح أثري شامل ل"محمية المؤسس"    "العقعق".. جهود ترفض انقراض طائر عسير الشارد    قطار "الرياض الخضراء" في ثامن محطاته    يوتيوب تختبر التفاعل مع المحتوى ب"الذكاء"    فوائد بذور البطيخ الصحية    هيئة التراث ‏تقيم فعالية تزامناً اليوم العالمي للتراث بمنطقة نجران    «استمطار السحب»: 415 رحلة استهدفت 6 مناطق العام الماضي    أقوال وإيحاءات فاضحة !    الطائي يصارع الهبوط    تخلَّص من الاكتئاب والنسيان بالروائح الجميلة    غاز الضحك !    الفقر يؤثر على الصحة العقلية    مجلس جامعة جازان يعيد نظام الفصلين الدراسيين من العام القادم    سلطان البازعي:"الأوبرا" تمثل مرحلة جديدة للثقافة السعودية    مصر تأسف لعدم منح عضوية كاملة للفلسطينيين في الأمم المتحدة    أمير الرياض يعتمد أسماء الفائزين بجائزة فيصل بن بندر للتميز والإبداع    تَضاعُف حجم الاستثمار في الشركات الناشئة 21 مرة    فيصل بن تركي وأيام النصر    المستقبل سعودي    اليحيى يتفقد سير العمل بجوازات مطار البحر الأحمر الدولي    المفتي العام ونائبه يتسلّمان تقرير فرع عسير    أمير الرياض يستقبل مدير التعليم    الرويلي ورئيس أركان الدفاع الإيطالي يبحثان علاقات التعاون الدفاعي والعسكري    أمير الباحة: القيادة حريصة على تنفيذ مشروعات ترفع مستوى الخدمات    محافظ جدة يشيد بالخطط الأمنية    شقة الزوجية !    تآخي مقاصد الشريعة مع الواقع !    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على محمد بن معمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المستشارة الخليجية الوحيدة لدى "اليونيسكو" تطالب بحماية التعليم "الوطني" ابتسام البسام ل"الحياة": أفضل الاحتفاظ بغازي القصيبي أخاً ... لا رئيساً !
نشر في الحياة يوم 20 - 02 - 2007

ما أجمل الوطن عندما يسكن أبناؤه أينما رحلوا... وما أجمله حين تتعالى راياته بجهودهم وإنجازاتهم.. ابتسام البسام امرأة سعودية من عنيزة... وجه نسائي حاضر بقوة في الميدان التربوي المحلي والدولي.
من صغرها وهي في ارتحال هنا وهناك... تبحث عن طريق وترسم مساراً... وفي كل مرحلة هناك إنجاز تفاخر به ويفاخر بها.
أول سعودية تحصل على الدكتوراه من الغرب وهذا جعلها تتحمل مسؤوليات كبيرة باكراً.. تتميز الدكتورة ابتسام بقدرتها على الإنشاء والإعداد... منحت كليات البناء رونقاً خاصاً يليق بها، وعندما اختلفت مع القيادات لم تنسحب بل بحثت لها عن إنجاز جديد يليق بها... اختارتها جامعة الخليج واختار القدر ان تولد أكاديمية الملك فهد في لندن على يديها، وأن تنشأ منظومة المدارس السعودية في الخارج على يديها...
الدكتورة ابتسام نموذج حري ببناتنا الاقتداء به... وحري بوطننا الاحتفال به، ونحن هنا اليوم لنعيش الفرحة الكاملة بوجودها معنا حرفاً ومعنى وكلمة، فتعالوا معنا ...
يرى بعضهم أنكِ مشروع قيادة نسائية لم تكتمل، هل تشعرين بأنه كان بالإمكان أفضل مما كان؟
- كم أودّ أن يراني البعض شمعة صغيرة أسهمت في إضاءة طريق المرأة السعودية العاملة عندما كان في بدايته.
نزلت إلى ميدان العمل في وقت كان عمل المرأة السعودية خارج المنزل ظاهرة جديدة على مجتمعنا، وصوت المرأة العاملة غير مسموع، والتشكك كبير في قدرتها على تحمل المسؤوليات، ومشاركتها بالرأي محدودة، ومجالات العمل المتاحة أمامها محدودة. فأنا من أوائل المواطنات الحاصلات على الدكتوراه، وأول سعودية تحمل هذه الدرجة وتعمل مع كليات التربية للبنات. ولما كانت المملكة بدأت في تطبيق نظام سعودة الإدارات، فقد أسندت إلي مهام إدارية قيادية، حاولت أن أحقق من خلالها بعض المكاسب للمرأة السعودية، وأن أثبت أن المواطنة السعودية لا تقل قدرة على العطاء وخدمة الوطن عن شقيقها الرجل.
قابلتني صعوبات كثيرة، تغلبت على بعضها وتغلب بعضها علي. كان الطريق وعراً فتعثرت خطواتي أحياناً، وكنت كلما وقعت سارعت بالوقوف ثانية لإكمال المشوار.
لقد أكسبتني التجارب الصعبة ثقة بالنفس وقدرة على تحمل المسؤوليات ومواجهة التحديات. ولو كان طريق المرأة السعودية العاملة في بدايته ممهداً كما هو الآن، وصوت المرأة العاملة مُرحّباً به كما هي الحال اليوم، لكان في الإمكان أفضل مما كان.
اللكنة القصيمية
ماذا أكسبكِ الترحال مع الوالد في تعرفك على المجتمعات الأخرى باكراً؟ هل انتابتكِ الدهشة أم تكيفتِ سريعاً معها؟
- أكسبني الترحال قدرة كبيرة على التكيف والعيش في أي مكان تحط فيه الرحال، وعلمني احترام الثقافات المختلفة مع الحفاظ على الهوية العربية والإسلامية، والفخر والاعتزاز بالوطن الذي أنتمي إليه.
لقد أدركت منذ الصغر أني أعيش في عالم مترابط الأطراف، وأن ما يقرّب بين الشعوب العربية والإسلامية والشعوب الأخرى يفوق كثيراً ما يباعد بينها، وأدركت أن تعلم اللغات الأجنبية هو الوسيلة المثلى لإقامة علاقات صداقة ومودة مع الآخرين، فاهتممت بتعلم وإتقان أكثر من لغة.
أنت ابنة القصيم... لكن بعضهم يفتقد اللكنة القصيمية في صوتك ألا تحنين إليها؟
- لكنة القصيميين واللكنات السعودية كافة لها جمال وعذوبة خاصة، وكم كنت أتمنى لو أني أتحدث بأي منها، لكنني أمضيت طفولتي بعيدة عن أرض الوطن ونطقت العربية وأنا خارج المملكة، وأتممت مراحل دراستي كافة في مدارس ومعاهد غير سعودية، وأحمد الله أن سنوات الغربة حرمتني اللهجة القصيمية وعوضتني إخلاصاً وحباً للوطن وحباً لأهله الكرام، ورغبة صادقة في خدمة مجتمعنا، واعتزازاً بانتمائي إلى القصيم.
مشوار الدراسات العليا هل لنا من مختصر عنه، وأية محطة كانت الأصعب عليك؟
- حصلت على ليسانس الآداب من قسم اللغة الإنكليزية - كلية البنات - جامعة عين شمس في القاهرة، وعلى الماجستير في الأدب الإنكليزي من جامعة ولاية بورتلاند في ولاية أوربنون في الولايات المتحدة، وعلى الدكتوراه من جامعة ولاية ميتشغن في الولايات المتحدة كذلك. وبفضل الله كنت متفوقة في جميع مراحل دراستي ولم أجد صعوبة في أي منها.
أول عميدة لكليات البنات
عندما عدت بالدكتوراه كيف استقبلتك كليات البنات؟ وهل وجدتِ أجواء مريحة للعمل؟
- استقبلتني الكليات بكل ترحاب. وأولى محطات عملي كانت كلية التربية للبنات في جدة، حيث أسندت إلي رئاسة قسم اللغة الإنكليزية.
كانت الكلية في عامها الأول وكنت أضع قدمي للمرة الأولى على طريق العمل. أحبتني الكلية وأحببتها، أعطتني فرصة الإسهام بصورة حقيقية في تأسيس القسم الذي ترأسته، فلم أدخر وسعاً في إرساء قواعده، ولما كان فارق العمر في ذلك الحين بيني وبين الطالبات أقل مما بيني وبين زميلاتي من أعضاء هيئة التدريس، فقد نشأت بيني وبين طالباتي علاقات قوية استمر العديد منها حتى الآن. حرصت على رعايتهن رعاية الأخت الكبرى لأخواتها الأصغر سناً، حتى أن بعضهن كن يفضين لي بمشكلاتهن العائلية ويطلبن النصح أو المساعدة في حلها.
وكنت أحرص على زيارة القسم الداخلي - خصوصاً في أيام العطلة الأسبوعية - لأخفف عنهن الشعور بالغربة، فقد كنت أدرك من تجربتي الشخصية صعوبة البعد عن الأهل.
وكانت كلية التربية للبنات في الرياض محطة عملي التالية. فيها عشت بين زميلات عزيزات رحبن بقيادتي للكلية وتحملن معي مسؤوليات إدارتها، وسعدت بالإشراف على طالبات كن حريصات أشد الحرص على النهل من معين العلم والمعرفة.
قابلتني بعض المشكلات خلال رحلة عملي مع كليات التربية للبنات - لم يكن مصدرها الجنس الناعم، وكان ذلك أمراً طبيعياً - فقد كان الرجل في بداية تقبله مشاركة المرأة له تحمل المسؤوليات وخدمة المجتمع. وأحمد الله أن المرأة العاملة في يومنا هذا تلقى دعماً وتشجيعاً من أخيها الرجل، الذي أصبح يفخر بعطائها ويردد قول الرسول الكريم عليه أفضل الصلوات والتسليم:"النساء شقائق الرجال". و?"رفقاً بالقوارير".
أنتِ أول عميدة للكليات الأدبية والعلمية في المملكة، فهل تطربين لهذا الإنجاز؟ وماذا بقي في الذاكرة من تلك الأيام؟
- لم تكن عمادتي لكلية التربية للبنات في الرياض إنجازاً بقدر ما كانت تكليفاً أعتز به. أما الذكريات فهي جزء مهم من حياة الإنسان لا يمحوها الزمان أو المكان. أتذكر حفلات التخرج وسعادتي الفائقة وأنا أقدم للوطن دفعات من الخريجات، كنت واثقة بأنهن سيشاركن بجد وإخلاص في خدمة المجتمع السعودي.
وأتذكر جلسات مجلس الكلية وما كان يدور فيها من نقاش، وأتذكر المحادثات الهاتفية بيني وبين زملاء رجال في إدارة الكليات في الرئاسة العامة لتعليم البنات، وإصراري على أن يكون لي وللكلية مشاركة حقيقية في اتخاذ قرارات متعلقة بالأمور الإدارية وسير الدراسة.
كيف استقبل المجتمع اللندني امرأة سعودية تقود صرحاً تعليمياً؟
- استقبلني المجتمع اللندني - وكذلك الوسط العربي والإسلامي المقيم في لندن - بترحاب لا يخلو من الدهشة والتشكك في قدرتي على قيادة الأكاديمية. فقد كان الجميع يتوقع أن تسند إدارة أكاديمية الملك فهد لرجل. ثم إن الفكرة السائدة عن المملكة العربية السعودية هي أن المرأة فيها مواطنة من الدرجة الثانية، وبحمد الله وفضله، ثم بالتشجيع الذي حصلت عليه من المسؤولين، استطعت أن أصحح هذه الصورة إلى حد كبير، وأن أثبت أن المرأة السعودية لا تقل قدرة عن الرجل في العطاء وتحمل المسؤوليات.
وأحمد الله عز وجل على أن النجاح الذي حققته الأكاديمية خلال سنوات قيادتي لها فتح المجال لغيري من السعوديات لإدارة مدارس سعودية خارج الوطن.
وقد سمعت أخيراً أن إدارة أكاديمية الملك فهد في لندن أُسندت لمواطنة سعودية، فأثلج هذا الخبر صدري، وإنني أدعو لها بالتوفيق في تحمل مسؤولية أدرك أهميتها وصعوبتها.
القصيبي والشائعات عني!
على رغم نجاحاتك في الأكاديمية إلا أنك خرجتِ منها... هل صحيح أن الدكتور القصيبي له دور في ذلك؟
- إشاعات كثيرة انطلقت بعد مغادرتي أكاديمية الملك فهد في لندن، وكثيرون حاولوا معرفة سبب تركي مؤسسة تعليمية شاهدت مولدها وتوليت إداراتها عقداً من الزمن، وحققت نجاحاً أسعد الجاليات العربية والإسلامية في لندن، فارتبط اسمي بها. وما دامت الرغبة في معرفة السبب مستمرة فإني أنتهز هذه الفرصة فأذكر أن القرار كان قراري الشخصي، اتخذته بعد أن تأكدت أن الوقت حان ليمضي بي قطار العمل إلى محطة أخرى، وكذلك لأني كنت أفضّل الاحتفاظ بالدكتور غازي القصيبي أخاً على الاحتفاظ به رئيساً، فأنا أقدره وأحترمه وأعجب بشعره ونثره وبحضور بداهته.
لا أنكر أنه كانت لنا آراء متباينة ووجهات نظر مختلفة حول بعض القضايا المتعلقة بالنواحي الإدارية والدراسية، على رغم اتفاقنا التام على الأهداف التي وضعناها نصب أعيننا.
والاختلاف لا يفسد للود قضية، لأنه ظاهرة صحية ودليل قوي على الإخلاص في إعمال الفكر والعقل، والرغبة الصادقة في تحمل المسؤوليات على الوجه الأكمل.v
ما الفرق بين الشيخ ناصر المنقور والقصيبي في التعامل معك؟
- كان الشيخ ناصر المنقور أباً للأكاديمية وأسرتها الكبيرة، كنا نحترمه ونقدر حكمته وتواضعه ومعاملته الكريمة مع كل فرد منا. وقد شجعني ذلك على اللجوء إليه طالبة النصح والمشورة كلما قابلتني مشكلة استعصى عليّ حلها. كان يعطي النصيحة ويعطي التوجيهات ولا يصدر الأوامر. كان يرحب بالنقاش ويفسح المجال لتبادل الآراء. وخلال سنوات عملي تحت رئاسته نادراً ما تسلمت منه معاملة تحمل قراراً نهائياً. بل معظم المعاملات التي تصلني عن طريق مكتبه وتتعلق بأمر يستدعي اتخاذ قرار، تحمل تأشيرته المعروفة"للتفاهم.. ناصر"مدونة بخط يده.
لا أتذكر أنه غضب يوماً أو جرح أحداً من أسرة الأكاديمية بكلمة قاسية، وكانت له طريقة خاصة في نقد ما لا يرضى عنه، فعلى سبيل المثال كان يقول:"أنتم في مكانة أبنائي، ربما من المناسب معالجة الموضوع باتخاذ الإجراءات التالية..."ثم ينهي توجيهاته بقوله:"على كل حال الرأي للأكاديمية في هذا الشأن". وكانت اقتراحاته وتوجيهاته بمثابة قرارات نحرص كل الحرص على تطبيقها.
وقد يعجب البعض إذا عرف أنه خلال سنوات عملي تحت رئاسة الشيخ المنقور لم أسمع منه كلمة ثناء، ومع ذلك كنت أشعر دائماً بتقديره لجهودي وجهود زملائي، وكنت أعلم من المجتمع الخارجي أنه يقدر إخلاصنا، وكان يدفعنا ذلك لمضاعفة الجهد والتفاني في خدمة الأكاديمية. كان فخوراً بالأكاديمية وحريصاً على كسب دعم المسؤولين لها.
وعندما سمعت من مصدر رسمي أن الشيخ المنقور على وشك ترك موقعه انزعجت انزعاجاً كبيراً، وخشيت على مستقبل الأكاديمية وتجرأت على سؤاله إن كان الخبر صحيحاً، فأكده لي وطمأنني قائلاً:"أنا مطمئن على الأكاديمية فالذي سيحل محلي هو الدكتور غازي القصيبي... تربوي قدير وإداري معروف، وكلي ثقة بأنه سيسهم إسهاماً كبيراً في دفع الأكاديمية إلى الأمام، وسيقدر جهودكم الكبيرة وعملكم المخلص".
وقبل مغادرته لندن بأسبوع وصلتني منه رسالة سرية سلمتها لي السكرتيرة. فلما فتحتها واطلعت على فحواها ترقرقت عيناي بالدموع، فقالت لي السكرتيرة:"عسى خير". فطلبت منها قراءتها.
إنها شهادة فخر أعتز بها كل الاعتزاز، ففيها شكرني الشيخ المنقور للمرة الأولى وامتدح الجهود التي بذلتها في خدمة الأكاديمية، ونسب كل نجاحاتها للعمل المخلص الذي قمت به، والغريب في الأمر أنه لم يشر بكلمة واحدة للدور الكبير الذي قام به هو في تأسيس هذا الصرح العلمي، وتشجيعه المستمر لي ولزملائي الذي كان له أكبر الأثر في نفوسنا، والذي دفعنا إلى بذل كل ما في وسعنا لجعل الأكاديمية منارة علم وثقافة يفخر بها كل سعودي وكل عربي وكل مسلم!!
أما الدكتور غازي فقد عرفته من الصحافة والإعلام قبل أن أسعد بلقائه شخصياً، وكنت دائماً من المعجبات بجهوده الإصلاحية خلال رئاسته لوزارة الصحة. وأحمد الله الذي قدر لي العمل تحت رئاسته، فقد كان مدرسة تعلمت منها الكثير ومررت فيها بتجارب فريدة، أثرت خبراتي العملية وضاعفت من قدرتي على تحمل المسؤوليات ومواجهة التحديات.
وطبيعي أن تختلف شخصية الدكتور القصيبي عن الشيخ المنقور، وقد يكون مرجع الاختلاف أن الدكتور القصيبي شاعر مرموق وكاتب موهوب ومتحدث يفرض حضوره على كل مجلس يوجد فيه، لذا فهو يعبّر عما يدور في خاطره بكل صراحة، فلا يتردد في نقد ما لا يعجبه أو لوم من لا يرضى عن عمله.
لقد اعتبرت الدكتور القصيبي أخاً كبيراً من اللحظة الأولى التي التقيت فيها به، ولاشك في أنه اعتبرني الأخت الصغرى التي تقل عنه خبرة في الحياة والتجارب والخبرة العملية والإدارية.
ومما كان يدخل السرور على نفسي ويؤكد لي صدق الأخوة بيننا، أنه كان يناديني باسمي ويحذف لقبي العلمي، في الوقت الذي كنت أسمعه ينادي الآخرين عادة بألقابهم العلمية.
وقد كان للدكتور القصيبي دور مشكور في إقامة المزيد من جسور التواصل بين الأكاديمية والمجتمع البريطاني، فقد كان ينتهز حفلات التخرج ليدعو شخصيات بريطانية مرموقة لرعايتها، وقد كان من بينهم السيدة مارجريت ثاتشر على سبيل المثال.
أنا أول خليجية في"اليونيسكو"
لماذا بعد الأكاديمية انتقلتِ ل?"اليونيسكو"ولم تعودي للمملكة؟
- أعلم علم اليقين أن المملكة تذخر والحمد لله بعدد كبير من المواطنات المؤهلات تأهيلاً عالياً، المثقفات ثقافة واسعة، المتخصصات في المجالات كافة التي سمح للمرأة بالعمل فيها، والقادرات على أداء ما قد يسند إلي من عمل في الداخل، لذا شعرت بأنني استطيع أن أخدم الوطن بشكل أفضل خارج الوطن، ولذا كان من الطبيعي أن تتجه أنظاري نحو أكبر منظمة للتربية والثقافة.
والجدير بالذكر أنه قبل التحاقي ب?"اليونيسكو"لم يكن بين موظفيها أي مواطن أو مواطنة من دول مجلس التعاون.
كنت أدرك أن المملكة العربية السعودية من الدول المؤسسة ل?"اليونسكو"، فهي من أوائل الدول التي وقعت على ميثاقها وانضمت لعضويتها، وكان ذلك عام 1946. ولما كنت واثقة من أن إتقاني اللغتين الإنكليزية والفرنسية، وما أحمله من مؤهلات علمية وخبرات طويلة في مجال التربية والتعليم، تؤهلني لشغل وظيفة متقدمة في"اليونيسكو"، استخرت الله تعالى واتصلت بالدكتور محمد الرشيد وزير المعارف - آنذاك - وطلبت منه مساعدتي بترشيحي لوظيفة شاغرة في المنظمة، فوجدت منه وكذلك من وكيل الوزارة للشؤون الثقافية الدكتور إبراهيم الشدي كل دعم وكل ترحيب.
كنت أعلم أن الترشيح لا يعني بالضرورة النجاح في الحصول على مكان مناسب داخل"اليونيسكو"، فالتنافس على الوظائف الدولية شديد، وأحمد الله الذي حقق لي ما أردت ووفقني إلى خوض تجربة تعلمت وأتعلم منها الكثير، وكلي أمل بألا تكون الخبرات التي حصلت عليها مقصورة علي شخصياً، بل أتمنى أن تتاح لي فرصة أفيد بها غيري، بعد أن يمضي بي القطار إلى محطة أخرى.
هل وجدتِ نفسك في المنظمات الدولية؟
- من خلال العمل مع"اليونيسكو"عرفت الكثير مما كنت أجهل عن المنظمات الدولية وعملها في الداخل والخارج، وأتيحت لي فرص عدة للمشاركة في خدمة المجتمع الدولي، وإقامة علاقات عمل مع خبراء من دول مختلفة ومؤسسات حكومية وغير حكومية ومنظمات دولية وإقليمية، ما أثرى معرفتي بالثقافات العالمية، وكلها مكاسب لا يستهان بها.
هل تشعرين بالراحة في عملك في"اليونيسكو"، أم أنك لم تجدي المناخ الذي يساعدك على الانطلاق؟
- عندما يكون المرء داخل دوامة العمل يصعب عليه تقويم سعادته، وعليه فإنني آمل بطرح السؤال نفسه علي بعد أن يمضي بي قطار العمل إلى محطة أخرى.
علماً بأن هدفي من الالتحاق ب?"اليونيسكو"لم يكن أبداً إيجاد مناخ يساعدني على الانطلاق، بل كنت أبحث عن فرصة تتيح لي إثراء تجاربي العملية، وتزيد معرفتي بالعالم الكبير الذي أعيش فيه.
هل هناك صراعات وتكتلات داخل"اليونيسكو"؟
- تتكون المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والمنظمات الدولية وغير الدولية من مجموعات بشرية. والإنسان هو الإنسان في كل مكان وكل زمان، يشعر بالقرب ممن ينتمي إلى ثقافته ويتحدث لغته ويشاركه الآراء والأفكار ويشترك معه في الهوايات، ولذا فمن البدهي أن تظهر تكتلات وصراعات في المجتمعات التي تضم أفراداً من أجناس وثقافات مختلفة، حتى وإن حاولوا جاهدين الالتزام بالموضوعية والحياد التامين.
المرأة السعودية... والغرب
الغرب ينتقد المرأة السعودية... إلام تعزين ذلك؟
- اهتمام الغرب بالمرأة السعودية بدأ فقط منذ مطلع القرن الحالي، فالكتابات والمحاضرات التي تتحدث عن المرأة السعودية تقدمها للمجتمع العالمي وكأنها مخلوق تم اكتشافه أخيراً، بعد أن ظل مغموراً سنين طوالاً. وكثيرون ممن يجهلون أو يتجاهلون الثقافة الإسلامية والعربية يتحدثون عن سوء نظرة الرجل السعودي للمرأة، وحرمان المجتمع الإسلامي المرأة من حقوق كثيرة ينبغي أن تتمتع بها، والغريب في الأمر أن الغرب يحصل على معلوماته عن المرأة السعودية من مصادر غير علمية، ومن بعض النساء اللاتي يعشن في الغرب ممن لا يمثلن لا المرأة السعودية ولا المرأة المسلمة، وممن فقدن جذورهن التي تربطهن بأوطانهن، أو كانت لهن ظروف شخصية بحتة دفعت بهن لهذه المواقف.
وهناك عامل مهم أسهم في عدم معرفة الغرب بالمرأة السعودية، هو أن غالب النساء الحقيقيات اللاتي يمثلن ثقافة المرأة السعودية لم تصل بعد أصواتهن للغرب، وما زالت داخل المجتمع.
كيف تتفاعل المرأة السعودية مع القضايا حولها؟ وهل تؤمنين بالمشاركة السياسية للمرأة السعودية؟
- تتفاعل المرأة السعودية مع الأحداث كأية امرأة أخرى في العالم. إلا أننا نلاحظ أنها تركز اهتمامها أحياناً على قضايا هامشية بدلاً من القضايا الأكثر حيوية، مثل مكافحة التدخين والمخدرات والأمراض الاجتماعية والتصدي للمحاولات المغرضة التي تسعى لزرع بذور الفتن والتفرقة بين الرجل والمرأة، والتغرير بالشباب ومحاولة محو الهوية العربية والإسلامية وإضعاف اللغة العربية.
أما السياسة فلست من عشاقها، فعالم السياسة عالم غريب عجيب - خصوصاً في عهدنا الحالي - محفوف بالمخاطر ومليء بالألغام والأشواك، وعليه فإن في البعد عنه غنيمة.
عندما ترين طالباتك وقد تقلدن مناصب مختلفة هل تشعرين بالرضا؟ وهل ترينهنّ كما تتمنين؟
- لا يقدّر مدى سعادتي بتفوق بناتي وأبنائي خريجي كليات التربية للبنات في جدة والرياض وأكاديمية الملك فهد في لندن إلا من عمل ويعمل في سلك التعليم، إنني كالأم التي تشعر بفرحة وهي ترى أبناءها يخطون خطوات واثقة في الحياة. وما أتمناه حقاً أن يسير طموحهم للوصول إلى المناصب العليا، جنباً إلى جنب مع رغبة صادقة في خدمة المجتمع، واستعداد دائم للمشاركة في جمع شمل العرب والمسلمين، والقضاء على الفتن وهي لا تزال في المهد.
حماية التعليم الوطني
بعضهم يصر على أن التعليم في حاجة إلى استقلالية كاملة في الفكر والقرار، وأن هذا الشيء هو ما يفتقده تعليمنا؟
- ما يحتاجه التعليم هو البعد عن التعصب والتطرف والمبالغة، وحماية الفكر والقرار من تدخلات خارجية تهدف إلى التغيير لا التطوير، والهدم لا البناء، ومحو الهوية بدلاً من الحفاظ عليها، والتخلي عن الثوابت بدلاً من الإصلاح.
لذا فمن الضروري حماية التعليم الوطني من تربويين وخبراء مستوردين، يجهلون ثقافة مجتمعنا فيدعوننا إلى تبني مناهج وتطبيق سياسات تعليمية معمول بها في مجتمعات تختلف ثقافتها عن ثقافتنا.
وكما أنه من الخطأ التمسك بمناهج وسياسات تعليمية ثبت فشلها، فمن الخطأ أيضاً تطبيق كل ما هو مستورد من دون إدخال تعديلات لازمة عليه ليتناسب مع حاجات مجتمعنا.
ولا أحسب أن هناك مؤسسات تقاوم التطوير، بل تقاوم ما قد تفاجأ به ولم تشارك في صنعه.
إن عملية تطوير التعليم عملية معقدة، تتطلب دعم المجتمع لها من مؤسسات حكومية وغير حكومية، ورجال دين وآباء ومعلمين. وعندما تستدعي الحاجة إجراء عملية تطوير للتعليم فإن السبيل الأفضل هو إدارة حوار وطني حول التربية والتعليم، وسبل تطويرها، والأهداف التي يرجى تحقيقها. وللمملكة والحمد لله تجارب ناجحة في مجال الحوار الوطني.
11 سبتمبر كيف كان وقعه عليك؟
- أحداث 11 سبتمبر كانت كارثة على العالم بأسره، فقد نتج منها هدم العديد من الأسس التي أمضى الإنسان عقوداً في تشييدها، وحطم معاهدات وأفشل اتفاقات وأطاح بآمال وحطم أحلاماً، وأضعف صداقات وأظهر الوجه القبيح لبعض السياسات.
وقد كان العالم العربي والإسلامي الأكثر تضرراً من 11 سبتمبر، فقد أصبح مسرحاً لحروب شرسة لا تعرف الظالم من المظلوم، وصراعات طائفية لم يعرفها من قبل، قتل فيها مئات الآلاف من الأبرياء. هذا إضافة إلى أن بعض الحاقدين على العرب والمسلمين استغلوا هذا الحدث المروع للهجوم على الإسلام وتشويه الهوية العربية والإسلامية، حتى أصبح العربي المسلم متهماً في عيون الكثيرين من الغربيين، وتعرضت الجاليات العربية والإسلامية المقيمة في الغرب إلى التفرقة العنصرية في أماكن العمل والسكن ودور العبادة، وفي المطارات ومحطات القطارات، واتُهمت المدارس الإسلامية بأنها تخرج إرهابيين يهددون المصالح الغربية.
وفوق كل هذا وذاك، دفع الهجوم على الدين الإسلامي بعض المغرضين إلى تشويه تعاليم الإسلام والسخرية من رسولنا الكريم عليه أفضل الصلوات والتسليم. وعلى رغم ذلك فإنني آمل بأن يكون 11 سبتمبر ناقوساً خطراً يوقظ العرب والمسلمين من غفلة دامت طويلاً، فيسعون إلى تحويل مواطن الضعف لديهم إلى مواطن قوة، ويعملون على الحفاظ على ثروتهم البشرية وتنميتها، ممن يسعون إلى تحقيق غد مشرق للشباب العربي المسلم في الأوطان، حتى لا تكون الهجرة ملاذاً وملجأ لمن يحلم بعيش كريم وفرص للنجاح والتقدم.
عنيزة... جدة... الرياض... لندن... باريس، ماذا منحت ابتسام البسام وماذا أخذت منها؟
- منحتني أكثر بكثير مما أخذت مني عنيزة منحتني الجذور التي لابد منها لأي إنسان حتى ينطلق في فضاءات الثقافات المختلفة من حوله.
جدة والرياض منحتاني المهارات الأولى لحياتي الإدارية والعملية.
لندن منحتني إحساساً لا نظير له بالأمومة من خلال معايشتي لطلبتي وطالباتي، الذين أراهم من حولي بعد أن تخرجوا من الجامعات الراقية وهم يشاركون في بناء جسور الصداقة والتفاهم والمودة بين الشرق والغرب.
أما باريس فزادت من معرفتي بالثقافات العالمية وفهمي لها، وضاعفت من تقديري وإعجابي بالجمال المعماري والتراث القديم والأدب والفن الراقي.
جئت إلى أكاديمية الملك فهد لأن مصيرها الفشل!
وراء التحاقي بأكاديمية الملك فهد في لندن قصة قد لا يعرفها أحد.
في مطلع عام 1985 وهو العام الذي افتتحت فيه الأكاديمية، كنت في إجازة تفرغ علمي وكنت أجلس في كافتيريا جامعة لندن، حين سمعت مجموعة من العرب والأجانب يتحدثون عن عزم المملكة العربية السعودية على إنشاء مدرسة لأبناء الجالية السعودية والجاليات العربية والإسلامية.
لم يشك أحد منهم أني سعودية فعلق بعضهم بأن مشروعاً كهذا لابد من أن يكون مصيره الفشل، فخبرة المملكة في التعليم قصيرة وهي لا تزال تبتعث أعداداً كبيرة من أبنائها للدراسة في الخارج.
انزعجت من حديثهم ومع ذلك أخفيت مشاعري، وفي اليوم التالي اتصلت هاتفياً بالسفارة السعودية وطلبت موعداً لمقابلة السفير، وحصلت عليه بسهولة.
قابلت الشيخ ناصر المنقور - السفير السعودي في ذلك الوقت - وأخبرته أنني في إجازة تفرغ علمي تنتهي مدتها بعد بضعة أشهر، وسأسافر بعدها إلى البحرين للانضمام إلى هيئة التدريس في جامعة الخليج للإشراف على قسم الطالبات، وعرضت عليه أن أتطوع للمشاركة في الجهود التي تُبذل لإخراج المدرسة السعودية لحيز الوجود. فرحب بمشاركتي وضمني للجنة التي كانت شُكلت لاتخاذ الخطوات اللازمة لإخراج المشروع إلى النور في أسرع وقت ممكن، والتي كان يترأس جميع جلساتها.
وقبل افتتاح الأكاديمية بفترة وجيزة عرض علي الشيخ ناصر الإشراف على الأكاديمية فلم أتردد، أولاً: لأنني كنت مقتنعة تماماً بالمشروع وإمكانات نجاحه، وثانياً: لأني أعشق التحديات.
وثالثاً: لأني تأكدت أن الشيخ ناصر سيكون الرئيس الذي لا يبخل على مرؤوسه بالنصح والدعم والتشجيع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.