طرح باحث بدائل مقترحة عن الحبس، نافياً فكرة إلغائه مطلقاً، مثلما دعت إليه دراسات أخرى سبقته، خلال دراسة قام بها عن الإجراءات البديلة للحبس، وأشار إلى أن الأمر يرجع إلى اعتبارات عدة منها"ما يرجع إلى الجاني، ومنها ما يرجع إلى الجناية، ومنها يرجع إلى البيئة والمجتمع". وقال الباحث الدكتور محمد عبدالله ولد محمدن إن"الشريعة الإسلامية لا تهدف إلى العقاب، وإنما تهدف إلى الوقاية قبل حصول سبب العقاب، لذلك وضعت سياجاً قوياً يحول دون إيقاع العقوبة بالجاني من وسائل إثبات محددة، لها ضوابطها وشروطها الدقيقة، ووضعت قواعد أمام القضاء من شأنها أن تقلل من إيقاع العقوبة". وأوصى بالتنسيق بين أجهزة القضاء، والأجهزة الأخرى ذات العلاقة، مع إيجاد آليات تضمن نجاح ذلك التنسيق من توفير اللقاءات العلمية، وتنظيم الدورات التدريبية للجميع بحسب حاجاتهم. وأضاف أنه"يجب مراعاة وسائل نجاح البدائل المطروحة، لتكوين رأي عام لقبولها، والتدرج في تطبيقها، وإبراز مدى فاعليتها وتقبلها من المجتمع،"مع توفير القناعة التامة لدى القضاء بجدواها حتى يثقوا بها، كما تراعى فيها الفروق الفردية والاجتماعية والاقتصادية". ومن تلك البدائل التي قدمتها الدراسة نظام الإفراج الشرطي، ويهدف إلى الإفراج عمن حكم عليه بالحبس بعد انقضاء فترة من مدة العقوبة، لكن تقيد حريته بشروط والتزامات يخضع لها، فإن استطاع الوفاء بتلك الشروط، والالتزامات أفرج عنه نهائياً، وإن اخل بها أعيد إلى الحبس لاستكمال المدة المتبقية عليه. ويرى الباحث أن الإفراج الشرطي له اعتبارات عدة من أهمها"تشجيع المحكوم عليه على انتهاج السلوك القويم، والنظام واتباع التعليمات، وتنفيذ برامج المعاملة العقابية، ويعد وسيلة لخفض نفقات المؤسسات العقابية وتخفيف ازدحام السجون، ويعطي المحكوم الثقة بنفسه بعد نجاحه في تنفيذ الشروط والالتزامات، ما يزيد من فرص تعايشه مع المجتمع والابتعاد من مخالفة القانون". وتحدث الباحث عن البديل الثاني وهو نظام شبه الحرية، ويعني به إلحاق المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية بعمل خارج المؤسسة العقابية، بحيث يسمح له بمغادرة المؤسسة في صباح كل يوم وإلزامه بالعودة إليها كل مساء بعد انقضاء فترة العمل على أن يبيت في المؤسسة ويمضي فيها أيام العطلة. وبهذا النظام تقسم حياة المحكوم عليه اليومية إلى قسمين قسم يمضيه خارج المؤسسة العقابية، ويعيش من خلاله عيشة المواطن العادي وكأنه لم يحكم عليه بعقوبة، وقسم يمضيه داخل المؤسسة العقابية، ويخضع من خلاله إلى المعاملة العقابية نفسها التي يخضع لها سائر المسجونين، ويميز بمكان منعزل ومستقل، لعدم اختلاطه بالنزلاء الآخرين"ما قد يؤثر فيه سلباً". ويرى أن أبرز ما يميز هؤلاء النزلاء السماح لهم بارتداء ملابسهم العادية"كي لا يتعرف الناس عليهم أثناء مغادرتهم المؤسسة"، ويسمح لهم بحمل النقود التي يحتاجونها في حالة الخروج من السجن. وتحدث عن البديل الثالث وهو ما أطلق عليه"الإدانة وتأجيل الحكم"، ويعرف أيضاً بوقف تنفيذ الحكم مع المراقبة، وعملت به سلطات قضائية غربية وعربية، ويقضي هذا النظام بإدانة المتهم ولكن بوقف تنفيذ الحكم، ويوضع المتهم تحت المراقبة لمدة محددة وتزيد فترة المراقبة وتنقص بحجم الجريمة، وإذا ارتكب المدان جريمة أخرى أثناء تلك الفترة ينفذ عليه الحكم. ومن الإجراءات البديلة عن الحبس أيضاً المنع من السفر والإقامة الجبرية"وهو إجراء تحفظي يقصد به منع شخص من مغادرة البلد الذي تعينه السلطة المختصة، حتى يتم البت في موضوعه، أو تمضي المدة المحددة للمنع من السفر". وطرح ولد محمدن إجراءات بديلة مادية للحبس، ومنها"الغرامة المالية التي يقدرها الولي أو من ينيبه، ويلزم الجاني بأدائه من ماله بعد الحكم يدفع لمستحقه، سواء كان فرداً من الأفراد أو بيت المال". وأثبت هذا البديل جدواه في الدول التي طبقته كما في تركيا التي استبدلت عقوبة الغرامة النقدية بالسجن دون الشهر، وفي لبنان تترك الحرية للقاضي لاختيار العقوبة المناسبة، سواء كانت حبساً وغرامة معاً، أو كانت بإحدى العقوبتين فقط. وتحدث الباحث عن البديل المادي الآخر وهو المصادرة والإتلاف، والأول إجراء يتم به نقل ملكية مال أو غيره لصلته بالجريمة من ذمة صاحبه قهراً من دون مقابل إلى ذمة الدولة. ويعتبر الإتلاف من قبيل المصادرة"لأن من الأشياء التي تصادر ما قد يكون مآله الإتلاف كالمواد المخدرة، والمواد الفاسدة التي لا يمكن أن تستعمل ونحو ذلك". وأشار الباحث إلى بدائل نفسية مثل النصح والتوبيخ والتهديد، والهجر والتشهير"ولكل زمان ما يناسبه وما يتوافر فيه من وسائل، والذي يظهر أن كل وسيلة تحقق التشهير يجوز الأخذ بها، وأن كل ما يحدث قديماً من طرق مثل إركاب الجاني على دابة بطريقة مقلوبة والطواف به، والمناداة بين الناس بفعله إنما كان الهدف منه إيصال الخبر إلى أكبر عدد ممكن من ذلك المجتمع، ولا شك أن تطور الوسائل في هذا العصر ولاسيما الوسائل الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية تفي بهذا الغرض. ويرى الباحث ان من أهم ضوابط هذه البدائل اتفاق البدائل التي يراد تطبيقها مع حقوق الإنسان الأساسية"بحيث لا تلحق ضرراً جسمياً في مكانته في المجتمع"، مع اتخاذ البدائل من مرجع قضائي تظل تحت رقابته، من أجل إعادة النظر فيها عند الحاجة ووقفها إذا تحققت الغاية منها أو إبدالها بالحبس إذا تبين أنها غير مجدية. واشترط ولد محمدن موافقة المحكوم عليه على إخضاعه للبديل"لاسيما إذا كان البديل عملاً لمصلحة المجتمع ونحو ذلك، إذ لا يمكن الأداء الصحيح للعمل إذا لم يكن الشخص موافقاً عليه ابتداء"، ويشير إلى وجوب اعتبار الظروف الشخصية والاجتماعية بالنسبة للمحكوم عليه، واعتبار ظروف الجريمة،"كي يكون البديل متناسباً مع حجم الجريمة".