بإعلان وزارة العمل تأجيل تطبيق القرار القاضي بقصر العمل في محال بيع المستلزمات النسائية الداخلية على المرأة السعودية، وهو القرار التنفيذي لقرار صادر عن مجلس الوزراء بإيجاد فرص عمل جديدة للمرأة السعودية، وهو أيضاً قرار أعلنت الوزارة عزمها على تطبيقه منذ أكثر من عام، ووضعت جداول زمنية معلنة يعرفها الجميع، فإن التأجيل إنما يمثل تراجعاً عن تطبيق قرار مهم في الإصلاح المجتمعي. لكن هل هذا التراجع تحت ضغط قوى فاعلة في المجتمع السعودي؟ ماذا لو حاولنا وضع تبريرات أخرى؟! سبق الإشارة إلى أن خطة التنفيذ معلنة منذ مدة طويلة، ولكن هوجة وحدة الاعتراض لم تظهر إلا في الشهر الأخير من المهلة المحددة وتوجهات من قادها معروفة! قرار التأجيل لم يفاجئ حتى أكثر المتفائلين بجدية برامج الإصلاح على مستوى وزارة العمل وإن خلف الكثير من الإحباطات لديهم. لكننا نعرف بشكل لا لبس فيه أن الحكومة أعلنت في مناسبات عده أنها ستأخذ جانب الحياد في موضوع الإصلاحات المجتمعية المفصلية والمتعلقة بالذات بشؤون المرأة وشجونها. إذاً الكرة في مرمى المجتمع في قرارات مثل قيادة المرأة السيارة أو توسيع مجالات عملها، وإنما يتم إذا ما كان برغبة المجتمع وقبوله. وأنا وإن كنت أختلف مع هذا التصور من حيث المبدأ، كوني أعتقد أن الحكومات في المجتمعات والشعوب النامية هي الملزمة باتخاذ القرارات الصائبة ووضع الأسس والقوانين المنظمة لها وتفعيل تنفيذها، آخذة في الاعتبار حرية المجتمع وأفراده في الخيار المطروح، إلا أنني أيضاً ملزم بأن أقبل بهذا التصور الحيادي فكرياً، على الأقل في ما إذا كانت هناك وسائل قياس فعلية ومحددة، نستطيع أن نستشف منها مؤشرات توجهات المجتمع ورغباته حيال القرار المنوي اتخاذه. غير أن واقعنا السعودي وكما نعلم لا يملك هذه الوسائل المحايدة لقياس الرأي والتوجهات، وبالتالي فإن صاحب الصوت الصاخب والأعلى هو من يتسيد الساحة، ويعتبر ما يقوله ممثلاً لرأي الأغلبية، وهذا اعتبار وهمي، إذ لا يملك أحد صلاحية تمثيل الناس في ظل غياب التنظيمات المؤطرة لذلك. أغلبية مجتمعنا صامتة، وهي صامتة إما لجهل أو تجاهل أو خوف من الظهور في صف المعارضين ل"التقاليد"و"العادات". وعوداً إلى القرارات المتعلقة بوضع المرأة في مجتمعنا وهي بلا شك قرارات تاريخية مفصلية يترتب عليها نتائج بالغة الأهمية في مسيرة التقدم والإصلاح، فإننا غالباً ما نجد أن الاعتراضات عليها تأتي دوماً من فئة معروفة، وهي منظمة ومتكاتفة، وتملك السبل والوسائل للتعبير والتضامن في الفعل وتبعاته، ولها قدرة على العمل الطويل في سبيل الدفاع عن رؤاها. ونحن لا نستطيع ولا نقبل أن نلغيها أو نلغي آراءها وأفكارها، طالما هي تمثل شريحة من المواطنين الأصيلين في الوطن، لهم كل الحقوق وعليهم كل الواجبات كغيرهم من الشرائح الأخرى، إلا أننا لا نستطيع أيضاً أن نقبل أنها الفئة الوحيدة الممثلة لرأي المجتمع، لمجرد أنها الأكثر صخباً وضجيجاً والأكثر تنظيماً والمالكة للوسائل والأيدولوجيا، ما لم يكن ذلك مدعماً بأرقام وحسابات دقيقة. وكثيراً ما نلاحظ أن صوت التيار المحافظ المشار إليه يعلو كثيراً في أجزاء معينة من الوطن ويخفت في أجزاء أخرى. وعليه فإن الوسيلة الوحيدة المقنعة للخروج من هذا المأزق هي في اللجوء إلى وسيلة قياس حضارية ومعتبرة، وهي المتمثلة في الاستفتاء. ولأن مجتمعنا هو في الحقيقة عبارة عن مجتمعات عدة تبعاً لثقافة وتاريخ ومعتقدات كل إقليم أو منطقة من مناطق المملكة، فإن هذا الاستفتاء يجب أن يعكس الرأي والتوجه الحقيقي لكل منطقة على حدة حتى نتلافى طغيان كثافة سكان وتوجهات مجتمع منطقة على المناطق الأخرى. بصورة أخرى، أرى أن تطرح أي قضية تتعلق مثلاً بشؤون المرأة كقيادة السيارة ومجالات العمل للاستفتاء في كل منطقة وحدها، مع الأخذ في الاعتبار أننا نتحدث عن مجالات ومواضيع لا تتناقض ولا تمس أياً من الثوابت الدينية أو السياسية للوطن، وبعد ذلك نرى توجهات الناس في كل منطقة، فإذا كانت الأغلبية مع القرار فلينفذ في منطقتهم فقط، ويحظر في المناطق الأخرى التي رفضت أغلبيتها القرار. من هنا يمكن أن نحقق عدالة أوسع واحترام يتماشى مع متطلبات وحاجات الناس بحسب ما يرونه في كل منطقة. أما طرق ووسائل تحقيق هذا استفتاء فلا أعتقد أن العقل يعجز عن ذلك، ولدينا مجالس المناطق شبه معطلة، بحيث يمكن تسخيرها لنشاط كهذا، كما أن ذلك يمكن أن يفتح لها النافذة لطرق أكثر فاعلية في إدارة شؤون المناطق وحكمها المحلي لمجالات أخرى بما يمنحها صلاحيات أوسع. إن الاستفتاء المناطقي الذي أدعو إليه يمكن أيضاً أن نستعين فيه بخبرات المنظمات الدولية المتخصصة والمهتمة في هذا المجال، وهي فرصة أن نريهم مدى النزاهة والالتزام، كما أن النتائج ستكون خير مجيب لما يبثونه دائماً من تخرصات تجاه بلدنا ومجتمعنا حيال قضايا المرأة وغيرها، بحيث لا يكون هناك مجال لأي لبس حول توجهات الحكومة وتوجهات المجتمع. * كاتب سعودي