نحن حقاً في مفترق طرق، وفي مفصل تاريخي مهم! وبما أن الأمور مرتبطة ببعضها البعض، سواءً التعليم الأساسي أو الجامعي أو العالي، وسواءً البنوك والصناعات والتجارة ومؤسسات الدولة، وعموم الناس والجهات الأمنية والعسكرية وكل أجهزة الدولة، فلا يمكن تصور أي جزء بمعزل عن بقية الأجزاء الأخرى، لأنها سلسلة مترابطة، ومن ترابطها المتكامل ينشأ الكيان العظيم، وإلا يكون الفشل والخلخل وضياع المجهود والوقت والثروة! وجزى الله مليكنا المفدى خيراً في توجهه العظيم لإزالة الفقر بكل صوره، وحتى لا يذهب مجهود المليك سدىً، على الجميع أن يقف معه وقفة رجل واحد، فهناك مثل ياباني يقول:"لا تعطي الفقير كل يوم سمكة ليأكلها، بل علمه الصيد"، حتى يعول نفسه بنفسه، وكذلك التوجيه النبوي الشريف للمحتاج:"خذ فأساً واحتطب"، وعلى الجهات المعنية الانتباه الشديد المنفتح الواعي على حقيقة أن ثروة الناس تشفط شفطاً عن طريق العمالة الوافدة غير المدربة، والعمالة السائبة والعمالة المتخلفة، والعمالة غير النظامية، فكل هؤلاء يقومون بأعمال رديئة جداً في كل الحرف والمهن الصناعية، لأنهم لا يحملون رخصاً فنية مهنية حرفية، ففي أوروبا لا يستطيع أي عامل، سواء كان سباكاً أو كهربائياً أو مصلح مكيفات أو مبلطاً أو مليساً أو سمكرياً... إلخ، أن يباشر عمله إلا بإبراز وتعليق رخصة مزاولة المهنة والمعلقة على صدره جيبه، بحيث لو مر المفتش يستطيع وبلمحة ملاحظة الرخصة وصورة العامل عليها، ويتأكد من مطابقتها للحقيقة، وإذا ظهر أي عيب في تشطيبه للعمل، ما على صاحب العمل إلا الاتصال لمراجعة مكتب الإشراف الأهلي التابع للبلدية برقم العامل التسلسلي، حتى يعود العامل فوراً لإصلاحه، ولا يذهب إلا بأخذ توقيع صاحب العمل بتمام العمل، وهكذا لن تقع كوارث الحريق أو التسرب المائي، أو انهيار المباني أو قصر العمر الافتراض للمبنى الذي تكلف الملايين! فإذا كان المواطن هنا يستعيب العمل في البناء والتشطيب، فعلى الأقل نوظفه في المكاتب الإشرافية شبه الرسمية لإصدار رخص للعمل بمختلف حرفهم ومهنهم، وذلك بإحضار شهادة تدريب من جهة تدريبية تقوم بتقويم جميع الحرف والمهن بالاختبار، وإذا فشل، فبالتعليم، حتى يتسلم الرخصة ثم يتوجه بها لمكاتب الإشراف ويستصدر الرخصة، ويكون عمله في محيط الدائرة المحددة له ولا ينتقل إلى دائرة أخرى إلا بموافقة مرجعه الإشرافي وهكذا، ومع اتساع إدارات الإشراف والتدريب، سيتم توظيف آلاف الشباب، وسيتم السيطرة على الوافدين من جميع الجوانب، سواء الجوازات أو الأمن، وغيرهما، مع توظيف الإعلام لتشجيع الشباب على تعلم مختلف الحرف والمهن ومزاولتها في أوقات الفراغ ولو بشكل اتفاق جزئي مع الشركات والمقاولات، فليس عيباً أن يرفع الشاب مستوى دخله بعمله سائقاً للشيول أو الجريدر أو الحفارات بدل الوافد، ولا عيب لو تعلم البناء والتلييس والتشطيب والسمكرة والبون والميكانيكا، وكلها مهن حرة تقوم عليها الأوطان.