ملتقى الأعمال السعودي الإسباني يعزز التطوير العقاري    النفط يقلص خسائره بارتفاع جديد    إعادة الحركة المرورية لشارع ب"عزيزية مكة"    الأرصاد: ارتفاع الموج متر ونصف بالبحر الأحمر    تعليم عسير ينفذ مبادرة ملفى أجاويد استهدفت 540 من طلبة المنح الدوليين وأُسرهم:    "فنّ العمارة" شاهد على التطوُّر الحضاري بالباحة    الضويان تُجسّد مسيرة المرأة السعودية ب"بينالي البندقية"    مكتب التعليم بالسلي يعايد منسوبيه    وزارة الداخلية تعلن بداية من اليوم الخميس تطبيق تخفيض سداد غرامات المخالفات المرورية المتراكمة بنسبة 50%    الأمطار تزيد من خطر دخول المستشفى بسبب الربو بنسبة 11%    «نيوم» تستعرض فرص الاستثمار أمام 500 من قادة الأعمال    آل الشيخ: العلاقات السعودية - الأردنية متقدمة في شتى المجالات    منسقة الشؤون الإنسانية في السودان تثمِّن الدور السعودي    «العدل»: «تراضي» تنهي 7,700 قضية تجارية.. صلحاً    الأزرق.. في العين يغرق    أمير الباحة: القيادة حريصة على تنفيذ مشروعات ترفع مستوى الخدمات    «الضنك» يجتاح دولاً جديدة في العالم.. و5 % من الحالات خطيرة    تحت رعاية خادم الحرمين.. المملكة تستضيف اجتماعات مجموعة البنك الإسلامي    المملكة في قائمة أوائل دول العالم في تطوير إستراتيجية الذكاء الاصطناعي    5 فوائد مذهلة لبذور البطيخ    نضج الأيام.. نضارة خِلْقَة.. طهارة مُهْجَة    قطبا القصيم والشرقية وجهاً لوجه.. والشباب يصطدم بأبها    أسرة الهجري تحتفل بعقد قران مبارك    أسرتا الطويل والجربوع تتلقيان التعازي في وفاة والدتهما    في إياب ربع نهائي يوروبا ليغ.. ليفربول لتفادي الخروج.. وقمة إيطالية بين روما وميلان    بالتعاون مع بنك التصدير و«كفالة».. «السعودي الأول» يدعم صادرات «الصغيرة والمتوسطة»    10 آلاف امرأة ضحية قصف الاحتلال لغزة    «واتساب» تضيف فلاتر الدردشة    خادم الحرمين يرعى مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم    برامج ثقافية وترفيهية    محافظ جدة يطلع على خطط "الثقافة والفنون"    روبوتات لنسيان الأحزان وآلام الفقد    السديس يكرم مدير عام "الإخبارية"    9.4 تريليونات ريال تقديرات ثروته.. السعودية ..قفزات استثمارية كبرى في قطاع التعدين    محافظ جدة يشيد بالخطط الأمنية    التسجيل في «X» بمقابل مالي للجدد !    ماكرون: على الاتحاد الأوروبي توسيع العقوبات على إيران    امرأة تصطحب جثة على كرسي متحرك إلى بنك بالبرازيل    تراثنا.. مرآة حضارتنا    حكم قضائي يلزم يوفنتوس بدفع 10 ملايين يورو لرونالدو    ريال مدريد يقصي مانشستر سيتي ويتأهل لنصف نهائي أبطال أوروبا    أمير منطقة الرياض يرعى الحفل الختامي لمبادرة "أخذ الفتوى من مصادرها المعتمدة"    مدرب النصر "كاسترو" يتعرّض لوعكة صحية تغيّبه عن الإشراف على الفريق    تعزيز العلاقات الثنائية وتعزيز فرص التعاون بين المملكة وأرمينيا    أمريكا أكثر حيرة من ذي قبل !    تآخي مقاصد الشريعة مع الواقع !    شقة الزوجية !    ما ذنب الأهلي يا هلاليون؟    الخليج يتوّج بلقب كأس اتحاد الطائرة    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على محمد بن معمر    نائب أمير الشرقية يستقبل رئيس جامعة حفر الباطن    سمو أمير منطقة الباحة يلتقى المسؤولين والأهالي خلال جلسته الأسبوعية    جهود القيادة سهّلت للمعتمرين أداء مناسكهم    5 علامات تخبر أن الكبد لديه مشكلة    نظرية جديدة عن مشاعر السعادة بالأغاني الحزينة    .. و يستقبل العلماء والمشايخ    أمير الجوف يؤكد على تعزيز دور المجتمع في مسيرة التنمية    «طب العيون» بمجمع الدكتور سليمان الحبيب بالعليا يحصل على شهادة SRC الأمريكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طرابلس ما زالت تلعق جراحها
نشر في الحياة يوم 08 - 09 - 2013

منذ اسبوعين بالكاد، رُوِّعت طرابلس، وهي المدينة التي يحلو للبيانات الرسمية اللبنانية نعتها بالعاصمة الثانية. أغرقت في دماء أبنائها في وقت صلاة الجمعة، بل وتحديداً، لحظة خروج المصلّين من جامعين استهدفتهما سيارتان مفخختان بشكل قصد اكبر قدر ممكن من الإيذاء. سقط ما يربو على خمسين قتيلاً ومئات الجرحى. حتى الآن، الأمر"عادي"ويمكن أن يحدث في أي مكان من العالم، والحيلة لدرئه ضعيفة.
بعد تلك اللحظة المروِّعة، يتوقف أي شيء عادي، وندخل في سجل ما هو مذهل: بعد الانفجارين المهولين، أسعف الناس بعضهم بعضاً، مَنْ جراحه أقل ساعد أصحاب الاصابات البليغة، ومَنْ أمكنه نقل جريح بسيارته المدنية فعل ولم يتأخر، بينما كان الناس يحاولون اطفاء الحرائق بالأدوات المنزلية المتوافرة. ذلك أن لا سيارات اسعاف كافية في طرابلس، وهي عموماً تابعة لمستشفيات خاصة او لجمعيات قليلة، على رأسها الصليب الاحمر، وهو الاكثر فعالية. ولا سيارات لإطفاء الحرائق ربما كانت هناك شبه سيارة إطفاء عرجاء واحدة تابعة للبلدية. لملم الناس الأشلاء بأيديهم العارية، حتى يقال انه وُضعت أشلاء مختلَطة في كيس واحد، أي لأشخاص مختلفين. فقد هرع الناس الطيبون متطوعين للمهمة، بعدما تأخر حضور المختصين كثيراً، وتأخرت قوى الأمن أكثر. مضت ساعتان أو ثلاث، والناس متروكون لشأنهم، يتدبرون الامر كما يمكنهم، وسط هرج ومرج لكان سواهما مستغرَباً.
حسناً، يقول المرء لنفسه، لا يمكن بلحظة تدارك عقود من الاهمال الرسمي للمدينة، بل والتخلي بالمعنى الحرفي للكلمة. والتفجيران كشفا فداحة الوضع فحسب. ولكن، وبعد ايام قليلة من انشغال الإعلام بطرابلس، وبؤسها، وغراباتها الايكزوتيكية ومنها مجموعاتها السلفية، وبعد بضعة اجتماعات سياسية وأخرى رسمية حول طرابلس ومن أجلها... عاد كل شيء الى سالف عهده. تُركت طرابلس تلعق جراحها. نُسي الامر.
يقال إن الصدمات مفيدة أحياناً. ولعل ما جرى أعاد الى الواجهة تلك الطيبة الطرابلسية المشهورة، وميل أهل المدينة الى التآلف والتراحم واستعدادهم للهفة والنخوة، وهي ما زالت هنا، رغم كل شيء - رغم البؤس، حيث أكثر من نصف سكان المدينة تحت خط الفقر، ورغم الاهمال الذي يولد الضغائن - ما زالت هناك قيم تُذكر ويُعتد بها في تقويم الناس. هناك قصص تُروى في هذا المجال، وكلها جميلة. فقد كشف هول ما جرى أن مصلحة الاهالي العميقة هي في تلاحمهم واهتمامهم بالشأن العام، والخروج من حالة السبات التي كانت طاغية، وهي أشبه بسكون يائس. ومن ذلك اندفاعٌ عام ملحوظ، وخصوصاً شبابي، لاستعادة زمام الامور. وهذا مكسب اكيد وثمين، لو أمكن البناء عليه لعوّض بشكل من الأشكال الخسائر البشرية والمادية الفادحة التي لحقت بالمدينة جراء الفعل الإجرامي.
ولكن ذلك وحده لا يكفي. والمقصود هو سؤال علاج ما كشفه التفجير لجهة أوضاع المدينة بعامة. وهو سؤال على مستويين، واحد يتعلق بالدولة والآخر يتعلق بالنخبة الطرابلسية، ومنها وزراء ونواب وفعاليات اقتصادية ومهنية عليا. فعدا عن إعلان وزارة الصحة تغطيتها لنفقات علاج الجرحى، لم يبد على الدولة أنها قادرة او راغبة بالحضور. ولكن أي دولة؟ قيل لو كانت هناك حكومة معتمدة لربما تغير الوضع، مما يمثل خلطاً بين هذا المستوى السياسي - العابر بالضرورة حتى حينما يكون مستقراً - وبين المؤسسات الراسخة الدائمة المستقلة عن الحكومات الراحلة والآتية. تلك هي الدولة، وهي واهنة أصلاً في لبنان بسبب الصيغة التي حكمت نشوءه، وقد تغولت عليها السلطات السياسية/الطائفية/الزعامتية، فجعلت القليل القائم منها مزارع لفسادها. كان في طرابلس مستشفى حكومي فعلي في سالف الزمان، فهل يمكن بجدية السؤال عن أحواله الراهنة ومصيره، بينما يحتضر المستشفى الحكومي الحديث والعملاق المنشأ في بيروت، بسبب التنافس على نهبه واستخدامه لمصلحة نفوذ هذا او ذاك، او للحيلولة دون تباهي هذا أو ذاك به. وإن كانت تلك حال بيروت، التي هُندس كل شيء في البلد من أجل ازدهارها، في جنوح كبير الى اعتبارها واجهة لبنان ومكان تجسّد عبقريته، فكيف بطرابلس التي هندس كل شيء في البلد من أجل سحقها بوصفها المتمردة، التي لطالما شعرت بكيانيتها الخاصة، لكونها بقيت طويلاً مركز ولاية، والجانحة دوماً الى كل ما يخاطب أطراً أوسع من البلد الصغير.
هل هي صدفة أن تكون في طرابلس نقابات للمهن الحرة كالأطباء والمهندسين والمحامين، مستقلة عن النقابات المركزية للمهن نفسها، التي تمثل كل سائر لبنان، والتي تقيم مقراتها في بيروت. استسلمت طرابلس منذ زمن، لم تعد تتطلع الى مكانة العاصمة ولو الثانية، ولكن ما زالت هناك صعوبة غامضة في إدراجها في لبنان.
وأما المستوى الثاني الذي يخص نخب المدينة، فهو محير حقاً. فمقدار شعور هؤلاء بعدم مسؤوليتهم عن احوال مدينتهم لافت. وأبناء تلك النخبة أشكال وأنواع، ولكن يجمع بينهم جميعاً اطمئنان عميق بأن حالهم الخاص لا يرتبط بالحال العام، أي أن"زعامتهم"أو وجاهتهم هي بشكل ما حق لهم، لا يقابله انخراطهم الإجباري في خدمة المصلحة العامة لمدينتهم. ولعل ذلك يعيدنا الى ضعف مفهوم المصلحة العامة في لبنان اجمالاً.
وعلاوة على ذلك فلعل"استقلال"طرابلس، الذي كان يتوقع منه ان يعزز الشعور بالمسؤولية عن المدينة وأهلها لدى تلك النخبة، شريحة وأفراداً، قد ادى على العكس من ذلك، الى ترسيخ مفهوم"اقطاعي"عن الزعامة بمعنى من المعاني، لا سيما أن التغييرات الاجتماعية في طرابلس قد كانت قليلة داخل هذه النخبة التي تجددت بنسب أضعف مما جرى في سائر المدن والمناطق، ولم تواجه المدينة تحديات الانفتاح على سائر البلد وعلى العالم، إن اقتصادياً أو تجارياً او سياسياً وثقافياً... بينما اكتسح ريف فقير المدينة، المأزومة اصلاً والعاجزة عن استيعابه.
طرابلس تمثل تحدياً كبيراً. فأي مشروع دولتي في لبنان، على المديين المباشر والبعيد - لو وجد - عليه البرهان عن حيويته فيها قبل سواها، وإنهاء هذه الحالة الشاذة المستديمة التي تعيش في ظلها. وينطبق الامر نفسه على أي سلطة عامة تقرر أنها تمثل كل البلد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.