المسعودي مديرا تنفيذيا للاتصال بكدانة    برنامج تأهيلي لفابينيو    مركز التحكيم الرياضي ينشئ غرفة مختصة بنظر استئنافات قرارات الرقابة المالية برابطة دوري المحترفين    أمطار الباحة تجذب المصطافين    وزير الخارجية: لا مصداقية لوجود محادثات بشأن التطبيع مع إسرائيل في ظل المعاناة بغزة    السعودية وفرنسا توقعان الوثيقة التنفيذية للتعاون الأمني    تأهل فريقا الدفاع الجوي وقوة طوارئ عسير إلى المباراة النهائية في بطولة درع الوطن    19.7 % ارتفاع تأجير السيارات في الربع الثاني 2025    نائب أمير جازان يستقبل مدير مركز الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني بالمنطقة    لجنة مراقبة إنتاج (أوبك+) تشيد بالتعديلات الطوعية ومساهمتها في دعم استقرار السوق    مؤشرات الأسهم الأمريكية تفتتح على ارتفاع    الهشاشة النفسية    أعضاء المجلس المحلي ومشايخ ووجهاء صبيا يهنئون المهندس نمازي بتكليفه رئيسًا للبلدية    أكثر من 1000 جولة رقابية وفنية على الجوامع والمساجد نفذتها إدارة مساجد العيدابي خلال شهر محرم    "الغامدي": متحدثًا رسميًا لوزارة "الشؤون الإسلامية"    مُحافظ الطائف يلتقي رئيس جمعية "بصمة" للخدمات الإنسانية    الخريجي يلتقي نائب وزير الخارجية وشؤون المغتربين اليمني    موعد اعلان النصر عن ضم جواو فيليكس وحقيقة التعاقد مع أنتوني    الفريق الأمريكي يحقق اللقب الحادي عشر في كأس العالم للرياضات الإلكترونية    أمير القصيم يرعى تدشين فعاليات اليوم العالمي لالتهاب الكبد الفيروسي    وفد من "الثقافة" يزور "مركز الملك فيصل" لتعزيز التعاون البحثي    انطلاق جائزة كفاءة الطاقة في دورتها الأولى لعام 2025    وزير الخارجية يصل نيويورك للمشاركة في ترؤس الاجتماع الوزاري لمؤتمر حل الدولتين    فندق فوكو يعلن عن ترقية طلال القحطاني كمدير للمبيعات    تحت رعاية خادم الحرمين .. انطلاق المنتدى السعودي للإعلام فبراير المقبل    الشؤون الإسلامية في جازان تطلق الدورة العلمية الثالثة في العارضة    بنك التنمية الاجتماعية يُطلق المرحلة الثانية من مبادرة "بنك الفن"    مبادرة توعوية عن البدع في شهر صفر والدعوة إلى اجتنابها    ابتكار جهاز يقيس ترطيب الجسم لتجنب الإصابة بالجفاف    قافلة مساعدات مصرية تتجه إلى معبر كرم أبوسالم في طريقها إلى غزة    فريق طبي سعودي يستعد لاستقبال توأم ملتصق من جامايكا    دراسة سعودية: بعض أدوية الطوارئ تحتفظ بجودتها بعد انتهاء الصلاحية    موجة حارة على المنطقة الشرقية    إقلاع طائرات بولندية وأخرى تابعة لحلفاء لحماية المجال الجوي    امطار على جتوب المملكة ورياح نشطة على عدة مناطق    دور المملكة الريادي تجاه القضية الفلسطينية امتداد أصيل لمواقفها التاريخية    وزارة الرياضة تُطلق برنامج "حكايا الشباب 2025"    ضبط 4 مخالفين لاستغلالهم الرواسب في الشرقية    543 فسحاً كيميائياً للصناعيين    بعد أربعة أيام من المواجهات الدامية.. تايلاند وكمبوديا تقتربان من وقف إطلاق النار    إحالة 26 مخالفة لحماية الآثار للجهات المختصة    أحمد العوضي..«علي كلاي» في رمضان    "مانجا للإنتاج" تعزز المحتوي الإبداعي المحلي    مشاورات سورية – إسرائيلية لاحتواء التصعيد    اعتقال صاحب «السفارة الوهمية» بالهند    عقدت اجتماعها الدوري برئاسة المفتي.. هيئة كبار العلماء تستدعي خبراء لتقديم رؤى متخصصة    إحباط تهريب 75,000 قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    محمية الأمير محمد بن سلمان تحتفي بولادة أول"وعلين نوبيين"    تعكس قوة وتنوع الاقتصاد السعودي.. 9 مليارات ريال فائض تجاري خلال شهر    إيقاف مصنع منتجاته تهدد السلامة.. الغذاء والدواء: ضبط 471 منشأة مخالفة وإغلاق 28    عملية تجميل تمنع امرأة من السفر    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تحتفي بولادة أول «وعلين نوبيين»    الهلال الأحمر بجازان يُحقق المركز الأول على مستوى فروع المملكة في الاستجابة للحوادث المرورية والبلاغات الطارئة    "كبار العلماء" تعقد اجتماعها ال(97)    أمير الشرقية يلتقي رئيس مجلس أمناء جامعة عبدالرحمن بن فيصل    وزير الخارجية: مؤتمر تنفيذ حل الدولتين يأتي استنادًا لموقف المملكة الثابت تجاه القضية الفلسطينية    مختص: استشارة الزوج لزوجته وعي عاطفي لا ضعف في القيادة    ولادة "مها عربي" في محمية عروق بني معارض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين ثقافة الاحتكار ونزعة المواطنية
نشر في الحياة يوم 21 - 12 - 2012

تقع معركة صحيّة بين موجة المواطنية الحديثة التي تشق طريقها إلى المنطقة العربية وبين ثقافة الاحتكار التقليدية والعقائدية الدينية. المرحلة الانتقالية التي تمر بها المنطقة العربية لا تقتصر على ما حدث ويحدث في مصر وسورية وتونس وليبيا واليمن وإنما تشمل تغييرات جذرية في دول مجلس التعاون الخليجي قد لا تُحدثها الثورات وإنما الموارد الطبيعية التي جعلت من هذه الدول ملاّك الطاقة وأنواع النفط النادرة. القاسم المشترك بين شق الشرق الأوسط وشق المغرب العربي وشق الخليج من المنطقة العربية هو أن جميعها في حاجة إلى مؤسساتية الإصلاح والى مؤسسات ركائز الديموقراطية والمواطنية التي لا مناص منها. فمعالم المنطقة تتغيّر بفعل داخلي على نسق ما يقوم به جيل الشباب حيناً، وبفعل خارجي على نسق ما تحصده التكنولوجيا والأجواف الأميركية الغنية بالنفط والذي يُقال انه سيؤدي إلى الاستغناء عن نفط الخليج بحلول عام 2020. فالسياسة لا ترسم معالم النظام الإقليمي الجديد على نسق تفاهمات هنا أو مساومات هناك، كما جرت العادة، أو بقرار أميركي أو روسي. الديناميكية الجديدة هي المساهم الكبير والجذري في صنع النظام الإقليمي البديل وهذا يتطلب من رجال الحكم ورجال الأعمال - والنساء بينهم - الإقرار بما تتطلبه المرحلة الانتقالية منهم كي لا يجدوا أنفسهم فجأة في عين العاصفة. فالعاصفة أسقطت أقوياء السلطة بالأمس القريب وأجفلت أصحاب المصالح الذين طالما استفادوا من شراكتهم مع رجال الأنظمة على حساب المواطنية والمؤسسات. وما زالت رياح التغيير تعصف بالمنطقة العربية وتهدد مصير ومكان كل من يعتقد أن هذه نزعة عابرة.
يقول البعض إن الولايات المتحدة هي التي صنعت الهزة أو اليقظة أو الانتفاضة أو الثورة - سمّها ما تشاء - في المنطقة العربية وأنها هي التي تصنع النظام الإقليمي الجديد. لعل ذلك صحيح للذين يعتقدون أن السياسة الأميركية الإستراتيجية تضعها"المؤسسة الأميركية"The establishment بغض النظر إن كانت سياسة إدارة أوباما انعزالية أو سياسة إدارة دبليو بوش قائمة على التدخل العسكري. البعض الآخر يقول إن الولايات المتحدة تُلام دائماً مهما فعلت وإن دورها الحقيقي قزم أمام الانطباع الذي في أذهان الآخرين. ويضيف هؤلاء أن ذلك الانطباع يخدم الولايات المتحدة ليجعل منها دولة عظمى تعرف تماماً ما تفعل بلا أخطاء ولا اعتباطية ? فيما الواقع ليس أبداً هكذا.
مهما كان الرأي، إن الولايات المتحدة لاعب رائد في مصير المنطقة العربية وهي مشارك فاعل في صنع النظام الإقليمي الجديد. والأسباب ليست أميركية حصراً وإنما تعود أيضاً إلى فشل الآخرين وإخفاقاتهم. فروسيا الواقعة في الاضطراب والشغف إلى القومية والديكتاتورية وجدت نفسها شبه مُقعدَة بعدما نسفت مكانتها وشلت أدوات تأثيرها وقزّمت نفسها في صنع النظام الإقليمي الجديد.
الجمهورية الإسلامية الإيرانية فشلت في تصدير ثورتها التي أطلقتها قبل 33 سنة. حتى بعدما أدت حرب دبليو بوش في العراق إلى نسفه من المعادلة العسكرية الإستراتيجية مع إسرائيل وقدمته إلى إيران هدية على طبق من ذهب، فشلت طهران في تصدير ثورة الملالي إلى العمق العراقي. فشلت أيضاً في إستراتيجية الامتداد إلى البحر الأبيض المتوسط عبر سورية ولبنان. باتت بدورها مُقعَدَة ومطوّقة في عزلة، ترضخ لعقوبات دولية، تحارب الإصلاح في عقر دارها وتعيد إيران إلى الوراء بمثابة عقود.
الإخوان المسلمون ظنّوا أنفسهم معجزة القرن الواحد والعشرين. ركبوا موجة التغيير وصادروا ما قام به الشباب ثم تسلقوا إلى السلطة وذاقوا طعمها فأتاهم سريعاً مرض الاحتكار. هكذا جعلوا من تجربتهم في السلطة تجربة انتقالية ومُرَّة. هكذا خسروا فرصة التحوّل من ثقافة الاحتكار إلى ثقافة البناء وسلبوا أنفسهم المشاركة في رسم نظام إقليمي جديد.
الجهاديون والسلفيون يعتقدون أنهم هم الذين يرسمون النظام الإقليمي ليس فقط في المنطقة العربية وإنما في العالم. واقع الأمر أنهم على هامش صنع أي نظام جديد أو قديم، فهم قننوا أنفسهم في حرفة التدمير وأوضحوا بلا شك أنهم ليسوا في صدد تقبل الآخر.
ما يحدث في مصر يشهد على سذاجة ذوي ثقافة الاحتكار والاستفراد بصنع القرار. ظنوا أن كرسي السلطة قادرة على قمع شغف طموحات الشباب الذي أحدث التغيير في مصر - ثم صادر إنجازاتهم الإخوان المسلمون. ظنوا أن الدستور وثيقة يمكن تفصيلها على قياس حزب الإخوان باستبعاد لمبدأ الدستور كقرار جماعي ومرجعية للجميع. فوجئوا بالعصيان المدني الذي أتى من ساحة التحرير عبر جيل الشباب وجيل الكبار، نساء ورجالاً وأطفالاً. فوجئوا، لكنهم لم يتراجعوا، وهنا يكمن الامتحان.
معركة فرض الدستور كما شاءه الرئيس المصري محمد مرسي نيابة عن الإخوان المسلمين معركة على مستقبل مصر. قرار الرئيس والإخوان فرض الخوض في هذه المعركة يوضح أن عقائديتهم تأتي أولاً حتى وان كان ذلك على حساب مصر ومستقبلها. إنها بالنسبة للإخوان المسلمين معركة مصيرية بصفتها الفرصة الأخيرة ? والأولى ? لفرض أيديولوجيتهم على الحكم وعلى البلاد باحتكار واستفراد وبلا عودة إلى"صناديق"الديموقراطية.
انهم يدركون أن مصر في خطر الانزلاق إلى الفوضى وإلى الانشقاق وإلى اضطرابات دموية وإلى انهيار اقتصادي. إلا أن أولويتهم هي امتلاك السلطة مهما كان واحتكارها بأي ثمن كان. يدركون أن تمرير الدستور سيؤدي إلى عصيان دموي وليس عصياناً مدنياً فحسب. يدركون أن مصر مُقبلة على الإفلاس لأن المعركة التي ستلي الدستور ستكون معركة إسقاط النظام. وعلى رغم كل ذلك لقد عقدوا العزم على نصرة العقيدة والحزب وليس على النهوض بمصر وتغيير مسارها من الاسترخاء والاتكالية إلى المشاركة حقاً في صنع القرار وصياغة النظام الإقليمي الجديد.
إنما شباب مصر قد يفعل. إنه عازم على الاستمرار في مسيرة التغيير وهو يفهم قواعد العصيان المدني ولا يريد أن يتحول عصيانه دموياً. إنه في الصفوف الأمامية للحرب على الاحتكار.
هناك طبقة في مصر وكل الدول العربية من رجال ونساء الأعمال تُصنَّف بطبقة المصالح قبل أي شيء آخر. بعضٌ منها من جيل الفشل في إحداث التغيير وبعضٌ آخر من جيل التغيير نفسه. المواطنية عند هؤلاء تبقى هامشية إذ أن الأولوية هي في صيانة المصالح حتى وان كان ذلك عبر إبرام العقد مع الشيطان. انهم الذين يتربعون على كرسي المال، شأنهم شأن الذين يتربعون على كرسي السلطة - كلاهما يتآمر على المؤسساتية. هؤلاء يظنون انهم فوق المحاسبة باعتبار كلمة"رجل أعمال"تشكل مذكرة إعفاء من المسؤولية والمحاسبة، انهم الشريك الدائم لكل نظام، مهما كانت هويته. وقد حان الوقت ليستدرك رجال ونساء هذه الطبقة بأن المواطنية فرض عليهم وليست خياراً يتجنبونه، وان ترفعهم عن بناء المؤسسات الضرورية للديموقراطية سيرتد عليهم مهما كثر المال.
فالمواطنية وبناء الدولة الحديثة ليس فقط من مهام الدولة أو النظام بل أيضاً الشعب وفي المقدمة طبقة الأعمال. التعليم وإلغاء الأمية واجب على هذه الطبقة، وكذلك المشاركة في بناء ركائز الديموقراطية من مؤسسات. فلا مناص من الاستثمار في بناء الدولة الحديثة، وإلا، فإن المحاسبة آتية. احتكار المال أو احتكار السلطة آفة من النوع ذاته في أذهان الكثيرين ? والحرص ضروري على تبديد هذه المشاعر بدلاً من المضي في الترفع عن الناس والمواطنية.
لا أحد ينكر حقوق النجاح والإبداع والكفاءة إنما هناك فجوة خطيرة بين النخبة والناس قوامها الانفصام. وهذا خطير وسيء في عهد التغيير الذي لا ينتفض أربابه ضد احتكار أركان السلطة وإنما أيضاً ضد استفراد طبقة المال بالنفوذ والمال.
هذا لا يعفي الفكر الرعوي الذي يتفشى بين كثيرين من شعوب المنطقة العربية والقائم على الأخذ بلا عطاء، حقوق بلا واجبات، بلا انضباطية وبنزعة استغلالية قامت أساساً على الاحتكار في حياة القبائل سيما في الصحراء، فالشعب ليس معفياً من المواطنية سيما وان التغيير آت من كل مكان.
دول مجلس التعاون الخليجي مضطرة اليوم للعودة إلى طاولة رسم الاستراتيجيات ليس بقرار منها وإنما لأن التكنولوجيا ومستقبل النفط والغاز هو الذي يفرض عليها التفكير جدياً بضرورة الإصلاح الداخلي والانفتاح والمساواة في المواطنية وإنشاء المؤسسات للاستثمار غير تلك التي تم اعتمادها لعقود. هذه الدول في صدد مراجعة مواردها ومستقبل هذه الموارد على ضوء انخفاض أسعار الغاز بل انهيارها وما هو آتٍ من انخفاض أسعار النفط واستقلالية أميركية عن الطاقة الخليجية بعد مجرد 7 سنوات. إنما ما ستضطر لمراجعته عاجلاً وليس آجلاً هو كامل الاستراتيجية الاستثمارية كي لا ترث ما يسمى ب"الفيل الأبيض"وكي لا يفرط ذلك العقد الخفي بين رجال الحكم ورجال المال ورجال العمالة الشعبية. فاللوحة ستتغير جذرياً ومن الضروري دراسة الخيارات والإسراع في الإصلاحات والانفتاح الجدي على المواطنية المؤسساتية بدلاً من نظام الرعاية أو نظام ولي الأمر.
التغيير مستمر أو آتٍ والمرحلة الانتقالية في كامل المنطقة العربية تتطلب عقداً اجتماعياً جديداً لا يقتصر على الطرفين التقليديين - رجال الحكم ورجال المال. فلقد أتى التغيير المنبثق من العمق العربي بمتطلبات جذرية، منها الحق بالارتفاع والنمو بالكفاءة - وليس بالإملاء أو بالانصياع. وأتى التغيير من الخارج بحكم سياسات واعية قوامها الاستقلالية والتفوق التكنولوجي من أجل محو الاتكالية.
معالم النظام الإقليمي الجديد ليست كما كانت عليه في زمن الانزواء والانصياع والطاعة. انه يوم جديد مثير وبالتأكيد أيضاً مخيف - لأن أرجوحة التغيير لم تستقر، ولن، طالما نزعة الاحتكار والاستفراد دخلت حرباً مصيرية مع نزعة جديدة اسمها المواطنية بمساواة. والطريق طويل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.