نائب أمير الشرقية يستعرض أعمال جمعية الثروة الحيوانية    انطلاق الاجتماع العام السنوي الأول لشبكة مينا-أرين بجدة    173.96 مليارا واردات السعودية في 90 يوما    1.4 مليار مستحقات مصروفة لمزارعي القمح المحلي    179 ترخيصا صناعيا خلال شهر    فريق وزارة البلديات يزور أمانة الشرقية    الأمم المتحدة تعلن أنها ستخفّض تعداد قوات حفظ السلام في العالم بنسبه 25%    بوتين: نمتلك زمام المبادرة وهجمات كييف لا تفيدها    موسم جدة يستعد لاستضافة بطولة العالم لسباقات الزوارق السريعة الفورمولا1    توخيل: كين يغيب عن مباراة إنجلترا الودية ضد ويلز    الاتحاد السعودي للتايكوندو يختتم الدورة التمهيدية لإعداد المدربين بالرياض    صلاح يساهم في تأهل منتخب مصر إلى كأس العالم    رينارد: لا تعليق على حكم لقاء إندونيسيا ونريد التركيز على المواجهة المقبلة    أمير المدينة المنورة يستقبل وزير الحج والعمرة    ملحق تصفيات المونديال .. الأخضر السعودي يتغلب على إندونيسيا بثلاثية    رئيس وزراء فرنسا المستقيل يعلن انتهاء مهمته ويتوقع اختيار خلفه خلال 48 ساعة    حماس تنتظر ضمانات أمريكا    أمانة جازان تتفاعل مع اليوم العالمي للمعلم تقديرًا لعطائهم    الأكاديمية المالية تطلق عدد من البرامج في مجال الأوراق المالية والمصرفية    استمرار المساعدات السعودية لسكان غزة    محافظ محايل يرأس اجتماع المجلس المحلي    محافظ الطائف يستقبل رئيس وأعضاء جمعية البر بوادي محرم    محافظ محايل يكرِّم عدداً من الجهات الذين رسَّخوا قيم العمل الإنساني    الأهالي يعبّرون عن امتنانهم للأستاذ سعيد بن صالح القحطاني: كفيت ووفيت    إدراج النسخة المحدثة من كتاب "حياتنا ذوق" و"دليل المعلم" ببوابة عين الإثرائية    أبو الكيمياء الشبكية.. عمر ياغي يسطر اسمه بالذهب في نادي جائزة نوبل    اعتماد القواعد التنفيذية للائحة الجزاءات عن المخالفات البلدية    فريق من وزارة البلديات يزور أمانة الشرقية للاطلاع على مشاريع البنية التحتية    مجمع إرادة بالرياض ينظم برنامجاً علمياً بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية.. غدًا    من الغيبوبة إلى الحياة.. رحلة أمل تُروى من مدينة الملك سعود الطبية    تعليم جازان يدعو الطلاب والطالبات للتسجيل في مسابقة "بيبراس موهبة"    الخوف والرعب من الزوج حتى بعد الانفصال.. جرح نفسي يحتاج إلى شجاعة للتعافي    نيشونوف: الشباب الأوزبكي يصنع ثقافته بوعي وإبداع    فئات ممنوعة من السفر لأداء مناسك الحج العام الحالي.. في مصر    سعر أونصة الذهب يتخطى أربعة آلاف دولار    بيع صقرين ب900 ألف ريال من منغوليا    بعد مرور عامين على بداية الحرب.. غزة.. قتلى ودمار ومجاعة بأرقام صادمة    آل الشيخ وصادق يستعرضان العلاقات الوطيدة بين البلدين.. تعزيز التعاون البرلماني بين السعودية وباكستان    نقل تحيات القيادة لمنتدى داكار..الفالح: ثقة دولية بفرص الأعمال والاستثمار في المملكة    أمير الجوف يشدد على متابعة سير المشروعات    بسبب أغنية.. إحالة محمد رمضان للمحاكمة    أهمية المكتبة المدرسية    معرض الكتاب وبروتوكولات الدخول    ترأسا اجتماع اللجنة التنفيذية المنبثقة من «مجلس التنسيق».. وزير الخارجية ونظيره البحريني يناقشان المستجدات الإقليمية والدولية    فاكهة استوائية تستدعي«مطافئ» ألمانيا    المملكة.. أرض الخير والمساعدات    مكارم الأخلاق.. جوهر الإنسانية المتألقة!    وافق على تنظيم معهد أبحاث الصحة.. مجلس الوزراء: إنشاء فرع لجامعة نيو هيفن في الرياض    في أولى مباريات ملحق المونديال.. الأخضر في مواجهة مصيرية أمام إندونيسيا    الفائزون بجائزة نوبل للفيزياء    حقيقة حل الخلافات قبل النوم    وجه جديد لسرطان الدماغ    طريقة صينية تقي من السكر    «السفاري» تجربة تعليمية وتفاعلية في «الصقور»    نائب أمير جازان يقدّم التعازي لأسرة المجرشي في وفاة والدهم    خادم الحرمين يوجه بفتح «مسجد القبلتين» على مدار الساعة    حدثوا أبناءكم وذكروهم    بهدف تطوير ورفع كفاءة منظومة العمل بالعاصمة.. إطلاق برنامج «تحول الرياض البلدي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باسم قهار يستوحي رواية الطاهر بن جلون . شخصيات "ليلة القدر" على خشبة عراقية
نشر في الحياة يوم 06 - 02 - 2011

هل هي حقاً"ليلة القدر"؟ رواية المغربي الطاهر بن جلون الصادرة عام 1987، والتي حازت بلغتها الفرنسية جائزة"الغونكور"، أو بالأحرى هل هي ذاتها في الاقتباس؟ بصفحاتها المئة والخمسين للطبعة العربية ترجمة محمد الشركي ومراجعة محمد بنيس/ دار توبقال - الدار البيضاء، واثنين وعشرين فصلاً مكثفاً، أنطق خلالها بن جلون أقسى شخصياته الممهورة بأبوّة زائفة، قبيل موته، لغةً مذهلةً شعراً أكثر منها سرداً:"ليلة القدر تسمّيك زهرة، زهرة الزهور، نعْمة، طفلة الخلود، وأنت الزّمن المتوقف في منحدر الصّمت، في ذروة النّار... بين الأشجار". الكلمات الموجهة إلى ابنة هي كائن الرواية المشوّه جرّاء عيشه عشرين عاماً كذكر، صعب حشرها مع عوالم معقدة غلبها اللاوعي على الوعي في مدة لا تتجاوز السبعين دقيقة لمسرحيّة"أناس الليل".
قد يكون العرض حافظ على أجواء مغربية من خلال الشكل المسرحيّ وأزياء ظلال الجابي، إذ يقتصّ المخرج العراقيّ باسم قهار أنهى دراسة الإخراج في أكاديمية الفنون الجميلة/ بغداد عام 1989، من النصّ الأصليّ الروائيّ ما يريد لغة سردية، وأحداث لإعادة هيكلة مسرحية أعدّها وأخرجها من دون أن يغرّب بالشخصيات. فحتى العنوان هو وصف الجلاّسة أخت القنصل وعين شهوته لذاتها وللمدعوة ب"أناس الليل"، ولغة الحوار لم تطوع من جديد لخصوصية المسرح.
في أول صفحة من رواية بن جلون تقول المدعوة:"ما يهمّ هو الحقيقة"، أما قهار فيضع مشهده الأول ضمن مستطيل فارغ من ستارة سوداء تتدلّى على كامل المسرح، ترتدي فيه الممثلة فيحاء أبو حامد/ المدعوة لباساً ذكورياً إلى جانب ابنة العم فاطمة يمن الحموي أو العروس المفترضة للذكورة الوهمية، ثم يكمل المشهد التالي عبر فرار الفتاة بعد مكاشفة أبيها وطلبه الغفران منها، فموته. وبهذا ف"أناس الليل"تتجاوز الوقْع الحلميّ الصادم واقتناص اللحظات والأشياء في فصول"ليلة القدر"الأولى ديباجة، حالة الأمكنة، يوم رائع جداً، الرّوض العاطر، إذ تغيب مشاعر انتشاء امرأة هزمها الزمن، بسخرية وتحدّ، حين تؤم بالرجال صلاة الجنازة على أبيها، مثلاً، لينطلي زيف المجتمع على وجهها المسرحيّ، فتنخفض مواريةً أفعالها، أو تصدر حشرجة لا تخيف إلا أباها وهو ينازع. كما يغيب في البناء الدراماتورجيّ، التقاء الداخل الإنساني المهشّم، في المقبرة في الرواية، بأولى ملامسة حقيقية للمرأة مع جسد رجل، ولو من قبيل الحلم بالشيخ الخياليّ مختطفها من شعائر دفن أبيها، لتبلغ الحرية كأميرة في قرية للأطفال المظلومين، وما تلاه من تحرّر الجسد من الكذب في مشيته الفطرية.
تجاهل قهار كلّ تلك"العزلة الفرحانة"في الرواية، ونجح في الإقناع بأن كل شيء بدأ من آخر الفصل الخامس"مرايا الزمن"، وبعد تخلّص الفتاة من عذريّتها مع أول رجل مشى خلفها، بلا أي شيء يطوّق الصدر، ويضغط على الأنوثة، ويردّها إلى الباطن، وتحديداً، حين تأتي المدعوة حمّاماً شعبياً لتغتسل. تقول الجلاّسة رائفة أحمد مديرة المكان الضبابيّ المحموم بأشباح الجنس:"أهذا وقت التخلّص من بصاق الرجال؟". يتتالى بعد هذه الجملة على الخشبة، كل ما يقلّص تخثير الرواية للمشاعر المتناقضة والروائح والتحوّلات، لتصير قصةً عادية عن بنية سيكولوجية متفشّية تحتفي بالرجل وتقزّم الأنوثة بدمائها وخصبها.
يراكم الكوريغراف أو مصمم الرقص رامي فرح حركةً غائمةً للممثلين، بطيئة، مع تأثيث قهار لمسرح من فضاءات لمشاهد ثلاثة أو أقل، تختلط في أحداثها رؤىً كابوسيةٌ، تمنع الشخصيات من مغادرة خشبتها أو من الفعل القويّ. أي أنه أرغمها على التواطؤ مع القدر البائس، وجعل للمدعوة ظلاً رجلاً مثله محمد ملص، لتبدو ملامح ريبيرتوار هذه الثنائية قلقاً لم يحقّق ما أراده بن جلون في أن المدعوة"لا مبالية وتعبر الأساطير"، إنما رضخت الشخصيتان على الخشبة للذنب الملصق. فقتل العم كان بلا داع، في نصّ قهار، فالأب عدنان عبدالجليل يومئ بين مشهد وآخر بفعلته حين خطّط لابنته حياة رجل، وحاول قتل بناته الخمس وزوجته، لكنه يبقى بعيداً عن فصل"ليلة القدر"جمرة الرواية في تعرية الدوافع الأخ/ المجتمع.
ريبيرتوار القنصل الأعمى صيّره إنساناً عادياً يدرس في كتاب قرآنيّ، وغابت كل تفاصيل غرفته الروائية، أحزانها واستبدلت أسئلة الأولاد في الدروس عن الدين بأخرى عن التاريخ. وهمّشت زياراته الماخور مع أخته، كما أراد قهار، أما ميله الجنسي فيعلو على نحو طفيف، مع محو أحداث كوميديا الماخور مع المدعوة، وكأنه ليس إلا تأثّراً رومنطيقياً للمرأة برجلها الوحيد، لا يحرّكها أيّ اكتشاف للجسد وخفاياه في الحمام، وتأزّم علاقة أخت وأخ تارةً عاتبين وتارة راضيين، ينقلب تماسهما جسدياً لغزاً إروتيكياً حارقاً.
صفات متقلبة للجلاّسة بين الرقّة والغضب، أو اختلاق قصص لماضيها بعد زلزال قتل والديها، لاذت منه بأخيها الصغير، كلها تلاشت في"أناس الليل"وغيّرت المرأة القبيحة بإفراط لحظيّ عاداتها أن تكون"متنبّئةً بالورق ورامية للأنصبة، منحرفة ووحشية"كما في الرواية، لتصرخ متسلّطة وحسب.
كل الارتياب او التواطؤ بين الشخصيات الثلاث، كان في"أناس الليل"سيشارك في مهرجان أيام عمان المسرحية"مسرح الفوانيس"نهاية آذار/ مارس 2011، منقوصاً لمصلحة بناء عالم أحاديّ، تكون فيه الشخصية القنصل، الجلاسة، المدعوة ضد الغير، في محاولة رسم شخصية الضحية فقط المدعوة. وعلى رغم أن المسرحية نجت بأعجوبة بصرياً، من خلال عمق سينمائيّ - مسرحيّ، فإن قهار، يحوك ما ألفه النص الجديد على هواه بعناية على المسرح، مع تردد الموسيقى البطيئة لفيلم"في مزاج الحب". إلا أن قارئ الرواية، لن يكتفي بجملة للجلاسة تشكّلها كائناً عجيباً على خشبة العرض بلا مبرّرات وباقتضاب، قائلة:"وجهي مثل رسم مائيّ مرّت عليه خرقة"، هذا إنْ غض الطرف عن إهمال نهاية الرواية والاستغراق في العزلة والعمى ثم الانفصال عن الشهوة المضمرة لما بقي من إنسانية المدعوة في السجن في فصل"رماد ودم".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.