تدهور الأوضاع في رفح في ظل فرار 110 آلاف شخص من المدينة    النفط يرتفع والذهب يزداد بريقاً    "العقار": 19 ألف عملية رقابة إلكترونية ب4 أشهُر    رئيس جمهورية المالديف يصل إلى المدينة المنورة    القوات الجوية تختتم مشاركتها في تمرين «علَم الصحراء» في الإمارات    الجمعية العامة للأمم المتحدة تصوت لصالح منح فلسطين العضوية الكاملة    نُزل الباحة التراثية.. عبق الماضي وبهجة الحاضر    رئيس هيئة الأركان العامة يستقبل قائد القيادة المركزية الأميركية    إتاحة باب الانتساب لنزلاء السجون الراغبين في إكمال دراستهم بالشرقية    جامعة الملك سعود توعي باضطرابات التخاطب والبلع    تطويق جنوب غزة.. انتشار عسكري إسرائيلي شرق وغرب معبر رفح    خطبتا الجمعة من المسجد الحرام و النبوي    خيرية آل عبدان في ذمة الله    ستانيشيتش: بلوغ نهائي الدوري الأوروبي أهم لليفركوزن    استمرار هطول أمطار رعدية متوسطة على معظم مناطق المملكة    تيك توك تضع علامة على محتويات الذكاء الاصطناعي    رسالة رونالدو بعد فوز النصر على الأخدود    مدرب الأخدود: كنا نستحق الفوز على النصر    مقرن بن عبدالعزيز يرعى حفل تخريج الدفعة السادسة لطلاب جامعة الأمير مقرن    الشاعرة الكواري: الذات الأنثوية المتمردة تحتاج إلى دعم وأنا وريثة الصحراء    العرب ودولة الإنسان    629 موقعاً مزيفاً تستهدف جيوب السعوديين ب«الاحتيال»    حين يتحوّل الدواء إلى داء !    أدوية التنحيف أشد خطراً.. وقد تقود للانتحار !    مصير مجهول للمرحلة التالية من حرب روسيا وأوكرانيا    ذكاء التوقيت والضمير العاطل    المركز الوطني للمناهج    ب 10 طعنات.. مصري ينهي حياة خطيبته ويحاول الانتحار    99 % انتشار الإنترنت في المملكة    لاعبو الأندية الإيطالية خارج القائمة.. ولاعبو «البريمير ليغ» الأكثر حضوراً    الاتفاق والنصر إلى المباراة النهائية لممتاز قدم الصالات    الاتحاد يتغلّب على الهلال وينتزع ذهب نخبة الطائرة    رَحِيلُ البَدْرِ    انكسار الهوية في شعر المُهاجرين    القنصل الفرنسي: إتاحة 550 موعداً يومياً لاستقبال طلبات السعوديين لتأشيرة «شنغن» في جدة    مفوض الإفتاء في جازان يشيد بجهود جمعية غيث الصحية    جامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز تحتفل بتخريج الدفعة السادسة    جمال الورد    «البعوض» الفتاك    أولمبياكوس يهزم أستون فيلا ويبلغ نهائي دوري المؤتمر الأوروبي    أمانة الطائف تسجل لملّاك المباني بالطرق المستهدفة لإصدار شهادة "امتثال"    تعزيز الاستدامة وتحولات الطاقة في المملكة    الحياة في السودان مؤلمة وصادمة    أمير منطقة جازان يلتقي عدداً من ملاك الإبل من مختلف مناطق المملكة ويطّلع على الجهود المبذولة للتعريف بالإبل    أسماء القصيّر.. رحلة من التميز في العلاج النفسي    كيف نتصرف بإيجابية وقت الأزمة؟    دلعيه عشان يدلعك !    للرأي مكانة    شركة ملاهي توقّع اتفاقية تعاون مع روشن العقارية ضمن المعرض السعودي للترفيه والتسلية    رسالة من أستاذي الشريف فؤاد عنقاوي    بلدية صبيا تنفذ مبادرة لرصد التشوهات البصرية    تجنب قضايا المقاولات    تدشين مشروعات تنموية بالمجمعة    مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة" من تركيا متجهة إلى المملكة    نائب أمير عسير يتوّج فريق الدفاع المدني بكأس بطولة أجاوييد 2    مفتي عام المملكة يستقبل نائب الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي    المملكة تدين الاعتداء السافر من قبل مستوطنين إسرائيليين على مقر وكالة (الأونروا) في القدس المحتلة    القيادة تعزي رئيس البرازيل إثر الفيضانات وما نتج عنها من وفيات وإصابات ومفقودين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منطقة اليورو طليعة أوروبا وقران فرنسا وألمانيا قلبها ... والولايات المتحدة الأوروبية أفقها
نشر في الحياة يوم 05 - 10 - 2011

صيغة السؤال هل على ألمانيا ان تنقذ اليونان، غير دقيقة ولا سليمة، فالمستشارة أنغيلا مركل امتنعت من المبادرة إلى اجراء حاسم طوال سنتين كاملتين، وهو وقت طويل تستحق عليه نقداً قاسياً. ويبدو اليوم أنها مدركة طبيعةَ الأزمة اليونانية، فهذه الأزمة ليست اقتصادية، وإنما هي سياسية، تمتحن جوهر المشروع الأوروبي، وهي ناجمة عن تعايش عملة"مندمجة"، واتحاد لا يزال معظم السلطات والصلاحيات فيه بيد الأمم ?الدول- التي يأتلف منها الاتحاد. الكونفيديرالية الأوروبية المزمعة لم تسر على الطريق المرجوة، والحل -وهو الاتحاد الضريبي- يَفترض أن تقبل 17 دولة أوروبية، هي ال"أورو غروب"وطليعة أوروبا تحت لواء فرنسا وقيادتها، التخليَ عن بعض سيادتها ونقلها إلى هيئة مشتركة تتخطى الادارة الوطنية. فهل ترضى فرنسا؟
الحق أن مركل ليست في موقع القائد الذي يطل من فوق ومن علٍ على العملية التاريخية ويقودها ويهدئ ثورة الانفعالات المضطرمة والمتناقضة، فالتحدي الذي عليها مواجهته والتغلب عليه، هو السير نحو فيديرالية قد تربط بين فرنسا وألمانيا. وأنا على يقين من أن معظم الألمان إذّاك يعودون إلى نهج وهوى أوروبيين، وأرى أن الرأي العام الألماني حين ينعى على اليونانيين"كسلهم"المتوسطي المزعوم، غير مصيب ولا محق. فاليونان ليست شركة، والاقتصاد اليوناني إذا انهار وأفلس، لن يتبدد البلد أو يختفي، ولا جدوى من اتهام بلد يعاني أزمة اقتصادية حادة وعليه -من دون شك- أن يكافح في سبيل التغيير، ب"الكسل". فما يحتاجه اليونانيون هو لائحة آفاق جديدة تلوح لهم، وينهضون إليها، وعلى أوروبا أن تقول لهم إن في وسعها مساعدتهم على بناء بنى تحتية أجود من تلك المتوافرة لديهم اليوم، وذلك في قطاعات التربية والسياحة والصناعات الخضر التي تتيحها شمس بلادهم وبحرها، فهذا ما يتطلع إليه شباب اليونان ويطمئنهم.
من وجه آخر، ينبغي إفهام الألمان أنهم أول المستفيدين من اليورو، فمنطقة اليورو تستهلك 60 في المئة من صادراتهم، وخارج هذه المنطقة، مقارنة بصادرات دول أخرى مثل سويسرا، تتمتع المنتجات الألمانية باليورو بتنافسية لا شك فيها.
إن العودة إلى المارك باهظة التكلفة، والرجوع الى الخلف مستحيل: فهل يعقل أن تُصنع بيضة من العجة؟ ليست رغبة 60 في المئة من الألمان في استعادة المارك إلا قرينة على نازع بلدي يغلب على ميولهم ومشاعرهم، وحريّ بمن يحلمون بعملة وطنية قوية ألاّ ينسوا الجهود الاقتصادية والنفسية والمالية التي بذلوها غداةَ التوحيد، ولا ريب في أن هذا التوحيد، وهو موَّله رسم خاص، كان خميرة إصلاحاتنا وطفرتنا من بعد، ولا ننسى التضحيات الثقيلة التي اقتضاها، ولا الإهانات التي كان سبباً فيها، فنحن كنا زمناً طويلاً، عثرةَ أوروبا وجرابَها المثقوب، ولا أزال أذكر يوم جاء رئيس حكومة إسبانيا خوسيه ماريا أثنار، في كانون الثاني يناير 2000، ووعظ رئيس حكومة ألمانيا هيرغارد شرودر، ودعاه إلى ادارة الاقتصاد الألماني على مثال ادارة إسبانيا اقتصادها. أنا اتفهم قول الألمان إنهم لم يقصروا في تسديد ديونهم إلى أوروبا،
ويخطئ من يزعم الصواب لمثال أو نهج اقتصادي واحد ويدعو إلى السير على النهج الألماني وإيلاء الأولوية لتوازن المالية العامة والصناعة والتصدير، فلكل بلد ميزته التنافسية الفريدة. ولما كانت منطقة اليورو تفتقر إلى الإجراء الألماني الذي يقضي بنقل موارد من المناطق الغنية الى المناطق الفقيرة، وجب القبول بتوزيع موارد بين البلدان الغنية والبلدان الفقيرة، في سبيل ضمان الاستقرار والمنافسة، وهذه وظيفة اليوروبوند. وأحسب أن السيدة كريستين لاغارد مديرة صندوق النقد الدولي ارتكبت خطأ حين دعت ألمانيا إلى التعاون مع أوروبا أكثر مما تصنع، فهي تنسى أن الدولة في تاريخنا قصَّرت عن الاضطلاع بدورها، ونحن مذ عدنا إلى الديموقراطية أنزلنا الاقتصاد في القلب من الدولة والمجتمع الألمانيين، ويتمتع الاقتصاد لدينا بمكانة شعورية وعاطفية عظيمة، ويستغرق طاقاتنا، ويتوسط سياستنا. وعلى هذا، من العسير علينا في بعض الاوقات، مشاطرة الآخرين ثمرة عملنا وجهدنا.
وعلى خلاف ما تقدم للتو، على الألمان فهم نفسية الفرنسيين، وغلبةِ النازع السيادي على أفكارهم وميولهم، وتذكُّرِهم على الدوام ماضياً مجيداً.
وهناك مسألة علاقات بلدينا الواحد بالآخر، فأنا يتراءى لي أن الرئيس نيكولا ساركوزي لم يكن في بداية ولايته يميل إلى ألمانيا أو يُكِنّ لها مودة خاصة، لكن العلاقة الألمانية-الفرنسية هي في قلب البنيان الأوروبي، أياً تكن نوازع الحكام وطباعهم، وامتثال الحكام للأمر خطوة إلى الأمام. وأكرر قولي: إن تدبير الأزمة وإدارتها ادارة حكيمة، يعززان ميل الألمان إلى أوروبا ويقويانه، على رغم تشكك الليبراليين، وهم يعانون خسارة انتخابية جسيمة، ولا يسعهم الاستقالة من الحكومة والمغامرة بانتحار سياسي. ولست أدري إذا كانت مركل حائزة الغالبية في تكتلها الحزبي، ويسعها و"غالبيتها"حسم المسائل الكبيرة، ولكنني أعلم أن ثمة غالبية في ألمانيا ترجِّح كفة أوروبا، على ما يدل من غير لبس اقتراع الاشتراكيين الديموقراطيين والخضر مع المسيحيين الديموقراطيين، وإقرارهم جميعاً إنشاء الصندوق الاوروبي للاستقرار المالي.
وقد لا يسع الاشتراكيين الديموقراطيين والخضر القيام بما يتخطى دور الإطفائي، ولكن في البوندستاغ غالبية لا تُعجزها المبادرةُ إلى قرارات عسيرة وصعبة تتناول مسائل مثل تحسين الاندماج الضريبي، وإصدار اليوروبوند تحت شروط معينة، إذ ليس وارداً رمي المال على قارعة الطريق. لقاء هذا، يقتضي إرساء نظام ثابت وراسخ يتولى تصحيح ثغرات معاهدة مايستريشت التي راهنت على اندماج اقتصاداتنا في بنيان كونفيديرالي من تلقائها وآلياً. فالأفق المفترض ينبغي أن يكون الولايات المتحدة الأوروبية، ومن غير هذا، مضت الأسواق على شططها وإيقاع الضرر بنا، وعلى أمد متوسط لا مناص من استفتاءٍ موضوعُه اليورو عملة نهائية، وأحسب أن الغالبية تؤيد مثل هذا القرار.
إن امتناع ألمانيا عن المشاركة في حماية الشعب الليبي خطأ جسيم، فلا سياسة أوروبية خارجية من غير اجماع الدول الثلاث الكبيرة، بريطانيا وفرنسا وألمانيا. إن الاعتقاد بأن ثمة"لحظة"ألمانية، وأن في وسع ألمانيا صنع ما تشاء بفضل قوتها الاقتصادية وبواسطتها، يجافي الصواب، ويتهدد ألمانيا ب"الاختفاء"من دائرة السياسة الخارجية إذا مكّنت لهذه الافكار من ذهنها وعقلها. وليس في مستطاع أوروبا المضي على طريقها ومسيرها إلا بواسطة طليعةٍ هي دول منطقة اليورو ال17، وقلبٍ هو"قرانُ"فرنسا وألمانيا، ولا محرك لأوروبا غير هذين.
فرنسا وألمانيا أمتان جارتان تشتركان في أركانهما التاريخية وتراثهما، وتشد الواحدة إلى الاخرى روابط كثيرة ووثيقة، وهما مختلفتان على نحو ما قد يختلف ولدان من بويضة واحدة، فهل ينبغي أن نتمنى انقلاب الحال؟ لا، فالأمم لن تتلاشى، ولن يؤدي اتحادها الى تواري الفروق بينها، وهذه هي معجزة أوروبا. إلا أن تباعد أمم أوروبا القديمة وانفصالها وعزلتها، تؤدي إلى انصراف الصين والأمم الناشئة الكبيرة والولايات المتحدة عنها إلى ناحية المحيط الهادئ.
لعلنا نفتقر إلى الاشتراك في السيادة التي نتخلى عنها إلى هيئات جامعة، ودمج أجزاء السيادة هذه بعضها في بعض. إن الفروق بين فرنسا وألمانيا ليست ما يراه العالم أو يستوقف نظره، فنحن في مرأى العالم واحد، وقد تكون الأزمة ذريعة لإدراك أن لا قائمة لنا نقوم بها إلا أوروبا التي ينبغي أن نملأها بما تتماسك به وتستقيم، على مثال نهاية الاسبوع تلك من تشرين الثاني نوفمبر 2008، حين اجتمع قادة قلب أوروبا ولاقاهم رئيس الوزراء البريطاني، وفي غضون ساعات قليلة اجتمعت أصواتهم في صوت واحد، ردّاً على أزمة مالية أوشكت أن تعصف بالسدود والضوابط كلها، فأصاخ السمعَ العالمُ كله، ولعل هذا كان البادرةَ الاوروبية الكبيرة والوحيدة التي شهدتُها.
* وزير خارجية ألمانيا، نائب مستشارها سابقاً 1998-2005، عن"لونوفيل أوبسرفاتور"الفرنسية، 29/9/2011، إعداد م. ن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.