أمير القصيم يواسي أسرة الثنيان في وفاة الشيخ حجاج الثنيان - رحمه الله -    السعودية: ندعم حق الدول باستغلال ثرواتها الوطنية    ولي العهد والرئيس السوري يبحثان مستجدات الأحداث في سوريا    برشلونة يكرس عقدته لريال مدريد بفوز مثير في الكلاسيكو ويقترب من لقب الدوري الإسباني    مانشستر يونايتد وتوتنهام يسقطان بثنائية أمام ويستهام وكريستال بالاس في الدوري الإنجليزي    أمير الشرقية: المملكة ملتزمة بدعم الشباب وتمكينهم من أجل صياغة المستقبل    رئيس البرلمان العربي يوجّه رسائل عاجلة لإنقاذ أطفال غزة من المجاعة    الهيئة العامة لمجلس الشورى تعقد الاجتماع التاسع من أعمال السنة الأولى للدورة التاسعة    جوازات مطار المدينة تستقبل أولى رحلات الحجاج القادمين من نيجيريا    6 طالبات من الأحساء ضمن منتخبنا الوطني في " آيسف 2025 "    سعود بن نهار يطلع على الخدمات المقدمة للحجاج في مطار الطائف    من أعلام جازان.. اللواء الركن أحمد محمد الفيفي    باكستان ترحب بعرض ترامب لحل نزاع كشمير مع الهند    اعتدال و تليجرام يزيلان 16 مليون مادة متطرفة في 3 أشهر    تشكيل الاتحاد المتوقع اليوم أمام الفيحاء    "دوري يلو 33".. 9 مواجهات في توقيت واحد    أمير تبوك يرعى بعد غدٍ حفل تخريج متدربي ومتدربات المنشآت التدريبية بالمنطقة    الانتهاء من تطوير واجهات مبنى بلدية الظهران بطراز الساحل الشرقي    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل رئيس وأعضاء مجلس إدارة غرفة الأحساء    مستشفى الرس ينقذ طفلا تعرض لاختناق قاتل    ‫دعم مستشفى عفيف العام بأجهزة طبية حديثة وكوادر تخصصية    الموارد البشرية: إطلاق مهلة لتصحيح أوضاع العمالة المساندة (العمالة المنزلية) المتغيبة عن العمل    الأمير ناصر بن محمد يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تعيينه نائبًا لأمير منطقة جازان بالمرتبة الممتازة    حساب المواطن: 3 مليارات ريال لمستفيدي دفعة شهر مايو    "فرع الإفتاء بعسير"يكرم القصادي و الخرد    "التخصصي" توظيف رائد للجراحة الروبوتية تنقذ طفل مصاب بفشل كبدي ويمنحه حياة جديدة    أمير حائل يشهد أكبر حفل تخرج في تاريخ جامعة حائل .. الثلاثاء    أمطار غزيرة وسيول متوقعة على عسير والباحة ومكة    جامعة الإمام عبد الرحمن تكرم الفائزين ب"جائزة تاج" للتميز في تطوير التعليم الجامعي    "التعاون الإسلامي" يرحّب بوقف إطلاق النار بين باكستان والهند    أرامكو تعلن نتائج الربع الأول من عام 2025    ارتفاع الرقم القياسي للإنتاج الصناعي بنسبة 2.0% خلال شهر مارس 2025    ضبط 1203 حالات في المنافذ الجمركية خلال أسبوع    "الداخلية": ضبط 16 ألف مخالف في أسبوع    جدول الضرب    4 مسارات لتعزيز برنامج الأمن السيبراني في موسم الحج    أوامر ملكية: إعفاء أمير جازان وتعيين نائب لوزير التعليم    أكد بحثه ملفات إستراتيجية.. البيت الأبيض: ترامب يزور السعودية ويلتقي قادة الخليج بالرياض    الرياض تُصدّر العمارة النجدية للعالم في بينالي البندقية 2025    عرض 3 أفلام سعودية في مهرجان "شورت شورتس"    الاتحاد يواجه القادسية على ملعب الإنماء بجدة.. خادم الحرمين الشريفين يرعى نهائي كأس الملك في الثالث من ذي الحجة    انقسام سياسي يعمّق الأزمة.. ليبيا على حافة الانفجار.. اشتباكات دامية وغضب شعبي    "الشؤون الدينية" تكلف 2000 كادر سعودي لخدمة ضيوف الرحمن.. 120 مبادرة ومسارات ذكية لتعزيز التجربة الرقمية للحجاج    وسط تنديد روسي.. قادة أوروبا يؤيدون مقترح الهدنة في أوكرانيا    سمو ولي العهد يجري اتصالًا هاتفيًا بسمو أمير دولة الكويت    50 % الانخفاض في وفيات الحوادث المرورية بالسعودية    انقطاع النفس أثناء النوم يهدد بالزهايمر    الشباب يخشى الأهلي والفيحاء يحل ضيفاً على الاتحاد    تعزيز الأمن الدوائي    «تعليم الرياض» يفتقد «بادي المطيري».. مدير ثانوية الأمير سلطان بن عبدالعزيز    المملكة وضيوف الرحمن    تدريبات النصر من دون رونالدو    علاج جديد لالتهابات الأذن    20 ألف غرامة لكل من يدخل مكة من حاملي تأشيرات الزيارة        الفرق بين «ولد» و«ابن» في الشريعة    الهلال الاحمر بمنطقة نجران ينظم فعالية اليوم العالمي للهلال الاحمر    بعد تعيينها نائبًا لوزير التعليم بالمرتبة الممتازة .. من هي "إيناس بنت سليمان العيسى"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأقباط والضمير الطائفي
نشر في الحياة يوم 16 - 01 - 2011

لم يستطع النظام في مصر إخفاء ضجره من الأقباط، حتى في أعز لحظات مولد النفير الوطني. ففي ليلة العيد القبطي، وبعد ساعات من تفجير الإسكندرية، ووسط لقاءات متنوعة بفنانين وسياسيين احتشدوا تحت البث المباشر المجمع للقنوات المصرية الخاصة والحكومية، كاد"ضمير النظام"أن ينطق بجملة:"خلصونا... كفاية مزايدة... وما فيش فايدة". ففي جلسة جمعت الأنبا يؤانس، الأسقف العام وسكرتير البابا شنوده، والدكتور مصطفي الفقي، رئيس لجنة الشؤون العربية والخارجية والأمن القومي في مجلس الشورى، ومكرم محمد أحمد، نقيب الصحافيين، كادت تنفلت الجملة الزاجرة فتحول العرس الوطني إلى جلسة ملاسنة من الطراز الأول.
يحسب النظام عدد الكنائس التي بنيت في عهد الرئيس مبارك: هكذا عبر مصطفي الفقي وهو يقول الرقم بتفخيم بالغ:"آخر خمس سنين 150 كنيسة"، لكنه لا يحسبها بعلاقة ذلك بالتضخم السكاني الذي يشتكي منه النظام ليل نهار، ولا حتى بمقارنته بال 120 ألف مسجد وزاوية المبنية في المدة نفسها.
يتحدث رجل النظام القومي الهوى بروح الشهادة التاريخية، ثم يفتعل نقيب الصحافيين غارة استباقية لا يحتاجها المسؤول الكنسي الرفيع المستوى، والذي بدا كمن يقدم أظافره في معاينة طابور الصباح المدرسي، لا من يقدم يداً لتقبّل العزاء. يقول السيد محمد أحمد:"الكنيسة مؤسسة من مؤسسات الدولة، لا ينبغي أن ندفع الكنيسة إلى أنها تخالف القوانين وتلجأ إلى سياسة الأمر الواقع، وتقول لك أنا حابني مبنى إداري، وبعدين في آخر لحظة تحط على المبنى الإداري قبة وتقول ده كنيسة، وبالتالي إحنا لو سهلنا هذا بقانون بسيط وسهل...". ثم يعزف الفقي النغمة الختامية في الأوركسترا، فيجهز على المعركة بالجملة الخاتمة:"سيبنا من القانون الموحد لدور العبادة، ما أظنش إنه حايظهر، لأنه فيه مشاكل فنية في إصداره، فنية، في المساحات...". ثم تعلو أصوات الدروشة الوطنية، وما على ساعي البريد إلا إيصال الرسالة.
البعض قد يرى في اقتناص هذا الفاصل عملاً تعسفياً، لكن نثار هذا المشهد تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن ثمة فاصلاً دقيقاً بين توصيف الدولة والنظام في علاقتيهما بالمسألة الطائفية. فكما هو ظاهر من تعريف النظام لنفسه وتحليل بنيته الداخلية وأولوياته البراغماتية، يبدو الأخير أقرب لنخبة اقتصادية سياسية مستبدة قريبة الشبه لتنويعة أخوية تجدها في أي ركن من العالم الثالث. لكن الدولة بما تعنيه من جسد ممتد تاريخياً، يضم المجتمع بمؤسساته السلطوية والمدنية، الفكرية والاقتصادية، ذلك الجسد المرتبط بتحقيق هدف استقرار النظام الحاكم، طائفي بامتياز، بل جرى"تطييفه"عبر آليات عمدية أحياناً، وأخرى لا واعية في معظم الأحيان على يد النظام نفسه.
النظام مثلاً يفصل بين عدائه الشديد ل"الاستخدام السياسي للدين"كما يمثله الإخوان، وبين التدين النفعي الذي أصاب جسد المجتمع، وهو جسد لم يتبق له إلا التدين بعد أن خرج نهائياً من حسابات السياسة. بل إن قطاعات واسعة من سلاسل السلطة المتوسطة والسفلية المرتبطة بالنظام أصبحت متدينة وطائفية بالسليقة. تسلسل العلاقة النفعية والفاسدة يسمح بفصل التدين المتطرف عن العلاقة الوظيفية. فأكثر أحداث التمييز الطائفي خرجت من رؤساء أحياء ومحافظين قادمين من قلب المؤسسة الأمنية، وهذه القيادات استراح ضميرها إلى أن قمة السلطة لن تعاقب سلوكها الطائفي.
لهذا لا يبدو غريباً إصرار النظام على ترويج"حقنة الوحدة الوطنية"في هكذا كرنفالات على رغم إدراك القاصي والداني والأعمى والبصير أن صلاحيتها انتهت منذ عهد السادات، وأن الصدع الطائفي ينخر استقرار وطمأنينة جسد مجتمع تُرك نهباً لتغول نسخة جديدة من التدين، معناها أن"يخلص"رجل الشرطة مصالح"الجهادي السابق"والسلفي الحالي مقابل أجر معلوم، طالما الأخير دخل تحت عباءة الأول، وطالما الاثنان سيتحالفان طوعاً على ثالث"نصراني كافر".
بالعودة إلى"فلتة لسان"الفقي و"الانفعال الصادق"لمكرم، وهما ما هما في النظام، يبدو أن أمراً قد صدر من أعلى أو من أسفل أو من"بين بين"وفقاً للهندسة الفراغية المفزعة لعقل النظام بتفويت الفرصة على الأقباط في استغلال حادث الإسكندرية لتحقيق أي من مطالبهم المشروعة، وتصميم العقل الجمعي على هزل توصيف الحادث بالإرهابي لا الطائفي هو قمة التهيئة لهذه التقنية. فأنتم، أي الأقباط، غير مستهدفين إلا لكونكم مصريين، ومهمة الدفاع عنكم أو حمايتكم أو الحديث باسمكم لن تكون لكم أصلاً، لا بارتفاع الصوت ولا بتهديد الغرب، لا بالتظاهر ولا بالتعاطف من قوى المجتمع المدني، أنتم رهائننا، أما ما تعنيه"مصريتنا المستهدفة"فنحن الأولى بالتعريف ونحن الأجدر بتوجيه الاتهام.
وفقاً لهذا الإقصاء والفصل والتعسف في التعريف، تتحرك ميليشيا ضخمة، تم إسقاطها جواً على موقع حادث الإسكندرية، وعلى رغم تنوع إنتماءاتها الفكرية من إسلامية معتدلة إلى ناصرية عتيدة وصولاً إلى ماركسية تليدة، من وطنية كلاسيكية إلى وطنية الفكر الجديد، تتحرك جميعها لإجهاض كلمة"الدولة المدنية"، مرة بتقديم تشويه متعمد للكلمة، ومرات بالحديث عن المدنية الأصيلة للدولة المصرية، وعشرات المرات بالحديث عن المكون الإسلامي الراسخ للهوية الوطنية. ثم تتعاقب الفيالق تلك لوصم الأقباط بلعنة طرح المصطلح، وكأن المدنية والمواطنة لغز محلي الصنع، أو كأنه مطلب ابن التفجير الإجرامي الذي"سرعان ما سنتجاوزه جميعاً".
لقد أدخل النظام كلمة"المواطنة"في تعديلاته الدستورية تحت ضغط الحقبة البوشية، وأنشأ مجلساً أعلى لحقوق الإنسان ليباهي به"الأمم الأوروبية"، وقد مضت تلك السياقات التاريخية بلا عودة، وهو باقٍ بقبضته الأمنية فيما يرتع مجتمعه الطائفي متعلقاً بقشة"المادة الثانية"من الدستور، والتي تقول إن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع. لقد هندس فراغات الخواء التي صنعها حوله، فهواه إسلامي تمييزي، وسياسته الاقتصادية رأسمالية احتكارية، وهو فوق ذلك نظام أمني بتاريخ يتمسح بعسكرية حركة التحرر الوطني: كولاج يحقق أقصى أماني الفرادة، لكنه لا يمنعه من الرعب، ولا يردعه عن البحث عن ضحايا جدد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.