ضبط شخص في تبوك لترويجه (66) كجم "حشيش" و(1) كيلوجرام "كوكايين"    نائب أمير الشرقية يعزي محمد البسام في وفاة نجله    نجاح أول عملية باستخدام تقنية الارتجاع الهيدروستاتيكي لطفل بتبوك    صحف عالمية: الهلال يصنع التاريخ في كأس العالم للأندية 2025    ترمب يتعهد بتمرير العديد من سياساته بعد قرار المحكمة العليا    مقتل 18 سائحًا من أسرة واحدة غرقًا بعد فيضان نهر سوات بباكستان    الشيخ صالح بن حميد: النعم تُحفظ بالشكر وتضيع بالجحود    إمام وخطيب المسجد النبوي: تقوى الله أعظم زاد، وشهر المحرم موسم عظيم للعبادة    12 جهة تدرس تعزيز الكفاءة والمواءمة والتكامل للزراعة بالمنطقة الشرقية    بلدية فرسان تكرم الاعلامي "الحُمق"    مكاسب الهلال من بلوغ دور ال16 في كأس العالم للأندية    تمديد مبادرة إلغاء الغرامات والإعفاء من العقوبات المالية عن المكلفين حتى 31 ديسمبر 2025م    5 شراكات جديدة لدعم مستفيدي إنجاب الشرقية    مواعيد مواجهات دور ال16 من كأس العالم للأندية    استشهاد 22 فلسطينيًا في قصف الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة    شاموسكا إلى التعاون.. واتفاق بين نيوم وجالتييه    مدير جوازات الرياض يقلد «آل عادي» رتبته الجديدة «رائد»    وزارة الرياضة تحقق نسبة 100% في بطاقة الأداء لكفاءة الطاقة لعامي 2023 -2024    الصين تؤكد تفاصيل الاتفاق التجاري مع الولايات المتحدة    طقس حار الى شديد الحرارة على معظم مناطق المملكة    رئاسة الشؤون الدينية تُطلق خطة موسم العمرة لعام 1447ه    استمتع بالطبيعة.. وتقيد بالشروط    د. علي الدّفاع.. عبقري الرياضيات    في إلهامات الرؤية الوطنية    ثورة أدب    أخلاقيات متجذرة    كرة القدم الحديثة.. عقل بلا قلب    القادسية.. موسم ذهبي وأرقام قياسية في موسم مثالي    القبض على وافدين اعتديا على امرأة في الرياض    رسميًا.. رونالدو مستمر مع النصر حتى 2027    البدء بتطبيق"التأمينات الاجتماعية" على الرياضيين السعوديين ابتداءً من الشهر المقبل    نجران ترسم مستقبلها الإستثماري بنجاح مبهر في منتدى 2025    نائب أمير جازان يستقبل رئيس محكمة الاستئناف بالمنطقة    شبكة القطيف الصحية تطلق مبادرة "توازن وعطاء" لتعزيز الصحة النفسية في بيئة العمل    الأمير تركي الفيصل : عام جديد    تدخل طبي عاجل ينقذ حياة سبعيني بمستشفى الرس العام    القبض على 3 مخالفين لنظام أمن الحدود ظهروا بمحتوى مرئي في صبيا    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان يشارك في افتتاح المؤتمر العلمي الثاني    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي، ويناقش تحسين الخدمات والمشاريع التنموية    لوحات تستلهم جمال الطبيعة الصينية لفنان صيني بمعرض بالرياض واميرات سعوديات يثنين    ترامب يحث الكونغرس على "قتل" إذاعة (صوت أمريكا)    الخارجية الإيرانية: منشآتنا النووية تعرضت لأضرار جسيمة    تصاعد المعارك بين الجيش و«الدعم».. السودان.. مناطق إستراتيجية تتحول لبؤر اشتباك    حامد مطاوع..رئيس تحرير الندوة في عصرها الذهبي..    تخريج أول دفعة من "برنامج التصحيح اللغوي"    غروسي: عودة المفتشين لمنشآت إيران النووية ضرورية    تحسن أسعار النفط والذهب    أسرة الزواوي تستقبل التعازي في فقيدتهم مريم    الجوازات: جاهزية تامة لاستقبال المعتمرين    في جولة الحسم الأخيرة بدور المجموعات لمونديال الأندية.. الهلال يسعى للتأهل أمام باتشوكا    عسير.. وجهة سياحة أولى للسعوديين والمقيمين    وزير الداخلية يعزي الشريف في وفاة والدته    استشاري: المورينجا لا تعالج الضغط ولا الكوليسترول    "التخصصات الصحية": إعلان نتائج برامج البورد السعودي    أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الصحة بالمنطقة والمدير التنفيذي لهيئة الصحة العامة بالقطاع الشمالي    من أعلام جازان.. الشيخ الدكتور علي بن محمد عطيف    أقوى كاميرا تكتشف الكون    الهيئة الملكية تطلق حملة "مكة إرث حي" لإبراز القيمة الحضارية والتاريخية للعاصمة المقدسة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



... والمبدع نفسه كيف ينظر الى أفلامه وعلاقتها بحياته ومجتمعه ؟ . يوسف شاهين : سيرة ذاتية في أعمال اكتشف الآخرون أهميتها متأخرين
نشر في الحياة يوم 01 - 08 - 2008

لم يكن المخرج الكبير الراحل يوسف شاهين من المبدعين الذين يستنكفون عن الإدلاء بأحاديث صحافية... بل كان هذا من هواياته، غير أن اللافت هو أن صاحب"الأرض"وپ"العصفور"الذي ودعه كبار مصر والعالم العربي والفنانون الذين عرفوه عن قرب وأحبوه وأحبوا سينماه، كان قليلاً ما يتحدث في الحوارات عن أفلامه، مفضلاً في أغلب الأحيان أن يخوض في أمور تدور من حول تلك الأفلام، ولا سيما حين تدنو سينماه من القضايا السياسية والاجتماعية. ومع هذا، إذ تحرى المرء نصف قرن من الحوارات مع شاهين، سيعثر على حوارات أساسية، حرص فيها هذا الفنان على التكلم عن أفلامه. وهذه الحوارات يمكن أن تشكل في مجموعها متناً يكاد يكوّن نظرة شاهينية الى سينما شاهين، متناً متكاملاً مترابطاً، تدهش قراءته مجتمعاً، كيف ان"جو"كان دائماً أقدر من كثر من الذين كتبوا عن أفلامه، تأييداً أو استهجاناً أو بين بين، على الغوص في تلك الأفلام، وليس دائماً من موقع المؤيد لها دون قيد أو شرط، فهو الذي كان، بحسب تعبيره"لا يتوقف عن انتقاد كل ما لا يراه مصيباً وحسناً في الحياة المصرية ? والعربية -"لم يكن في وسعه أن يمر من دون انتقاد على أعماله نفسها. وهنا في هذه الفقرات التي جمعناه من سلسلة طويلة من حوارات مع شاهين، أو من تصريحات له، نقرأ هذا الفنان يحدثنا عن بعض أفلامه ومراحله الأكثر دلالة، بوضوح وألفة. وأحياناً عبر مسافة تجعله يبدو وكأنه يتحدث عن أفلام حققها آخرون. وهذه الفقرات هي جزء من متن طويل، يشكل أحد فصول كتاب لكاتب هذه السطور عن سينما يوسف شاهين عنوانه"نظرة الطفل وقبضة المتمرد"سيصدر عن"دار الشروق"في مصر، خلال الأسابيع المقبلة.
"بابا أمين"1950
حين عدت الى مصر من الولايات المتحدة، كان في مصر سينمائي ايطالي يدعى جياني فرنوتشي، يحاول أن يحقق فيلماً فيه شيء من"الواقعية الجديدة". في ذلك الحين لم أكن أعرف عن هذه الواقعية شيئاً لذلك اكتفيت بمراقبته خلال عمله. وفي يوم من الأيام تشاجر هذا السينمائي مع المنتج الذي طلب مني أن أكمل العمل مكانه، لكنني اقترحت على المنتج أن أعمل معه ما ان ينتهي من ذلك الفيلم. كنت يومها في الحادية والعشرين. ومن الواضح أنني كنت سخيفاً تماماً. كان لي أنف طوله ستة أمتار وأذنان مثل شراع المركب. وقال لي أحد المنتجين انهم لا يستطيعون أخذي مأخذ الجدية، ونصحني بأن أزيد من وزني بعض الشيء وأن أعتني بمظهري. فلو فعلت ربما يتنبه إليّ أحد. إذ حتى كمخرج كان لا بد للناس من أن يهتموا بمظهري. وكانت المرحلة شديدة الثراء في مصر في ذلك الحين، إذ كانت مصر تنتج ما لا يقل عن 120 فيلماً في السنة. وحدث ذات يوم أن نظر اليّ أحدهم بكل جدية وسألني عما أنوي فعله، فقلت: فيلم"ابن النيل". وكان الموضوع عن الفلاحين. وكان لدي السيناريو جاهزاً بل ومقطعاً. وكذلك كان لدي تقطيع سيناريو"بابا أمين"الذي سرعان ما صار هو فيلمي الأول. والحقيقة أن هذا الفيلم الذي يمكن أن نصفه بأنه"كوميديا موسيقية"، لم يكن كوميدياً ولا درامياً. بل كان أشبه برصد واقعي لحياة عائلة تنتمي الى البورجوازية الصغيرة. وكان رب هذه العائلة يشبه والدي نفسه. والمهم أنني أنا في حياتي الشخصية لم أكن أبداً منجذباً الى هذا النوع من الناس الجيدين. ولكن بما أن زمن السينما المصرية في ذلك الحين كان العصر الذهبي للميلودراما وللكوميديا، اخترت الكوميديا الخفيفة مع قسط وافر من الانفعال العاطفي.
"صراع في الوادي"1953
لقد رسخ"صراع في الوادي"قدميّ في صناعة كان معظم أساتذتها في ضعف سني. وكانت تجربة إطلاق وجه جديد عمر الشريف مثيرة للغاية. كذلك كان التصوير وسط المعابد البديعة واستعمال هندستها عنصراً درامياً في البناء الشكلي لمشاهدة المطاردة الأخيرة. ولا بد من ان أذكر هنا أنني خلال الفترة السابقة على تحقيقي هذا الفيلم، كنت قد بدأت أشعر بشيء من القلق والتوتر الغامضين. وحتى الآن لست أدري سر ذلك. فأنا لم أكن منتمياً الى أي حزب، لكنني كنت أحدس بحدوث أمر ما. والحال أنني كنت كتبت"صراع في الوادي"مع علي الزرقاني في وقت كان الملك فاروق لا يزال في الحكم. والفيلم جاء يحكي نضال مهندس شاب عمر الشريف في دوره السينمائي الأول، هو ابن فلاح، ضد الباشا الإقطاعي وزبانيته. كان فيلماً موجهاً ضد طبقة الإقطاعيين. وعندما كتبت السيناريو كانت أيدينا على قلوبنا خوفاً من الرقابة. ولكن فجأة قامت الثورة وصار في وسعنا أن نعبّر عن أنفسنا في شكل أوضح بعض الشيء.
"باب الحديد"1958
كان جيداً بالنسبة إلي أن أحقق هذا الفيلم بعد تجربتيّ مع فريد الأطرش والكوميديا الغنائية على طريقته. ذلك أننا في هذا الفيلم لم نعد أمام الشاب الطيب الساحر ذي القلب الجريء، بل نجدنا أمام شخص يعاني، وفي الوقت نفسه لأسباب اجتماعية وسيكولوجية. وأعتقد اليوم أنني في"باب الحديد"تمكنت، وفي شكل جيد، من أن أحدد الشخصيات وبيئتها الاجتماعية. هذا الفيلم يعني لي الكثير. وأرى أنني عبرت في هذا الفيلم عن قناعتي بأن العلاقات بين الفرد والمجتمع غالباً ما تزيف بفعل الدور الذي يجبر المجتمع الفرد على لعبه. ومع هذا لا بد من أن أقول انني مع"باب الحديد"واجهت أزمة كبيرة. ارتكبت خطأ في طريقة الدعاية للفيلم، إذ ركزت على بطلي الفيلم فريد شوقي وهند رستم، وكان لكل منهما أسلوبه الذاتي، في حين انهما ظهرا في الفيلم بأسلوب مغاير تماماً. فلم يتقبلهما الجمهور. وفي مطلق الأحوال كان"باب الحديد"جديداً في أسلوبه. أو لنقل كان مختلفاً. أما رد فعل الجمهور فكان عنيفاً. وتضايقت جداً ووصل بي الأمر الى حد الإعياء."باب الحديد"كان، في هذا المعنى، صدمة شديدة. شتموني عند عرض الفيلم. وأعتقد أنهم ظلموني لأن الفيلم كان جيداً فعلاً. وكان من أفضل أفلامي لحد اليوم.
"جميلة الجزائرية"1958
هذا الفيلم الذي بني على فكرة ليوسف السباعي، وشارك في كتابة السيناريو له نجيب محفوظ وعبدالرحمن الشرقاوي وعلي الزرقاني كان بداية تعاملي المباشر مع موضوع سياسي في جوهره... لقد عاب الجزائريون على الفيلم أنه اهتم بشخصية بطولية، بينما حرب الجزائر كانت ثورة الملايين. هذا الفيلم لو حققته ثانية اليوم سيأتي بالطبع مختلفاً، لكنني مقتنع بأنه كان يحمل في ذلك الحين شحنة لا بأس بها من اتهام لقمع الاستعمار ووحشيته. كان صرخة تنادي بحق الشعوب في حريتها
"الناصر صلاح الدين"1963
الحقيقة انني إذ كنت بداية الستينات من القرن الماضي قد تمكنت من تجاوز المرحلة السوداء في حياتي، فإن الفضل يعود في ذلك الى المخرج المرحوم عز الدين ذو الفقار. فهو كان من المفروض أن يقوم بإخراج فيلم عن صلاح الدين، إلا أنه تعرض لأزمة صحية فطلب مني أن أُخرج الفيلم مكانه. في البداية رفضت الفكرة تماماً. فعز الدين كان يعمل على إعداد الفيلم منذ سنوات، فكيف أحل محله؟ إلا انه أصرّ قائلاً لي ان هناك الكثير من المخرجين الذين يتطلعون الى إخراج الفيلم، ولكنه هو لا يريد أحداً غيري. فوافقت وبدأت العمل في"صلاح الدين". ولا بد ان من أذكر هنا أن الدولة المصرية أنشأت القطاع العام في السينما خصيصاً من أجل صلاح الدين. وبالنسبة إليّ ساعدني هذا الفيلم تماماً على الخروج من الحقبة السوداء التي كنت غرقت فيها. ومن الناحية الفكرية والسياسية رغبت من خلال هذا الفيلم أن أؤكد مبدأ التسامح المطلق الذي يحكم تعامل العرب مع بقية الأديان.
"بياع الخواتم"1956
ثم"رمال من ذهب"1966
بعد إنجاز"فجر يوم جديد"وعرضه، شعرت أن البيروقراطية الناصرية بدأت تثبط من عزيمتي، إذ راحت تسيطر تماماً، من طريق القطاع العام على المؤسسة العامة للسينما وعلى ما ينتج في مصر بالتالي. وكانت تلك هي الفترة التي دعيت فيها الى بيروت لحضور العرض العالمي الأول لپ"فجر يوم جديد"ضمن إطار مهرجان بيروت السينمائي الدولي، في خريف 1964. وهناك في بيروت التقيت الأخوين عاصي ومنصور الرحباني اللذين عرضا عليّ أن أخرج أول فيلم سينمائي تقوم ببطولته فيروز. وكان الفيلم عن مسرحية"بياع الخواتم". ولما كنت، أنا، في وضع سيئ جداً، كان لا بد من أن يظهر هذا الوضع على الفيلمين اللذين حققتهما خارج مصر "بياع الخواتم"و"رمال من ذهب"، لكن"بياع الخواتم"يبقى فيلماً دافئاً. وفيروز شخصية فنية جبارة. وموسيقى الأخوين رحباني جميلة جداً. أما"رمال من ذهب"الذي صورته في إسبانيا والمغرب، فأعتقد أنه أسوأ فيلم صنعته في حياتي. وقد خرجت من هذه التجربة الأخيرة باقتناع راسخ: أنا لا اصلح لما يسمى بپ"كومبينات السينما"، وهكذا عدت الى مصر... بعد عامين من الغياب.
"الأرض"1968
بعد"الناس والنيل"، وبعد فيلم قصير عن الكنيسة القبطية هو"عيد الميرون"، عدت الى مشروع قديم كان يعتمل في ذهني منذ ثماني سنوات على الأقل: تحقيق فيلم عن رواية"الأرض"لعبدالرحمن الشرقاوي، والتي كانت قد نشرت للمرة الأولى مسلسلة قبل العام 1952. وفي هذه الرواية كان الروائي يتحدث عما يعرفه أكثر من أي شيء آخر، ذلك انه كان هو نفسه فلاحاً. وكنت اشتغلت على السيناريو مع حسن فؤاد واضطررنا الى اختصار مشاهد كثيرة من عمل يزيد عدد صفحاته عن 600 صفحة. وفي البداية كان يفترض أن يكون"الأرض"أول فيلم أحققه بعد عودتي. لكن الحظ جعل"الناس والنيل"يحقق قبله... وكان ما يهمني أكثر من أي شيء آخر لديه طريقته في رسم لعبة التناقضات الاجتماعية وسط عالم مصغر. وپ"الأرض"هو في نهاية الأمر فيلم عن الصراع الطبقي داخل قرية مصرية. وفيه رغبت ان أبرهن ان الناس غالباً ما يكونون تحت تأثير وضعهم الاجتماعي والاقتصادي. صحيح ان أحداث الرواية والفيلم تدور في العام 1933، غير ان هذا التحديد التاريخي لم يكن مهماً على الإطلاق. وأذكر هنا أنني كنت تعاونت مع عبدالرحمن الشرقاوي في فيلم"جميلة الجزائرية"كما في بعض أفلامي الأخرى. وپ"الأرض"كان يحتوي، في صيغته كرواية الكثير من الطروحات المشتتة. كما ان الفعل فيه لم يكن ذا بعد درامي. وهكذا وجدت نفسي مضطراً الى الاختصار، والى تكثيف الخطاب الذي أريد التعبير عنه، بالاستناد الى إشارات مخبوءة أعدت هيكلتها. وقد سعيت الى الوصول الى توليفة من طريق الصورة، ان أعطي حساً للمتفرج بأنني أرسم الشخصيات رسماً. كما أردت أن أربط بين أحداث ليس ثمة، في الأصل رابط حقيقي بينها. وكنت أريد أن أعبر عن مبرر وجود بعض الأحداث ودلالاتها. في"الأرض"كانت المرة الأولى في حياتي التي آخذ وقتي بكل صبر وأناة من أجل عرض فكرة من الأفكار أو أمر من الأمور. وأنا أعتقد على أي حال أن"الأرض"هو أحد أهم الأفلام المصرية التي أعطت الكلمة للشعب.
"الاختيار"1970
كان"الاختيار"فيلمي التالي بعد"الأرض". وقد حققته خلال مرحلة سياسية شديدة الغرابة. إذ إننا في مصر كنا في حالة أطلق عليها اسم"اللاحرب واللاسلم": كنا نعيش وسط اللايقين. وكشعب لم نكن نحظى بأي احترام. كانت الكبرياء منتشرة والحاسدون في كل مكان. وكان من الضروري وصف تلك الوضعية التي لا يمكن احتمالها. يومها لفت أحدهم نظري الى حكاية عن الانفصام كان نجيب محفوظ قد كتبها. إنها حكاية أخوين توأمين يختفي واحد منهما. فمن الذي قتل الآخر: هل القاتل هو"الأزعر"ذو القلب الطيب، أم المتعلم ذو الصفات الحسنة والذي يمثلنا في منظمة الأمم المتحدة؟ كان"الاختيار"يريد ان يبني أنه بات من الملحّ أن نتحرك، وإلا فإننا سنعيش جميعاً وسط انفصام تام. ففي ذلك الحين لم يكن أحد ليجرؤ على اتخاذ أي قرار. ولم نكن لنعرف من سيسيطر على من. إزاء هذا كله وجدت الفكرة مهمة للغاية. ورأيت أنه بات في إمكاني أن أعبر عن نفسي في شكل أكثر انفتاحاً، مع شيء من الجرأة الزائدة.
"اسكندرية ليه؟"1978
بدءاً من فترة"عودة الابن الضال"أدركت في أعماقي كم أن التحركات التاريخية التي نعيشها موقتة وغير ثابتة. وتساءلت:... وبعد عبدالناصر ما هي القوة التي تمنعنا من الاستمرار في التدهور وفي التفتت؟ هناك قطيعة في العالم العربي تلزمها قوة كبيرة تعيد التوحيد. ولا يبدو لي أن هناك قوة أخرى في هذا الحجم غير الثورة الفلسطينية. فهي هدفها إنشاء دولة ديموقراطية علمانية. الثورة الفلسطينية كانت القوة التي في وسعها جمع الشمل. وفجأة بدت وكأنها لم تعد تناسب مصالح الأطراف. يبدون جميعاً وكأن فكرة الدولة الديموقراطية العلمانية لم تعد تناسبهم. من هنا، فإن"إسكندرية ليه؟"نافذة صغيرة مفتوحة على هذه الدولة التي يحلم بها الفلسطينيون. لكن الفيلم جاء في فترة يريد فيها كل واحد تفسير ما هي الثورة الفلسطينية بحسب حاجاته الخاصة. من ناحية أخرى يتحدث الفيلم عن يحيى ابن السابعة عشرة. يوسف شاهين يروي حكاية يحيى كجزء من فترة. وإذا كان"اسكندرية ليه؟"بعد كل شيء فيلماً عن التسامح، فإن هذا نابع من مدينة الإسكندرية نفسها. الاسكندرانيون متسامحون في شكل خاص لأنهم طوال عمرهم عاشوا مع ناس من مختلف الطوائف والجنسيات: مع يهود وطليان ويونانيين وغيرهم. واليهود كانوا عندنا طائفة مثل غيرهم. موضوعهم بدأ يهمنا بسبب قضية فلسطين. أخذ لوناً آخر. ولكن هذا جاء في ما بعد.
"حدوتة مصرية"1982
إن القاسم المشترك بين"إسكندرية ليه؟"وپ"حدوتة مصرية"هو يحيى، الذي هو يوسف، أي أنا. ومسار هذه الشخصية هو المسار الذي أحكي عنه في الفيلمين. ويحيى/ يوسف هو شخص آلى على نفسه أن يفهم. وأنا فهمت منذ كنت، بعد، يافعاً، انه لا يمكنني في حياتي أن أكتفي برواية الحكايات. كنت أعرف انني ألماني، وكنت أدرك أنني راغب في ان اصرخ، أن أقول لأحد ما انني أعاني. ولعل هذا كان السبب الأول الذي حرك لدي حبي للسينما. ولاحقاً أدركت أن من المفيد أن أقول أيضاً"لماذا"أعاني"ومن ذا"الذي يجعلني أعاني. وبالنسبة الى"حدوتة مصرية"تحديداً، ولدت لدي فكرة الفيلم بعدما اكتشفت أن علي أن أجري عملية قلب مفتوح. وأدركت انني بت على أبواب الموت وراحت تراودني كل تلك الأسئلة: ما الذي فعلته في حياتي حتى اليوم؟ والسينمائي لا يحب، عادة، أن يترك هذا العالم من دون ان يترك وراءه إمارة أخيرة. تماماً مثل خوفو الذي بنى أهراماً لتخليد ذكراه، أو مثل الجار الذي يؤمن بالمثل القائل"من خلّف لم يمت". أنا لم يكن لدي ابن ولا أستطيع أن ابني اهراماً. فماذا أترك ورائي؟ بضعة أفلام.
"اليوم السادس"1986
حققت"اليوم السادس"عن رواية اندريه شديد، أولاً، لأن هذه الرواية كانت تعجبني جداً. وكنت منذ سنوات طويلة أرغب في تحويلها الى فيلم. لفتت الرواية نظري منذ كنت أصور"باب الحديد". ولهذه الرواية على أية حال مدلولاتها لجهة السياسات الخطأ. صحيح ان الاحتلال البريطاني صار جزءاً من الماضي، لكن اليوم هناك الاحتلال الاقتصادي، طالما أننا لم نفهم بعد ما هو الاقتصاد. في كلا الحالين أنت تحت رحمة الآخرين. عندما حققت"اليوم السادس"شعرت بأنه كان عليّ أن اذكّر بالحقوق الأساسية للإنسان. وقد قالت لي أندريه شديد بعد مشاهدتها الفيلم: ليتني كنت كتبت الرواية بعد أن شاهدت الفيلم. أجل ان ما يجمع بين صديقة داليدا وتحفة محسن محيى الدين في الفيلم هو حبهما معاً للسينما ومشاهدة الآلام. كلنا تربينا على السينما وتعلمنا أشياء كثيرة من خلالها. أنا استغرب جداً كيف أن رؤساء وقادة بلدان يحتلون أعلى المناصب يقللون من شأن السينما، بل حتى يستخفون بها.
"المهاجر"1994
لقد حاول البعض أن يقول ان قصة فيلم"المهاجر"هي نفسها قصة يوسف وأخواته، لكن هذا ليس صحيحاً. لا أقول ان ليس ثمة نوع من التشابه. ومع هذا أؤكد ان"المهاجر"هو بالنسبة إلي استكمال لسيرتي الذاتية. إن المهم في هذا الفيلم، بالنسبة إليّ، هو القرار الذي يتخذه رام، بطل الفيلم، بترك الصحراء التي يعيش فيها، للبحث عن العلم حيث يجده. قرر رام أن يعمل المستحيل لكي يحصل على العلم. وهذا ما حصل معي حين سافرت الى أميركا. أنا تعلمت في أميركا، ولكنني لم أبق في أميركا. عرضوا علي أن أبقى هناك وأعلم، وكنت في تلك الفترة في الثانية والعشرين من عمري، وبالتالي كان في إمكاني أن أبقى هناك وأبدأ حياتي من جديد. ولكنني لم أفعل. قراري كان ان اذهب الى أميركا وأتعلم شيئاً وأعود الى بلادي وأحاول ان أكون مفيداً لشعبي أولاً. لقد كان على الذين زعموا أن ما في الفيلم هو قصة يوسف، ان يتذكروا الفارق الجوهري بين رام ويوسف: فيوسف يهاجر الى مصر ويبقى فيها. لقد قالوا ان هناك تشابهاً بين هذا المشهد في الفيلم، وذاك في حياة نبي من الأنبياء. والحقيقة أن صفع أب لابنه أمر موجود منذ فجر التاريخ!
"المصير"1997
فيلم"المصير"الذي أتى بعد"المهاجر"حققته كما كنت أريد تماماً. لقد قلت لهم منذ البداية انه إذا كانت لدى الرقابة أسئلة تود طرحها عليّ بسببه فلتفعل. فلتقل لي أين تكمن المشكلة؟ إن المثقفين في شكل عام يحاولون دائماً تمرير رسالة تختلف عن رسالة المتشددين. ومصر أمة فيها تنويعة كبيرة من الناس. ومعنى هذا أن المسألة تقوم أولاً وأخيراً في معرفة كيفية تعبئتهم. لكنني خلال المحاكمة التي خضع لها"المصير"خاب أملي كثيراً إزاء موقف بعض السينمائيين الذين لم ألحظ لهم حضوراً خلال المحاكمة. ومع هذا لا بد من أن اذكر أن هناك كتاباً وشعراء وقفوا الى جانبنا. وهذا الأمر كان له تأثير فيّ. وتمكنت حقاً من ان اعكس هذا التأثير في"المصير". لقد أردت في"المصير"أن أذكر بأن الفكر ينبع من الإنسان. ومناقشة ما هي الحضارة أو كيف يتم التواصل بين الناس، أمور تجعلنا نتذكر مسائل قد يحدث أننا ننساها في بعض الأحيان.
"الآخر"1999
لقد فكرت بهذا الفيلم وموضوعه خلال السنوات الثلاث السابقة على تصويره. ورحت أبحث عن كل المعطيات التي يمكن توافرها حول موضوعه. والموضوع هو العولمة التي كنت توقعت سلفاً أنها لن تمر إذا ما بقيت من دون ضوابط. بل ستشكل خطراً كبيراً حتى على الأجيال المقبلة، ويمكن ان تقضي عليها. وهذا ما أردت قوله في الفيلم. وهو نفس ما تعبر عنه التظاهرات الكثيرة التي يشهدها العالم ضد العولمة والتي يقوم بها أناس يفكرون بالأمر كما أفكر أنا. لقد سررت بهذه التظاهرات لأنها كشفت لي انني لست وحدي.
"الاسكندرية - نيويورك"2004
الى حد ما، يتطابق الحلم الأميركي لديّ مع حلم حياتي. كنت في التاسعة من عمري حين اصطحبتني جدتي الى صالة بائسة في الحي الذي كنا نقطنه: كان هناك ثلاثون كرسياً مخلعة من القصب، وفي صدر المكان شاشة صغيرة يبث عبرها عدد من المشعوذين خيالات صينية. هناك، فجأة ومن دون أي استعداد مسبق، حدثت لدي تلك الخبطة العاطفية القوية: اتخذت بيني وبين نفسي القرار بأن أقلدهم وأن أدهش جمهوراً ما. بعد ذلك دخل حياتي عدد لا بأس به من أفلام الكوميديا الموسيقية، الفرنسية أولاً مثل أعمال هنري غارا وليليان هارفي. بعد ذلك جاءت الحرب العالمية الثانية ووصلت معها الكوميديا الموسيقية الأميركية. ذلك أن أوروبا كانت في ذلك الحين معزولة وغير قادرة على ان توصل الينا أفلامها. ومع هذا لا بد من أن أقول بكل تأكيد ان فيلم"الفأس الكبير"لجوليان دوفيفييه، الذي شاهدته أكثر من أربعين مرة، كان هو الفيلم الذي جعلني أتخذ قراري النهائي من دون تراجع. ومنذ ذلك الحين انطلقت، ولم أتوقف بعد ذلك عن الانطلاق أبداً.... حين كنت أصور في نيويورك، كنت أشعر بسعادة مطلقة. لكنني كنت في الوقت نفسه مأخوذاً بالشخصيات التي أصورها اكثر مما كنت مأخوذاً بالأمكنة.
هذه التوليفة من تصريحات شاهين حول أفلامه، جرى اقتباسها وربطها، بالاستناد الى حوارات طويلة أجريت مع الفنان، ونشرت في كتب أو في مجلات عربية أو فرنسية أو إنكليزية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.