كانت الكويت في يوم ما تفاخر بأنها نموذج مثالي للديموقراطية في منطقة لا تعرف مفهوم الديموقراطية أو هويتها الحقيقية، إلا أن تلك الموشّحات والمصطلحات بدأت"تحمرُّ"خجلاً في الداخل الكويتي جراء ممارسة"عجيبة"لها من بعض النواب في مجلس الأمة الكويتي، حتى أضحت"سَمِجَة"وتفوح منها روائح لا تمت للممارسة الديموقراطية وحرية التعبير بصلة. ما أكثر المناكفات والمشاغبات والتخوينات تحت قبة مجلس الأمة، حتى ان المشاهد لصراخ بعض نوابه يعتقد انه يستمع إلى"هوشة"أو"شتائم بزران"، كونها تصدر بلا سلوك وتفتقد حسن التعبير والكلام. لا أعرف ان كان هؤلاء النواب يعلمون ان كثرة الصراخ والضجيج"الممجوج"، تفقد المكان قيمته البرلمانية والشعبية؟ المؤكد ان بعضهم يقول: ما هكذا تورد الإبل وليس ما يمارس داخل المجلس"ديموغراطية"! المشهد الكويتي الحالي يعاني من"زكام"وحاله النفسية"مضطربة"، فقد أعيد تشكيل الحقائب الحكومية أربع مرات في حوالي سنة ونصف السنة، وهي مدة لا يمكن لأية حكومة ان تنجز فيها أي عمل تطويري أو بناء إنساني لمصلحة الوطن والمواطن. قد يقول قائل ان تبديل الحكومات وتشكيلها يعني نشاط البرلمان وحيوية رجالات مجلس الأمة، كما يعني ان سياسة البلد نشطة فهي لا تريد الانكفاء على حكومة واحدة"معمرة"ترهل الحركة المجتمعية في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لا اختلاف مع هذا القول شريطة ان يكون التعاطي مع المهمة البرلمانية بصفاء ونقاء، بعيداً عن المزايدات والرصد"المغرض". لكن ما يحدث في الكويت من تجاوز البعض لحدود السلوكيات عبر الدخول في الذمم والنيات والتخوين شيء مؤسف جداً، ولا علاقة له بالديموقراطية إذا كان لمجرد اطلاق الكلام على العواهن بلا براهين. من حق البرلمانات ممارسة أدوار رقابية لتقويم الأداء الحكومي ومحاسبة الوزارات، لكن المهمة لا تنحصر في تعجل"الهفوات"للمسارعة الى طلب استجوابات وطرح الثقة بالحكومات، بل يجب ان تكون الصورة مكتملة ولا يشرع في طرح الثقة عند الهفوة الأولى، لأن ذلك سيشل الأداء الحكومي ويعوق المشاريع ويضر بتكاملية الصورة الوطنية"الجمعية". اعتقد ان ما يحدث في لبنانوالكويت ليس ديموقراطية حقيقية كما تزعم الحكومات والشعوب، بل هو تشويه وإساءة سمعة لهما، فلا توجد ديموقراطية حقيقية في أي بلد عربي، ولا أعتقد أنها ستكون ولو أن الكويت أفضل الموجود. في الكويتولبنان تحوّلت الممارسة الديموقراطية إلى انتقامية وشتائمية وإقصائية، إذ تحوّلت لغة الاختيار والالتقاء ونقض الحجة بالحجة إلى لغة العصا التي لا تعترف إلا بالتهديد والوعيد بالقتل والاغتيال. فمثلاً في الأسبوع الماضي تلقّى النائب في مجلس الأمة الكويتي علي الراشد تهديداً بالقتل بسبب اقتراحه، مع اثنين من زملائه، تعديل القوانين التي تكرّس الفصل التام بين الجنسين في الجامعات الكويتية، باعتباره يتناقض مع قوانين أخرى كالقانون الذي يدعو إلى المساواة بين الجنسين. من حق الإنسان التعبير عن آرائه واختياراته والحلم بحياة آمنة مستقرة تتسع لأفكاره واقتراحاته، لكن على ما يبدو أن العالم الآمن الذي نحلم به جميعاً لن يتأتّى مع تزايد أعداد السفهاء والغاضبين والموتورين والمؤدلجين، في ظل غياب ثقافة الحوار وعدم القدرة على ترسيخ قيمه المستنيرة، التي لا تقبل التصادم البشري لكنها تقبل الاختلاف بالود. عالم اليوم يفتح الباب للصراعات ويضيّق الفهم للمصطلحات، حتى ان الأفكار والاقتراحات تحوّلت إلى أدوات للحروب والاستقطابات الحادة، التي تفضي إلى"عسكرة"المجتمعات وتقسيم الناس إلى فرق وجماعات متناحرة وفق أيديولوجيات متعددة، كل يسعى فيها إلى فرض رأيه ولو بالعصا"الغليظة". ما نريده هو برلمان كويتي مثالي لا برلمان"مأزوماً"مصاباً بالزكام، كلما كبر سنّه زاد في المراهقة والعبثية وتشبَّع بالفوضوية. هل ذلك ممكن أم لا؟