تدشين السوق الحرة بمطار الملك عبدالعزيز    «البلديات» تصدر اشتراطات مراكز«التشليح»    أكتوبر المقبل.. في سفوح جبال طويق.. «القدية» تحتضن النسخة الافتتاحية من كأس العالم FIA Extreme H    السعودية تطالب بوضع حد للنهج الإسرائيلي الإجرامي الدموي.. الاحتلال يوسع عملياته البرية داخل غزة    فرنسا: حملة تدميرية جائرة    الأردن: جريمة إبادة جماعية    في الجولة الثالثة من دوري روشن.. كلاسيكو مرتقب بين الأهلي والهلال.. وديربي يجمع النصر والرياض    في بطولة آسيا 2.. النصر يدك شباك الاستقلال الطاجيكي بخماسية    في أولى جولات دوري أبطال أوروبا.. برشلونة ضيفاً على نيوكاسل.. وعودة عاطفية لدى بروين إلى مانشستر    العيسى والصباح يزفان عبدالحميد    ضبط 83 كجم قات و61 كجم حشيش    بدد أموال والده في «لعبة».. وانتحر    فيلم «ظبية» يكشف كنوزاً أثرية سعودية    عسير تتصدر السياحة الثقافية    في أمسية فنية وثقافية وحضور كبير.. صالون عبدالمنان يكرم الموسيقار جميل محمود    "سترونج إندبندنت وومن"    زراعة «سن في عين» رجل تعيد له البصر    هيثم عباس يحصل على الزمالة    71.3% نسبة التحقق من مستهدفات الإسكان    2.09 مليار قيمة الحملة الوطنية للتدريب    دوري الأبطال: البطل يضرب بقوة افتتاحا وفوز مثير لليفربول    إنزاغي: أملك الحلول    المسحل: هدفنا تنظيم بطولة آسيوية متكاملة    الورد السعودي.. العطر والجمال    لوحة بصرية    سارعي للمجد والعلياء    الجوال أبرز مسببات الحوادث المرورية    41 مليون عملية في أبشر خلال شهر    مبادرات جمعية الصم تخدم ثلاثة آلاف مستفيد    أمير الرياض يلتقي السفير الفيتنامي    محمد بن عبدالعزيز يطلق ملتقى جامعة جازان ل«أبحاث السرطان 2025»    التغير المناخي يودي بحياة الآلاف في أوروبا هذا الصيف    «إثراء» يحصد جائزة التواصل الحضاري    كنوز الجوف.. حضارة آلاف السنين    "الثقافة" قطاع محفز للإبداع المحلي والنمو الاقتصادي    غابات الأمازون في البرازيل تفقد خلال 40 عامًا أكثر من 49 مليون هكتار    أوقاف إبراهيم بن سعيدان تنظم ورشة عمل حول التحديات التي تحدثها المصارف الذرية في الأوقاف المشتركة    وزير الشؤون الإسلامية يؤكد تطوير منظومة الطباعة بمجمع الملك فهد    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    إعادة تشكيل قطاع البرمجيات وفق احتياجات الطاقة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي    الخدمات الصحية في وزارة الدفاع تحصد وسام التميز بجودة البيانات    العالمي يضرب الاستقلال بخماسية    غزة بين الركام والمجاعة: حرب مدمرة تفتك بالأرواح وتشرد السكان    ما أهداف اتفاقية الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان؟    الصمعاني يستعرض احتياجات محاكم الشمالية    الأميرة سما بنت فيصل تُقيم مأدبة عشاء ثقافية لضيوف تدشين مشروعات رسل السلام    نائب أمير تبوك يكرم تجمع تبوك الصحي لحصوله على جائزة أداء الصحة في نسختها السابعة    الأمير محمد بن عبدالعزيز يرعى حفل افتتاح ملتقى جامعة جازان ل"أبحاث السرطان 2025″    السعودية تدين بأشد العبارات لعمليات توغل قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة    "إثراء" يتصدّر المشهد الثقافي بحصوله على جائزة الملك عبد العزيز للتواصل الحضاري    الموافقة على آلية التعامل مع حالات العنف والإيذاء والإهمال في المنشآت الصحية    وجهة نظر في فلاتر التواصل    خطبة الجمعة المقبلة.. وحدة الصف ونعمة الأمن والرخاء ورغد العيش    اللصقات الهرمونية أنسب لمرضى السكري    خطى ثابتة لمستقبل واعد    محافظ الأحساء يكرّم مواطنًا تبرع بكليته لأخيه    إطلاق مبادرة تصحيح أوضاع الصقور بالسعودية    المواطن أولا رؤية وطن تتجدد حتى 2030    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النوم ومحبوه الكثيرون والمحمومون
نشر في الحياة يوم 18 - 12 - 2008

لا أذكر بين الناس الكثيرين الذين عرفتهم، من قرب أو من بعد، مصابين باليقظة، أو بمرضها وآفتها.... عرفت بالأحرى، كثرة من المصابين بهوى النوم. ففي المدرسة الداخلية، شطر لا بأس به من التلاميذ كان يبتدئ نومه على مقاعد قاعة الدرس، قبل الصعود الى المنامة - وهذه كانت مكاناً يشكل مختبر هوس النوّم وأحوال النائمين على اختلافها وأنواعها، على رغم سعة وقت النوم، وخلو المساءات من تلفزيون او فيديو -، وشطر آخر، من ضمن الشطر نفسه، كان ينزل الى قاعة الأكل متأخراً. وعندما تطفأ الأنوار إيذاناً بوجوب الذهاب الى النوم، كانت تعلو أصوات الشخير سريعاً، وتندد اصوات أخرى، يقظة بالشخير، لكنها لا تلبث ان تلحق بها.
ولم يحدث أن جاء ناظر المنامة ليأمر بالنوم، او يدعو إليه. والناظر نفسه جاء مرات، في الصباح الباكر، ليدعو أولاً نائمين متأخرين، ينامون نوماً شرهاً وشرساً في بعض الأوقات، الى الاستواء على أقفيتهم قبل الاستواء على أقدامهم، وليكرههم على الاستفاقة ثانياً إذا هم لم يمتثلوا للدعوة اللفظية. ولا تزال عذابات الخروج من النوم، ومن السرير، في البرد على وجه الخصوص، من الصور التي تصبغ بصبغة الترويع، الأخبار عن استجواب المحققين بعض أصناف السجناء وإرهاقهم واستنزافهم باليقظة ليلة أو اثنتين أو ثلاثاً.
ولعل هذا ما ربط ربطاً محكماً بين الاستيقاظ وبين الإرادة، وبينه وبين العمل. فالإقامة ب"الصلاة خير من النوم"لا تنفصل عن"حي على الفلاح". والاثنان، الصلاة والعمل، ليسا على الضد من العمل في الأذان وحده، أو في بعض صيغه. ولم أدرك الضدية الحادة هذه من متداول القول، بل من اختبارها اليومي، الصباحي، في أطوار الحياة كلها ومراحلها. فالأهل كانوا يذهبون الى النوم ذهاب المشتاق الى مشتاقه. فكنا ننتظر العطلة الصيفية، والعطل الفصلية، الى عطلة آخر الأسبوع، انتظاراً محموماً، إن لم يكن على أحر من الجمر. ولا ينفرد أحد، أو فئة، بهذا الانتظار. فكلنا فيه سواء.
والحق انه لم يشذ عن هذا إلا أفراد قلائل أو آحاد. وأذكر منهم واحداً كان"بيكاً"ابن"بك". وكان البك يسهر كل ليلة الى مطلع الفجر، على ما سمعنا. وتترك سيارته موقفها أو مرآبها مساء. وتبقى طوال النهار في موقفها، قرينة على مبيت صاحبها ونومه الى بعد الظهر. وهذا امتياز قديم طوي وأفل. وعندما عُرف، غداة 5 حزيران يونيو أن قادة الجيش كانوا غارقين في سباتهم صبيحة ليلة قضاها معظمهم في سهر صاخب، وقيل ماجن، أيقن من شاهدوا بكوات في طفولتهم أو فتوتهم أن هؤلاء بعثوا من جديد في زي المنقلبين عليهم بالقوة من أبناء الفلاحين وصغار التجار والموظفين.
والموظفون في المكاتب، أو في التعليم - وهذا شأننا العائلي ولداً عن أب، وأباً عن جد، وأماً عن جدة - يقتضي عملهم يقظتهم الباكرة. فالساعة الثامنة صباحاً، بدا الاضطرار الى"الحضور"في مكان العمل فيها، صفاً أو مكتباً، قدراً محتوماً لا خلاص منه. ولا تدرك الساعة الثامنة هذه إلا في ختام إعداد أو تحضير طويل يرقى الى ساعتين ربما قبله في أحيان كثيرة. فالمسافة بين البيت والعمل أو المدرسة كانت، ولا تزال، ثقلاً تنوء به كواهل كثيرة، ويرهق صدوراً تئن من عذابه. ولا يطبق برنامج العمل أو الدراسة، في الظروف الطبيعية والعائلية و"النفسية"كلها، التأخر أو الإخلال بتوزيع الساعات، وقسمتها و"بروغرامها". فالامتثال فرض واجب، وإلا لم يبق العمل عملاً على نحو ما لا تبقى الصلاة هذه الصلاة وفرضها وعينها.
ورد الجواب على الامتثال وضرورته هو الاحتيال على اليقظة بالنوم. فننام في ساعات برنامج العمل"الجوفاء"، على ما يسميها المدرسون. وننام بعد الغداء، إذا أمكننا الحال. ونقيل بعد الظهر في أيام العطالة والبطالة. ونمسك عن المنبهات خوف اقتطاعها وقتاً من نومنا، وتفويته علينا. وننسب الى الملزمين بالعمل ليلاً، مثل بعض فئات السواقين أو عمال وردية الليل أو أطباء الإسعاف الليلي وممرضيه وممرضاته أو من يسمين عاملات الليل من غير إيضاح، ننسب إليهم وإليهن"أحوالاً"تخرجهم من الأسوياء، ومن عالم المستيقظين. فعالم اليقظة إنما هو تتمة عالم النوم والنائمين. ولا تستقيم يقظة، وعمل وصلاة، إلا بنوم عميق.
نشر في العدد: 16694 ت.م: 18-12-2008 ص: 22 ط: الرياض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.