يتلقى ماهر، البائع في "مكتبة النادي الاجتماعي والرياضي" سؤالاً يومياً من بعض الأعضاء وأحياناً من أبنائهم وأحفادهم عن موعد وصول"هاري بوتر والأقداس المميتة". يقول ماهر:"هذا السؤال يردني من مجموعة من الكبار والصغار أعرفهم جيداً ويمكن تسميتهم"مجموعة"هاري بوتر. إنهم يشكلون جمهوراً مصغراً لروايات هاري بوتر المترجمة التي ينتظرونها بفارغ الصبر". ومع أن من الصعب بل من المستحيل، مقارنة الهوس بهاري بوتر في مصر أو أي دولة عربية أخرى بذلك السائد في بريطانيا وأوروبا وأميركا، إلا ان الترجمات العربية له التي تصدرها دار"نهضة مصر"بمثابة القطرة التي ربما تسبق الغيث، غيث القراءة والهوس بهذه الروايات. الجمهور الصغير الذي يشير إليه بائع المكتبة ماهر، المتابع لصدور ترجمات"هاري بوتر"لا يسهر طوال الليل انتظاراً لصدور الترجمة، ولا يتدافع في ساعات الصباح الأولى ليصطف في انتظار بدء البيع كما يحصل في الغرب، ولا يحجز نسخته قبل صدورها، بل هو لا يخشى نفادها. انه جمهور يجمعه حب"هاري بوتر"بالعربية، والأهم أنّ البوادر تشير إلى احتمال تحوله نواة لجمهور أعرض يحب القراءة ويعشقها وقد يبلغ مستوى الهوس اذا توافرت له الظروف المشجعة. الخط الهاتفي المخصص للاستفسارات في دار"نهضة مصر"يتلقى منذ باشرت الدار في ترجمة سلسلة"هاري بوتر"في تلقي الأسئلة الخاصة بالترجمات العربية، سواء مواعيد الصدور أو توافر الكتب في محافظات بعينها، أو ما شابه، وهو ما لا يحصل مع أي كتب أخرى. لكن"هاري بوتر"ليس كتاباً عادياً، والمفاوضات مع دور النشر الأجنبية صاحبة حقوق النشر والتوزيع ليست بالأمر السهل. في هذه الحالة استغرق الأمر سنة كاملة من أجل إبرام اتفاق لترجمة الجزء الأول"هاري بوتر وحجر الفلاسفة". نائب رئيس مجلس إدارة"دار نهضة مصر"والعقل الكامن وراء ترجمات هاري بوتر إلى العربية داليا محمد ابراهيم تقر بأن دور النشر الأجنبية غالباً ما تتخوف من التعامل مع الدول العربية في مجال ترجمة الأعمال الكبرى ذات السمعة الدولية:"هم يبحثون عن دور نشر في المنطقة العربية لها رؤية، وتتمتع بالاستقرار، ولديها إمكانات، وهي عوامل تحتاج إلى دراسة ومتابعة لفترات طويلة". وعلى رغم محاولات عدد كبير من دور النشر العربية الحصول على حقوق ترجمة"هاري بوتر"إلى العربية بعد ذلك، إلا ان الاختيار وقع على دار"نهضة مصر"التي تستعد الآن لإصدار الجزء السابع الأخير من"هاري بوتر"الذي يحمل عنوان"هاري بوتر والأقداس المميتة". وتشير ابراهيم إلى ان ترجمات هاري بوتر أصبحت تخضع لإجراءات معروفة مسبقاً وبالغة الصرامة في الترجمة، إذ ينظَّم ما يشبه المسابقة بين عدد من المترجمين المتقدمين وذوي الخبرة الواسعة في هذا المجال، وتُختار الترجمة الأفضل. ويقوم المترجم في اثناء عمله بإمداد الدار بأجزاء مما يترجم بغية المتابعة، وتخضع هذه الأجزاء لقراءة نقدية تقوم بها لجان من المستشارين والمتخصصين في هذا المجال، إضافة إلى عدد من القراء الصغار الذي يعبرون عن شعورهم في ما يقرأون هذه المقاطع من حيث السلاسة والتشويق والصوغ، إضافة إلى التدقيق اللغوي المستمر والدائم. مريم 12 سنة ضمن الجمهور الصغير الذي يُسأل بصفة شبه يومية عن موعد خروج"الأقداس المميتة"إلى النور، وهي بحكم عمرها واهتمامها لا يعنيها شيء مما يحكم عمل دار النشر القائمة على الترجمة، فكل ما تفكر فيه هو حصولها على النسخة العربية. تقول:"أنا طالبة في مدرسة فرنسية، واعشق هاري بوتر منذ قرأت"كأس النار"، وبالطبع شاهدت الأفلام التي عرضت في مصر كلها". ولأن"هاري بوتر"ليس متوافراً في مصر بالفرنسية، فإن الطريقة الوحيدة المتاحة لمريم لمتابعة بطلها هي انتظار الترجمات العربية. بين العربية والانكليزية ويبدو ان مريم ليست وحدها التي تلجأ إلى الترجمة العربية لروايات"بوتر"لعدم وجود ترجمات فرنسية لها في مصر، أو لندرتها، أو ربما لغلاء ثمن النسخ الأجنبية. تقول رولا العبد 38 سنة إنها تتابع روايات"هاري بوتر"منذ صدورها. ومع أنها تفضل قراءتها بلغتها الأم، وهي الإنكليزية، إلا أن غلاء ثمنها مقارنة بالترجمة العربية تدفعها أحياناً إلى شراء النسخة العربية. تقول:"تمكنت من قراءة الأجزاء الثلاثة الأولى بالإنكليزية عبر اقتراض الكتب التي اشتراها أصدقائي الذين كانوا في الخارج. وبعد ذلك اشتريت الترجمات العربية". وصحيح أنها استمتعت بالترجمات العربية، لكنها تقول:"الأفضل أن تقرأ الرواية باللغة التي تكتب بها لا سيما إن كان القارئ يتقنها، فمهما كانت الترجمة بليغة ومتمكنة، تظل أقل في تأثيرها الأدبي والفكري والنفسي على القارئ من اللغة الأصلية، لا سيما إن كانت اللغتان الأصلية والمترجمة تنتميان الى ثقافة وعادات وتقاليد مختلفة تماماً بعضها عن بعض". إلا ان مثل هذه"المنغصات"تتلاشى أمام سعر النسخة العربية التي يبلغ سعرها نحو عشرة جنيهات مصرية، وهي اقل ببضعة أضعاف من سعر مثيلتها بالإنكليزية. تقول داليا محمد ابراهيم إن سعر الجزء الأول من"هاري بوتر"كان خمسة جنيهات، وهو يعكس رغبة الدار الحقيقية في إتاحة فرصة القراءة للطبقات المتوسطة. لكن العامل المادي ليس الميزة الوحيدة في الطبعة العربية، إذ شهد لها كثيرون بالأسلوب السلس والصيغة الشديدة الشبه بنصوص المؤلفة ج. ك. رولينغ. محمد أحمد 63 سنة وهو مترجم متقاعد قرأ الأجزاء الستة من"هاري بوتر"باللغتين الإنكليزية والعربية، ويقول:"في الحقيقة استمتعت في القراءتين، وفضلت أن أقرأ النصوص الإنكليزية في البداية كل مرة لئلا أسمح لذهني بإطلاق العنان لتعريب الرواية. وعلى رغم تشابه مستوى الترجمات العربية في الأجزاء التي صدرت، إلا ان أسلوب الترجمة العربية يختلف من مترجم لآخر". الطريف أن مجموعة من محبي هاري بوتر من مستخدمي الإنترنت أسست موقعاً على الشبكة العنكبوتية"موقع هاري بوتر العربي"ومن ضمن مكوناته جزء اسمه"فريق الترجمة"ويتكون من بعض محبي هاري بوتر الذين اخذوا على عاتقهم ترجمة كل ما يتعلق به ومن ضمنها ترجمة محتوى موقع"إتش بي لكسيكون"وهو أحد اشهر مواقع هاري بوتر العنكبوتية العالمية على الإنترنت. وإذا كانت دار نشر"سكولاستيك"أعلنت عن بيع 11 مليون نسخة إنكليزية من الجزء الأخير من"هاري بوتر"في الساعات الأربع والعشرين بعد صدوره، وهو يعد رقماً قياسياً في مبيعات الكتب في العالم، فإن داليا ابراهيم ترفض الإفصاح عن أرقام مبيعات الترجمة العربية من"هاري بوتر"مؤكدة أنها"مرتفعة جداً"في مصر والدول العربية، وتشكل مصر نحو 60 في المئة من تلك المبيعات، وتليها المملكة العربية السعودية. وبينما يستمر ماهر في تلقي استفسارات منتظري صدور ترجمة الجزء السابع من السلسلة والمتوقع ظهوره خلال اشهر قليلة، يقول:"قرأت بنفسي معظم ما صدر بالعربية من هاري بوتر. ومع أنني لم أفهم بعضاً مما ورد عن وصفات السحر وغيرها، إلا أنني كنت أستعين بزبائني من عشاق بوتر لفهم ما لم أفهمه". واللافت أن مكتبات عدّة في القاهرة باعت نسخاً من الجزء السابع بالإنكليزية إثر صدوره في الخارج، لكن الزخم"الشكلي"للازدحام منذ ساعات الصباح الأولى وحجز النسخ مسبقاً الذي شهدته هذه المكتبات المعدودة على أصابع اليد في ذلك اليوم، لا يدفع الى القول إن مصر لحقت بدول أوروبا وأميركا في الهوس بپ"هاري بوتر"في ذلك اليوم، وإن كان هوساً كلف اصحابه نحو مئتي جنيه مصري، ثمن النسخة الإنكليزية من"هاري بوتر والأقداس المميتة".