يطغى الجمود السياسي على الوضع العام في لبنان، فيما الاتصالات الفلسطينية - الفلسطينية لم تصل الى نتائج عملية لإنهاء ظاهرة"فتح الإسلام"التي تراجع عناصرها الى الأحياء القديمة لمخيم نهر البارد شمال لبنان، وسط استمرار المخاوف من نقل المعركة الى أماكن أخرى في البقاع وضواحي بيروت في ضوء مواصلة بعض الفصائل والمجموعات التعبئة ورفع عدد المقاتلين وزيادة وتيرة التسلح. ويطرح الجمود السياسي سؤالاً ملحاً عن إمكان تحقيق اختراق يخرج البلد من الحلقة المفرغة نحو معاودة البحث عن تسوية، ولو مرحلية، نظراً الى تعذر تحقيق حد أدنى من الانفراج على المستويين الإقليمي والدولي ينعكس ايجاباً على الساحة المحلية. ويأتي هذا السؤال على خلفية ان ليس في مقدور لبنان ان يتحمل استمرار التأزم الى ما لا نهاية، ولا بد من التوافق على قواعد سياسية تعيد إليه القدرة على الانتظار من دون ترتب المزيد من الأعباء السياسية والاقتصادية. ويفترض ان يشكل استحقاق رئاسة الجمهورية، كما تقول مصادر وزارية ونيابية، أول محطة لتسجيل اختراق سياسي يعيد الاعتبار الى التوافق كمدخل للحلول تدريجية لكل المشكلات العالقة، وفي حال تعثر، لأسباب خارجية التوصل الى ما يطمح إليه السواد الأعظم من اللبنانيين، فلا مانع من الاتفاق على إعادة تنظيم قواعد الاختلاف بما يحقق للبلد الصمود الى حين تبدل المعطيات التي ما زالت تضغط على الوضع الداخلي وتمنع اعادة ترتيب أوضاعه بمنأى عن الارتدادات الدولية والإقليمية. وتعتبر المصادر نفسها ان تكاثف الجهود الخارجية لتمرير الاستحقاق الرئاسي بهدوء يمكن ان يحقق الغاية المرجوة منها في حال قررت دمشق الاستجابة للنصائح الأوروبية والعربية بضرورة تغيير سلوكها تجاه الوضع الداخلي في لبنان خصوصاً ان حليفتها طهران لم تتوقف عن إطلاق الإشارات الإيجابية وكان آخرها ما صدر عن وزير خارجيتها منوشهر متقي في حديثه عن الجهود الإيرانية - الفرنسية - السعودية لإنهاء الأزمة. وعلى رغم تلك الإشارات الإيجابية بقي الموقف الإيراني في حدود إبداء الرغبات ولم يتطور الى مواقف عملية بعدما تبين، بحسب قول مصادر ديبلوماسية عربية وأوروبية لپ"الحياة"، ان ما لمح إليه متقي ينم عن النيات الحسنة للقيادة الإيرانية بالنسبة الى لبنان، لكن ترجمته الى مواقف عملية تتوقف على مدى تناغم القيادة السورية مع كلام وزير الخارجية الإيراني. كما ان طهران التي تبحث عن شريك أوروبي ينضم الى جهودها المشتركة مع المملكة العربية السعودية لمنع إحداث فتنة مذهبية وطائفية في لبنان وتوفير المساعدة المطلوبة لإنهاء الأزمة، ليست في المقابل، كما تقول المصادر عينها، على استعداد للدخول في تباين أو اختلاف مع دمشق بسبب بقاء ملفها النووي عالقاً من دون حلول. وهذا يعني ان طهران لن تذهب بعيداً في التمايز في موقفها عن دمشق في ظل حاجتهما المشتركة الى الحفاظ على تحالفهما، ناهيك بأن دمشق تواجه مشكلة مباشرة مع الرياض والقاهرة لم تفلح في تجاوزها طالما ان الاتصالات بينها وبين العاصمتين العربيتين تكاد تكون معدومة كلياً اضافة الى انها لم تنجح في مسعاها الهادف الى إعادة التأسيس لعلاقة طبيعية مع المجموعة الأوروبية على رغم الانفتاح الذي أظهره الرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي فور وصوله الى قصر الإليزيه خلفاً للرئيس السابق جاك شيراك. وعلمت"الحياة"من أوساط أوروبية رسمية فاعلة ان دمشق أخطأت في فهم الرسالة"الودية"التي وصلتها من ساركوزي وراحت تتصرف وكأن الأخير على وشك القيام بانقلاب جذري في سياسة فرنسا الشرق أوسطية. فساركوزي كما تقول الأوساط أبدى كل استعداد لإجراء تغيير في اسلوب التعاطي الفرنسي في لبنان من دون أي تبديل في الثوابت الفرنسية، بينما اعتبرت دمشق انها اصبحت امام فرصة جدية للخروج من عزلتها الفرنسية وأن ذلك سيزيد من تحسين علاقاتها بالمجموعة الأوروبية. إلا ان القيادة السورية اصطدمت بموقف فرنسي قاطع مفاده عدم استعداد ساركوزي لرفع مستوى الاتصالات بين باريسودمشق ما لم تسارع الأخيرة الى تغيير سلوكها اللبناني لجهة تركها هذا البلد يعيش بهدوء واستقرار. وبدلاً من ان تعيد النظر في قراءتها مواقف ساركوزي سارعت دمشق الى تمرير معلومات منها ان رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية السورية اللواء آصف شوكت زار باريس فور انتخاب الرئيس الفرنسي الجديد وأن العلاقة بين البلدين في طريقها الى التحسن بخطوات حثيثة. كما أن دمشق لم تتوقف امام نفي قصر الإليزيه حصول مثل هذه الزيارة مع تأكيد ساركوزي ان الاتصالات السورية ? الفرنسية لن ترتقي الى المستوى السياسي المطلوب ما لم تتخذ القيادة السورية مواقف واضحة لمصلحة تثبيت الاستقرار العام في لبنان ووقف تدخلها في شؤونه الأمنية والسياسية. وعلى رغم الشروط الفرنسية لإعادة تصحيح العلاقة بين باريسودمشق فإن الأخيرة ما زالت تتعامل مع الاتصالات غير السياسية التي أُجريت بين البلدين فور انتخاب ساركوزي وكأنها أسفرت عن تفهم فرنسي لوجهة النظر السورية. ولفتت هذه الأوساط إلى ان المشكلة في موقف دمشق تكمن في قراءتها الخاصة للموقف الفرنسي، انطلاقاً من الطريقة نفسها التي تتعامل فيها مع الوفود الأوروبية الزائرة لسورية، إذ ان القيادة السورية، بدلاً من ان تستفيد من الانفتاح الأوروبي عليها، تلجأ في كل مرة الى استغلال هذه الزيارات وتوظيفها للخروج من عزلتها الأوروبية مع انها تعرف بأن جميع الزوار لم يترددوا في إسداء النصائح إليها بضرورة تغيير سلوكها حيال لبنان كأساس لتصحيح علاقاتها العربية والأوروبية وكمدخل لتحقيق فك اشتباك مع المجتمع الدولي.