ثمة قاسم مشترك بين تموز يوليو 1998 وتموز يوليو 2007 في قطاع الاتصالات في مصر. إذ يؤرخ الموعد الأول للبداية الحقيقية لسوق الخليوي في البلاد، وتحديداً انطلاق الشركة الأولى مصرياً للهاتف النقّال"موبينيل". فيما يؤرخ الثاني لإعلان وزارة الاتصالات تطبيق شركات الخليوي كلها، وهي"موبينيل"وپ"فودافون" وپ"اتصالات"خدمات الجيل الثالث. ويعني ذلك أن سوق الخليوي دخلت مرحلة تتطلب توعية المستخدم بأنواع جديدة من الخدمات، مع توقع ألا تزيد نسبة مستخدميها ال 10 في المئة من مستخدمي الخليوي في مصر، والذين يصل عددهم حالياً إلى 22.5 مليون يتوزعون على 11.5 مليون ل"موبينيل"و10 ملايين ل"فودافون"ومليون ل"اتصالات". ومن المتوقع أن يرتفع العدد الإجمالي لمستخدمي الخليوي الى 30 مليوناً مع نهاية السنة الحالية وإلى 50 مليوناً في العام 2010. نقاش عن شبكات الجيل الثالث وخدماتها حسمت موافقة وزارة الاتصالات النهائية على منح شركة"موبينيل"رخصة الجيل الثالث للخليوي أخيراً، جدالاً استمر نحو 8 أشهر عن بعض الآليات التي تتحكّم بالحصول على هذه الرخصة. ووصل الاهتمام بالموضوع الى حد اعتباره نقطة حاسمة في تطور قطاع الاتصالات المتطورة محلياً، خصوصاً بعد رفض بعض مسؤولي"موبينيل"حينها الانتقال السريع إلى شبكات الجيل الثالث. وكذلك اعتبر كثير من الخبراء ذلك التحفظ حكيماً إذ ارتكز إلى مبررات بدت واقعية. واستند التحفظ إلى أن تطبيق الخدمة مُكلف، ولا يناسب شريحة كبيرة من المصريين الذين يعانون بشدة من وضع اقتصادي حرج، وبالتالي فمن المرجح أن يكتفي الجمهور بامتلاك خط خليوي للاستخدام الشخصي، من دون الاستعانة بخدمات أخرى ذات تكلفة مرتفعة. لكن يبدو أن واقع المنافسة بين الشركات الثلاث فرض نفسه بعدما طبقت شركتا"فودافون"وپ"اتصالات"في أيار مايو الماضي خدمات الجيل الثالث، فحذّر بعض الخبراء من أن تلك الخدمات قد تجذب عملاء من شركة"موبينيل"إليهما. وأكّدت مصادر مطلعة ل"الحياة"أن دراسات الجدوى التي أجرتها"موبينيل"في شأن شبكات الجيل الثالث لم تعط صورة إيجابية عن آفاق تلك الشبكات وخدماتها مصرياً. وفي المقابل، برز رأي في صفوف تلك الشركة يرى ضرورة التأقلم مع السوق واستخدام ما يتاح من تقنيات متقدمة بصورة تلبي طموح"موبينيل"كشركة أولى للخليوي في بلاد النيل. وأضافت المصادر عينها، أن"موبينيل"تعتزم إطلاق مجموعة من الخدمات الجديدة، في غضون ثلاثة أشهر، بعد أن نالت الموافقة على رخصة الجيل الثالث للخليوي. وبررت تلك المصادر سعي الشركة للحصول على الرخصة بالرغبة في الاستفادة من الحيز التردّدي نطاق استخدام موجات الخليوي الذي منحه جهاز تنظيم الاتصالات مع الرخصة، استباقاً للارتفاع المتوقع في عدد مستخدمي شبكة"موبينيل". وفي المحصلة، تساهم الرخصة الجديدة في رفع كفاءة خدمات الشركة، حتى قبل الشروع في استخدام الجيل الثالث وتطبيقاته. ونفت تلك المصادر أيضاً ما يتردد عن تبني"موبينيل"لتقنية الجيل الثالث تحت ضغط هروب العملاء منها باتجاه الشركتين المنافستين. وأضافت تلك المصادر المقرّبة من"موبينيل"بأن هذه الشركة ستعمل دوماً لتحافظ على موقعها كشركة أولى مصرياً من حيث تقديم الخدمات والقدرة على المحافظة على العملاء، بل واجتذاب المزيد منهم بصورة مضطردة. وأشارت أيضاً الى خطط مُعدّة منذ الآن لتقديم الافضل الى العملاء الذين يرتبطون ب"حبل وثيق"مع الشركة. وأخيراً، أعربت المصادر عن اقتناعها بأن الحصول على رخصة بالجيل الثالث يشكّل توجهاً جاداً في المحافظة على التقدم التكنولوجي للشركة، باعتباره شرطاً أساسياً لاستقطاب شريحة أكبر من السوق خلال الفترة المقبلة، إذ أن المنافسة مع الشركتين الأخريين على أشدها. والمعلوم ان المنافسة تعطي الكثير من الفوائد للمستهلكين أيضاً! وزير الاتصالات: المساواة بين الشركات قبل أيام، علق وزير الاتصالات طارق كامل منح"موبينيل"رخصة لشبكة من الجيل الثالث، فلفت إلى أن مجلس إدارة"الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات"، الذي يترأسه، وافق على منح"موبينيل"الرخصة بناء على طلبها الذي تقدمت به الاسبوع الماضي. كما بيّن الوزير أن الجهاز وافق على إعطاء"موبينيل"نطاقاً من الموجات الترددية الإضافية التي تستلزمها تلك الرخصة، مقداره 10 ميغاهرتز. ويعطى ذلك النطاق على مرحلتين، بالترافق مع توافر تلك الحزم من الترددات. كما أوضح أن سداد قيمة اجمالي الرخصة، والتي تبلغ 3.4 بليون جنيه نحو 670 مليون دولار، قد جُدوِلَت أُسوة بما حدث مع شركة"فودافون"التي نالت ترخيص الجيل الثالث في كانون الثاني يناير الماضي وشرعت في تطبيقه في آيار مايو. وبيّن أيضاً أن ما يتوافر من التردادت راهناً هو 5 ميغاهرتز، وأن الوزارة ستعمل على توفير النصف الثاني من تلك الترددات في مستقبل قريب. وكذلك نفى الوزير حدوث توتر بين جهاز الاتصالات وشركة"موبينيل"بفعل تأخر الأخيرة في تطبيق الخدمة ودفع كلفة الرخصة. وقال:"لقد عقدنا اجتماعات عدة توّجَت بلقاء قبل أيام جمعني مع رئيس مجلس إدارة"موبينيل"المهندس نجيب ساويرس. واتفقنا على ضرورة حسم هذا الأمر والالتقاء على نقطة تعاون، ما أدى إلى ظهور تفاهم على ملامح للوضع وسبل الخروج من الحلقة الضيقة التي كادت أن توتر الأجواء. والحق أن جميع شركات الخليوي في البلاد تربطها علاقة محترمة ومتميزة مع الوزارة والأجهزة المعنية، وكذلك تسود العلاقة أجواء طيبة بين الشركات المتنافسة في سوق الخليوي". في السياق عينه، رحب العضو المنتدب لشركة"موبينيل"اسكندر شلبي بهذا الاتجاه. وصرح بأن الشركة:"ستُطبق الجيل الثالث ضمن رؤيتنا التي تحفظ العلاقة مع العميل". وأشار إلى أنه مع الجيل الثالث للخيلوي والخدمات المتطورة التي يقدمها للجمهور، لكنه ما زال عند رأيه في أن جدواه الاقتصادية لم تصل الى المستوى المطلوب."برأيي أن قيمة الرخصة قد تكون مرتفعة أيضاً، لكن حرصنا على إرضاء عملائنا وزيادة سعة ترددات الشركة كانت السبب الرئيسي في دخولنا الى مرحلة الجيل الثالث". وبالنسبة إلى موقف شركتي"فودافون"وپ"اتصالات"من منح"موبينيل"رخصة الجيل الثالث، تمنى العضو المنتدب في شركة"اتصالات"صالح العبدولي:"أن ينعكس هذا الأمر على العميل وتكون المنافسة في النهاية لخدمته". في المقابل، أكّد مصدر مطّلع ل"الحياة"رغبة شركة"اتصالات"سابقاً في أن تتأخر"موبينيل"في طلب الجيل الثالث حتى نهاية العام لتمكين"اتصالات"من الاستحواذ على نسبة في السوق من طريق إغراء عملاء بخدمات الجيل الثالث. وأشار إلى أن توقعات سرت في تلك الشركة، منذ بدايه عملها في شباط فبراير بأنها قادرة على الامساك بحصة تصل الى 30 في المئة من السوق خلال السنوات الخمسة المقبلة، شرط أن تنفق 6 بلايين جنيه كاستثمارات لهذا الغرض. وكذلك توقعت الشركة عينها أن يصل عدد عملائها في نهاية السنة إلى مليون ونصف مليون مشترك. لكن يبدو أن الأمور لا تتجه إلى تحقيق هذه الأهداف. فلم يتجاوز عدد المشتركين في"اتصالات"المليون وغالبيتهم تحمل بطاقات المكالمات المدفوعة مقدماً، وهم يمثلون شريحة من متوسطي الدخل ومحدوديه مصرياً. كما نبّه مصدر رسمي رفض ذكر اسمه، أن استخدام 10 في المئة من مشتركي الخليوي لخدمات الجيل الثالث قد يتحقق يوماً ما، لكن أحداً لا يعرف متى يأتي ذلك اليوم! وكذلك توقع ألا يشمل استخدام الجمهور المروحة الكاملة لخدمات الجيل الثالث. وشدّد على القول بأن الرؤية ما زالت غير واضحة بالنسبة الى كلفة اجمالي هذه الخدمات ومدى إقبال المواطن عليها. وأشار الى أنه لا توجد دراسة جادة في مصر عن خدمات الجيل الثالث ولا عن درجة اقبال المصريين عليها، وبالتالي فإن معظم ما يقال في هذا الأمر لا يزيد على التوقع، كما يفتقد في كثير من الاحيان إلى الخطط المدروسة. ورجح أن تكون شركة"موبينيل"قد سارت في مثل تلك الدروب قبل شروعها في تقديم خدمات الجيل الثالث. وقائع المنافسة ورأي الجمهور أبدت شركة"فودافون"ارتياحاً لدخول"موبينيل"في المنافسة على الجيل الثالث من شبكات الخليوي! ومرد الارتياح أن"موبينيل"كانت ستتجه الى تبني تقنية شبكات"إيدج" EDGE، التي تجمع بين الجيلين الثاني والثالث ولا تتطلب رخصة إضافية، لولا أنها اتجهت الى شبكات الجيل الثالث رأساً. بدا رد فعل الشارع المصري حول اتفاق شركات الخليوي جميعها مع وزارة الاتصالات لتطبيق خدمات الجيل الثالث، وكأنه يقول إن ذلك الاتفاق بعيد من الأحوال الصعبة التي يعانيها المواطن. فعلى رغم الصورة الوردية التي ترسمها بعض الاعلانات التلفزيونية على شاشة الخليوي المتلفزة، لكن الواقع يظهر أن تلك الشاشة ما زالت بعيدة من متناول الجمهور بفئاته كافة. فالأمر ما زال متعثراً مثلاً بالنسبة إلى تلفزيون الخليوي الذي هو إحدى خدمات الجيل الثالث، وما زالت تقنياته تصطدم بالاحوال الصعبة للجمهور على رغم مرور نحو أكثر من 75 يوماً من تطبيق تلك التجربة. يعمل محمود فايد في قطاع الكهرباء، وقد اضفى دعابة بتعليقه على بدء تطبيق الشركات للجيل الثالث بالقول:"الجو اتكهرب... خايفين نسيب الشركة دي نروح للشركة التانية وكلهم هدفهم تحقيق ربح بتقديم خدمة ...احنا مش محتاجين خدمة الجيل الثالث دلوقتي". أما وجدي عرفان مهندس فقال:"كان الله في عوننا... الخليوي بات يحتل المرتبة الأولى في إنفاق الأسر متفوقاً على الدروس الخصوصية والمأكل والمشرب"! وكشف عرفان عن أن غالبية اصدقائه وعائلته اكتشفوا أو اطلعوا فقط على خدمة الجيل الثالث من دون استخدامها خوفاً من الكلفة العالية التي سمعوا عنها."سمعنا إنو مشاهدة مباراة لكرة القدم أو رؤية كليب أو مشاهدة فيلم مدته ساعتين كلفتها باهظة... أنا أسأل كيف يمكن لأسرة متوسطة الدخل أن تشترك في خدمة الجيل الثالث وتدفع ثلث راتبها لتطبيق الخدمة، والتي هي في الأساس خدمة ترفيهية، ونحن بالكاد نستخدم الهاتف بخدماته السابقة بترشيد كبير جداً". وفي السياق عينه، استبعدت زوجته ثريا عبدالواحد أن يستخدم أي فرد من العائلة خدمات الجيل الثالث قائلة:"هو احنا خلصنا من الجيل الاول والثاني لنطبق الثالث؟ خلينا يا استاذ في حالنا وكفاية اللي احنا فيه". وفي الخلاصة على رغم دخول شركات الخليوي المصرية في المنافسة على تقديم خدمات الجيل الثالث، إلا أن الاقبال عليها لن يتجاوز بأي حال من الاحوال نسبة 10 في المئة من مستخدمي الخليوي في البلاد. ويبقى مهماً أن تُجرى دراسة جادة ووافية عن مدى تأثر سوق الخليوي في مصر نتيجة تطبيق خدمات الجيل الثالث، وإن كانت"موبينيل"تفوقت في هذا الأمر وبَنَت مواقفها على دراسة جدوى شاملة اجرتها على السوق في الفترة الماضية أكدت الحاجة إلى ضرورة تطبيق تلك الخدمات لامتلاك ترددات جديدة لتوسيع الشبكة.