لا يضير المغنية أحلام انها وصلت الى هذه المرحلة المتقدمة من الاحتراف والنجاح بعد تعب وتدرّج لا على طريقة الملاعق الذهبية التي يولد المغنون والمغنيات اليوم وهي في أفواههم عبر برامج الهواة الفضائية التي تقدمهم "أبطالاً ميامين" لا يتعبون ولا يتدرجون ... ولا من يحزنون. ربما، ليس فقط لا يضيرها ذلك، بل هي معجبة بنفسها الطالعة من الخبرة والحياة من أدنى الحياة لا من أعلى. والحياة من أدنى أكثر انتماءً للحقيقة، أكثر قرباً للواقع، من الحياة من أعلى التي هي الغلاف الخارجي الذي يحتال أحياناً على الحقيقة والواقع وما بينهما من المسافة. اسمها أحلام. وقد عاشت الكثير من الأحلام قبل أن تصل الى بعض ما راودها من الصور إبان البداية من تحت، من الطهر، أي من صناعة الدنيا بيدين يملكهما صاحب الموهبة نفسه، ويكوّن تجربته. صوت أحلام منفتح على احتمالات شتى. للوهلة الأولى قد يبدو أنه لا يستطيع أن يفعل غير ما يفعل. المشكلة ان أحلام تقدم، أحياناً، صوتها للجمهور على أنه مُقفل على نمط من الغناء، وتتباهى بذلك، بل تعتبر الأمر موقفاً وطنياً، كأن تعلن مثلاً أنها لن تغني إلا باللهجة الخليجية، لا يناقشها أحد في دورها الفني الوطني عندما ترى نفسها في هذا الإطار دون غيره، وعندما تفكر في بناء شخصية غنائية بلهجة بلدها الأصلي لا بأي لهجة أخرى، خصوصاً وهي ترى زملاءها وزميلاتها يهاجرون فوراً من لهجاتهم الأصلية الى اللهجة المصرية حتى قبل أن يتقنوا موسيقى اللفظ المصري وايقاع الكلمات المصرية الحضرية فكيف بالكلمات الصعيدية والألفاظ الريفية المقعّرة التي ينشرها بعضهم كالفطر من دون رقيب يصحّح أو حسيب يوجّه. أحلام تجد استحالة في العيش مع هذه الحالات. تختار طريقاً هي الأصعب لأنها ابنة المكان"البلدي"الخاص لا المكان العربي العام، وتترك السهولة لغيرها، وفي خلْدها أن البلدي الخاص جاذب لكل جمهور عربي في كل مكان. وهذا صحيح. تطورت أحلام في تجربتها الغنائية كما لو أنها تغني بلهجات عدة، بل أن الكثير من المغنين والمغنيات الذين يلوّنون في نماذج الاداء الغنائي عندهم خليجياً ومصرياً ولبنانياً وغير ذلك لم يتمكنوا من النفاذ الى جمهور أكبر من جمهورها. هذا أولاً. أما ثانياً فقد ذهبت أحلام عميقاً في انتقاء أغان جميلة متعددة المقامات الموسيقية والأنغام والطبقات الصوتية بحيث أمكن المستمع معرفة أبعاد الصوت ومعانيه العالية من خلال ذلك التعدد النغمي الغني فلم يعد في حاجة الى تعدد اللهجات لمعرفة أسرار صوتها وحلاوته. وفوق كل هذه العناصر الايجابية الثاقبة هناك عنصر أساسي لم يكن أي عنصر جمالي آخر ليبرز أو ليؤثر أو ليستمر لولاه، ذلك العنصر هو أسلوب أداء أحلام المتنامي الدقة والمتوهّج. فأي اغنية من تسجيلاتها خلال السنتين الأخيرتين تكشف بوضوح، خلال مقارنتها بأغان من تسجيلات سابقة، أن كثافة صوت أحلام التعبيرية اشتدت وتعاظمت. ومن يدقق في أدائها أغنية"ليه يا دنيا"مثلاً لا يصرف وقتاً طويلاً في الوصول الى اقتناع بأن الأداء طاب حتى بلغ مرتبة الثمرة الناضجة تحت شمس الصيف. وليس هذا المقياس منحصراً في أغنية فحسب، وإنما يمتد على معظم الأغاني الأخيرة. يضاف الى متانة أداء أحلام وجمال أغانيها، الصورة الاجتماعية التي تمنحها لنفسها لدى الجمهور العربي. واذا كان من المتعذّر على أي مغن أو مغنية الابتعاد عن"شر"الخلافات الفنية و"الغناء"له على قوله المثل، فإن أحلام التي أصيبت بتلك الخلافات، قد تنبهت الى مساوئ أن تكون قاتلة حيناً مقتولة حيناً آخر في الصحافة والإعلام مع منافساتها، فآثرت التخلي عن التصريحات الحامية، وباتت ترد على النار... بابتسامة، فأخرجت نفسها من لعبة الحرائق المتنقلة في الفضائيات. أحلام للغناء باللهجة الخليجية فقط؟ من حقّها ذلك. لكن ماذا اذا أعجبت بأغنية من لهجة أخرى؟ الأفضل ألا تدخل في مكاسرة مع صوتها وتحولاته الجمالية!