ليست عنيدة، المطربة الإماراتية أحلام، غير انّها مقتنعة بما تقول، ولا تخاف من المجاهرة به، وفي كل منبر اعلامي، تلفزيوني أو صحافي. وفي كل مرّة، يرسم البعض حول قناعاتها تلك علامات استفهام، فتزداد ثقة بها، وتدافع عنها باسلوب قوي على لباقة، متماسك على طراوة واضحة، وتستمر. فحين أعلنت أحلام، قبل سنوات قليلة، انها لن تغني باللهجة المصريّة، وكانت في بداية شهرتها الخليجية والعربية، اعتقد بعضهم ان أحلام انما تطلق على رأسها رصاصة انتحار، لأن القاعدة الشائعة كانت ان يتقرّب المطرب غير المصري إلى الجمهور المصري الكبير عبر أداء اغنيات بلهجته، فكيف تجرأت مطربة مبتدئة محتاجة إلى جمهور مصر وقالت ذلك الكلام؟ لكن أحلام لم تكن تنطلق من فراغ في فكرتها، مع علمها المسبق بان نتائج كلامها قد تكون سلبيّة عليها، فقالت، ثم قالت، وما برحت تقول انها ضد ان يغني اي مطرب عربي بغير لهجته الأصلية، أياً كان السّبب. سباحة عكس التيار؟ لا بأس - فأحلام كما تبرّر فكرتها أو كما تشرحها، تعترف بان الاغنية الخليجية بحاجة إلى قوى عدّة وثابتة في توجّهاتها المحليّة حتى تفرض انتشاراً جدياً وواسعاً لها، والنهضة الفنية في اعتباراتها ليست قابلة لأيّ تراجع لأن في ذلك القاءً تاماً للأسلحة الغنائية الخليجيّة التي بدأت تحتل مكانة معيّنة، مميّزة، في المناخ الغنائي العربي. حتى مقولة التنويع التي يحلّل البعض لنفسه عبرها اداء اغنيات بغير لهجته الحقيقيّة، مرفوضة عند أحلام، لسبب واحد وواضح هو انّ المغني مهما أتقن أي لهجة أخرى، فانه ينقى دون إدراك أسرارها وتفاصيلها الجميلة. فيصبح بذلك ببغاء لا اكثر، إذا فعل. ... وحتى الآن، تمكنت أحلام من مقاومة اغراءات الغناء بلهجة أخرى، أو لنقل انها لم تضطر، بعد، لهذه التجربة التي كانت قاعدة عامة عند من سبقنها عموماً، فصارت معها شيئاً من الحرام! وأحلام مطربة تمتلك جاذبيّة، بدءاً من نبرة صوتها التي لها ايقاعها المغناج، مروراً باختياراتها الغنائيّة، وصولاً إلى حضورها ووقفتها على المسرح. ولأحلام وجه أنيس، وصوت أنيس، وأغنيات أنيسة في المختصر المفيد. وتعتمد حالياً طريقة إدائيّة لافتة إذ انّها تحاول، قدر المستطاع، وباكثر من المستطاع أحياناً، خلال تسجيل الأغنيات في الاستديو أو خلال الحفلات الغنائيّة، ألفاظ الكلمات واضحة الحروف وواضحة الايقاع حتى يسهل التقاط المعنى على المستمع. ذلك انّ اللهجة الخليجية، الحديثة الانتشار غنائياً على نطاق العالم العربي ككل، بجهود الفضائيّات بعد مراحل انتشار غير واسعة سابقاً، لها موسيقاها الجماليّة، ولها انحناءاتها اللطيفة و"طُرُقُها الخاصة الرشيقة، ومن الصعوبة بمكان على المستمع العادي أن يتبيّن مراميها ودقائقها الحسّاسة اذا ثم لفظها بسرعة، أو من دون دقّة، أو بشكل عفوي فطري معروف ومفهوم وواضح لدى ابناء الخليج، لكنه لدى ابناء بقية البلاد العربيّة بحاجة إلى تحديد. وهذا ما تعاني منه لهجات المغرب العربي الغنائية لدى الجمهور العربي الكبير اليوم، وهذا ما عانت منه اللهجة اللبنانيّة في مرحلة سابقة لدى جمهور مصر ولدى جمهور الخليج في آن. بهذا الأسلوب الردائي الواعي تماماً لما يفعل، عرفت أحلام طريقاً إلى نجوميّة صحيحة، وصريحة. ويبدو انها لا تتسرّع في انتقاء أغنياتها، بل تختار نصوصاً ذات افكار غنائية" مناسبة، وألحاناً ذات أفكار جديدة، وتتحرك بحرّية بين اطلالات مركزة في التلفزيون، وإصدار كاسيتات ناجحة تمتّن بها العلاقة اكثر فاكثر مع جمهور لا يني يكتشف فيها ضالةً فنيّة. وصوت أحلام عريض. يمكنه بلوغ طبقات رقيقة صعوداً وهبوطاً، ويختزن طاقات عاطفية وتعبيرية زاهية. وإذا كانت غالبية الأصوات - اليوم، تعيش على خانة الوسط فتهتزّ إذا ما تطلّعت نحو "الجواب" أو دنت نحو "القرار". فان صوت أحلام لا يعاني اي مشكلة في هذا الاتجاه. ولا يحتاج المستمع إلى طويل وقت ليتحسّس الطواعية الندية فيه. كما لا يحتاج إلى تقديمات لكي يعرفه عن قرب. هادئاً، أليفاً، طيباً، واثقاً، وحميماً.