المرشحون للانتخابات في لبنان يدفعون للناخبين، أي يشترون أصواتهم، أما في الولاياتالمتحدة فالناخبون يدفعون للمرشحين. ربما كان السبب ان الناخب اللبناني يعرف أن المرشح الفائز لن يخدمه، فيحاول ان يستفيد منه... والفرصة متاحة. اما الناخب الاميركي فيتبرع للحملة الانتخابية لمرشحه المختار كرشوة، ويتوقع ان يخدمه المرشح الفائز في المقابل. أتوقف من المقارنة عند هذا الحد، خصوصاً ان البرلمان اللبناني في مهب الريح، وأركز على حملة انتخابات الرئاسة الاميركية المقبلة. فالواقع ان الانتخابات الاميركية صناعة دائمة، وهناك انتخابات كل سنتين لجميع أعضاء مجلس النواب، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ، وانتخابات رئاسية كل اربع سنوات، والاميركيون ينتخبون برلمانات للولايات، وحكام الولايات، وقادة الشرطة وقضاة وأعضاء بلديات وغيرها في قائمة بألوف المناصب. في كل هذا المال هو سيد الموقف، ولم أسمع بعد ان مرشحاً اميركياً فاز بالرئاسة او عضوية الكونغرس، وهو متخلف مالياً بفارق واضح عن منافسه، فهو قد يفوز اذا تقاربت الارقام، الا انه سيفشل حتماً اذا جمع مليون دولار وجمع خصمه عشرة ملايين، والاستثناءات نادرة، ولا أعرف شخصياً أمثلة عليها. هذا الشهر قدم الطامحون الى مجد الرئاسة الاميركية تفاصيل ما جمعوا من مال لحملاتهم الانتخابية في الأشهر الثلاثة الأولى من هذه السنة، وان كان من مفاجأة فيها فهي ان السيناتور باراك اوباما جمع 25.7 مليون دولار، واقترب كثيراً من السيناتور هيلاري كلينتون التي تقدمت الجميع بمبلغ 26.1 مليون دولار. طبعاً لا شيء كما يبدو للوهلة الأولى في السياسة الاميركية، وكلينتون انفقت في الفترة ذاتها 5.1 مليون دولار على حملتها في مقابل 6.2 مليون دولار انفقها اوباما، الا انها دعمت صندوقها المالي بعشرة ملايين دولار فائضة من حملتها لمجلس الشيوخ، وهكذا فهي تجد بتصرفها 31 مليون دولار في مقابل 19.2 مليون دولار لأوباما. ويليهما جون ادواردز وله 10.7 مليون دولار، في حين يحتل السيناتور جوزف بايدن، وهو مرشحي لو كنت أميركياً، اسفل القائمة وله 2.8 مليون دولار. المرشحون الجمهوريون متخلفون كثيراً عن الديموقراطيين وفي المقدمة ميت رومني وله 21 مليون دولار، ثم رودلف جولياني وله 14.8 مليون دولار، وجون ماكين وله 13 مليون دولار. ولا أريد ان أمضي في سرد الأسماء والأرقام، أو تعديل المبالغ بعد خصم ما انفق كل من الجمهوريين خلال فترة الاشهر الثلاثة، حتى لا يضيع القارئ في التفاصيل، خصوصاً انني اجد المتنافسين الجمهوريين من نوع هابط. المهم للقارئ العربي ان يعرف ان اللوبي اليهودي الرسمي،"ايباك"، يمول حملات مرشحين كثيرين من طريق أعضائه الذين يزيدون على مئة ألف، والحد الأقصى المسموح به لتبرع الأفراد هو 2300 دولار، اما الشركات فعندها ألف وسيلة لدعم المرشح المختار الذي يرد عند الفوز بتأييد اعمالها، من المقاولات الى السلاح، أي من البناء الى الهدم. وهكذا فاللوبي يسيطر على الحزب الجمهوري من طريق الشركات الكبرى والمتطرفين الدينيين، وعلىالحزب الديموقراطي من طريق تبرعات الافراد. وربما كان أهم من التأييد المعارضة، فاللوبي يمول حملات خصوم المرشحين الذين لا يؤيدون اسرائيل"على عماها"، ويسألون عن سياستها، وكنت شاهداً على مثال صارخ لنفوذ اللوبي في الثمانينات عندما كان اخوتي يدرسون ويقيمون بين جنوب إلينوي وميسوري. كان السيناتور تشارلز بيرسي يمثل إلينوي منذ 1966، وله سمعة تتجاوز ولايته، وهو أيد بيع طائرات الأواكس للمملكة العربية السعودية، فشن اللوبي اليهودي حملة معلنة عليه استخدم فيها اعضاء من خارج الولاية، وهزم بيرسي سنة 1984، فأعلن توم داين، مدير"ايباك"، في خطاب له"ان جميع اليهود، من شرق الولاياتالمتحدة الى غربها تجمعوا لطرد بيرسي، والسياسيون الاميركيون الذين يشغلون مناصب عامة الآن، والذين يطمحون لإشغالها، فهموا الرسالة". هل فهم القارئ الرسالة كما فهمتها؟ السيناتور جيسي هيلمز، وهو متطرف عارض اسرائيل واليهود، وكاد يخسر مقعده ممثلاً كارولينا الشمالية بعد ان حاربه اليهود، فانتقل بعد ذلك الى صفهم وحول عنصريته وتطرفه ضد العرب والمسلمين. هل هذه ديموقراطية او بيع وشراء وعملاء اجانب يقدمون مصالح خارجية على مصلحة بلادهم؟ لا أستطيع ان اشكو فأميركا تظل اكثر ديموقراطية من كل بلادنا مجتمعة ولكن اخفف الوطأة مع الشاعر الشعبي اللبناني عمر الزعني الذي قال يوماً عن شراء الأصوات:"يبيع صوته بعشرين ليرة/ ويقول يا أهل الغيرة/ سرقوا الكون، نهبوا الميرة/ أكلوا البيضة والتقشيرة/ والشعب مسكين عالحصيرة". أيام الزعني كان السعر 20 ليرة، وتركت بيروت، وقد ارتفع ثمن الصوت الى مئة ليرة او مئتين، وانهارت الليرة وأصبح الصوت بمئات الألوف. غير ان المبدأ يبقى واحداً، وما يشترك فيه المرشحون اللبنانيون، والاميركيون، وكل المرشحين حول العالم هو الوعود الانتخابية. وعمر الزعني كان كتب قصيدة عنوانها"بس انتخبوني نايب"يقدم فيها مرشح وعوده فيقول:"أول بند من الاربعين/ بخلّي السما تشتي طحين/ والأرض تنبّع بنزين/ بلا رسوم وضرايب/ بس انتخبوني نايب". ثم يكمل:"وبزرع قطن وبزرع صوف/ بأرض المتن وارض الشوف/ ما بتصدق بكره تشوف/ وتفرّج عالعجايب/ بس انتخبوني نايب". قرأت ان السياسي الذي يدّعي الفضل في هطول المطر يجب ان يقبل تحميله المسؤولية عن الجفاف.