تصطدم باكستان منذ سنوات عدة بموجات عارمة من التوترات، الواحدة أعنف من الأخرى. ويبدو أن تسونامي سياسياً سيجتاح البلد برمته في الأسابيع القليلة المقبلة. أقدم الرئيس برويز مشرف - الذي يزداد مناهضوه في باكستان البالغ عدد سكانها 162 مليون نسمة - بحجة الانتخابات الرئاسية، على توقيف أكثر من إثني عشر شخصاً من أبرز أعضاء المعارضة. وانطلاقاً من رغبته في ضمان خمس سنوات جديدة في سدة الرئاسة، بات متخوفاً من الحملة الشعبية المتنامية المنددة بسياسته، وأتى التحالف الخطر بين مناهضيه ليهدد بعرقلة الانتخابات. إن نظرة حزب"الرابطة الإسلامية"الباكستانية بقيادة نواز شريف، رئيس الوزراء السابق الذي أطاح به الجنرال مشرف سنة 1999، نظرة غاية في الازدراء الى مشرف. وتبين أن الأحزاب الإسلامية اليمينية مستهدفة أيضاً. وأشارت بعض المعلومات إلى أن عدداً كبيراً من أقطاب المعارضة عمدوا إلى الاختباء خوفاً من تداعيات قد تطالهم، وأطلقت نداءات للمزيد من التظاهرات في شوارع البلاد فضلاً عن توصيات بتنحي أعضاء البرلمان والجمعيات التشريعية التي تشكل الهيئة الانتخابية. وقبل يومين من هذا الهجوم، أعاد الرئيس مشرف تنظيم القيادة العليا للجيش الباكستاني، وعيَن بعض الموالين له في مراكز رئيسية. وأتت هذه الخطوة في أعقاب إعلانه عن قراره بترك قيادة الجيش بحلول 15 تشرين الثاني نوفمبر المقبل، ما سيؤدي إلى طي صفحة ثماني سنوات من الحكم العسكري. لكن سبق لمشرف ووعد بالتنحي عن منصبه العسكري في أواخر سنة 2004، غير أنه لم يفِ بوعده. وفي الواقع، سئم الباكستانيون من الحكم العسكري وهم يتوقون اليوم إلى العيش مجدداً في نظام ديموقراطي محترم. وفي 20 أيلول سبتمبر، ظهر أسامة بن لادن في شريط مصور بعنوان"حيّ على الجهاد"دعا فيه المسلمين الباكستانيين الى التمرد على الرئيس والثأر لمقتل الشيخ عبدالرشيد غازي الذي عثر على جثته في قبو"المسجد الأحمر"في إسلام أباد، وذلك بعد نجاح العملية العسكرية التي نفذتها القوات الباكستانية الخاصة في 10 تموز يوليو 2007. وكانت هذه المرة الأولى التي يتوجه فيها بن لادن بتهديد صريح ضد مشرف. وعلى رغم استحالة توقع الانعكاسات المحتملة لهذا التهديد، إلا أنه يتزامن مع العاصفة السياسية الأعنف في تاريخ باكستان. وقد سجلت الأشهر الأخيرة ارتفاعاً في عدد الهجمات المنفذة من قبل عناصر"طالبان"و"القاعدة". وبحسب استطلاع للرأي مثير للقلق أجري في باكستان أخيراً، يبدو أن بن لادن أصبح أكثر شعبية من الرئيس. من جهة أخرى، تمر المحكمة الباكستانية العليا اليوم بفترة خصام مع الرئيس مشرف بسبب إقدام هذا الأخير على تعليق مهمات رئيس المحكمة القاضي إفتخار شودري بتهمة استغلال منصبه لغايات شخصية. ونتيجة لأعمال الشغب التي تلت هذا القرار، أعيد القاضي شودري إلى منصبه في شهر تموز الماضي. وفي 10 أيلول، عاد نواز شريف من لندن إلى باكستان بعد صدور حكم من المحكمة العليا يخوله العودة إلى بلاده. وأعلن من مقعده في الدرجة الأولى على طائرة تابعة للخطوط الجوية الباكستانية أن شعبه"سيحرر البلاد من بلاء الديكتاتورية العسكرية". لكن كانت للرئيس مشرف مشاريعه الخاصة، إذ سرعان ما وجهت تهم فساد جديدة ضد نواز شريف، وفي ما لا يزيد عن الخمس ساعات، تم ترحيله إلى المملكة العربية السعودية. ووصفت صحيفة"الأخبار"كراتشي هذا التصرف"غير اللائق"بخطوة في منتهى اليأس أتت على يد حكومة يتحكم بها"الذعر". ومن المتوقع أن تتخذ المحكمة العليا موقفاً صارماً ضد الرئيس في هذا الشأن. كذلك، تعتزم بينازير بوتو، رئيسة الوزراء السابقة وزعيمة حزب الشعب الباكستاني العودة إلى باكستان من لندن في 18 تشرين الأول أكتوبر الحالي، وقد صدرت اقتراحات أميركية علنية تقضي بتحالف الرئيس مع بوتو التي تواجه أيضاً سلسلة من تهم الفساد. ومن شأن المملكة المتحدة أن تدعم تحالفاً كهذا، وهي تعمل من خلف الستار منذ فترة لتحقيق هذه الغاية. وتطالب بينازير بوتو اليوم بسحب التهم الموجهة ضدها مقابل تعاونها مع الرئيس. ويجدر الذكر أن رئيسة الوزراء السابقة غضت النظر عن انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان أثناء ولايتها، ويقال إن زوجها آصف زرداري كان يستولي على 10 في المئة من عقود الحكومة. إن كلاً من المملكة المتحدة والولايات المتحدة تعمل على نحو وثيق مع الرئيس مشرف في قضايا كالإرهاب الدولي وحدود بلاده مع أفغانستان ستمنح المملكة المتحدةباكستان مساعدة مالية قدرها 480 مليون جنيه إسترليني خلال السنوات الثلاث المقبلة بهدف مكافحة الفقر، وتخشى هاتان الدولتان أن تكون باكستان على شفير الهاوية، وتتساءلان عما سيحل بقوتها النووية الفعالة ولو الضئيلة في هذه الحال. ويبقى السؤال: هل سيؤدي إقدام باكستان على تحسين مقوماتها الديموقراطية إلى رفع المواجهة مع الأصوليين الإسلاميين المنتشرين في جميع أرجاء البلاد؟ في الحقيقة، أعتقد أن ذلك لن يحدث أي تغيير يذكر في السياسة الباكستانية. ففي سنتي 2005 و2006، تم التوقيع على عدد من اتفاقيات السلام بين الحكومة المركزية وقادة القبائل، غير أنها بقيت حبراً على ورق ولم يحترم أي من الأطراف هذه المعاهدات في حين يشهد الجيش الباكستاني يوماً بعد يوم تراجعاً في عزمه على محاربة الأصوليين المحليين. * نائب بريطاني سابق عن حزب المحافظين