هل تتنبّه مستشفيات الولادة والقابلات القانونيات في مصر إلى أهمية الحبل السُري Umbilical Cord، الذي يربط الوليد مع المَشيمة في الرحم، فيمتنعون عن عادة إلقائه في النفايات؟ تأتي أهمية السؤال من تزايد قدرة العلم على التعامل مع الدم المُتجمع في الحبل السُري، بحيث بات العلماء قادرين على استخلاص خلايا المنشأ Stem Cells، التي يُشار اليها أحياناً باسم"الخلايا الجذعية". وتأتي كذلك مما أُعلن أخيراً عن اعتزام مصر انشاء بنك لتجميع خلايا المنشأ المُستَخلصَة من الدم المتجمع في الحبل السُري. التعاون الماليزي في لقاء مع "الحياة"، أشار الدكتور مدحت عبدالهادي، خبير العقم وأطفال الأنابيب وأحد خبراء مجال زرع دم الحبل السُري في مصر، الى أن العام 1997 شهد تأسيس شركة أولى لحفظ دم الحبل السُري للجنين في ألمانيا بُغية استخدامه لاحقاً في علاج الشخص عينه، إذا لزم الأمر. وحملت تلك الشركة اسم"ميتا 34"، فكانت الأولى في نوعها أوروبياً تتخصص في تحضير دم الحبل السُري وتخزينه وتوزيعه. وسبقتها في ذلك مجموعة من الشركات الأميركية. ولفت عبدالهادي الى وجود 30 بنكاً لتجميع خلايا المنشأ المُستَخلصَة من الحبل السُري عالمياً. ومنذ العام 2006، تستضيف دبي البنك الأول من هذا النوع لمنطقة الشرق الأوسط . ومن المنتظر إنشاء البنك المصري مع نهاية 2007 بالتعاون مع بنك ماليزيا لخلايا المنشأ. ويتوقع ان تُنجز مصر البنك الأكبر من نوعه شرق أوسطياً. والمعلوم أن خلايا المنشأ تظهر في الأيام الأولى لتكوّن الجنين، ثم تتحوّل الى خلايا مُتخصصة تصنع أعضاء الجسم وأجهزته وأنسجته المختلفة. وتفتح خلايا المنشأ الباب أمام علاج عدد من الأمراض المستعصية كالسرطان ونقص المناعة وألزهايمر. وفي البداية، لم يكن ممكناً الحصول على تلك الخلايا إلا من أجنّة جهيضة. وتدريجاً توصل العلماء الى الحصول عليها بطرق عدّة، وضمنها استخلاصها من دم الحبل السُري. وقد زرع العلماء خلايا منشأ من الحبل السُري علاجياً في 4 آلاف حالة عالمياً منذ العام 1988. وقد شهدت فرنسا مولد تلك التقنية. وأوضح د. عبدالهادي أن دم الحبل السُري يعتبر مصدراً ثرياً للخلايا الذكية والنادرة، وضمنها خلايا المنشأ، والتي تكون في التركيب الجيني للمرء وسلالته الوراثية. ولذا، يجدر عدم التعامل مع دم الحبل السُري على أنه من النفايات التي يجب التخلص منها. وأوضح أن خلايا المنشأ قادرة على تجديد نفسها لفترات طويلة، إضافة الى قدرتها على صنع أنسجة بديلة لما يتضرر من أجزاء الجسم. وأشار إلى أن دم الحبل السُري يحتوي على الكثير من خلايا المنشأ التي من شأنها أن تعين الإنسان على إنتاج خلايا الغضاريف والعضلات وغيرها. ولفت الى نجاح ماليزيا في إجراء أكثر من 31 عملية من هذا النوع لعلاج أنواع مختلفة من الأمراض المستعصية مثل سرطانات الدم والرئة والثدي ونقص المناعة وألزهايمر وأمراض الدم وأورام الغدد الليمفوية والسكري وإصابات الكبد وغيرها. وكذلك بيّن عبدالهادي أن خلايا دم الحبل السُري تتكيف مع بيئة الجسم الذي تُزرع فيه بسهولة، كما أنها أقل عرضة للتلوث مقارنة بالخلايا التي تُستخرج من النخاع العظمي. وأوضح أن الأطباء الذين يزرعون تلك الأنواع من الخلايا يتبعون قاعدة طبية عامة تقضي باستعمال 20 مليون خلية لكل كيلوغرام من وزن الجسم. وكلما زاد عدد الخلايا المزروعة ارتفعت نسبة النتائج الإيجابية للزرع. وأوضح أن من الممكن حفظ الخلايا المستخلصة من دون أن ينتهي تاريخ صلاحيتها شرط توافر بيئة التخزين السليمة تحت النيتروجين السائل ودرجة التجميد الصحيحة. وأثبتت الأبحاث في هذا الصدد إمكان حفظ هذه الخلايا لمدة 18 عاماً متواصلة. ووصف طريقة الحصول على دم الحبل السُري، والتي تتضمن تنظيف ذلك الحبل وغرس إبرة تنتهي بكيس بلاستيكي لجمع الدم من الحبل السُري المقطوع، وتُترك الإبرة لتملأ الكيس بفعل الجاذبية حتى يتوقف انتقال الدم. وبعد ذلك تثبت المعلومات المطلوبة على الكيس بعد أن يُغلق بإحكام. وتضع معظم بنوك دم الحبل السُري بطاقة تعريفية لكل عينة. وتستغرق هذه العملية من 2 إلى 4 دقائق. وكذلك تُجرى فحوص للتأكد من خلو دم الحبل السُري من الفيروسات أو الاعتلالات الجينية"كما يُفحص المولود للتأكد من خلوه من الأمراض الجينية والجرثومية. ثم يُحفظ الدم في ثلاجات خاصة وفي ظروف ودرجات حرارة خاصة قد تصل إلى 196 درجة مئوية تحت الصفر، كالحال مع النيتروجين السائل. ويجب إنهاء تلك العمليات خلال 24 ساعة من الحصول على هذا الدم.