السقوط المريع لمنتخب ألمانيا 1-4 في مباراته الودية الأخيرة في إيطاليا أصاب أنصار الدولة المنظمة بهلع شديد، وتعددت الآراء المتشائمة حول عدم وجود أدنى فرصة للألمان في المنافسة على الفوز بكأس العالم لكرة القدم 2006. وخسارة منتخب فرنسا على أرضه ووسط جمهوره ودياً أمام سلوفاكيا 1-2 أزعجت جماهير المنتخب الأزرق الطامح إلى استعادة لقبه العالمي. ولم يكن المنتخب السويدي أحسن حالاً فقد لقي هزم 1-3 في آيرلندا، ومنتخبا سلوفاكيا وآيرلندا فشلا في التأهل إلى نهائيات المونديال. الصحافة الرياضية في ألمانياوفرنساوالسويد فتحت النار على المدربين واللاعبين، وتحول المدير الفني الألماني يورغين كلينسمان من الرجل الذي أحبه الجميع عندما كان هدافاً فريداً في التسعينات إلى مدرب مرفوض، وانتقد الجميع اختياراته وأساليبه وخططه العقيمة، وأكدوا أنه يقود المنتخب نحو الهاوية. وركزت الصحافة الفرنسية على الفشل الهجومي المستمر لمنتخبها حتى بعد عودة نجمه الأول زين الدين زيدان، وشكلت الهزيمة الأولى للمنتخب الأزرق مع مدربه رايمون دومينيك صدمة للجميع باستثناء المدرب. وأكد دومينيك أنه لا يوجد فريق في العالم لا يخسر باستمرار، والخسارة في المباريات الودية أفضل منها في اللقاءات الرسمية، وردّت عليه الصحافة بأن تصريحاته أشبه بالنكتة السخيفة لأن المنتخب الذي ظهر هزيلاً لن ينتفض بين يوم وليلة في المونديال، ولكن الجماهير والصحافيين في فرنسا لا يتمتعون بذاكرة جيدة، ولو عادوا إلى الوراء ثماني سنوات فقط لاكتشفوا صدق نظرية المدرب دومينيك، فقبل نهائيات كأس العالم 1998 التي نظمتها فرنسا على ملاعبها تعرض المدير الفني للمنتخب إيميه جاكيه لأقسى وأطول نقد ناله أي مدرب فرنسي في التاريخ، ووصفته إحدى الصحف اليومية الكبيرة بپ"الأبله"، وهو ما دعاه إلى مقاطعتها تماماً طوال الفترة التي سبقت المونديال وخلال البطولة، وفشل المنتخب الفرنسي الذي خاض نهائيات 1998 في تحقيق الفوز على ثلاثة منتخبات في لقاءاته الإعدادية للمونديال، وتعادل مع المغرب 2-2 ومع النروج 3-3 ومع السويد سلباً ثم سقط أمام روسيا صفر-1 ، وأكدت كل الصحف الفرنسية أن منتخبها غير مرشح على الإطلاق لإحراز اللقب، وأن تشكيلة بارتيز وتورام وديسايي وبلان وليزارازو وديشان وكاريمبو وبيتي وزيدان وديوركاييف ودوغاري لن تعبر ثمن أو ربع النهائي مطلقاً، وأن الشعب الفرنسي حزين على رغم أن البطولة مقامة على ملعبه. وردّ كابتن فرنسا ديديه ديشان قبل النهائيات، مؤكداً عدم أحقية الصحافة والجمهور في تشاؤمهما أو أحزانهما، لأن معادن الرجال لا تظهر إلا في النهائيات، أي في المباريات والمواقف الكبيرة، وبالفعل صدق ديشان وجاكيه، وفازت فرنسا بجدارة على الدنمارك والسعودية وجنوب أفريقيا وباراغواي وتخطت إيطاليا وكرواتيا، واكتسحت حامل اللقب البرازيل 3-صفر في المباراة النهائية، وأكدت نظرية أن المباريات الودية ليست مهمة في التقويم. الطريف أن العكس حدث تماماً قبل 60 عاماً من تلك النهائيات، عندما نظمت فرنسا البطولة للمرة الأولى عام 1938 ولم يخسر منتخبها أي مباراة ودية عبر عشرة لقاءات متتالية، ودعم الفرنسيون صفوفهم بستة لاعبين من باراغواي وبولونيا والنمسا والجزائر والسنغال، ولكنهم سقطوا سريعاً في ربع النهائي أمام حامل اللقب إيطاليا 1-2. والخسارة الفادحة للألمان لا تزعجهم أيضاً، وتاريخهم في كأس العالم يشير إلى أن نتائجهم الودية لم تكن يوماً مقياساً، فقبل النهائيات الماضية 2002 لم يضع أحد ألمانيا في اعتباره على الإطلاق بعد انهيارها في بطولة أوروبا 2000 وسقوطها في ميونيخ في التصفيات 1-5 أمام إنكلترا، ولكن"الماكينة الألمانية"دارت في النهائيات على عكس كل التوقعات ووصلت إلى المباراة النهائية. ولا ينسى الألمان أيضاً هزيمتهم القياسية أمام هنغاريا 3-8 في افتتاح مونديال 1954 ولم يكن منافسهم الهنغاري قابلاً للخسارة بعد أن أمضى أربعة أعوام متتالية بلا هزيمة، ولكن الألمان انتزعوا الكأس في النهائي بالفوز 3-2 على التشكيلة الذهبية للهنغاريين من بوشكاش وبوغيك وكوتشيش وهيديكوتي. ولم يكن الألمان أيضاً من المرشحين لإحراز اللقب عام 1990 في إيطاليا بعد أن فقدوا بطولة أوروبا على ملعبهم، وخسروا ودياً من فرنسا غير المتأهلة أساساً إلى النهائيات 1-2 وتعرضت فترة الإعداد لقدر هائل من المعوقات، ولكن المنتخب الألماني فاجأ الجميع وتجاوز كل منافسيه قبل أن يسقط إنكلترا والأرجنتين في المباراتين الأخيرتين لينتزع الكأس. ولم يكن الأمر مختلفاً في صورة كبيرة عندما نظمت ألمانيا الغربية النهائيات للمرة الأولى على ملاعبها عام 1974 ودخلت إلى البطولة بعد التعادل 1-1 مع إيطاليا والخسارة صفر-1 من إسبانيا في مباراتين وديتين، وازداد الطين بلة بالخسارة في الدور الأول أمام منتخب ألمانياالشرقية الضعيف صفر- 1 ولكن بيكنباور ومولر وماير وفوغتس ونيتزر وبراتيز صعدوا إلى القمة في نهائيات البطولة وفازوا بالكأس.