أثار تفجر"أزمة الغاز"بين روسياوأوكرانيا مطلع السنة، ثم بينها وبين جيورجيا أخيراً بسبب خلافات أساسها سياسي، تجلى بعض مظاهرها في مطالبة موسكو برفع سعر المبيع، وتوقفها عن امداد جارتيها بالغاز الطبيعي لأيام عدة شكوكاً وقلقاً في أوروبا عموماً، والمانيا خصوصاً، من انقطاع هذه الامدادات الحيوية عنها يوماً ما وارتهانها الى الخارج وأهوائه في حال لجوء موسكو الى التهديد بهذا السلاح في المستقبل. ولم يكن مفاجئاً أن تتعالى من جديد الأصوات المؤيدة أصلاً لمواصلة استخدام الطاقة النووية في المانيا، للمطالبة بالعودة عن قرار حكومة الاشتراكيين والخضر السابقة بالتخلي عن هذه الطاقة، وكان الاشتراكيون والخضر اتفقوا قبل أكثر من عامين على قرار التخلي بسبب المخاطر الكبرى لهذه الطاقة على الانسان والبيئة، كما حصل مع كارثة تشيرنوبيل، وعدم استبعاد امكانية التسرب الاشعاعي من المفاعلات النووية، اضافة الى مشكلة دفن النفايات النووية. وقررت حكومة المستشار السابق غيرهار شرودر كذلك الاستعاضة عن الطاقة النووية بالطاقات التقليدية والمتجددة. وتوصلت الحكومة مع الشركات التي تشرف على انتاج الطاقة النووية في البلاد بعد أخذ ورد الى التوقيع على اتفاق يقضي بإغلاق المفاعلات النووية الموجودة تدريجاً بحسب أقدميتها ولفترة زمنية تنتهي عام 2020 كحد أقصى، وعدم اعطاء أي رخص جديدة لبناء مفاعلات نووية أخرى. وجاءت الأصوات الجديدة المطالبة بنقض الاتفاق من الفئات والقطاعات التي تستفيد من هذا القطاع في الدرجة الأولى ومن المؤيدين لها داخل الاتحاد المسيحي بحجة انهاء التبعية للخارج في ما يخص تأمين الطاقة الذاتية. وكاد الأمر أن يتسبب بأول خلاف علني حاد داخل الحكومة الجديدة المشكلة من المسيحيين والاشتراكيين بعد التصريحات التي أدلى بها وزير الاقتصاد المسيحي الاجتماعي ميشائيل غلوز، المؤيد للحفاظ على الطاقة النووية، لو لم تسارع المستشارة آنغيلا مركل الى رفض المطالبة المذكورة. لكن النقاش عاد وتجدد على لسان رئيس حكومة ولاية هسّن الديموقراطي المسيحي رولاند كوخ وغيره، ما استتبع ردوداً عليه من مسؤولين اشتراكيين وخضر. ومعروف أن مركل من مؤيدي الاستمرار في استخدام الطاقة النووية وانتقدت في السابق اتفاق التخلي عنها بشدة، لكنها خلال مفاوضات التحالف الحكومي مع الحزب الاشتراكي الديموقراطي وافقت على تضمين برنامج الحكومة الائتلافية للسنوات الأربع المقبلة بنداً ينص على احترام اتفاق التخلي التدريجي عن الطاقة النووية والتفتيش عن بدائل جديدة لها. ومن أجل وضع خطة مستقبلية طويلة الأمد تؤمن الطاقة المطلوبة في البلاد، دعت مركل الى عقد"قمة للطاقة"في شهر نيسان ابريل المقبل تبحث أيضاً في كيفية ضمان تفادي الارتهان الى الخارج. وباعتبار ان الغاز مادة مقبولة بيئياً وتأثيراتها السلبية هي الأقل بين المحروقات الأخرى مثل النفط والفحم الحجري، وقعت المانيا في السنوات الماضية عقداً مع روسيا لاستيراد 35 في المئة من احتياجاتها من الغاز سنوياً عن طريق خط أنابيب يمر في أوكرانيا وبولندا. ولا يؤمن الانتاج الداخلي من الغاز الطبيعي في المانيا أكثر من 16 في المئة من حاجات البلد، أما الباقي فتستورده من دول أخرى. ولضمان امدادات مباشرة من روسيا وقعت شركتا"غازاغ"وپ"ايون"الألمانيتين العام الفائت اتفاقاً مع شركة"غازبروم"الروسية لمد خط أنابيب تحت البحر يصل البلدين مباشرة ويبدأ تنفيذه قريباً وسط انتقادات حكومتي أوكرانيا وبولندا لأنه يحجب عنهما الافادة الضريبية من مرور الغاز في أراضيهما. ويرى الطرف الآخر المؤيد للتخلي عن الطاقة النووية ان المانيا تقف أمام منعطف مهم لتحقيق تغيير مبدئي وطويل الأمد في سياسة الطاقة، لافتاً الى ان الأهداف المتوخاة تتمثل في ضمان امدادات الطاقة والاستقرار في أسعار الكهرباء والنجاح في حماية البيئة. ويعتبر وزير البيئة الاشتراكي الديموقراطي سيغمار غابرييل"ان الاستراتيجية الأهم التي يتوجب اعتمادها في السنوات المقبلة تتمثل في خفض استهلاك الطاقة، الأمر الذي يتطلب استثمارات كبيرة في هذا المجال كما في مجال رفع انتاجية الطاقة ومصادرها". ويعتبر ان المانيا"هي الدولة الأولى في العالم اليوم في مجال استخدام الطاقات المتجددة وتطويرها، ويتوجب أن يكون الهدف الثاني أن تصبح الدولة الأولى في مجال فعالية الطاقة". وتنطلق وزارة البيئة من ضرورة العمل على مضاعفة انتاجية الطاقة في البلاد حتى عام 2020 مقارنة بالانتاجية التي سجلت عام 1990،"وهذا تحد كبير لنا"على حد قول الوزير الذي رأى في قرار التخلي عن الطاقة النووية"محركاً مهماً لعملية التحديث والتطوير والتفتيش عن طاقة بديلة". ويعتبر الطرف هذا أن الوقت الذي حدده الاتفاق الموقع مع شركات انتاج الطاقة النووية، وهو بحدود عشرين سنة يفسح المجال بصورة جيدة حالياً لسد الثغرة في الطاقة التي ستنتج عن اغلاق المفاعلات النووية الواحد بعد الآخر خلال العقدين المقبلين. والواقع ان الغاز الطبيعي مقارنة بمواد الطاقة الأخرى هو الأفضل للبيئة، اذ ان انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون منه تعادل نصف انبعاثات الفحم الحجري، اضافة الى ان سيولته العالية لها تأثير قوي في انتاج الكهرباء. ويقول الخبراء ان درجة التأثير هذه في شركات الطاقة العاملة على الغاز تصل الى 58 درجة في الوقت الذي لا تتجاوز في شركات الطاقة العاملة على الفحم الحجري 46 درجة. وتبلغ درجة التأثير المسجلة حالياً في المانيا 38 أو 39 درجة فقط.