ظلت سِعَةُ المسجد الحرام محدودةً عدّة قرونٍ حتى مجيء الدولة السعودية الثالثة على يدِ الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود يرحمه الله، الذي أَوْلى الحرمين الشريفين وضيوفَ الرحمن عنايةً خاصة، فأمرَ بإجراء الترميمات والصيانة الشاملة لِلمسجد الحرام سنة 1346 ه/ 1928 م، وعمل المظلاتِ لوقاية ضيوف الرحمن من حرارة الشمس، وأنشأَ السبيلين الواقعين في وسط الحرم وجعلهما سقايةً للحجيج، ورصف المسعى، ووضع ساعةً منبهةً في المسجد الحرام، وجدّد باب الكعبة أيضاً وما زال ذلك الباب معروضاً في متحف الحرمين الشريفين، وأرسى الملكُ عبدالعزيز بنُ عبدالرحمن أُسُسَ التوسعة السعودية الأولى، ونفّذتها مؤسسةٌ وطنية سعودية في عهودِ أبنائه الملوك: سعود وفيصل وخالد يرحمهم الله، وبلغتْ مساحةُ التوسعة السعودية الأولى خمسةَ أضعاف ما كانت عليه مساحةُ المسجد الحرام قبل ذلك، واستمرّ العمل في التوسعة السعودية الأولى من سنة 1375ه/ 1955م حتى سنة 1396 ه/ 1976م. وارتفعت المساحاتُ المتاحة للمصلين في الحرم من 28000 متر مربع إلى 151000 متر مربع، وهكذا تضاعفَ عددُ المصلين في المسجد الحرام مرات عدةَ. التوسعة السعودية الثانية اهتمَّ خادمُ الحرمين الشريفين الملك فهدُ بن عبدالعزيز يرحمه الله في شؤون الحرمين الشريفين مُذ كان ولياً للعهد وخَبِرَ ما يحتاجُهُ ضيوفُ الرحمن من خدماتٍ، و حينذاك صدر الأمر السامي بإنشاء الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، ولما بُويِعَ ملكاً وَضَعَ حجرَ أساسِ توسِعةِ الحرم المكي الشريف في الثاني من صفر سنة 1409ه/ 1989م، و أُنجزتِ التوسعةُ وافتُتِحتْ رسمياً في شهر ذي القعدة سنة 1413ه/ 1993م، ولبَّتْ التوسعةُ كافة الاحتياجات الروحيةِ والمادية والفنية وتضمنت حُلولاً لكل المسائل التي استعصى حلُّها قَبْل توسعةِ خادم الحرمين الشريفين. تمت توسعة المسجد الحرام منَ الناحية الغربية الواقعة بين باب العمرة وباب الملك، بمساحة قدرها:76000 متر مربع، وهي تتكون من قبوٍ، ودورٍ أرضيٍّ، ودورٍ أولٍ، وسطحٍ. وقد تمت بالاعتماد على كلِّ ما هو وطنيّ سعودي بالدرجة الأولى لإنجاز التوسعة"فكُلفَت شركة وطنية سعودية بتنفيذ أعمال التوسعة، وباعتماد المواد المنتجَةِ محلياً، فنُفِّذتِ التوجيهاتُ، وأُنجِزَ العملُ بتكلفة بلغتْ خمسةً وخمسينَ بليون ريال سُعودي، ونالتِ الكعبةُ المشرفةُ اهتماماً خاصاً، إذ أُمِرَ بإصلاحِ بنائِها وترميمِ جدرانها وتجديدِ سقفِها وترميمِ أعمدتِها، واستبدالِ الميزابِ القديم بميزاب مُشابهٍ جديد، كما أُمر بتجديدِ رخامِ الشاذروان، ورخامِ حجر إسماعيل، وترميمِ مقام إبراهيم عليه السلام في مكانه، وترميم بابِ الكعبة وتجديده. استُخدمت في توسعة الحرمين الشريفين كمية ضخمة من الإسمنت المُسلّح بلغَ حجمُها: 111750 متر مكعب، وبلغت كمية الحديد المستخدمة: 12700طن، وبُلِّطت التوسعة بالرخام، وبلغت مساحتها اثنين وثمانين ألف َمتر مربع إضافة إلى الساحات الخارجية، فصارت مساحة الحرم المكي: 357000 متر مربع، وبلغ عدد الأعمدة في كل طابق من الحرم أربع مئة واثنين وتسعين عموداً، وكُسيت جميعُ الأعمدة وقواعدِها بالرخام، وبلغ ارتفاع الواجهات الخارجية للتوسعة ما يقربُ من واحدٍ عشرين متراً، وكُسيتْ بالحجر الصناعي، والرُخام السُعودي من وادي فاطمة، و تمتْ إضافةُ 14 مدخلاً عادياً للتوسعة، و شُيدَ بابُ الملك فهد، وعَلتْ جانبيه منارتان بارتفاع تسعة وثمانين متراً، فارتفع عدد المنارات من سبعٍ إلى تِسْعٍ، وأنشئ مدخلان جديدان للقبو البدروم إضافة إلى المداخل الأربعة السابقة، واشتملت التوسعةُ على ثلاثِ قبابٍ مستديرةٍ مُتجاورة بارتفاع 13 متراً عن سطح المبنى، وشكلُها مماثلٌ لأشكال القباب القديمة الموجودة على سطح الحرم. وصُمِّمَ بناءُ التوسعة بشكل مقاوم لتأثيرات الزلازل وعوامل الطبيعة. وشملتْ أعمالُ التوسعة زيادةَ عدد السلالم الكهربائية المتحركة لخدمة زوار بيت الله الحرام، وصممت بشكل مميز يُيَسِرُ لزوار بيت الله الحرام حريةَ التنقُّل بسهولة ويُسر، فتمّت إضافة مبنيين للسلالم المتحركة في كل ّ منهما مجموعتان من السلالم، وطاقة كل مجموعة نقل خمسة عشر ألفَ شخصٍ في الساعة، إضافة إلى مجموعتين من السلالم المتحركة داخل حدود المبنى على جانبي المدخل الرئيسي للتوسعة، فأصبح عدد مباني السلالم المتحركة سبعة مبانٍ تنتشر حول محيط الحرم والتوسعة لخدمة المصلين في الدور الأول والسطح، إضافةً إلى السلالم الثابتة. تضمّنَتْ توسعةُ خادم الحرمين الشريفين ثلاثَ ساحاتٍ للصلاة حَول الحرم المكي يبلغُ مجموعُ مساحاتِها: 88000 متر مربع، وبُلطت الساحاتُ برخامِ"تاسوس"العاكس للحرارة بناءً على دراساتٍ وتجاربَ أثبتت فعاليتَهُ، وفائدتَهُ في تأمين الراحة للمصلين، وأتاحتْ الساحاتُ مُصلىً لِ190000مصلٍّ، وصارت المساحةُ الإجمالية للمسجد الحرام وساحاته: 360000 متر مربع تقريباً، وهي تتسع لِ 773 ألف مُصل على مدار العام، ويرتفعُ العددُ في رمضان المبارك، وموسم الحج إلى نحو مليون مُصَلٍّ تقريباً. تَكاملتِ المشاريعُ المساندةُ لِتوسِعَةِ الحرمين الشريفين، فلبّت الحاجيات الضرورية والتكميلية والتحسينية، وتمَّ إنشاءُ المرافق العامة تحت الأرض في السوق الصغيرة، وضمَّتْ 690 دورة مياه، و 449 نقطة وضوء، و 114 نافورة مياه للشرب من مياه بئر زمزم، وشملت إنشاء دورات"القُشاشية"التي ضمت 1440 دورة، و 1091 نقطة وضوء، و 162 نافورة مياه للشرب، وتوافرت نوافير مياه زمزم للشرب في جميع أدوار الحرم إضافة إلى ما يزيد على سبعة آلاف حافظةٍ مياه مبردة، وهي تُزودُ بمياه زمزم باستمرار لا يتوقف ليلاً ونهاراً، وأنشئت شبكة لتصريف مياه التنظيف بطريقة متطورة إضافة إلى العبارات والأنفاق لتفادي أخطار السيول. وأُنشيء خزانٌ للمياه بوادي ملكانَ سعتُه: 80000 متر مكعب لتأمين المياه اللازمة لمرافق الحرم عند الحاجة. ونال بئرُ زمزم رعايةً خاصة تصميماً وتجهيزاً، وتمّ تعميق البئر وتنظيفُها والمحافظةُ عليها بعيداً من التلوث، واحتُفظَ بما وُجد في البئر من دِلاءٍ وأباريقَ ونقودٍ في متحف الحرمين الشريفين في منطقة أم الجود بمكة المكرمة، وتم إنشاء سبيل الملك عبدالعزيز لتعبئة مياه زمزم الذي يُزودهُ بالمياه خزانان: الأولُ، أرضيّ بسعة عشرة آلاف متر مكعب. والثاني، عُلويّ بسعة خمسة آلاف متر مكعب. وجُهز السبيلُ بكل ما يلزم من مُعدات لتنقية المياه، وسُخِّرتِ الصهاريجُ لنقل مياه زمزم إلى رحاب المسجد النبوي الشريف في المدينةالمنورة، ووُزعت مشاربُ ماء زمزم في الحرمين الشريفين، والساحات المجاورة، فأصبحتْ في مُتناول الناس في جميع الأوقات، واستعملت أحدثُ الوسائل العالمية لتعقيم المياه وتنقيتها بواسطة الأشعة فوق البنفسجية من دون تأثيرات جانبية على اللون أو الرائحة أو الطعم.