هل بلادنا هي الأسوأ في العالم؟ أقول لا وأطلب صبر القارئ حتى النهاية. بلادنا عالم عاشر لا ثالث، متخلّفة تفتقر الى مقومات الديموقراطية كافة، فلا حقوق انسان، وتحديداً لا حقوق للمرأة، ولا حكم قانون أو شفافية... لا شيء سوى الفساد، وهو عميم، وأتوقف بعد هذا الغزل العابر، فقد نبّهني صديق أخيراً الى انه لا يجوز لي ان أهاجم بلادنا، شعوباً وحكومات، لأن الضرب في الميت حرام. على رغم كل ما سبق بلادنا ليست الأسوأ في كل شيء، فثمة نواحٍ نتقدّم فيها على غيرنا، وربما السبب اننا في تخلفنا حافظنا على بعض القيم التي ضيّعها الغرب، وعجلة الحضارة تطحنه. هذا الاسبوع فقط، وبحكم ان معظم قراءتي بالانكليزية، أي أخبار الولاياتالمتحدة التي أزور بانتظام وبريطانيا حيث أقيم، كانت هناك الأخبار التالية في ثلاثة أيام فقط: - الحزب الجمهوري أمام فضيحة داخلية هائلة بعد فضائح الحرب على العراق وأفغانستان، فالنائب مارك فولي، وهو جمهوري من فلوريدا استقال بعد ان تبيّن انه أرسل الى شبان متدربين يعملون في الكونغرس رسائل جنسية فاضحة عبر الهاتف المحمول موبايل، ثم تبيّن ان قيادة الحزب الجمهوري كانت تعرف بالانحراف الجنسي للنائب وسكتت، وحاولت كتم الموضوع مع اقتراب الانتخابات النصفية. والآن يواجه دنيس هاسترت، الرئيس الجمهوري لمجلس النواب، ضغوطاً من حجم ما يتعرّض له فولي، بسبب التعتيم على القضية. وطلع محامي النائب المنحرف بعذر هو ان فولي مدمن على الكحول، وأن رسائله الى الأولاد، كانت تحت تأثير الخمر. ما أسمع هو ان الخمر تخرج الحقيقة من صدر المخمور، وهي بالتالي كشفت حقيقة نفسية فولي. والفضيحة ليست الأولى فأنا أذكر فضيحة مماثلة تعود الى الثمانينات عندما تبيّن ان عدداً من اعضاء مجلس النواب تحرّشوا بالأولاد الذين يرسلهم أهلهم للعمل كسعاة في الكونغرس للتدرّب، واختبار أساليب العمل السياسي. - دخل سائق سيارة لبيع الحليب مدرسة من غرفة واحدة لطائفة"ايمش"التي تحافظ على تقاليد القرن التاسع عشر، وقتل أربع بنات صغيرات وجرح سبعاً أخريات قبل ان ينتحر. وتبيّن من رسائل تركها السائق انه يشكو من ظلامة عمرها 20 سنة جعلته يربط البنات بأسلاك وشرائط بلاستيك حول سيقانهن، ثم يجهز عليهن من ترسانة أسلحة حملها الى المدرسة. والأسبوع هذا افتتح بأن ربط مجرم أميركي آخر البنات في مدرسة أخرى، في كولورادو، وتحرش بهن ثم قتل احداهن وانتحر. وكانت الجريمتان من نوع جديد، فالمجرمان لا تربطهما بالمدرستين أي علاقة، وهما بذلك تختلفان عن حوادث سابقة مثل حادث مدرسة كولومبين في 20/4/1999 عندما قتل طالبان 12 من زملائهما واستاذاً وجرحا 24 آخرين قبل ان ينتحرا. - هناك عشرات الحالات، وربما المئات، من اعتداء رجال دين كاثوليك على أولاد في عهدتهم، وأكثر ما أقرأ هو عن الولاياتالمتحدة وبريطانيا، ما يعني القليل، لأن أكثر الكاثوليك في أوروبا وأميركا اللاتينية حيث متابعتي محدودة. الجديد في الموضوع هذا الاسبوع هو ضجة أثارها برنامج وثائقي لتلفزيون بي بي سي زعم ان البابا بنديكتوس، عندما كان لا يزال الكاردينال جوزف راتزنغر، اصدر مرسوماً سرياً سنة 2001 يأمر بتقديم مصلحة الكنيسة على الأولاد المعتدى عليهم، ما يجعله في وضع مشابه لما يواجه رئيس مجلس النواب الأميركي دنيس هاسترت الآن. لاحظت في الدفاع عن البابا ان المدافعين لا ينكرون محاولة الكنيسة التعتيم على جرائم الكهنة، وإنما يركزون على إبعاد البابا عن الموضوع كما طرحه البرنامج"جرائم جنسية والفاتيكان". - الصحف كلها تناولت الخبر السابق غير انني قرأته أيضاً في"الديلي ميل"وتحته خبر آخر عن بنت في الخامسة عشرة قتلت وليدها بعد ساعات من الوضع، ولم يكن هذا خبراً نادراً، فقد تبين هذا الاسبوع ان بيتر توبين وهو منحرف جنسي، أفلت من رقابة الشرطة وعمل كخادم في كنيسة كاثوليكية في بلدة اندرستون، وهناك وجدت تحت خشب ارض الكنيسة جثة طالبة لغات بولندية شابة اسمها انجليكا كلوك، وقد تعرضت لاغتصاب وحشي وتعذيب قبل قتلها. وتوبين مع المحققين الآن. واذا كان ما سبق لا يكفي في ثلاثة ايام من اسبوع واحد، فقد هجم مجرم في حديقة عامة على المراهقة كارلي فيرنس وهي في طريقها الى العمل، وطعنها وتركها تصارع الموت، وفرّ أمام المارة حاملاً حقيبتها التي سرق منها الهاتف المحمول. - السياسي الاسكوتلندي تومي شريدان ربح قضية على جريدة اتهمته بالاشتراك في حفلات جنسية وتعاطي المخدرات، الا ان الجريدة عادت هذا الاسبوع بفيديو يعترف فيه بأنه فعل كل ما أنكر في المحكمة، ما يعني ان يعود اليها بالتهم نفسها، ومع الادلاء بيمين كاذبة. أتوقف هنا لأقول اننا في حاجة الى كل أسباب الحضارة الغربية، الا اننا لا نريد العوارض الجانبية البشعة لها. ولم أقرأ بعد ان طالباً قتل زملاءه في مدرسة عربية، كما انني لا أتطلع خلفي اذا سمعت وقع أقدام في عاصمة عربية، كما أفعل في لندن ونيويورك. وبما ان الكهنة الارثوذكس وأئمة المساجد في بلادنا يتزوجون فهم لا يحتاجون ان يعتدوا على أولاد. أرجو ان يلاحظ القارئ، وهو حاد الملاحظة، انني أفاخر في الفقرة السابقة بما ليس عندنا وليس بأي إنجاز حضاري لنا.