سعت السلطة الفلسطينية خلال الأشهر الستة الأخيرة إلى محاولة استيعاب عناصر وكوادر وقيادات الأجنحة العسكرية التابعة لعدد من الفصائل الفلسطينية الفاعلة على الساحة، خصوصاً في قطاع غزة. وتمخضت الحوارات الطويلة مع عدد من الفصائل عن موافقتها على الانخراط في الاجهزة الامنية الرسمية بعدما يتلقى هؤلاء التدريبات الملائمة والكافية التي تؤهلهم للعمل في الشرطة أو اجهزة الامن، فيما ترفض حركتا"حماس"و"الجهاد الاسلامي"رفضاً قاطعاً انضمام عناصرهما في هذه المرحلة الى الاجهزة الامنية. وفي مقابل سعي السلطة لاستيعاب هؤلاء المقاتلين والمناضلين في صفوف اجهزتها، بذلت بعض الاجنحة المسلحة جهوداً لضم أكبر عدد ممكن من عناصرها الى اجهزة السلطة الامنية. وتباينت آراء بعض المسؤولين وقادة الفصائل والسلطة ازاء هذه الحال، واذ ترى السلطة ان الامر لا يتعدى كونه محاولة لاستيعاب المناضلين وتوفير فرص عمل لهم، فان بعضهم يرى ان ذلك جاء تنفيذاً لاملاءات تملى على السلطة الفلسطينية من المجتمع الدولي، وتحديداً من الادارة الاميركية. وهو ما يشير اليه بوضوح القائد العام للجان المقاومة الشعبية جمال أبو سمهدانة في حديث ل"الحياة"اذ يتهم السلطة بأنها رضخت لمطالب المنسق الاميركي السابق في المنطقة وليام وورد لانهاء حال المقاومة والانتفاضة. لكن الناطق باسم وزارة الداخلية والامن الوطني توفيق أبو خوصة ينفي ذلك جملة وتفصيلاً في حديث الى"الحياة". ويقول عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ناصر الكفارنة ل"الحياة"انه حتى لو نظر بعض الناس في السلطة الفلسطينية أو المجتمع الدولي لعملية استيعاب المناضلين في صفوف الاجهزة الامنية الفلسطينية على أنها انهاء للانتفاضة والمقاومة، فإننا ننظر إليها على عكس ذلك. ويضيف أن ما حدث هو حصول هؤلاء المناضلين على حقهم في الوظائف وتوفير دخل شهري لهم وهذا ليس منة من أحد. واشار الى ان هذا هو الاساس الذي حكم موقف الفصائل والاجنحة العسكرية التي اعتبرت ان الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة خطوة على طريق تحرير بقية الارض المحتلة، لذا لن تفكك الاجنحة العسكرية ولن تنتهي الانتفاضة، خصوصا ونحن نرى الاعتداءات الاسرائيلية على الضفة والقطاع تتكرر كل يوم. الامر نفسه رآه عضو قيادة اقليم"فتح"في رفح زياد شعث، الذي اعتبر ان استيعاب عناصر الاجنحة المسلحة حق لها. واعتبر شعث في حديث ل"الحياة"ان الذين حرروا القطاع هم ابطاله وهم يستحقون ان يكافأوا على ذلك، وهذه ليست منة من أحد. ورأى ان انضمام المناضلين الى الاجهزة هو استمرار لنضالهم ومواصلة لمسيرة بناء الوطن الذي دمره الاحتلال. وبينما يقول أبو خوصة ان عدد الذين انضموا الى الاجهزة الامنية يزيد بقليل عن ثلاثة آلاف، يشير أبو سمهدانة الى أن عددهم يصل إلى نحو خمسة آلاف، من بينهم نحو 500 من لجان المقاومة الشعبية. أما الكفارنة فيقول أن عدد عناصر الجبهة وجناحها العسكري كتائب الشهيد أبو علي مصطفى الذين انخرطوا في الاجهزة الامنية يبلغ نحو 600 فقط. وقال قائد كتائب المقاومة الوطنية الذراع العسكرية للجبهة الديموقراطية"ابو ماهر"ل"الحياة"انه تم استيعاب 200 فقط من عناصر كتائب المقاومة الوطنية. وانتقد"ابو ماهر"التمييز الحاصل في هذا الِشأن بين حركة"فتح"الحزب الحاكم للسلطة وبقية الفصائل. ويقول ان السلطة اشترطت على الفصائل الاخرى ان يقل عمر العنصر عن 25 عاماً وان لا يقل طوله عن 170 سم، وان يكون لائقاً صحياً، بينما تغاضت عن ذلك ازاء عناصر"فتح". واضاف ان عدداً كبيراً من مقاتلي الفصائل وكوادرها هم فوق سن 25 عاماً، متسائلاًَ عن مصير هؤلاء، وكذلك الجرحى والمصابين. واشار الى ان وزير الداخلية والامن الوطني نصر يوسف اقترح على الفصائل ان يتم صرف"مبلغ مقطوع"لهؤلاء قيمته 800 شيكل شهرياً نحو 170 دولاراً وهو ما يطلق عليه في الشارع الفلسطيني"بدل بطالة دائمة". واعتبر أنه لم تتم معالجة هذه القضية حتى الآن، مشدداً على ان الموضوع لا يزال مفتوحاً على قاعدة تساوي الفرصة بين الشركاء في النضال.