زرت في عام 1977 مدينة آسيوية كبيرة، مزدحمة بالسيارات والحافلات، وإذ كان يمكن شم رائحة الغازولين والديزل وغازات الاحتراق في كل شارع. وزرت بعد 21 سنة المدينة نفسها وكان ازدحامها اشد بسبب زيادة كبيرة في عدد السيارات. ولدهشتي، وجدت هواءها انقى كثيراً مما كان في زيارتي الاولى وذلك بسبب التحسن الكبير في نوعية المنتجات النفطية المستخدمة واستخدام الفلاتر المحولة لتنظيف غازات العوادم قبل طرحها للجو، اضافة الى ان تحسناً قد طرأ على كفاءة المحركات مما قلل استهلاك الوقود نسبياً. ان الصناعة النفطية، سواء بمبادرة منها او بفعل الضغط الشعبي والحكومي، قامت بخطوات كبيرة لتحسين نوعية الوقود وتقليل الانبعاثات الضارة منه. وهكذا تقدمت وتعقدت مصافي النفط في سبيل الوصول الى مواصفات اعلى لنوعية الوقود التي تتطلبها الاسواق. ومع ذلك فأن هناك شوطاً طويلاً لا يزال امام الدول العربية وبقية الدول النامية، إذ ان ضعف الاستثمار قد منع هذه الدول من اللحاق بالدول الصناعية بهذا المجال. ان اتجاه مواصفات الغازولين تحتم عدم مزج رابع اثيلات الرصاص بها لرفع العدد الاوكتيني، وذلك لتأثيرات الرصاص على الصحة العامة. وكذلك الحال بالنسبة لتقليل محتوى البنزين مركب في مزيج الغازولين الى حد لا يتجاوز جزءاً واحداً بالمليون وذلك لأن البنزين معروف بتسببه بأمراض سرطانية. وفي الوقت نفسه تتجه المواصفات لتقليل نسبة المركبات العطرية في الغازولين بغية تخفيض انبعاثات اول اوكسيد الكاربون المسبب للضباب الدخاني، خصوصاً في الاجواء الباردة. وسيتم أيضاً تخفيض محتوى الكبريت الى درجة تصل الى ما لا يزيد عن عشرة أجزاء بالمليون لأن الكبريت معروف بكونه مسيئاً لجميع انواع الوقود لتأثيراته على اجزاء المحركات، وان اكاسيده المطروحة للجو وكذلك اكاسيد النتروجين تسبب مصاعب في التنفس وتؤدي الى الامطار الحمضية. وأخيراً، فقد وجد ان اضافة بعض المركبات الاوكسجينيه الايثرات والكحولات تؤدي الى رفع العدد الاوكتيني وتحسن احتراق الغازولين. وأهم هذه الاضافات MTBE الذي استخدم بنجاح منذ 1973. ولكن هذا المركب قد يمنع مزجه بالغازولين في الولاياتالمتحدة الاميركية في المستقبل القريب بعدما اكتشف انه تسرب الى بعض آبار المياه من خزانات معطوبة. وبدلاً من معالجة هذه الخزانات فإن بعض الولايات، وفي مقدمها كاليفورنيا، قررت التخلي عن هذا المركب لمصلحة الكحول الاثيلي المصنع من منتجات زراعية. اما بقية الدول في أوروبا وآسيا فأنها تعتمد بأضطراد على MTBE لانتاج غازولين انظف وأعلى اوكتيناً. وقد بدأ وقود الديزل يحظى بالاهتمام نفسه الذي حظي به الغازولين نظراً لتنوع المحركات العاملة به. وربما بالامكان انتاج ديزل نظيف بطرق اسهل من تلك التي يحتاجها الغازولين. وقبل سنوات كان المحتوى الكبريتي في الديزل 0.5 في المئة مقبولاً ولا يزال الى حد كبير في دول متعدده. الا ان الاتجاه يقضي بتخفيض هذا المحتوى تدريجاً الى عشرة اجزاء بالمليون كما هي الحالة في الغازولين وبالاسباب نفسها. وعلى المصافي في هذه الحال التوسع في عمليات المعالجة بالهيدروجين وباستخدام عوامل محفزة أكثر فاعلية. وسيكون الديزل القليل الكبريت متوافراً في بعض البلدان الاوروبية هذه السنة وقبل ان يصبح الزامياً لاحقاً. وفي البلاد العربية فإن مواصفات المنتجات النفطية تختلف بين بلد وآخر، الا انها عموماً اقل نوعية وتشدداً من مثيلاتها في الولاياتالمتحدة وأوروبا وحتى بعض الدول الآسيوية. إذ لا يزال الرصاص يمزج مع الغازولين على رغم ان الأخير في الاماراتوقطر والكويت خال من الرصاص، وستتبع السعودية هذا الاتجاه قريباً. وهناك دول عربية اخرى يباع فيها الغازولين الخالي من الرصاص الى جانب الغازولين الممزوج به كما هي الحال في مصر والاردن. والدول التي ينتج فيها MTBE وجدت من السهل التحول الى الغازولين الخالي من الرصاص بينما سيكون الامر اصعب عندما تضطر الدول الاخرى لاستيراد هذه الماده او اللجوء الى عمليات انتاجية اضافية في المصافي. ان طاقة انتاج MTBE في الدول العربية تصل الى 100 ألف برميل في اليوم ثلثاها في السعودية والباقي في قطروالامارات والكويت. وأكثر انتاج هذه الدول هو للتصدير الى الاسواق العالمية. الا ان انحسار سوق الولاياتالمتحدة قد يدفع المنتجين العرب للتصدير الى الدول العربية الاخرى وبذلك يعجلون في انتشار الغازولين الخالي من الرصاص. لقد كان استهلاك الغازولين في الدول العربية 718 ألف برميل في اليوم في 2002 ويتوقع ان ينمو الى 850 ألفاً في 2010. ويجب مراعاة اتجاه المواصفات بتأنٍ خصوصاً تخفيض الكبريت ورفع الاوكتين في المشاريع المستقبلية. اما الديزل فان استهلاكه في الدول العربية اعلى بكثير من الغازولين، إذ بلغ 1190 ألف برميل في 2002 ويتوقع ان يصل الى 1700 ألف برميل في اليوم في 2010. والمهم في هذا الجانب معالجة هذا المنتج بالهيدروجين وبمنظور يؤدي الى انتاجه بواقع المواصفات الاوروبية بأسرع وقت ممكن خصوصاً في الدول المزدحمة بالسكان او تلك التي تقوم بتصدير الديزل الى الاسواق المتطورة. ان معالجة المشتقات النفطية ليست ترفاً يمكن التخلي عنه، وذلك بسبب التأثيرات السلبية لاستخدام هذه المشتقات على الصحة العامة والبيئة والمحركات والمعدات. وان انتاج هذه المشتقات بمواصفات متدنيه قد يكون ارخص لأي مجتمع في بداية الامر ولكن الاضرار اللاحقة ستكون مكلفة من دون شك. خبير في وزارة النفط العراقية سابقاً ورئيس لدائرة دراسات الطاقة في سكرتارية الاوبك سابقاً.