يراهن الحكم في الجزائر على ثبات أسعار الهيدروكربورات سنة 2005 عند مستويات العام الماضي كي يجني عائدات تمكنه من الاستمرار بخفض ديونه وخدمتها، وتعزيز احتياطاته من النقد الأجنبي التي وصلت حتى الآن الى 40 بليون دولار وعلى الحفاظ على معدل نمو بحدود 5 في المئة، اضافة الى السير قدماً في خطة النهوض الاقتصادي التي اطلقها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة منذ أكثر من عامين ولم تعط النتائج المرجوة. إلا انه على رغم ارتفاع المداخيل وتصحيح بعض مؤشرات الاقتصاد الكلي، إلا أنه من غير المتوقع ان تتمكن الجزائر في السنة الجديدة من ايجاد الحلول الناجعة لعدد من مشاكلها المستعصية، في طليعتها، التحدي الأكبر المتمثل بتردي الأوضاع المعيشية، وضعف القوة الشرائية، وبقاء معدلات البطالة في حدود 23 في المئة، ووجود حوالى 605 آلاف فقير منذ عام 2000، يعيشون بأقل من دولار واحد يومياً بحسب التقرير الوطني حول التنمية البشرية. وإذا كان صندوق النقد الدولي أعطى علامة مشجعة للسياسة المعتمدة على صعيد الموازنة من قبل الحكومة الجزائرية السائرة في طريق خفض النفقات، إلا أنها ستدخل في الشهور المقبلة في تحد لتطبيق اصلاحات هيكلية وادارية، بالاضافة الى ضرورة تنقية القطاع المصرفي من الشوائب، واعطاء دفع للسوق المالية التي تعاني من عجز مستديم لناحية القدرة على الانطلاق. ويشكك المحللون الماليون الأوروبيون بأن تكون سنة 2005، سنة تحول أساسي للاقتصاد الجزائري على رغم تصريحات المسؤولين الذين يراهنون بقوة على جذب الاستثمارات الخارجية المباشرة عبر تخصيص نحو 1200 مؤسسة من مؤسسات القطاع العام. وتعزز هذا الشك خلال الزيارة التي قام بها الى باريس في 14 كانون الأول ديسمبر الماضي، وزير المال عبداللطيف بن اشنهو، بهدف ترويج الاستثمار في بلاده. إذ أقر هذا الأخير بوجود معيقات جوهرية تجعل المستثمرين الفرنسيين وغيرهم يترددون عن دخول السوق الجزائرية. ومن بين هذه العقبات، حسب الوزير، الرشوة والسوق الموازية التي تشكل بين 40 و45 في المئة من ناتج الدخل القومي، وغياب بورصة للأوراق المالية بكل معنى الكلمة. ناهيك عن قطاع مصرفي لا يزال يتخبط بفعل افلاس عدد من المصارف الخاصة سنة 2004. لذلك، يبدو من الصعب ان تتمكن السلطات الجزائرية المختصة من ازالة هذه المعيقات في المدى القصير، أي في أقل من سنة. ومن غير المنتظر ان تعطي الزيارات الخارجية المتعددة التي قام بها رئيس الجمهورية منذ اعادة انتخابه لولاية ثانية في نيسان ابريل الماضي، التي كان آخرها الشهر الجاري الى اليابان، ثمارها لناحية جذب الاستثمارات. وتبين خلال هذه الرحلات بأن هذه الدول، وان أعطت الضوء الأخضر لشركاتها بالاهتمام بالسوق الجزائرية وبالفرص التي توفرها، كذلك حجم الاستهلاك المحلي والاطلالة على أوروبا، إلا ان المطلوب هو واحد: الاستثمار في قطاع الهيدروكربورات... أمر من الصعب على الحكومة حسمه في وقت قريب على رغم الوعود التي قطعها عشية الانتخابات الرئاسية وزير الطاقة والمناجم شكيب خليل، في شأن العودة لتمرير مشروع القانون الخاص بفتح قطاع الهيدروكربورات، خصوصاً شركة"سوناطراك"امام الاستثمار الأجنبي. ويمكن القول إن الاقتصاد الجزائري لن يحقق قفزة نوعية سنة 2005، خصوصاً بعد تراجع المسؤولين الجزائريين عن توقعاتهم التفاؤلية، والاقتراب أكثر من الواقعية. ما يعني والحال هذه، بأنه يجب على الدولار، العملة التي تشكل أساس المداخيل، ألا ينهار أكثر، وبشرط ألا يرتفع سعر صرف اليورو، كون 70 في المئة من واردات الجزائر تأتي من دول الاتحاد الأوروبي. المغرب: الرهان على الاستثمارات الأجنبية وتختلف معطيات الاقتصاد المغربي كلياً عن تلك المتعلقة بالجار الجزائري، ففي حين يعتبر الثاني اقتصاداً ريعياً بامتياز نتيجة تبعيته بنسبة 95 في المئة لقطاع الهيدروكربورات، فإن الأول يبقى مضطراً لتحسين اداءات مكوناته الأساسية المنتجة مثل: السياحة والزراعة والصناعة، وتعزيز صادراته من الفوسفات وزيادة حجم تحويلات مواطنيه العاملين في الخارج. كذلك، الرهان على ورقة الاستثمار الخارجي المباشر، فإذا كان الاقتصاد المغربي خرج من عنق الزجاجة في الوقت الضائع سنة 2004 عبر بيع 16 في المئة من أسهم شركة"اتصالات المغرب"للشريك"فيفاندي يونيفرسال"، وفي عملية درت ما يقارب 13 بليون درهم الدولار 9 دراهم تقريباً. إلا أن الصعوبات بالنسبة لسنة 2005 تبقى قائمة، ما يرتب على الحكومة المغربية ايجاد المال اللازم لتغطية العجز في الموازنة ومواجهة المستجدات المكلفة على غرار ما حصل مع ارتفاع الفاتورة النفطية التي أرهقت كاهل الاقتصاد وأحدثت اختلالات في عدد من بنود الموازنة. ومن العناصر التي تشكل تحدياً دائماً للاقتصاد المغربي سنة 2005، عبء نفقات الادارة المكلفة. ولم تتمكن الحكومة من تحويل أكثر من 600 موظف الى التقاعد من أصل ال60 ألفاً المقرر التخلي عنهم في السنوات الثلاث المقبلة بمساعدة مادية من قبل اللجنة الأوروبية. كما سيلعب الخفض المنتظم في العائدات الجمركية نتيجة تفكيك الحواجز دوراً سلبياً، ما يحتم على الدولة الاسراع بتغطية هذا النقص عبر ايجاد مصادر تمويل بديلة. وانطلاقاً من هذا الواقع، تستعد الحكومة لتخصيص ثمان من شركات القطاع العام سنة 2005، متوقعة بذلك حصد ما يقارب ال12 بليون درهم. مع ذلك، يرى الخبراء أن هذا الرهان ليس رابحاً سلفاً. واستباقاً للأمور، جال الملك محمد السادس في تشرين الثاني نوفمبر الماضي على دول اميركا اللاتينية بغية زيادة وارداتها من المغرب من ناحية. ومن ناحية أخرى، جذب استثمارات اضافية. والنتائج التي رشحت عن هذه الجولة من خلال الاتفاقات الموقعة تبدو واعدة كون المغرب لديه من الفرص ومن مجالات الاستثمار ما يهم هذه البلدان. من جهة أخرى، تتوقع الحكومة بأن تؤدي عملية الاسراع ببناء المناطق الحرة والبنيات التحتية المحيطة بميناء طنجة، والمسماة بمشروع"طنجة - ميد"، الذي استثمرت فيه منطقة جبل علي الحرة في دبي، أكثر من بليون دولار على أن تتولى ادارته الى جذب استثمارات اضافية تساعد على النهوض بمناطق الشمال التي تركز الدولة منذ فترة على تنشيطها. ويتوقع بعض المحللين الاقتصاديين في عدد من مصارف الأعمال الأوروبية بأن يساهم اتفاق التبادل التجاري الحر مع الولاياتالمتحدة الأميركية الى حفز عدد من الشركات الاميركية الى اتخاذ المغرب مركزاً واستغلال موقعه الجغراستراتيجي لدخول الأسواق الأوروبية والافريقية على السواء. ويلعب القطاع المصرفي الأكثر تطوراً ووزناً في منطقة المغرب العربي دوراً في تسهيل انسياب رؤوس الاموال كذلك بورصة الدار البيضاء التي شهدت تحسناً ملحوظاً في أدائها وتعاملاتها في الشهرين الماضيين، الذي من المرشح ان يسحب نفسه على الفصل الأول من سنة 2005 حسب رأي شركات الوساطة المالية. مع ذلك، تتخوف الحكومة من المفاجآت التي قد تطرأ، سواء مع ارتفاع أسعار النفط وتدني سعر صرف العملة الاميركية، ما يزيد في قيمة الفاتورة النفطية ويقلل من حجم عائدات تصدير الفوسفات المسددة بالدولار، أم من ارتفاع اليورو وانعكاساته على الواردات. ويجمع الخبراء على أن التوقعات لسنة 2005 ستكون عادية، قريبة الى حد من 2004، من حيث الاداءات والنتائج، معتبرين بأن معدل النمو سيبقى في حدود ال4 في المئة. وما يعزز هذه التوقعات، زيادة النشاط السياحي بنسبة 20 في المئة، ما أدى الى خلق فرص عمل جديدة وزاد من المداخيل بالعملات الأجنبية. تونس: تجاوز الخطوط الحمر يُعتبر الاقتصاد التونسي الأكثر تطابقاً مع خططه الخمسية والأكثر التزاماً بالأولويات التي تحددها الحكومة. لذا، فهو بعيد عن المبالغات والدخول في مشاريع لم يتم توفير الموازنات اللازمة لها مسبقاً. وإذا كان هذا الاقتصاد استعاد نسبة نموه المنتظم بحدود 5 في المئة بعد تراجع لعام واحد فرضته الظرفية الدولية، إلا انه مضطر للحفاظ على هذه الوتيرة فيما لو أراد تحقيق أهدافه المرسومة. ومن المنتظر أن تكرس الجهود سنة 2005 لتنشيط البيئة المؤاتية للأعمال. ما يعني تعزيزاً أفضل للبنيات الأساسية والتخفيف المتزايد للنظام الضرائبي، ومتابعة تحديث النظام المصرفي والمالي. كل ذلك من أجل الشروع بالوصول الى الهدف الأساس المتمثل بجعل الاستثمار يشكل سنة 2009، نسبة 27 في المئة من ناتج الدخل القومي، على ان تكون مساهمة القطاع الخاص بحدود 60 في المئة. وبناء عليه، يتوجب على الشركات التونسية المصدرة ان تبيع 30 في المئة من انتاجها في السوق المحلية، بدءاً من 2005، بدلاً من 20 في المئة حالياً. وتفيد المعلومات ان هذا التوجه يستهدف تغطية العجز في التصدير حال حصوله، خصوصاً بعد تحرير تجارة المنسوجات والألبسة الجاهزة ودخول الصين والهند وغيرها من الدول الآسيوية على خط المنافسة بشكل علني وحاد ومشروع. ويتوقع المحللون الماليون أن يحقق الاقتصاد التونسي سنة 2005 نتائج أفضل من 2004 بحيث تشهد معظم مؤشرات الاقتصاد الكلي تقدماً نسبياً مع تحسين مستويات الشركات الصناعية، وتعزيز نشاط قطاع السياحة والنقل الجوي الذي خرج في الفصل الرابع من سنة 2004 من الدوائر الحمرليحقق أرباحاً طفيفة من المتوقع ان تزيد مع حلول الأعياد التي ستدخل في حسابات السنة الجديدة. ويتوقع الخبراء ارتفاعاً في حجم التجارة الخارجية كي يصل الى 15.8 في المئة في الشهور التسعة الأولى من 2005 مقابل 13.9 في المئة في العام الذي سبق. كما يراهن المسؤولون على زيادة قيمة تحويلات التونسيين العاملين في الخارج من 1.2 بليون دينار اليورو = 1.55 د.ت الى 1.45 بليون دينار. وعلى رغم هذه التوقعات الايجابية، فإن سنة 2005 لن تكون استثنائية من حيث الأداء بالنسبة للاقتصاد التونسي، لكنها ستكون من دون شك أفضل من 2004. وإذا كانت الأخيرة تأقلمت الى حد مع ارتفاع أسعار النفط نظراً لزيادة انتاج هذه المادة بفضل الاكتشافات الجديدة، إلا أنها خسرت مع ارتفاع اليورو، وتبقى عملية جذب الاستثمارات الخارجية الشغل الشاغل بعد التراجع الحاصل خلال السنتين الماضيتين. ليبيا: الاستثناء الوحيد وتبدو آفاق الاقتصاد الليبي لسنة 2005 وردية وأفضل من جميع جيرانها وشركائها في اتحاد المغرب العربي. فإذا كانت سنة 2004 سنة الانفتاح المحسوب والعودة القوية الى الساحة الدولية التي تمثلت بزيارات عدد من الزعماء الأوروبيين الى طرابلس إلا أن التركيز على الجانب الاقتصادي استحوذ على الاهتمام الأكبر. ومن المتوقع ان تلعب عملية الافراج عن الأموال الليبية المجمدة في المصارف الاميركية ودول أخرى البالغة نحو بليون دولار دوراً في تحريك الاستثمار الداخلي من دون اللجوء الى العائدات الجديدة. كما يبدو ان الحكومة ستلجأ لتخصيص عدد من المؤسسات العامة في طليعتها مصانع الاسمنت، ومن المنتظر ان تؤدي الشراكات التي ستقوم في مجالات عدة منها السياحة والاتصالات والنقل البحري والجوي الى ضخ عائدات جديدة في دورة الاقتصاد الليبي. ذلك، في الوقت الذي ستستمر فيه المداخيل من الهيدروكربورات والبتروكيماويات بالتدفق على النحو الجاري. ويرى الخبراء أن غياب العجز في الموازنة ووجود فائض فيها منذ سبع سنوات، والتشدد في الانفاق واللجوء الى تنويع الشراكات لتمويل المشاريع الجديدة من شأنه ان يعزز وضع الاقتصاد الليبي، ناهيك عن وجود احتياطات من النقد الاجنبي والذهب تزيد على 35 بليون دولار، من دون الأخذ في الاعتبار المردود من الاستثمارات الخارجية. ومن العناصر المساعدة الأخرى، وخلافاً للدول المغاربية الثلاث المذكورة آنفاً، لا تستورد ليبيا بنسبة 70 في المئة أو أكثر من احتياجاتها من السوق الأوروبية وباليورو، كما انها تخلصت منذ نحو العام ونصف العام من مبالغ كبيرة من احتياطها بالدولار الأميركي، واتجهت الى استبدالها باليورو والاسترليني والفرنك السويسري. ويرى الخبراء أن اقتصاد ليبيا سيشهد انتعاشاً سنة 2005، مع فورة مشاريع وزيادة في الاستثمارات الداخلية بشكل منفرد وعبر شراكات، كما يتوقع ان تبدأ الشركات الاميركية من نفطية وغيرها دخول السوق الليبية ابتداء من الفصل الثاني من سنة 2005. لكن من غير الواضح كيف ستعالج الحكومة الليبية مشكلة البطالة، خصوصاً في صفوف الشباب والتي زادت على 20 في المئة سنة 2004، كذلك اعادة صوغ قطاعها المصرفي الذي لا يزال على رغم الوعود أسير نظام الاقتصاد الموجه. اقتصادي لبناني.