يعد الناقد السعودي عبدالله الغذامي من أبرز النقاد العرب وأكثرهم سجالية وإثارة للجدل. حصل على شهادة الدكتوراه من بريطانيا العام 1987، وحاز في 1999 جائزة سلطان العويس الثقافية في الدراسات النقدية، وله العديد من المؤلفات أبرزها: "الكتابة ضد الكتابة"، "الخطيئة والتكفير: من البنيوية الى التشريحية"، "الموقف من الحداثة"، "القصيدة والنص المضاد"، "المشاكلة والاختلاف: قراءة في النظرية النقدية العربية، وبحث في الشبيه المختلف"، "ثقافة الوهم: مقاربات من المرأة واللغة والجسد"، "المرأة واللغة"، "تأنيث القصيدة والقارئ المختلف"، "النقد الثقافي". وكان آخر إصداراته كتاب "حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية" الذي أثار كما كتبه السابقة مساجلات واسعة، يوضح الغذامي مرجعياتها في هذا الحوار الذي أجري معه على مرحلتين الأولى في عمّان، والثانية عبر الهاتف من الرياض حيث يدرّس الغذامي هناك النقد والنظرية في كلية الآداب بجامعة الملك سعود. أثار كتابك الأخير حول الحداثة في السعودية مناقشات واسعة تعدى بعضها النطاق المطروح بين طيات الكتاب إلى تأويلات حول المغزى العام من الأطروحة التي قدمتها وتوقيتها. كيف ترى إلى تلك الملاحظات؟ - من المتوقع جداً في مجتمع محافظ أن يميل هذا المجتمع إلى التكتم على قضاياه الخاصة، وهذه سمة نسبية لأي مجتمع محافظ، ولهذا تجد أن الرواية أو المسرحية أو كتابات السيرة الذاتية تلاقي مشاكل عدة في ردود الفعل عليها، لأن من طبيعة العقلية المحافظة أن تصوّر نفسها كاملة وتامة، ولا تميل إلى كشف العيوب وتعرية الذات. ولهذا إذا تكلمنا عن ظاهرة الحداثة في المملكة العربية السعودية، أي حالة الحداثة أمام مجتمع محافظ، فإن هذا الحديث سيجر بالضرورة إلى الكشف عن آليات تعامل المجتمع مع مشروع الحداثة، والطرق التي توسّل بها ضد هذا المشروع وشخوصه. وإذ تستعاد هذه الحكايات والقصص، فمعناه أننا نكتب سيرة المجتمع، ونكشف عن أنساقه، وهذه تلامس أدق خصوصيات التفاعل الاجتماعي التي يعتقد الناس، عادة، أنها من الأشياء التي يجب أن تنسى ويُسكت عنها، ويجري التسامح والعفو والصفح حولها، وإذا تفاجأوا بكشفها فإنه من الطبيعي جداً أن يكون هناك ردود فعل، وهذا ما شهده الكتاب، وما يزال، منذ صدوره. وهل كنت تتعمد إحداث هذه الصدمة سعياً وراء إثارة جَلَبَة حول الكتاب؟ - لم يكن التعمد خطة مقصودة، ولم أشأ، إطلاقاً، أن أحدث جلبة، لكن في الوقت ذاته لم أكن خاضعاً للمخاوف من ردود الأفعال، فأنا أفرق هنا بين الخوف من رد الفعل، وبين تعمد إحداث رد فعل معيّن، وأعتقد أن مسألة المفكر أو المثقف أن يقول وأن يفعل ما يجب قوله، وما يجب فعله، من دون خوف من ردود الفعل مهما كانت. دعنا ننتقل إلى شأن آخر، حيث تردد أخيراً أنك رفضت المشاركة في مهرجان المربد الشعري العراقي. ما حيثيات هذا الرفض؟ - لم أتلق دعوة رسمية فعلاً، وقال لي بعض الصحافيين إن اسمي مدرج ضمن قائمة المدعوين. وجوابي بأنني أرفض حضور المربد حتى لو وجهت لي الدعوة، لأنني لا يمكن أن أدخل العراق ما دام تحت الاحتلال، فأنا أريد أن أدخل إلى عراق حر أفخر بحريته هو، وتكون علامة لتحرير العرب من كل أنواع الهيمنات. اجتهدت في الكشف عن جماليات الشعر العربي وكوامنه الفنية، لكنك في نقدك الثقافي له قوّضته، وفككت بنياته المعرفية، هل هذا جزء من مشروعك النقدي؟ - نعم هو جزء أخذ في البدء الجانب الجمالي بحسب مقولة النقد الادبي، ثم انعطف انعطافة جذرية في التحول من قراءة النصوص الى قراءة الانساق. وهذا تحول جذري تختلف معه النظرة من حيث المبدأ وتختلف فيه آليات التأويل. وهذا هو الفارق الاساسي بين النظرتين. ما الذي تبتغيه من وراء هذا المشروع الذي يقوم في أساسه على الهدم في مستواه المعرفي؟ - الذي ابتغيه ويرتكز عليه هذا المشروع هو التمييز بين استقبال الادب بصفته قيمة جمالية بلاغية، وبين مفهوم آخر يجعل الادب حادثة ثقافية مع التسليم التام بجمالياته، غير ان المسكوت عنه هنا هو المحرك والفاعل الثقافي، فتكون العينة الادبية علامة ثقافية، بعد ان كنا ننظر اليها على انها قيمة جمالية فحسب. تحاول اقتراح مفهوم جديد للادب والثقافة على اعتبار انهما مصطلحان ملتبسان. في حين ان كثيرين يتطامنون ويتواطأون على عدم تعريفهما. هل انت في مشروعك ضد البداهة؟ - نعم، وضد المسلمات العامة التي توهم نفسها انها مصطلح معروف وغير شائك، بينما الامر على خلاف ذلك، اذ ان كل عملية فحص لمصطلح الادبية او لمفهوم الثقافة ستوصلنا الى انها مفاهيم شائكة وتتسع اتساعاً يوصلها الى درجة اللامعنى، او تضيق ضيقاً اصطلاحياً اكاديمياً. وفي الحالتين تكون النظرة قاصرة، وسنحتاج حينئذ الى ان نعيد نظرتنا مرة تلو الاخرى حول ما نظنه مفهوماً ومعروفاً، فاذا بنا نكتشف انه شائك ومرتبك. تدعو الى النقد المنشغل بتتبع الصحافة والاعمال السينمائية ووسائط الاتصال الجماهيري، ولكن هل يمكن ان يحل هذا محل النقد الادبي؟ - لا يحل محل النقد الادبي، لكنه وظيفياً ومرحلياً، يعد بمثابة للمرحلة الثقافية التي نمر بها، وهي مرحلة تشهد تغيراً ضخماً على المستوى العالمي، ونحن جزء من هذا العالم، وفي هذا التغير تتكشف لنا اننا في ثقافة الوسائل. فالوسيلة الآن صارت هي بذاتها الاداة الثقافية، وفي الوقت ذاته، فان الوسيلة سريعة التغير والتبدل لأسباب تجارية استهلاكية لكننا منصاعون بالضرورة، ومتأثرون بالضرورة بهذه الوسائل، وبأنماط تغيراتها السريعة، وهذا يقتضي منا ان نتحول بوعينا النقدي نحو النظر الى هذه المتغيرات، لكي نعرف موقعنا في هذا الوجود المتغير، ولكي نتلمس اساليب وضرورات التعامل مع هذا المتغير. اما لو ظللنا على اسلوبنا التقليدي في النظرة الاكاديمية الثابتة، فهذا معناه ان العالم يتحرك بسرعة، ونحن غافلون عما يجري تحت دعوى الجمالي الخالد والمتعالي، كما هي دعوة النقد الادبي في الاصل. وهذا ما يتطلب قيام النقد الثقافي كبديل عن النقد الادبي بوصف ذلك استجابة لشروط المرحلة وشروط هذه التغيرات الجذرية. هي دعوة، إذاً، لأن ينهمك المثقف في الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي سائر مناشط الحياة لا أن يبقى أسير نصه الادبي؟ - أجل، وهي دعوة لأن يلتفت المثقف الذي نسميه عادة ب"الجاد" لكي يقف على الخطابات ذات الفعل المباشر في الناس، ولا يكتفي، كما هو الحال في السابق، بالوقوف على النخبوي المتعالي. لقد بدأ الهامشي يتحرك مطالباً بالاحساس به والالتفات اليه، وفي الوقت ذاته تتعرض الهوامش كلها لضغوط معنوية ومادية تتمازج في الخطابات الراهنة، وهذا معترك مهم جداً، وخطر جداً، وعلى المثقف الجاد ان يدخل بكل ثقله الى هذا الحدث العصري الذي له من التأثير والفعل ابلغ الحدود. ولنأخذ كمثال قصيدة لأدونيس واغنية شبابية، ونسأل انفسنا اي واحد من النصين يدخل الى عالم الاستقبال الوسيع، والتأثير الاخطر. وحينئذ لا بد للناقد من ان يسأل نفسه هل هو معني بالاستقبال الجماهيري العام الفاعل والمؤثر في الناس، ام انه سيكتفي بالدائرة الثقافية الضيقة مع تساميها، لكن السمو الآن يتنازل عن دوره ليحل محله الجماهيري، وهذا يجعلنا مسؤولين عن التعرف على معالم هذه التغيرات، وادوار تأثيراتها، هذا ان كنا معنيين فعلاً في الشأن الثقافي الاجتماعي بأبعاده الحقيقية. هنا تكمن المسؤولية التي تحتاج الى شجاعة وجرأة، وتحتاج الى كسر الحد التقليدي الفاصل، بحيث لا نعود نطالب الناس بالارتقاء الى مستوى النص، طالما انهم غير عابئين بهذا الطلب. وفي هذه الحالة لا بد من ان نتجه نحن الى الناس، والى تفاعلاتهم الثقافية، وهذا ليس تنازلاً عما يسمى شرف العلم وحصانة العلم، ولكنها محاولة للاتصال مع الواقع بكل ما في هذا الواقع من سلبيات كثيرة او ايجابيات قليلة. هذا هو السعي الحقيقي لقراءة الخطاب وذهنية الاستقبال وحركية التباعد. تسيطر عليك هواجس المركزية الغربية، فالثقافة في الغرب، في نظرك، هي المركز، وما عداها اطراف، فكيف يتسق ذلك مع بحثك عن الجوهري والعميق في الثقافة العربية؟ - التحدث عن مركزية الثقافة الغربية ليس تقويماً لواقع ثقافي، ولكنه اعتراف مر بواقع حقيقي، كما انه ليس تقليلاً للهوامش والاطراف، ولكنه تحفيز للاطراف والهوامش لكي تدرك انها ما تزال هوامش وأطرافاً وعليها ان تتخلى عن الغرور القومي والعاطفي الذي يتباهى بعظمة غير موجودة ومجد خدّاع، لأن هذا لا يصنع حضارة، ولا يفضي الى تقدم، ولذا يجب علينا ان نكون واضحين مع انفسنا، وحادين مع ذواتنا حدّ السكين، لكي نغرس اللوعة فينا وفي ثقافتنا، لأن هذه اولى حالات التحرر، والعرب في القديم يقولون "إن لم تكن ذئباً اكلتك الذئاب" والثقافة الغربية ثقافة ذئبية بالمعنى الحقيقي لهذا المصطلح، بينما نحن نراوح في ثقافة الخروف، ولن يفعل الخروف شيئاً امام الذئب، الا ان استطاع ان يكون ذئبياً، فيدافع عن نفسه اولاً، ويقتحم مخاطر التاريخ ومجاهل المستقبل، لكي يكون فاعلاً، ولكي يحقق وجوداً لنفسه. اذاً المركزية الغربية حقيقة حتى وان كانت حرة، ومزعجة، لكن التعامل معها لا يكفي فيه الاحساس بالمرارة والركون للانزعاج وانما يكون بالمواجهة العقلية والفكرية الشجاعة. ونحن لسنا اقل طولاً، او اصغر اذهاناً من الغربيين، ولكننا لا نستعمل عقولنا بالشكل الكافي، ولا نطلق اذهاننا بالحرية الكافية، بدليل ان العقول العربية المهاجرة جارت الغربيين وتفوقت عليهم، لانها اكتشفت ان العقلية الحضارية تتحقق بالعمل والمنافسة والاقتحام. انما نحن في الداخل العربي فقد ظللنا ندور في دوائر مغلقة، ولم نحاول كسر هذه الدوائر، والخروج الى الافق الضليل. ألا تخشى بذلك من الوقوع في الاستشراق المقلوب؟ - انا تنازلت عن الخوف منذ زمن طويل، والخوف فعل مضاد للحضارة وللثقافة، فالخائف لا يصنع شيئاً، ولكن الشجاع الذي يطوي الشكوك والاسئلة من ورائه، ويتقدم غير عابئ بالخطأ، وانا لم اعد اخاف من الخطأ لأن المقتحم لا بد ان يخطئ، كما ان المخطئ سيصحح نفسه في مرحلة من المراحل، او يصححه غيره، ومن ذلك تنبني التجارب كما نعرف ذلك في حقول العلوم التجريبية التي تقودها سلسلة من الاخطاء الى كشف نهائي يجعل الاخطاء الماضية كلها فضيلة عظمى، لانها تفضي الى الاكتشاف. ثم ان الثقافة الانسانية موسوعة عريضة مفتوحة لكل قارئ ذكي، وانا لا انظر الى العالم الا على انه موسوعة عظمى لا بد من قراءتها بشجاعة واقتحام غير محدودين. نعم، هناك اشياء كثيرة، بعضها في التفصيلات وبعضها في المقولات، وانا عادة لا اعود الى اعمالي القديمة فأصححها في طبعات ثانية منقحة كما يسمونها، ولكنني اسعى إلى توظيف خطأي الماضي بجعله ينير لي طريقاً الى تصور اكثر حصانة وواقعية. والامر قبل ذلك وبعده متروك للقراء والقارئات ولجيل المستقبل الذي يفترض انه جيل يستقبل المعرفة لا ليحفظها كمسلمات ويعيد تكرارها، ولكن ليجعلها مدماكا يبني عليه وينطلق من فوقه، وفي الوقت ذاته، يتعلم من اخطاء التجربة لكي يقلص اخطاءه هو. هذا هو شأن الثقافة التي تقوم على تشكّل بنيوي تصاعدي، وليس الثقافة التقليدية التي تقوم على شخص شيخ رائد قاطع الصواب، وتلميذ منصاع قاطع الاذعان، هذه ثقافة لا ترفع البناء، لانها نقية تعتمد على الاب الفحل، ولذا يصعب تجاوز الاول لاننا ظللنا نسميه اباً، وهذا ايضاً من عيوب الحداثة العربية لانها وقعت في مأزق صناعة الآباء والرموز القطعية، فحلّ الاب الجديد محل الاب القديم وبجانبه قطيع لا يحصى من الاتباع الذين هم مجرد اتباع. هذه عيوب ثقافية نسقية خطرة، لا بد من ان نجهر بنقدها ونقد انفسنا بسببها، والا سنظل خاضعين لتحكم النسقي فينا. ترى الى قصائد نزار قباني بأنها تمثل ايديولوجيا التفحيل على رغم انه من أرقّ الشعراء مفردة، واعذبهم بياناً. - العلة في نزار ليست في لغته وألفاظه، فلغته وألفاظه هي من اجمل ما نقرأ ومن اجمل ما نحفظ، وانا من اكثر الناس طرباً لشعر نزار، واحفظه، وأرويه، لذلك فالعلة مشتركة بي وبه، وانا لست سليماً من النسقية ولا من التفحيل، لانني انا ونزار نتائج لثقافة نسقية، وهنا اقول ان نسقية نزار هي في الخلاصة الذهنية لمعطى الخطاب الشعري عنده، حيث نجد صورة الفحل الشعري التي لا تختلف عن الفحل السياسي، مثلما نجد صورة الرجل الذكر الذي يرى الانثى متعة وهوى خلاباً، ولا يراها كائناً عقلياً ولا نجد في كل شعر نزار صورة للمرأة العقل، بل نجد صورة المرأة الجسد. اذاً ماذا فعلت رقة ألفاظه وجمال اسلوبه ما دام انها تعيد الأنساق القديمة بلغة جديدة. وهذا المحزن فعلاً، ان اللغة الجديدة لم تخلق نسقاً جديداً، وهذا ما اعنيه بالانساق المضمرة التي تختبئ وراء الوعي الحداثي، من دون ادراك من الشاعر نفسه، ولا من قرائه وقارئاته. لقد تباهى نزار مرة، وقال لقد حوّلت المرأة من جارية الى وردة. ما الفرق هنا؟ كلتا الصورتين هما ناتج شبقي ذكوري، وليس بأي حال من الاحوال تصوراً حداثياً تقريرياً جوهرياً. وما صار للمرأة بأن تتحول الى وردة؟ ستظل مادة للشم والاستمتاع، واذا ذبلت ترمى كما ترمى الوردة الذابلة. اين الكائن العاقل القائم بذاته ولذاته ذكراً كان ام انثى؟ هنا ما اقوله عن المادة الثقافية التي نستهلكها جماهيرياً، ونستمتع بها ونطرب لها، ولكنها، كما ترى، تغرس في وجداننا العميق صورة الفحل، وتعزز النسق، كأننا هنا نتآمر على عقولنا عبر اخضاع وجداننا لهذا النوع من التدجين الثقافي. حمّلت الشعر العربي مسؤولية الاستبداد وصناعة الطغاة، لانه انتج بنية ذهنية عربية مستعدة للخضوع والاذعان، كيف كان ذلك؟ - الشعر ليس مسؤولاً، والشعر ليس سبباً وانما اقول ان الشعر هو حامل النسق وان اتخذ الشعر بوصفه علامة تحمل النسق وعبر ذلك سنتعرف على الانساق العربية الثقافية المضمرة، عبر الشعر باعتباره حاملاً لها وبوصفه علامة دالة عليها، ماذا وجدنا صورة الأب المضمرة وصورة الفحل المغلق المُلغي للآخر وصورة المتكلم المجازي بخطابه المبالغ والكاذب، وهذه في حال الشعر هي صور متينة جمالية، ولكن المشكل يأتي حينما تنغرس هذه السمات متوسلة بجماليتها في وجداننا، وتعيد صياغة نفسها في شؤوننا الاخرى سلوكياً وسياسياً واجتماعياً، ويولد هذا الوجدان، المكتنز بتلك الصفات، الفحل السياسي والاجتماعي والأنا السياسية في الطاغية السياسي، والخطاب الكاذب سياسياً واجتماعياً حتى لتتشعرن السلوكيات والقيم مثلما تتشعرن الذوات وتتشعرن رؤيتنا الى انفسنا والى العالم، وهنا لا يكون الشعر سبباً، ولكنه حامل نسق يظل يغذي ويديم ويغرس هذه الصور المصنوعة في المطبخ الشعري اصلاً، ثم تتحول منه الى الخطابات الاخرى، حتى انك لو استمعت الى خطبة زعيم سياسي لوجدت ان الجملة المركزية عنده حول الذات والآخر، وقيمة اللغة عنده في علاقتها ما بين القول والفعل. تجد هذا صورة مكرورة عن الشاعر الفحل، ما حوّلنا الى كائنات مجازية، وحوّل القيم عندنا الى قيم مجازية بدلاً من القيم العملية.