وجهة عالمية    المملكة والرّيادة الدولية في صِناعَة السَّلام    8 منتخبات إقليمية تتنافس في النسخة الثانية من بطولة تحت 13 عاماً بالطائف    تحرك في الهلال لضم لاعب الدوري الإنجليزي    جيسوس يبدأ مهمته مع النصر    بيريز يرحب بعودة كاريراس للملكي    ألفاظ شعرية تخالف العقل والعادة    إحالة منشأة تلاعبت بتواريخ الصلاحية إلى النيابة    منتجات الذهب الأكثر تضخما بزيادة 35.6%    الصناعة والثروة المعدنية تعالج 781 طلبا لخدمة الفسح الكيميائي    مجازر في الشاطئ وغزة بقصف إسرائيلي    التشكيل والتراث المحلي في معرض «ألوان الباحة»    ختام الأسبوع الثقافي السعودي في اليابان..    ترمب يُمهل روسيا 50 يومًا لإنهاء حرب أوكرانيا    أمانة حائل تنظم ورشة عمل حول الاقتصاد الدائري في قطاع النفايات    نائب وزير الخارجية والمفوض الأوروبي للشؤون الداخلية والهجرة يبحثان العلاقات الثنائية    القبض على باكستانيين في بحرة لترويجهما «الشبو»    الأمير سعود بن نهار يطّلع على التقرير الشامل لأداء إدارة تعليم الطائف خلال عام 2025    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ عون أبو طقيقه    ضبط 12 وافدًا لممارستهم الدعارة في شقة سكنية بنجران    هيئة التراث بجازان تستعرض جهودها في حفظ الإرث الثقافي خلال زيارة إعلامية    آل الشيخ يعلن بدء بيع تذاكر نزال كانيلو وكروفورد    البيتكوين يتراجع متأثرا بعمليات جني الأرباح    أمير حائل يتسلّم الرئاسة الفخرية لجمعية "ذرية للإنجاب"    مؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق منخفضًا عند مستوى (11095) نقطة    مبادرة وطنية تُبصر الأمل: "عيناي" ينقذ آلاف المرضى من مضاعفات السكري    التنوع الثقافي يصنع قرارات أقوى ومؤسسات أذكى    سيرة من ذاكرة جازان.. الدكتور علي محمد عواجي العريشي    محافظ أبو عريش يرأس اجتماع المجلس المحلي لبحث الاستعدادات لموسم الأمطار    مفتي عام المملكة يستقبل رئيس مجلس إدارة جمعية النور لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة الباحة    ميتا» تخطط لتطوير ذكاء اصطناعي فائق يتجاوز قدرات العقل البشري    عودة جديدة .. الفتح يبدأ تدريباته بقيادة قوميز استعدادًا لموسم أقوى بدوري روشن    موجة حر قاتلة بإسبانيا    بدء التسجيل لاختبار القدرة المعرفية الورقي    أمانة جدة تباشر 167 حالة إنقاذ على الشواطئ    اليابان وأوروبا تطوران شبكة أقمار صناعية    عرض صخرة مريخية للبيع    "اعتدال و تليجرام" يزيلان 30 مليون مادة متطرفة    عقب تتويج تشيلسي باللقب.. مونديال الأندية بلغة الأرقام    4.2 مليار ريال استثمارات صناعية جديدة    أشرف عبد الباقي يصور«السادة الأفاضل»    مريضة سرطان تفتتح مقهى لتوظيف أصحاب الهمم    يا فرصة ضائعة    وزير الاتصالات يناقش مع وزير العلوم البريطاني توسيع الشراكة    عزت رئيس نيجيريا في وفاة الرئيس السابق محمد بخاري.. القيادة تهنئ رئيس فرنسا بذكرى اليوم الوطني لبلاده    وسط هدوء حذر وتوقعات بمواجهات وشيكة.. تعزيزات ضخمة للجيش السوداني في كردفان    «الشورى» يطالب بدعم الكوادر الطبية في المناطق الطرفية    سماعات الرأس تهدد سمع الشباب    نصائح طبية لتقليل التعرق    فوائد الخبز الصحية يوميا    محمد بن عبدالرحمن يستقبل نائب أمير جازان وسفير عمان    المحتوى الهادم.. يبدأ بحجة حرية التعبير وينتهي بضياع القيم    تدشين الخطة الإستراتيجية "المطورة" لرابطة العالم الإسلامي    لتعريف الزوار ب«الأثرية».. جولات إثرائية لإبراز المواقع التاريخية بمكة    أمير الشرقية يستقبل سفير جورجيا    فيصل بن مشعل يتسلّم تقرير مزادات الإبل وفعاليات يوم التأسيس في ضرية    أمير منطقة جازان يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الشثري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"معاً"... فيلم جديد للمخرج الصيني حاصد الجوائز تشين كيج . حكاية العلاقة بين أب بسيط الحال بابنه عازف الكمان الموهوب
نشر في الحياة يوم 20 - 02 - 2004

يقول المخرج تشين كيج في معرض حديثه عن آخر أفلامه، "معاً"، ان "الفن عموماً شيء خاص للغاية"، وانه لم يكن ليستطيع ان يقدم مثل هذا الفيلم ان لم يكن يدرك بعض الشيء عن تلك العلاقة الحميمة التي يمكن ان تربط بين الأب والابن. ويضيف انه اقتبس فكرة الفيلم من الحياة الواقعية وانه عموماً يستقي أفكار أفلامه من احداث الحياة اليومية وتفاصيلها الصغيرة التي "تكمن فيها قدرة الانسان على فهم ما يدور حوله".
وفي الواقع، وعلى رغم ضخامة الأفلام التي قدمها تشين كيج حتى الآن والتي تتميز في مجملها بطابع ملحمي هائل، فإن ما يلفت النظر فيها هو انطلاقها من افكار تبدو اساسية او بديهية للغاية مثل علاقة الصداقة، او علاقات الحب على انواعها، او علاقة الانسان بالطبيعة، او بالسلطة اياً كانت، او علاقته بالزمن الماضي والحاضر، او علاقة الأم بأبنائها، او بحث الانسان عن هويته الوجودية والجنسية معاً، او مشاعر الغيرة او الخيانة او اللذة، وغير ذلك الكثير. فنحن اذا نظرنا عن قرب الى هذه الافكار او القضايا المطروحة في افلام تشين كيج ربما يتضح لنا شيئاً فشيئاً ان هذا المخرج الذي كتب القصص والسيناريو لبعض افلامه يود ان يهمس لنا بأشياء عن علاقة الانسان في شكلها البدائي جداً بهذا الكون وان بالمعنى الوجودي والعميق لهذه العلاقة. بكلام آخر، يبدو انه يحاول ان يأخذ بيدنا برفق حتى نقترب من هذه الافكار، او لنقل الهواجس، كأننا نراها تنعكس امامنا في مرآة، ومن ثم نبدأ تبيان حجمها الحقيقي او ضخامتها او تعقيدها. ولذلك، تثير افلام كيج الكثير من السجال والمناقشة، وهي بالتأكيد مناهضة لكل الأنظمة السلطوية، كما تتباين حولها آراء النقاد والمشاهدين.
تشين كيج المثير للجدل
نحن نعلم ان كيج اثار جدلاً واسعاً للغاية عندما قدم اشهر افلامه "وداعاً محظيتي" عام 1993، وهو الفيلم الحائز على جائزة السعفة الذهبية في مهرجان "كان" في العام نفسه. كان "وداعاً محظيتي" فيلماً ملحمياً بحق، فهو يرصد التغيرات السياسية والاجتماعية في الصين على مدار خمسين عاماً بداية من عام 1924، من خلال علاقة الصداقة والحب التي جمعت بين اثنين من اشهر مغني اوبرا "وداعاً محظيتي". عنوان الفيلم يستعير عنوان الاوبرا الصينية الشهيرة والفيلم ذاته يتمحور حول موضوع الاوبرا ليكشف عن الحياة الخاصة لهذين الفنانين، ثم يحكي في هذا الاطار الشديد الخصوصية عن حياة بلادهما مروراً بالغزو الياباني للصين عام 1937 ووصول الشيوعيين الى الحكم في عام 1949 والثورة الثقافية في الصين عام 1960، وما الى ذلك من الاحداث السياسية المهمة. هو فيلم يتنقل بين الخاص والعام محاولاً من خلالهما تعرية مشاعر الانسان الدفينة والملتبسة.
وعلى رغم شهرة فيلم "وداعياً محظيتي" - ربما لأن عرضه منع في الصين بسبب جرأته الشديدة، او لنيله جوائز عالمية عدة - فإن افلام تشين كيج الاخرى مثل "حياة معلقة على وتر" 1991 او "إغواء القمر" 1996 والممنوع عرضه في الصين ايضاً، او "الامبراطور والقاتل" 1999 الذي نال احد جوائز "كان" ايضاً، او حتى فيلمه القصير "مئة وردة مدفونة عميقاً" الذي كان ضمن سبعة افلام اخرى لمخرجين عالميين، لا تقل جودة او عمقاً عنه سواء من الناحية التقنية او الفكرية.
"معاً" والمجتمع الصيني الحديث
اما فيلم "معاً" الأخير - الذي حصد حتى الآن ثلاث جوائز ذهبية في الصين - فيختلف عن افلام تشين كيج الاخرى التي تميزت بالانتاج الضخم، ربما في بعد اساسي وهو ارتباطه بالوقت الحاضر المعاش. ففي هذا الفيلم، يقدم لنا المخرج قصة تدور احداثها الآن وليس في الماضي ويهتم اساساً بما يدور في المجتمع الصيني الحديث من خلال علاقات متشابكة عن الصداقة والحب والتضحية. يأتي الأب وابنه البالغ من العمر اربعة عشر عاماً تقريباً من قريتهما الصغيرة الى العاصمة بكين، والسبب هو ان الأب يود ان يتعلم ابنه عازف الكمان الموهوب، الموسيقى على ايدي اساتذة كبار. الأب انسان بسيط الحال ولا يملك من المال إلا القليل ولكن قلبه مفعم بالعواطف الجياشة تجاه هذا الصبي، كما انه مؤمن ايماناً عميقاً بموهبة ابنه وبالتالي فقد قرر انه سيفعل اي شيء وسيضحي بكل ما يملك كي يحقق لابنه هذا المستقبل الفني المتميز. يصل الأب والابن اذاً الى المدينة الصاخبة يحملان بعض المال القليل، والكمان الذي يعتبر ثروتهما الحقيقية. يعمل الأب في عمل بسيط كي يستطيعا العيش ويأخذ ابنه الى واحد من افضل مدرسي الموسيقى كي يبدأ اولى خطواته على هذا الدرب الطويل.
ويقوم بدور هذا المدرس في الفيلم ليزلي تشونج وهو الذي قام بدور "يو" المحظية في اوبرا "وداعاً محظيتي" وقام ايضاً ببطولة فيلم "اغواء القمر". تنشأ علاقة صداقة من نوع خاص بين المدرس وتلميذه ويؤثر كل منهما في حياة الآخر بشكل ما، ولكن العلاقة المهنية تنتهي لأن المدرس يشعر بأن الصبي في حاجة الى معلم آخر ربما يكون اكثر نفوذاً وشهرة كي يحقق للأب والابن المستقبل الذي يحلمان به. فيبحث الأب عن معلم آخر بهذه المواصفات حتى يجده ويقنعه بموهبة ابنه. ويلعب دور هذا المعلم الثاني في الفيلم تشين كيج نفسه، ويجد المعلم في الصبي موهبة عميقة وحباً بالغاً للموسيقى واحساساً رهيفاً بالفن. فيحاول ان يصل بتلميذه الى الشهرة على رغم ان الصبي ليس له اي سند اجتماعي او مادي. ومن خلال تلك العلاقة يصور لنا المخرج الكثير عما يجري في الكواليس وكيف يختار التلامذة الذين يشتركون في المسابقات العالمية وهو اختيار تحدده سياسات وعلاقات اجتماعية ليست كلها متعلقة بالفن. يدرك الصبي هذه التشوهات ويجد نفسه في وضع عليه ان يختار بين المضي في طريق الشهرة المبنية على علاقات سطحية لا تمت الى الفن الحقيقي بصلة او ان يرجع للعيش مع ابيه ووسط اصدقائه الذين يحبهم ويحبونه مدرسه الاول وجارته الفتاة الجميلة التي تعلم على يديها المعنى الحقيقي للصداقة. وفي مشهد من اروع مشاهد الفيلم، يقرر الابن العودة الى احضان ابيه والذي نكتشف من خلال احداث الفيلم ان هذا الرجل النبيل ليس هو الأب الحقيقي للصبي وانه وجده وهو طفل رضيع في محطة القطار ووجد بجواره الكمان. ومن حينها احس هذا الرجل بعاطفته الفطرية ان هذا الطفل يجب ان يتعلم الكمان وينبغ فيه، وهو ما حدث بالفعل. وفي نهاية الفيلم نرى الابن يعزف مقطوعة رائعة لوالده وحده، وهي المقطوعة التي تدرب عليها لكي يقدمها على المسرح امام مئات المشاهدين.
الموسيقى
نجد اذاً ان الموسيقى تلعب دوراً حيوياً في هذا الفيلم الذي يفيض بعواطف وأحاسيس دالة وموحية. والموسيقى طالما لعبت دوراً محورياً في كل افلام تشين كيج الأخرى، خاصة "وداعياً محظيتي" و"حياة معلقة على وتر". ويبدو ان لدى هذا المخرج نظرية خاصة عما تعنيه الموسيقى وارتباطها بالأحاسيس الحميمة للانسان، فهو يعبر من خلالها عما يريد ان يقوله عن الحياة والحب والجنس، الخ. وهو يقول عن ذلك في احد حواراته انه تألم كثيراً بمنع الموسيقى الكلاسيكية في بلاده عندما أتت الثورة الثقافية، وانه كان وأقرانه يختبئون أحياناً في احدى الغرف المهجورة ليستمعوا اليها. يصور لنا كيج من خلال التنويع الموسيقي في افلامه المختلفة علاقة هذا الفن بأحاسيس الانسان الاولية، وكأنه يسر لنا بالقول: كيف يمكن ان نحيا من دون الموسيقى؟ فهي في طعامنا وشرابنا وحبنا للحياة وسعادتنا. وينتهي فيلم "معاً" بالموسيقى كما يبدأ بها، ليكشف عما جلبته من سعادة حقيقية للأب والابن معاً بحيث اصبحت تتويجاً لمشاعر الابوة الخالصة ورمزاً لمشاعر البنوة الجياشة. فمن خلال معزوفته الاخيرة على الكمان، عبر الصبي لأبيه البسيط الحال عن كل ما يمتلئ به قلبه من حب واعتراف بأبوته وإدراكه لكل تضحياته من اجل سعادته، والتي وجدها الاثنان معاً من دون شك في عالم الموسيقى غير المرئي.
من هنا نجد ان تشين كيج، وهو يروي لنا هذه القصة التي تبدو للوهلة الاولى بسيطة ومكررة، يجدد لنا ادراكنا بعمق العلاقة التي يمكن ان تربط بين ابن وأب في هذا الزمن الغريب الذي تتوه فيه ابسط البديهيات وتختلط فيه المفاهيم وتتشوه العلاقات الاولية التي ربما تجلب لنا السعادة اكثر من اي شيء آخر في هذه الحياة. فالفيلم يرسم بورتريهاً يفيض بالعذوبة لهذا الأب، ويرسم في مقابله صورة للابن واقفاً بفخر واعتزاز يعزف على الكمان لأبيه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.