كان عام 4002 عام ترسيخ دعائم الفيديو كليب، في مصر. واعتاد المصريون وجوده بكل ما يحمله من قيم. في البداية كانت هجمة نانسي، ووكسة روبي، وكبسة هيفاء، وإطلالة إليسا... وكلها مهدت في العام المنصرم لكارثة لوسي، وفضيحة بوسي سمير وتبعاتهما من كبار صغار المطربات والراقصات والموديلات اللاتي حملن على أكتافهن وغالبيتها عارية مهمة إغراق المصريين من مشاهدي الفضائيات الغنائية بكم هائل من الأجساد النسائية القادرة على إحداث اهتزازات فاقت في قوتها الدرجات السبع التي ينوء بها في الأحوال العادية مقياس ريختر. لكن الشعب المصري، هذا الشعب الحمول والصبور الذي خرجت من بين جنباته الحضارة الفرعونية قبل آلاف السنين، أثبت جلدًا وقدرة على امتصاص هذه الهزات، بل وتصنيفها في درجات. بوسي سمير لا يسمح للأبناء ممن هم دون الپ12 سنة بمشاهدة"نقاطها"التي كانت تسعى لوضعها"على الحروف"في أول كليباتها. وإليسا لا يسمح للأبناء تحت سن 81 عاماً، إلا بالاستماع لأغانيها وليس مشاهدتها، باستثناء الابناء المتفوقين الذين سيؤهلهم مجموعهم في الثانوية العامة للالتحاق بكليات الطب ودراسة علم التشريح. لكن نانسي عجرم، حبيبة الأطفال والكبار، فقد نجحت في تصنيف أغنياتها باعتبارها"لكل أفراد الأسرة"، وذلك بعد ما أصبح قياس مدى إباحية أو خروج أغنية الفيديو كليب على المعتاد يعتمد على النسبة والتناسب. وأمام السيل الكبير من أغاني الفيديو كليب الذي تبعه كذلك سيل آخر من القنوات الفضائية الغنائية، زاد تقهقر عالم الطرب ليس بين الشباب والصغار فقط، بل في عالم الكبار ايضاً. وأغلب الظن أن ذلك ادى الى ترسيخ إذاعة"نجوم إف إم"الخاصة التي نجحت خلال عام 4002 في جذب الملايين من المستمعين من خلال جهاز الراديو في سيارات الأجرة، والميكروباص، و"الملاكي"، وحتى في باصات النقل العام. ذلك انها مكّنت الجميع بإيقاعها السريع وابتعادها عن"خلطة النشا"الكلاسيكية التي يتحتم على مذيعي القنوات والمحطات الرسمية الانغماس فيها قبل البث على الهواء، من الاستماع إلى أحدث الأغنيات العربية على مدار الساعة. وعلى رغم ذلك، فإن الحفلات الموسمية التي نظمتها دار الأوبرا المصرية خلال عام 4002، لاستعادة اعمال كبار نجوم الطرب من أمثال محمد عبد الوهاب، وفريد الأطرش، أم كلثوم، محمد عبد المطلب، فايزة أحمد، وغيرهم في مناسبات ميلادهم ومماتهم كان جميعها دون استثناء"كامل العدد". لكن هذه العبارة"كامل العدد"اختفت تماماً من على قاعات السينما حتى في الصيف وفترات الأعياد التي تعد المواسم الذهبية في مجال الفن السابع. مصاعب اقتصادية تحول دون شراء تذكرة بعشرة جنيهات تعادل عُشر الراتب ربما ساهمت في شكل صارخ في تقهقر الصناعة خلال العام الماضي، اضافة الى زيادة عدد دور العرض الذي وصل إلى نحو 071 داراً، والذي ساعد أيضاً في إلقاء لافتات"كامل العدد"في سلال القمامة. نوعية غالبية الأفلام المقدمة ساهمت ايضاً في شكل كبير في توسيع الفجوة القائمة منذ سنوات بين الفيلم والمشاهد. فغالبية الأفلام التي وصلت إلى شاشات العرض عام 4002 كانت إما مشاهد متصلة من الضرب بطلها"الشجيع"، أو مجموعة من الإفيهات بطلها أحد نجوم الكوميديا من جيل ما بعد الفنان عادل إمام، أو بطل وسيم وبطلة جميلة يحبان بعضهما، فيتعانقان ويُقَبّلان بعضهما، ثم يفترقان، ويعاودان اللقاء فيتابعان الأحضان والقُبلات. وهكذا من فيلم إلى آخر لا يبقى في أذهان من شاهدوها في دور العرض إلا فكرة واحدة: لن نذهب إلى السينما مرة أخرى! وفي قلب القاهرة تياران تنازع فيهما المسرح المصري عام 4002، فهو إما تجريبي تجريدي في متناول اليد ولا تفهمه الغالبية، أو مسرح تجاري خارج متناول اليد وحافل بالكثير مما يحتويه الفيديو كليب من ملابس وأجساد متمايلة وقدود ممشوقة، وربما الاستثناءان هما الفنانان عادل إمام بمسرحيته"بودي غارد"، ومحمد صبحي بما يقدمه من إعادة صياغة لروائع نجيب الريحاني. والعجيب والمثير أن أحدًا في زمن نجيب الريحاني قبل نحو خمسة عقود، لم يعتبر المسرح حراماً، وهو المنظار الذي ينظر من خلاله كثيرون في عام 4002 إلى المسرح والسينما، والأغاني والفن برمته. التيار الديني القوي حط بكل قوته على المجتمع المصري بشتى طبقاته في العام المنصرم، فازدهرت مبيعات أشرطة الكاسيت الدينية من أدعية وأهازيج وأناشيد ومواعظ على أرصفة محطات المواصلات العامة. كما ظهر لون جديد من الغناء الديني الموجه إلى الطبقات المقتدرة اقتصادياً أو اجتماعياً أو كليهما في صورة فيديو كليب وأشرطة واسطونات مدمجة أنيقة وألحان وكلمات"روشة طحن"، لعل أبرز وجوهه المطرب سامي يوسف بألبومه الأول"المعلم"، الذي تمكّن من منافسة بطلات الفيديو كليب ليس فقط بكلماته الروحانية ونكهته الدينية لكن بوسامته الشديدة أيضاً.