انتقدت قيادة منظمة التجارة الدولية أداء مجموعات الدول النامية في مؤتمر كانكون متهمة اياها بالتقصير في تبني مواقف تفاوضية بناءة وايجابية تساهم في التوصل الى نتائج ناجحة. لكن المنظمة ومعها كل الأطراف الرئيسية التي تواجدت في مركز مؤتمرات منتجع كانكون المكسيكي، لا سيما الدول النامية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أكدت أن فشل المؤتمر في تحقيق أغراضه لا يعني نهاية المطاف لمساعي التوصل الى اتفاق دولي لتحرير التجارة. وقال المدير العام لمنظمة التجارة سوبتشاي بانيشباكدي، الخبير المالي والديبلوماسي التايلاندي المخضرم الذي يعتبر جهوده الداعمة لقضايا التنمية أهم انجازاته، في اللقاء الصحافي الختامي ردا على سؤال عن رأيه في أداء مجموعة ال 22، أكبر مجموعات الدول النامية، "لا أملك سوى التوصية بأن على المجموعات التي تحمل على عاتقها مهمة صياغة مواقف تفاوضية بذل جهد لضمان أن تكون مواقفها ايجابية بناءة تساهم في ايصال المؤتمر الى نهاية ناجحة". ولم يتضح ما اذا كان سوبتشاي يبحث عن كبش فداء أو أنه، وهو الأرجح، أراد فقط التعبير عما وصفه خيبة أمله الشديدة من أن الفشل جاء عندما كان المؤتمر قاب قوسين أو أدنى من تحقيق النجاح، وقال "سرنا في طريق صعبة وذللنا الكثير من العقبات وحققنا نجاحات في أكثر من مجال، الأدوية والمعاملة التفضيلية ونيبال وكمبوديا، واقتربنا كثيراً من التوصل الى اتفاق الا أن مهمتنا معقدة وهناك مسائل حساسة يبدو أنها تحتاج الى المزيد من الوقت للتعامل معها". وامتنع رئيس المؤتمر وزير الخارجية المكسيكي لويس أرنستو دربيز عن تحريك اصبع الاتهام في أي اتجاه وحين تعرض هو نفسه، من قبل بعض الوفود المشاركة ومن ضمنها الوفد البريطاني، للاتهام بالتسرع في اتخاذ قرار فض الاجتماعات حتى من دون محاولة اجراء مفاوضات ختامية في شأن بند الزراعة اكتفى بالقول بأنه استجاب لرغبة الأكثرية عندما حصر مفاوضات الساعة الأخيرة ب "قضايا سنغافورة" وبأن تعذر التوصل الى اجماع على هذا البند لم يدع له من خيار سوى اعلان الفشل. ولم يأت الفشل في حد ذاته مفاجئاً اذ انطلق المؤتمر وسط خلافات حادة بين الدول النامية ممثلة، بشكل رئيسي، بمجموعة ال22 التي تقودها البرازيل والصين والهند ومصر، وبين الدول الصناعية. وطاولت هذه الخلافات وما أثارته من سجالات علنية غالبية المسائل التي لا بد من الاتفاق عليها قبل الخوض في مفاوضات هدفها النهائي التوصل الى معاهدة دولية ترتقي بتحرير التجارة الى آفاق أوسع من اتفاقات "جولة أوروغواي" منظمة التجارة بوضعها الراهن وتطبيق "أجندة تنمية" في أول سابقة من نوعها في نظام التجارة الدولية. وتحظى المفاوضات المقترحة التي أطلق جولتها مؤتمر الدوحة أواخر عام 2001 بأهمية كبيرة ليس بالنسبة للدول النامية التي تراها فرصة تاريخية تتيح لها الاندماج في نظام التجارة الدولية فحسب، بل بالنسبة للدول الصناعية التي تسعى لفتح المزيد من الأسواق النامية أمام منتجاتها من السلع والخدمات، وتأمل كذلك في تمكين شركاتها من تحقيق أكبر فائدة ممكنة من الفرص الاستثمارية والمناقصات الحكومية المتاحة في هذه الأسواق. اتفاق جديد وتزايدت أهمية جولة الدوحة عندما أكد البنك الدولي أن التوصل الى "اتفاق جيد" في موعده المحدد نهاية السنة المقبلة من شأنه أن يحقق للدول الصناعية والدول النامية مكاسب سنوية في الدخل لا تقل عن 290 دولاراً وقد تصل الى 570 بليون دولار في غضون أعوام قليلة ما سيساهم في انتشال 144 مليون انسان من الفقر بحلول عام 2015، الموعد المتفق عليه دوليا لتحقيق أهداف التنمية وفي مقدمها مكافحة الفقر. الا ان المفاجئ في مؤتمر كانكون هو أن السبب المباشر لفشله لم يكن مسألة الدعم الزراعي التي تعتبرها الدول النامية أكبر همومها على الاطلاق بل قضايا سنغافورة التي لم تنل نصيباً كبيراً من الاهتمام سيما أن مشروع البيان الختامي الأول الذي اقترحه الأمين العام لمنظمة التجارة تضمن اقتراحاً يتيح تأجيل البت في هذه المسألة التي تتعلق بتحرير قوانين الاستثمار والمنافسة وشفافية المناقصات الحكومية والتسهيلات التجارية وتشكل مطلبا رئيسيا لكثير من الدول الصناعية وخصوصا الاتحاد الأوروبي. وكشفت سلسلة المؤتمرات الصحافية التي عقدتها الوفود المشاركة وتناولت جوانب مثيرة من تطورات الساعة الأخيرة أن اصرار الاتحاد الأوروبي ومعه كوريا الجنوبية المدعومة من اليابان، على ادراج قضايا سنغافورة أو بعضها في المفاوضات المقترحة قوبل برفض قاطع من قبل الاتحاد الأفريقي الذي لم يحصل على الكثير لتخفيف المحنة التي يعيشها مزارعو القطن في بلدان غرب أفريقيا بسبب سياسات الدعم الزراعي في الدول الصناعية. وأظهرت المؤتمرات الصحافية في المقابل أن البند الزراعي حقق تقدما عزته مجموعة ال 22 على لسان وزير الخارجية البرازيلي سيلسو آموريم الى صلابتها وموقفها التفاوضي "الجاد والمحترف". وأكدت وفود كثيرة أن احتمالات حصول هذه المسألة على الاجماع المطلوب لإدراجها في المفاوضات بدت قوية وكان يمكن أن تنقذ رئيس المؤتمر من أحاسيس خيبة الأمل والحرج التي ترتبط عادة بالفشل. لكن دربيز الذي اقترح في مشروع بيان ختامي اعتبار نتيجة المؤتمر مجرد انتكاسة حذر من الاستسلام للفشل معرباً عن قناعته بأن النجاحات التي أمكن تحقيقها ستساعد على التوصل الى الاجماع المطلوب قبل نهاية السنة. وفيما أكدت مجموعة ال22 تصميمها على "اعادة جمع الحطام" واستئناف المحادثات من حيث توقفت شدد مفوض التجارة الأوروبي باسكال لامي والممثل التجاري للولايات المتحدة روبرت زوليك على أن كانكون ليست نهاية المطاف.