نجح الأردن في تسليط الأضواء على مشروع إحياء البحر الميت الذي يتضمن جرّ المياه اليه من البحر الأحمر خليج العقبة، في المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عقد جلساته في بلدة الشونة الواقعة على ضفاف البحر الميت بين 21 حزيران يونيو الجاري و23 منه. وكان المشروع الأردني بين مشاريع عدة طرحت تعود فائدتها على أطراف عدة، وهو ما يشجع المصارف الدولية المانحة للقروض على تمويلها. فما مشكلة البحر الميت، وما هي مواصفات المشروع الاردني لإحيائه، خصوصاً أن مشاريع أخرى اسرائيلية طُرحت من قبل لإحيائه، لكنها لم تصل الى مرحلة التنفيذ بسبب عقبات كثيرة؟ والبحر الميت هو من البحار الداخلية الصغيرة ويملك ميزة خاصة، إذ انه يقع في منطقة تنخفض نحو 400 متر عن مستوى سطح المياه في البحار الاخرى، وهو امتداد طولي يقع ضمن انهدام ممتد بين قارتي آسيا وأفريقيا تكوّن منذ آلاف السنين، وكان يتغذى أساساً من مياه نهر الأردن وفروعه وروافده، ومن نهر اليرموك وفروعه وروافده ايضاً. لكن هذا البحر بات اليوم مهدداً بالاضمحلال بسبب تراجع المياه التي تصل اليه بدرجة كبيرة من 100 بليون متر مكعب في ستينات القرن الماضي الى 50 مليون متر مكعب حالياً وانخفض مستوى سطح المياه فيه من 385 متراً الى نحو 410 أمتار. وأصبحت المنطقة الجنوبية من البحر ضحلة في كثير من اجزائها. ويعتقد الخبراء ان منسوب المياه يتدنى متراً واحداً كل عام، ما يعني ان البحر مهدد بالاختفاء خلال 50 عاماً اذا استمرت الحال على ما هي عليه. وتعزى الحال التي آل اليها البحر الى الاحتياجات المتزايدة للمياه في المنطقة مع تزايد أعداد السكان وقيام دولة اسرائيل في فلسطين واستقدامها ملايين المهاجرين واقامتها مشاريع صناعية وزراعية، واستيلائها على مياه نهر الأردن التي كانت تصب في البحر الميت، وتحويل مجراها الى الساحل الفلسطيني المحتل، ثم الى النقب الصحراوي في الجنوب نحو نصف مساحة فلسطين التاريخية، اضافة الى استيلائها على أكثر من حصتها من نهر اليرموك الذي كان يصب مع فروعه وروافده في البحر الميت ايضاً. وحجزت المشاريع السورية والأردنية على هذا النهر وفروعه كميات أخرى من المياه، اضافة الى شح المواسم الشتوية وقلة هطول الامطار في سنين كثيرة، مما أفقد البحر الميت والمنطقة كلها مصادر مهمة من المياه العذبة. ولذلك كله، ونظراً الى حاجة المنطقة الى مياه عذبة يمكن ان تتوافر بإقامة محطات كهرمائية مستفيدة من فارق الارتفاع بين البحرين المتوسط والميت أو الأحمر والميت، طرحت اسرائيل مشاريع عدة لوصل البحر الأبيض المتوسط بالبحر الميت، الا انها كانت تصطدم بعقبات كثيرة، من بينها التمويل، وعدم استتباب الأمن في المنطقة. ومع عقد اتفاقية السلام بين الأردن واسرائيل في وادي عربة عام 1994، بات ممكناً اقامة مشاريع مشتركة، من بينها مشروع إحياء البحر الميت. وركّز الأردن في مشروعه على ربط البحر الأحمر بالبحر الميت راسماً له خطة هندسية توفق خط سيره ضمن الأراضي الأردنية. أما الرؤية الاسرائيلية لهذا المشروع الحيوي فعبّر عنها كتاب "المياه والسلام - وجهة نظر اسرائيلية" للمهندس الاسرائيلي إليشع كالي وجاء فيه: "تُنقل المياه عبر مأخذ في البحر الأحمر الى الجنوب من العقبة، وتُضخ بطاقة 75 متراً مكعباً في الثانية في فترة التعبئة عبر أنبوب ضغط الى بركة على ارتفاع 2250 متراً وسعة 5،1 مليون متر مكعب، وتعمل المحطة 16 ساعة فقط خارج الذروة يومياً، وتتدفق المياه من البركة في قناة مفتوحة القناة العليا على امتداد 160 كيلومتراً وطاقة 50 متراً مكعباً في الثانية في فترة التعبئة، وعلى بعد نحو 80 كيلومتراً تتجاوز القناة أعلى نقطة في عربة على ارتفاع 2100م، وذلك عبر مسافة قصيرة ضمن حدود اسرائيل. وعلى بعد 150 كيلومتراً تقريباً تقام بركة لتنظيم تدفق المياه سعتها ثلاثة ملايين متر مكعب وعلى ارتفاع 2080م، وتحتها محطة طاقة المحطة الاردنية بقوة انتاج 400 ميغاواط مع بركة اخرى بالسعة ذاتها، وتنقل المحطة المياه الى القناة القناة السفلى عبر ناقل. وفي هذه القناة تتدفق المياه مسافة نحو 60 كيلومتراً من ارتفاع 100 متر الى ارتفاع 1120 متراً، ومن حدود الأردن الى حدود اسرائيل، وتمر في مقطع واحد عبر نفق طوله أربعة كيلومترات حتى منطقة معاليه عربه سدوم. وهنا تقام المحطة الاسرائيلية التي يبلغ إنتاجها 400 ميغاواط، وتقام فوق المحطة بركة تخزين سعتها ثلاثة ملايين متر مكعب وعلى ارتفاع 1120 متراً، وتحتها القناة النهائية، حيث يكون ارتفاع المياه فيها مثل ارتفاع مستوى المياه في البحر الميت" ص122- 125. وتجدر الاشارة الى ان هذا التصور - المشروع جاء في كتاب تمت ترجمته من العبرية الى العربية عام 1991 اي قبل توقيع اتفاق السلام الأردني - الاسرائيلي. أما التصور الأردني للمشروع فعبّر عنه وزير المياه والري السابق منذر حدادين بأن "مشروع ربط البحر الميت بالبحر الأحمر كما تم تحديده عام 1997 يبين بوضوح ان مسار القناة من خليج العقبة وحتى البحر الميت يقع بكامله في الأراضي الأردنية، وهو يقطع نحو 170 كلم في الجانب الأردني من وادي عربه. وتحكم المسار عوامل فنية وأخرى اقتصادية وبيئية". وأكد حدادين "ان لفلسطين بعد اعلانها دولة ذات سيادة حقاً في الموافقة على المشروع واقراره، ولاسرائيل كذلك حق مماثل، ليس بسبب مرور القناة في اراضي اي منهما من عدمه، بل لأن فلسطين لها 25 في المئة من مساحة سطح البحر الميت الجزء الشمالي الغربي، واسرائيل 25 في المئة الجزء الجنوبي الغربي، وللأردن 50 في المئة كامل النصف الشرقي". ويتضح من المشروعين ان هدفهما ليس احياء البحر الميت ومنع إندثاره فقط، بل أيضاً إحياء المناطق التي تحيط به ثقافياً وصناعياً وزراعياً وسياحياً، وتوفير مياه الشفة لمناطق تعاني من شح المياه. وجاء في الكتيب الذي اصدرته وزارتا الري والتخطيط الاردنيتان ان المشروع سيضخ 1.8 بليون متر مكعب من مياه البحر الاحمر الى البحر الميت سنوياً عبر أنابيب تمتد بطول 180 كيلومتراً بين البحرين، وتقدر كلفة المشروع بصورته الأولية بنحو 800 مليون دولار، في حين ان المشاريع الاخرى المخطط اقامتها بعد انجاز المشروع الأولي تصل كلفتها الى ثلاثة بلايين دولار، ومنها تحلية مياه البحر بكميات تصل الى 850 مليون متر مكعب سنوياً، يمكن ان يحوّل ثلثاها الى مدينة عمان ومنطقتها، وهي الاكثر كثافة سكانية في الأردن، أما الثلث المتبقي فيمكن تحويله الى مدينة القدس ومنطقتها، اضافة الى الطاقة الكهربائية التي ستتوافر جراء انجاز المشروع والتي يؤمل ان "تستفيد منها المناطق المجاورة". وكما يبدو فإن آمالاً كثيرة، ومشاريع عدة يُخطط لإنجازها. الا ان هذا كله وغيره من مشاريع يعتمد على مآل الوضع في فلسطين، اذ من دون تسوية تراعي الحقوق والحاجات الحقيقية والمشروعة للفلسطينيين، فإن كل المشاريع ستبقى في دائرة التخطيط... والآمال. * كاتب فلسطيني.