أصدر وزير الطاقة الاسرائيلي في 12 حزيران يونيو عام 1985 قرارًا بوقف العمل في مشروع قناة مائية تصل بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الميت، كان من المفترض أن تنقل المياه من منطقة في قطاع غزة تسمى تل القطيف على شاطئ البحر بين منطقتي دير البلح وخان يونس، لينتهي في منطقة مسادة أو "مسادا" قرب البحر الميت الجنوبي، أي في منطقة اللسان القليلة العرض والعمق والمياه، بعدما يمر المشروع بالنقب الشمالي، جنوب مدينة بئر السبع. وأنفق الاسرائيليون نحو 18 مليون دولار على التحضيرات الأولية للمشروع الذي بدأ اعتبارًا من 21/3/1984 في زمن حكومة الليكود التي كان يترأسها مناحيم بيغن. وتقوم فكرة المشروع على استغلال فارق الارتفاع بين سطح المياه في البحر الأبيض المتوسط وسطح المياه في البحر الميت الذي ينخفض نحو 400 متر عن الأول. وهذه الفكرة - المشروع تركز من ضمن ما تركز عليه محاولة إنقاذ البحر الميت من الاندثار والتبخر، كونه يتناقص بمقدار يراوح بين نصف متر ومتر واحد في السنة، وتذهب التقديرات إلى أنه قد يختفي بعد 50 سنة. إلا أن للمشروع أيضًا أبعاده الاستراتيجية، خصوصًا في ما يتعلق بإعمار منطقة النقب التي تمثل نصف مساحة فلسطين التاريخية. ويعزى التناقص في كميات مياه البحر الميت إلى أسباب عدة، أهمها: - تحويل مجرى نهر الأردن بروافده العُليا الدان، بانياس، الحاصباني، والسفلى: اليرموك وغيره من أنهار وروافد صغيرة وينابيع. وحولت هذه الأنهار عن مجاريها الطبيعية كليًا أو جزئيًا إلى مجار جديدة. وكانت معركة الستينات مع إسرائيل تحت عنوان "تحويل مجرى الأردن" من خلال المشروع العربي الذي عُقد لأجله مؤتمر القمة العربي الأول عام 1964. إلا أن المشروع أسقط، وكانت حرب 1967 وهزيمتها الحاسمة في القضاء عليه. وحولت إسرائيل تلك المجاري وجعلت بحيرة طبريا مجمعًا للمياه، ووجهتها من هناك نحو الساحل الفلسطيني المحتل ومن ثم إلى مدنها ومستعمراتها ومشاريعها في صحراء النقب، بدلاً من المجرى الطبيعي الذي كان يسير ويمر ببحيرة طبريا ثم يوالي جريانه ليلتقي بنهر اليرموك، قبل أن يكمل طريقه الطبيعي فيلتقي بروافد صغيرة وينابيع من الأردنوفلسطين ليصبّ مياهه التي كانت تزيد على ألف مليون متر مكعب بما في ذلك مياه نهر اليرموك في البحر الميت، فيما تشير مصادر دراسية حديثة أنه لم يتبق من الكمية السابقة إلا نحو 50 مليون ليتر مكعب تصب سنويًا في هذا البحر مع اختلاف في درجة الملوحة والعذوبة، ما يؤثر في مشاريع كثيرة في لبنان وسورية والأردن، خصوصًا أن المنطقة كلها أصبحت تعاني من شح المياه وقلتها، كما تغيرت معالم جغرافية كثيرة. يعتبر البحر الميت صدعًا وانهدامًا جغرافيًا يمثل استمرارًا وجزءًا من انهدام كبير تكوّن منذ آلاف السنين، ومن تكويناته: البقاع اللبناني وبحيرة طبرية والبحر الميت ثم البحر الأحمر، وصولاً إلى تكوينات أخرى في القارة الأفريقية. واسترعى هذا التكوين انتباه المخططين الاستراتيجيين في الدوائر الاستعمارية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، لذا كان وصل مياه البحر الأبيض المتوسط بالبحر الميت ثم بالبحر الأحمر وصولاً إلى المحيط الهندي من ضمن مجال البحث والتخطيط والدراسة في دوائر الاستعمار البريطاني، وأجريت دراسات فعلية للمشروع عام 1850، إلا أن تنفيذ الفرنسيين لقناة السويس أوقف المشاريع البريطانية. واسترعى هذا الامر انتباه الزعيم الصهيوني تيودور هيرتزل فضمّن كتابه "الأرض القديمة-الجديدة" الذي صدر عام 1902 فكرة لمشروع يصل البحر الأبيض المتوسط بالبحر الميت في سبيل إحياء صحراء النقب وإروائها وإقامة مشاريع عدة. إذًا كانت فكرة إقامة مشروع من هذا النوع متداولة ومنشورة بتفاصيل واجتهادات مختلفة وقائمة على متابعات ودراسات ميدانية متعددة، ولم يكن هدفها الأساس إنقاذ البحر الميت من موت واندثار، بل إحياء صحراء النقب كي تستوعب آلاف المهاجرين. ولكن ما الجديد ليتداول في مشروع بديل يقوم على تعاون أردني - إسرائيلي لنقل مياه البحر الأحمر قرب ميناء العقبة ليصب في القسم الجنوبي من البحر الميت؟ أورد الاعلام الاسرائيلي في حينه تبريرًا لعدم المُضي في إنجاز مشروع "البحرين" المتوسط والميت، لأسباب عدة: الأول: كلفة المشروع العالية والتي قدّرت ب1.5 بليون دولار أميركي في ذلك الوقت. فإذا أضيفت إليها كلفة مشروعين كبيرين أيضًا، هما مشروع إنتاج طائرة "لافي" الاسرائيلية، ومشروع بناء مفاعلات نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية، وتكاليف كل من المشروعين تساوي تكاليف المشروع الأول، لذا فإن تكاليف المشاريع الثلاثة تُرهق موازنة الدولة. الثاني: كانت الحماسة لإنجاز المشروع أثناء وجود بيغن على رأس الحكومة الاسرائيلية من دون إبرام أي تفاهمات أو اتفاقات مع الحكومة الأردنية، فيما لم تكن السلطة الفلسطينية أُعلنت في حينه. وهذا الأمر لو تم كان سيؤثر على آفاق السلام في المنطقة. لذا فإن التخريجة الإعلامية ذكرت، أن من الأفضل إنجاز المشروع بوجود تفاهمات واتفاقات سلام. وهكذا تم بُرّر التوقف عن الاستمرار في تنفيذ مشروع المتوسط-الميت. من المستجدات المهمة في المنطقة، توقيع اتفاق السلام بين اسرائيل والأردن عام 1994. لذا جاء المشروع المتداول الأحمر-الميت من ضمن تفاهم مشترك بين البلدين، وتولى المسؤولون الأردنيون المطالبة بتنفيذ هذا المشروع تحت عنوان إنقاذ البحر الميت من الموت، وايجاد طاقة كهربائية وإقامة مصانع لتحلية المياه، كان الأردن ولا يزال في أمس الحاجة إليها، وكذلك إسرائيل، خصوصًا للجنوبين الاردني والاسرائيلي. وتراوح كلفة المشروع الجديد بين 800 مليون و1.5 بليون دولار توزع على الطرفين اللذين يأملان بمساهمة من مؤسسات الأممالمتحدة والبنك وصندوق النقد الدوليين وصناديق عربية وأجنبية. ويتفادى المشروع الجديد المرور في ما أصبح يُطلق عليها أراضي السلطة الفلسطينية، كي لا يدخل في تعقيدات القضية الفلسطينية وتفاعلاتها المتفجرة. مع ذلك فإن للفلسطينيين حقوقًا، بغض النظر عن أي مشروع يتفق على تنفيذه، بسبب محاذاة أراضي السلطة الفلسطينية للبحر الميت من جهة الشمال والوسط. والسؤال: هل ستستفيد هذه الأراضي وسكانها من المشاريع المطروحة، أم أنها ستدفع ثمن التنفيذ عبر إغراق بعض الأراضي بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر الميت - وتهجير بعض السكان، وتأثر المياه الجوفية العذبة وربما تسرب المياه المالحة إلى مستواها الحالي. في كتاب "المياه والسلام - وجهة نظر إسرائيلية" المترجم عن العبرية إلى العربية والصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية عام 1991، يذكر خبير المياه إليشع كالي عن المشروع "أن أساسه يقوم على ضخ المياه نحو بليون متر مكعب سنويًا من البحر الأحمر قرب العقبة الى ارتفاع 2200 متر على مرحلتين من الضخ، وتنقل من هناك في قناة عند سفوح جبال آدوم على امتداد أكثر من 220 كيلومترًا وتسقط في البحر الميت لتوليد الكهرباء في أربع محطات للطاقة". ثم يفصّل كالي وضع المشروع من ناحية تقنية فنية ويبيّن إيجابياته بالنسبة إلى الأردن واسرائيل. كذلك ذكرت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية في 17/7/2002، أن أنبوب المياه يخدم غرضين أساسيين، هما: - رفع منسوب المياه في البحر الميت واستغلال الفارق في الارتفاع بمقدار 400 متر بين خليج العقبة والبحر الميت لتحلية مياه البحر لصالح الأردن الذي يعاني من أزمة مياه أسوأ مما تعاني منها إسرائيل. - سيكون ثلثا الأنبوب الناقل للمياه من البحر الاحمر في الأردن، والثلث الباقي في إسرائيل، وستحلى بعض المياه في طريقها للاستخدام في الأردن، فيما سيستخدم الباقي لرفع منسوب مياه البحر الميت. * كاتب فلسطيني.