"كلية القيادة والأركان للقوات المسلحة" تستعد لمرحلة «جامعة الدفاع الوطني»    وزير الحرس الوطني يرأس الاجتماع الثاني لمجلس أمراء الأفواج للعام 1445ه    توقيع عدة اتفاقيات بين الهيئة العامة للطرق وجهات حكومية    فهد بن محمد يكرم متدربي "تقنية الخرج" الحاصلين على الميدالية البرونزية    انطلاق فعاليات معرض "أكنان" التشكيلي بمكتبة الملك عبد العزيز .. غداً    القيادة تهنئ رئيس أذربيجان بذكرى استقلال بلاده    مخفية في شحنة قوالب خرسانية .. ضبط أكثر من 4.7 مليون قرص من الإمفيتامين المخدر    "نايف الراجحي الاستثمارية" و"مسكان" تطلقان شركة "ارال" لتطوير مشاريع عقارية عملاقة مستدامة تحقق بيئة معيشية متكاملة    إسبانيا والنرويج وإيرلندا تعترف رسمياً بالدولة الفلسطينية    ميتروفيتش يتفوق على جوميز في الهلال    الشورى يطالب العدل بالتوسع بابتعاث منسوبيها والتوعية بالخدمات المقدمة لذوي الإعاقة    سلمان بن سلطان: رعاية الحرمين أعظم اهتمامات الدولة    محافظ طبرجل يفتتح مقر اللجنة الثقافية والفنون بالمحافظة    الركض بدون راحة يضعف الجهاز المناعي    رياح سطحية مثيرة للأتربة والغبار على أجزاء من وسط وشرق المملكة    تطبيق تقنية (var) بجميع بطولات الاتحاد الآسيوي للأندية 2024-2025    السجن والغرامة لمن يتأخر عن الإبلاغ بمغادرة مستقدميه    رونالدو: لم أنتظر الرقم القياسي.. وأتمنى "نهائيًا عادلًا"    بمشاركة 4 فرق .. "الثلاثاء" قرعة كأس السوبر السعودي    تمنع "نسك" دخول غير المصرح لهم    «الصقور الخضر» يعودون للتحليق في «آسيا»    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على سعود بن عبدالعزيز    تقدير الجميع لكم يعكس حجم التأثير الذي أحدثتموه في المجتمع    قدوم 532,958 حاجاً عبر المنافذ الدولية    تفقّد ميقات ذي الحليفة.. أمير المدينة: تهيئة الخدمات لتحسين تجربة الحجاج    صالات خاصة لاستقبال الحجاج عبر «طريق مكة»    «الاستثمارات العامة» يطلق مجموعة نيو للفضاء «NSG»    حلول مبتكرة لمرضى الهوس والاكتئاب    القاضي الرحيم يتعافى من سرطان البنكرياس    نائب وزير الخارجية يحضر حفل الاستقبال بمناسبة الذكرى السنوية ليوم إفريقيا    شهادات الاقتصاد    كوريا الشمالية تعلن فشل عملية إطلاق قمر اصطناعي لغرض التجسس    بولندا تبرم صفقة مع الولايات المتحدة لشراء صواريخ بعيدة المدى    باخرتان سعوديتان لإغاثة الشعبين الفلسطيني والسوداني    نعم.. ضغوطات سعودية !    الديمقراطية إلى أين؟        طلب عسير    سرقة سيارة خلال بث تلفزيوني    القيادة تعزي حاكم عام بابوا غينيا الجديدة في ضحايا الانزلاق الترابي بإنغا    الاحتيال العقاري بين الوعي والترصد    موجز    تعاون بين «روشن» و«سمة»    عبر دورات تدريبية ضمن مبادرة رافد الحرمين.. تأهيل العاملين في خدمة ضيوف الرحمن    الفيصل تُكرم الطلاب الفائزين في مسابقتَي «آيسف» و«آيتكس» وتشيد بمشاريع المعلمين والمعلمات    حفلات التخرج.. البذل والابتذال    ولادة 3 وعول في منطقة مشروع قمم السودة    ورحلت أمي الغالية    أمير المنطقة الشرقية يستقبل أعضاء مجلس إدارة نادي الاتفاق    إخلاص وتميز    كيف تصف سلوك الآخرين بشكل صحيح؟    إسدال الستار على الدوريات الأوروبية الكبرى.. مانشستر سيتي يدخل التاريخ.. والريال يستعيد لقب الليغا    مكتسبات «التعاون»    إدانة دولية لقصف الاحتلال خيام النازحين في رفح    سكري الحمل    دراسة تكشف أسرار حياة الغربان    فيصل بن بندر يؤدي صلاة الميت على سعود بن عبدالعزيز    سمو أمير منطقة الباحة يكرم 48 طالبا من مدارس المنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تلازم الأمن الإسرائيلي والمياه يهددان بتفجير المنطقة . نهر الوزاني ينبع من الأراضي اللبنانية ولا تستفيد منه المنطقة
نشر في الحياة يوم 25 - 03 - 2001

تستقبلك لافتة الوزاني وتؤشر لك باتجاه البلدة. الطريق كانت معبدة، ترابية في نصفها وبقايا الإسفلت تغطي نصفها الآخر. وأمامك مدى واسع من الأرض التي تختلط فيها الخضرة بلون الأرض البور ببعض منازل القرى المنتشرة على سفح جبل الشيخ. هنا الوزاني، هناك الغجر وهنالك المجيدية... والماري... وفي آخر المشهد باتجاه الشمال الشرقي كفرشوبا.
مئات المنازل تتجمع حول بعضها البعض يخال إليك انها منازل قرية واحدة. تقترب أكثر من منازل البلدة لتفاجأ أنها منازل قريتين. هنا قرية الوزاني وفي المقلب الثاني قرية أخرى هي الغجر السورية المحتلة. بيوت الوزاني التي نجت من التدمير والعدوان آثرت - ربما - ان تتجمع في وجه العدوان المتربص بها بدلاً من أن تنتشر في السهل الفسيح. زرائب الحيوانات التي لا أثر فيها لجنون البقر ولا للحمى القلاعية تنتشر بين المنازل فيما تسرح القطعان في المراعي الطبيعية الخضراء وما أكثرها في المنطقة. تتجاوز المنازل وتتابع طريقك باتجاه شمال شرقي نحو نبع الوزاني. المشهد الرائع الجميل الذي يكحل ناظريك في هذا المدى كله تعتقده متصلاً وبأرض مستوية حتى بداية السفح، فجأة تستدير بك السيارة في كوع يتجه بك نحو الوادي. إنه الوادي الذي يصل بين قرية الوزاني ومجرى نهر الحاصباني. وفي الجانب الآخر تقع قرية الغجر السورية المحتلة ابتداء من التلة المقابلة، وتسلك الطريق الى الوادي وسط مزيج من مشاعر السعادة بهذا المنظر البديع والحذر من أي اعتداء قد تقدم عليه قوات العدو الإسرائيلي الرابضة هناك.
"لا تكمل طريقك" يقول صديقي من أبناء المنطقة عندما حاولت أن أتقدم فوق الجسر المقام على مجرى الحاصباني نحو الضفة الأخرى، ونسلك طريقنا راجلين من الجسر الى النبع مسافة من 150 الى 200 متر وسط الحصى والصخور والأشواك.
الورشة منهمكة في تنفيذ الأشغال، هذا يحفر في التراب لتوصيل القساطل الى النبع، وذاك منهمك في اعمال الباطون لغرفة محطة الضخ... المهندس موسى فاعور متعهد المشروع يقول: "طاقة القسطل 4 إنش مياه شفة. ينبغي ان يسقي اهالي قرية الوزاني ومزرعة الميسات". أما عدد سكانها فيقدرها السيد موسى وهو أحد أبناء المنطقة من الخيام بحوالى 2000 نسمة. يضيف "المنطقة كانت تشرب سابقاً من مياه الخيام بواسطة خزان صغير. إلا أن المياه غير كافية وغير مؤمنة على نحو مستمر". أما عن اشغال المشروع فيقول إنها تشمل بناء غرفة على النبع لتركيب الطلمبة لضخ المياه ومحطة الكهرباء وتمديد القساطل وربطها بالنبع وإيصالها الى الخزان. ومن ثم وصل الخزان بشبكة التوزيع. والطريق الى النبع أيضاً جرى شقها وتنتظر التزفيت. والأعمال في المشروع شارفت اجمالاً على نهايتها".
المياه تتدفق غزيرة من النبع تحت التلة المتصلة من الأعلى بمنازل الوزاني. المغارة التي يتفجر منها النبع غطاها الردم المتهاوي على مر السنين من جراء المطر وغزارة النبع وقوته. والمياه المتدفقة والمنسابة بين الصخور تصب في هذه النقطة في مجرى الحاصباني حيث يتوحد النهران في هذا المكان ويسيران معاء نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة هذا باستثناء فصل الصيف حيث تجف مياه الحاصباني فيسير الوزاني وحيداً في هذا المجرى نحو هدفه. ونحو ثلاثة كيلومترات في الأراضي اللبنانية. وهذه السنة قد يجف الحاصباني باكراً لأن الكثير من الينابيع والعيون والأنهار الصغيرة التي تصب في النهر لم تتفجر هذه السنة بسبب قلة الأمطار وتناقص سماكة الثلج فوق جبل الشيخ عن السنوات السابقة.
يد إسرائيل الطويلة
امتدت يد اسرائيل الى النبع منذ سنوات طويلة. وقامت بتركيب قسطل 8 انش لجر المياه الى قرية الغجر السورية المحتلة وعبرها الى المستعمرات الإسرائيلية المجاورة. لكن المياه المتفجرة بغزارة من النبع جرفت في إحدى السنوات هذا القسطل الحديدي المطلي بالأبيض، واستعاضت عنه إسرائيل بقسطلين من البلاستيك الأسود بطاقة 4 انش لكل منهما على حد قول احد الرعاة من أبناء الوزاني المدعو عدنان عوض. ويشير الى القسطل الذي لا يزال موجوداً في قعر النهر. أما طلمبات الضخ الإسرائيلية فهي قائمة على الجانب الآخر يقول عدنان. وترى بوضوح القساطل البلاستيكية الإسرائيلية المتسلقة التلة الى قرية الغجر المحتلة. علماً أن مياه النهر تصب وبالكامل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ولا تزال المخاطر تحدق بمحاولة الحكومة اللبنانية جر قسطل من مياه الشرب من نبع الوزاني الى القرية التي ينبع النهر من تحتها ومن أراضيها بالذات. فالقوات الإسرائيلية المتمركزة على التلة المطلة على النبع والمنتشرة على الضفة الشرقية تمارس رقابة صارمة واستفزازية على سير الأعمال لتنفيذ المشروع، وأيضاً على الحركة السياسية والإعلامية التي تواكب هذه الخطوة. وهذا النهر لا تستفيد منه المنطقة بقطرة ماء. وهذه هي المحاولة الأولى لجر أربعة انشات من مياهه لسد ظمأ سكان القرية التي ينبع من أراضيها. ومع ذلك تصر إسرائيل على ان تقيم الدنيا ولا تقعدها وتهدد بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا ما تابعت الحكومة اللبنانية تنفيذ المشروع وباشرت الضخ. ومع تسارع الأعمال في تنفيذ المشروع، التي باتت شبه منتهية، تزداد حدة الاستفزازات الإسرائيلية. وكأن الإسرائيليين فوجئوا بمنطق ان مياه النهر "يجوز" ان تنقص قليلاً ولو لري ظمأ اصحاب الأرض وأصحاب المياه، بينما تقوم القوات الإسرائيلية بممارسة الرقابة والصيانة الدائمتين للقسطلين اللذين يجران الماء صعوداً عبر قرية الغجر المحتلة المحاذية الى المستعمرات الإسرائيلية. وقوة كل قسطل منها أربعة إنشات. أي ضعف كمية المياه التي تعمل الدولة اللبنانية على ضخها الى قرية الوزاني بالتمام والكمال، إضافة الى الاستيلاء الإسرائيلي الكامل على مياه هذا النهر في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
منتزهات على ضفة النهر
ونعود الى قرية الوزاني، متجهين الى المنتزهات التي أقيمت على ضفة النهر وكان هجرها اصحابها والناس بعد تهجيرهم من المنطقة وأصاب الدمار والخراب بعضها، لتعود فتستأنف نشاطها وعملها وإجراء ما يلزمها من ترميم وتطوير وإصلاحات.
النهر يسير هادئاً لا يدري ماذا يدور حوله وما الذي يتهدده ويخطط له. وخرير الماء الخفيف يخفي سكوناً مشوباً بالحذر. فالعدو الإسرائيلي الذي انسحب من المنطقة قبل نحو عشرة اشهر تحت ضغط المقاومة، لا يزال يهدد المنطقة ويتوعدها خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالمياه وبمياه الوزاني والحاصباني بالذات. بعض الركام وآثار الخراب ظاهرة في أثاث ملقى، نسأل احد العمال: هل من تخريب حصل وهل من يخرب؟ قال: "لا إننا نقوم بالإصلاحات في المنتزه". وسألناه عن صاحب المنتزه إذا كان موجوداً فاقتادنا الى الحاج حسين الحاج خليل عبدالله الذي كان يرتب بعض الأشياء.
ما هي اوضاع المنتزهات القائمة على ضفة النهر؟
- هذا المنتزه أقمناه عام 1983. أصابه الخراب وتعطل منذ سبع سنوات وهو الأول في المنطقة، منذ التحرير ولما عدنا الى المنطقة بدأنا ترميمه وتوسيعه. وهناك منتزهان آخران الأول لشقيق الحاج عباس عبدالله وقد أقيم منذ تسع سنوات والثاني يخص ابناء شقيقي سعدالله وفضل عباس عبدالله.
ويضيف: "الوزاني ينبع على بعد 800 متر تقريباً من هنا من ارضنا نحن ورثة الحاج خليل عبدالله ويسير مسافة طويلة في أرضنا. الحاصباني يلتقي بالوزاني عند منبعه ويسيران معاً في الشتاء الى سهل الحولة ومنها الى طبريا مع نهري اللدان وبانياس إضافة الى نهر الشريعة وتخرج هذه المياه جميعاً من بحيرة طبريا باسم نهر الأردن".
يتابع الحاج حسين عبدالله قائلاً: "وفي العام 1961 أقمنا مشروعاً على نبع الوزاني لجر ثمانية إنشات مياه لري أراضي الوزاني والميسات. وقد وضع المشروع وأشرف على تنفيذه النائب السابق المرحوم سليم لحود والد النائب الحالي نسيب لحود، وكان مهندساً مائياً مرموقاً. ونفذ المشروع على ارتفاع 100 متر عمودي وبطول 1200 متر جر. وهذا المشروع نجحنا في استغلاله من العام 1961 حتى العام 1965. وقد تمكنا من انتاج كميات ضخمة من الخضار حيث زرعنا حوالى 800 دونم من الخضار ونحواً من 500 دونم من الأشجار المثمرة. وتوقف المشروع بعدما تعرض مشروع تحويل روافد نهر الأردن للضرب بالطائرات الإسرائيلية". ويضيف: "قساطل الحديد الخاصة بالمشروع والبركة التي تستوعب 240 متر مكعب من المياه والبناء المخصص لموتور الضخ وغرفة الناطور كلها لا تزال موجودة في أماكنها. فقط الموتور وقساطل الإترنيت تعرضت للتخريب والتكسير".
ويقول عصام عبدالله ابن المرحوم النائب السابق علي عبدالله الذي وصل للتو الى المنتزه لزيارة عمه الحاج حسين: "ان تنفيذ هذا المشروع تم في حينه بالاستناد الى نصوص قانونية خولتنا السير به. فقد حصلنا في 26/7/1955 على المرسوم رقم 9940 الذي يجيز لنا ضخ 70 ليتر ماء في الثانية من نبع الوزاني وجرها الى أملاكنا لري ما مساحته الإجمالية 000،287،1 متر مربع من اراضي العقارات التي نملكها في المنطقة. وحصلنا على مرسوم جديد يحمل الرقم 4215 تاريخ 12 تشرين الأول اكتوبر 1987 بإحياء المرسوم القديم. كما أعطانا القانون المحال الى مجلس النواب بموجب المرسوم رقم 1716 تاريخ 8 ايار مايو 1965 الحق في مطالبة الدولة بكافة التعويضات عن الخسائر التي لحقت بالمشروع نتيجة توقفه بعد ضرب منشآت تنفيذ تحويل روافد نهر الأردن عام 1965. وفعلاً حصلنا على هذه التعويضات. وذلك استناداً الى التقرير الذي اعدته لجنة الخبراء التي عينها مجلس شورى الدولة والمؤلفة من الخبراء السادة: نقولا ديمتري بخعازي ونلسن توماس الخوري وراغب الزين.
وماذا عن إمكان احياء هذا المشروع مجدداً، خصوصاً أنكم استحصلتم على مرسوم جديد يقضي بإحياء المرسوم القديم؟
- إن الدولة اللبنانية التي وضعت يدها على المشروع بعد تفجير منشآت تحويل روافد نهر الأردن عام 1965 مطالبة الآن بتمكيننا من اعادة الضخ وتركيب نواقص المشروع. ونحن مستعدون لدفع جميع النفقات المتوجبة علينا. وما يقوله الحاج حسين يؤكده ابن اخيه عصام لجهة الاستعداد لتحمل التكاليف ومطالبة الدولة بتحمل مسؤولياتها في هذا المجال.
ولكن إسرائيل تقيم الدنيا ولم وتقعدها بعد من أجل جر 4 انشات لمياه الشرب الى اهالي قرية الوزاني.
- "هل يمكن لأحد ان يمنعنا من ان نروي أراضينا التي يمر فيها وينبع منها النهر؟ وهل بإمكان الدولة اللبنانية ان ترى ذلك بأم عينيها وتسكت؟ المرحوم ريمون اده كان يفاخر بأننا كنا الوحيدين على مستوى المنطقة العربية، نستغل مياهنا في ري أراضينا وقد زار المنطقة غير مرة ونبع الوزاني تحديداً. وزارها مرة برفقة السفير الأميركي وأطلق الكثير من التصريحات والمواقف في هذا المجال"، يرد الحاج حسين عبدالله.
والخطورة في الاعتبارات الإسرائيلية، ان عملية تركيب قسطل لجر المياه من نبع الوزاني لا يغير شيئاً إذا كان القسطل 4 إنشات او 12 إنشاً فهذه الخطوة من شأنها ان تفتح ملف المياه في الشرق الأوسط. ومسألة المياه في حسابات إسرائيل لا تقل اهمية عن قضية الأمن. ومنذ ان كانت إسرائيل نفسها كدولة مجرد حلم يراود قادتها التاريخيين تلازمت المسألتان: الأمن والمياه. لهذا ارتبطت السيطرة على مصادر المياه في الليطاني وجبل الشيخ بالوصول الى القمم والمرتفعات التي يسهل الدفاع عنها وعن إسرائيل انطلاقاً منها. وما يعزز هذه المقولة راهناً ان المياه في منطقة الشرق الأوسط تواجه أزمة حادة وكل دول المنطقة تعاني نقصاً في مواردها المائية. لهذا يجمع الخبراء على أن الحروب المقبلة في المنطقة ستكون من اجل المياه. وسواء فجرت إسرائيل الموقف بشأن جر مياه الشفة من الوزاني الى سكان البلدة أو لم تفجره الآن، فالمشكلة مطروحة وبحدة، والانفجار الذي يتهدد المنطقة هناك إجماع على أنه قادم سواء بسبب نهر الوزاني أو بسبب اي نهر آخر!
الاستهلاك الاسرائيلي للمياه
تشير الدراسات المائية في اسرائيل الى ان الموارد المائية لإسرائيل تجاوزت عام 1999ما مجموعه 2131 مليون متر مكعب. وهذه الكميات يجري استغلالها على الشكل الآتي:
في مجال الصناعة 147 مليون متر مكعب
الزراعة 1200 مليون متر مكعب
للاستعمال المنزلي 634 مليون متر مكعب
للحدائق 23 مليون متر مكعب
المجموع 2131 مليون متر مكعب
وتقدر الباحثة الأميركية ليساي شميدا ان حاجة إسرائيل الراهنة تتجاوز الكميات المستهلكة بما لا يقل عن 450 مليون متر مكعب من المياه سنوياً: ونظراً الى تزايد الاستيطان وازدياد الحاجة الى ري مساحات جديدة من الأراضي الزراعية في اسرائيل يذهب الباحث توماس فان في معهد الدراسات الشرق أوسطية في جامعة بنسلفانيا الى ان عجز اسرائيل الراهن في المياه مقداره 800 مليون متر مكعب. واقترح فان على اسرائيل تقليص استهلاكها من المياه في الزراعة.
ولهذا اتجهت اسرائيل في السنوات الأخيرة للبحث في تأمين المزيد من المياه من نهر النيل كما اتجهت أيضاً الى بحث شراء المياه من تركيا.
مشاريع "التسوية" المائية
نظراً للأهمية الفائقة التي تحتلها قضية المياه في الصراع العربي - الإسرائيلي وأدركها الصهاينة باكراً تزاحم الكثير من الخبراء الانكليز والأميركيين اضافة الى الصهاينة الى وضع المشاريع المائية التي تكفل توفير احتياجات المياه لإسرائيل. وتداخلت الأفكار والاقتراحات والاحصاءات وتشعبت وتقاطعت وتكاملت في شكل سافر ومكشوف. وهذه بعض أبرز المشاريع التي جرى تداولها:
1- مشروع أيونيدس الخبير الهيدرولوجي الانكليزي الذي عين مديراً للتنمية في حكومة شرق الأردن. وبعد سنتين من الدراسة خرج ايونيدس بتقرير مطول عن حوض الأردن طرح كمشروع عام 1946 ويتلخص التقرير في:
أ- تحويل جزء من مياه اليرموك عبر قناة تتجه جنوباً لري بعض أراضي الأغوار الشرقية.
ب - تخزين فائض مياه اليرموك في طبريا وانشاء قناة لسحب المياه لري مساحات من الغور الشرقي مع امكان شق قناة لري الغور الغربي.
ج - يقدر التقرير ان كميات المياه الممكن تأمينها سنوياً للري في شرق الأردن لا تتجاوز 742 مليون متر مكعب وهذه تشكل كل ما يتوافر للأردن من اجل مشاريعة الانمائية في المستقبل علماً ان استثمار اليرموك غير ممكن الا بعد التفاوض مع شركة روتنبرغ والاتفاق معها.
وهذا يعطي الحق لإسرائيل في السيطرة على الموارد المائية ليس في فلسطين وحسب، وانما في ما يتعلق بنهر اليرموك أيضاً. كما ان المشروع يقرر في أن أي حل مستقبلي لمشكلات الفلسطينيين واحتياجاتهم المائية على حساب الأردن.
2- مشروع والتر كلاي لوذر ميلك: ارسل من قبل وزارة الزراعة الأميركية عام 1938 باعتباره خبيراً في حماية التربة. وتابع دراساته في المنطقة حتى العام 1944 ليصدر دراسته في كتاب "ارض الميعاد". وتضمن الأفكار الآتية:
- ان كميات المياه المتوافرة في حوض الأردن تزيد عن حاجة المنطقة. وقد قدر كمية المياه في حوض نهر الأردن ب1800 مليون متر مكعب. وهي كافية لري 000.200.1 دونم ويمكن نقل الفائض الى النقب.
- السيطرة على المشروع يجب ان تظل في أيدي اليهود مع امكان اشراف الأمم المتحدة. أما العرب الذين يرفضون العيش "الحضاري فيمكن نقلهم الى اماكن أخرى.
وقال عمانوئيل تيومان رئيس لجنة مسح اراضي فلسطين في تقريره الموضوع عام 1948: انه لمن حسن الحظ ان الذين كانوا مسؤولين عن وضع تفاصيل مشروع التقسيم كانوا على معرفة بوجهات نظر لوذر ميلك وانهم اتخذوا من وجهة النظر هذه قاعدة ليبنوا على اساسها حدود المناطق العربية واليهودية.
3- مشروع هيس: نشر مشروع هيس عام 1948 تحت عنوان: "اقتراحات لتطوير الري والطاقة الكهربائية في فلسطين". وكان المشروع معداً منذ العام 1946 للضغط على لجنة التحقيق الانكلو أميركية المكلفة بدراسة التقسيم. ووضع مشروع هيس تصوراً لاستغلال موارد حوض الأردن على ثماني مراحل هي:
- استثمار المياه الجوفية مع انشاء سد على نهر الحاصباني في لبنان لتأمين الطاقة الكهربائية لضخ مياه الآبار الى اسرائيل.
- تحويل نهر بانياس بقناة تتجه الى تل القاضي للالتقاء بنهر اللدان وتجميع مياههما مع الحاصباني وجرها في قناة مكشوفة لري الحولة ومرج ابن عامر ثم تمريرها في نفق لتخزين فائضها في سهل البطوف.
- تحويل مياه اليرموك الى طبريا لتعويضها عن مياه روافد نهر الاردن، وأوصى بتخصيص 50 في المئة من نهر اليرموك للأردن وترك الباقي لري المثلث وبيسان علماً ان اليرموك لا يتصل أصلاً بالمثلث.
- تحويل جزء من المتوسط الى البحر الميت.
- اقامة سدود ومنشآت في سهل البطوف لخزن مياه الفيضانات في بحيرة تستوعب مليار متر مكعب.
- استصلاح الحولة وتجفيف مستنقعاتها وتحويل الفائض منها الى الداخل.
- الاستفادة من مياه الينابيع المحلية وسيول الوديان.
- انشاء السدود على الساحل لنقل كل ما يفيض عن الحاجة الى صحراء النقب.
ويذكر ان المنظمة الصهيونية العالمية هي التي دعت هيس لوضع ترجمته لمشروع ميلك.
4- مشروع كوتن: عمل جون كوتن على تطوير مشروع هيس بين عامي 1951،1955، فقد قدر كوتن الموارد المائية في المنطقة ب2345 مليون متر مكعب من المياه. تحصل إسرائيل من مياه نهر الأردن على 1290 مليون متر مكعب لري ما مساحته مليونين و600 الف دونم اي ما يوازي ضعفي مجموع المساحات المطلوب ريها في الدول العربية الثلاث سورية والأردن ولبنان. ووزع مشروع كوتن المياه بين دول المنطقة على نحو الآتي:
لبنان 300 مليون متر مكعب لري 350 الف دونم بينها الليطاني"
الأردن 180 مليون متر مكعب لري 430 الف دونم"
سورية 45 مليون متر مكعب لري 30 الف دونم فقط"
بينما تحصل إسرائيل على 1290 مليون متر مكعب. وقد أصر كوتن على جعل مياه الليطاني ضمن التسوية المائية المفترضة. ويقترح تحويل 400 مليون متر مكعب من مياه الليطاني الى الحاصباني ثم تحويل 740 مليون متر مكعب من الحاصباني واللدان وبانياس وتخزينها في البطوف داخل اسرائيل لري صحراء النقب. مع تجفيف مستنقعات الحولة وضخ 100 مليون متر مكعب منها الى الداخل الاسرائيلي أيضاً.
5- مشروع جونستون: في ظل أجواء التوتر التي كانت تسود المنطقة بعد سحب الولايات المتحدة مشروع تحويل بناء سد أسوان وفي ظل التوتر العسكري بين سورية واسرائيل حول بحيرة طبريا أرسل الرئيس الأميركي دوايت ايزنهاور مبعوثه الخاص جونستون الى المنطقة سعياً لايجاد "تسوية" مائية اقليمية لاستغلال مياه حوض نهر الأردن. ومما جاء في مشروع جونستون:
- تجفيف بحيرة الحولة واستصلاح منطقتها.
- جعل بحيرة طبريا خزاناً للمياه من نهري الأردن واليرموك مع رفعها مترين آخرين.
- بناء سد أو شق قناة لتحويل انهر الحاصباني وبانياس واللدان وينابيع الحولة العليا باتجاه المناطق المحتلة لري مناطق الجليل الأعلى والأسفل.
- تقسيم نهر اليرموك الى قسمين: الأول يصب في طبريا من خلال نهر الأردن والثاني يجر بقناة لري الاغوار الشرقية.
- بناء سد على اليرموك عند العدسية لتحويل تدفق المياه الى طبريا.
وكان مشروعه لتقسيم المياه بين دول المنطقة:45 مليون متر مكعب لسورية،
774 مليون متر مكعب للأردن.
35 مليون متر مكعب للبنان.
بينما تحصل على 392 مليون متر مكعب. ثم تعديل حصة اسرائيل من هذه المياه بعد جولات من المحادثات الى 565 مليون متر مكعب وأخذت الزيادة من حصة الأردن.
ومما آثار حفيظة الاسرائيليين ان مشروع جونستون لم يشتمل على نهر الليطاني علماً انه نهر لبناني بالكامل من المنبع حتى المصب. كما اعترض الاسرائيليون على مقولة استخدام مياه كل نهر داخل حوضه. واعترضوا أيضاً على حصة الأردن كونها مخصصة في جانبها الأكبر لري أراضي الغور، وغير القابلة للزراعة.
- انتهت جولات جونستون المكوكية الأربع في المنطقة الى فشل ذريع في تشرين الأول اكتوبر 1955.
مصادر المياه في اسرائيل
تؤمن اسرائيل احتياجاتها من المياه من المصادر الآتية:
من نهر الأردن 600 مليون متر مكعب
من المياه الجوفية 1000 مليون متر مكعب
فائض مياه نهر الأردن 100 مليون متر مكعب
تكرير المجاري 100 مليون متر مكعب
تحلية مياه البحر 10 مليون متر مكعب
المجموع 1810 مليون متر مكعب
اضافة الى مصادر وكميات اضافية كالانهار الداخلية والينابيع التي لم يرد ذكرها ولا ذكر الكميات المؤمنة بواسطتها.
ويذكر ان اسرائيل لجأت الى الكثير من الوسائل لتأمين المزيد من المياه، منها:
- تطعيم السحب أو زرع الغيوم. وقد أدت هذه الطريقة الى زيادة كمية الامطار في منطقة التجارب بين 15 و18في المئة. الا ان هذه الوسيلة لم تثبت جدواها فضلاً عن ارتفاع كلفتها.
- تحلية مياه البحر. وهذا المشروع الذي ساعدت فيه الولايات المتحدة ونفذ على ثلاث مراحل على أن تكتمل المرحلة الثالثة بإنشاء محطة نووية ذات غرض مزدوج على شاطئ المتوسط بانتاج قدره 120 مليون متر مكعب سنوياً. غير ان هذا المشروع وصل الى مرحلة معقدة من الحاجة الملحة للمياه تفوق ما تستطيع انتاجه هذه المحطة. فضلاً عن ان كلفة المتر المكعب الواحد مرتفعة.
- استصلاح مياه المجاري واعادة تكريرها. وتقدر طاقة اسرائيل على تكرير وتنقية مياه المجاري الى ما يزيد على 250 مليون متر مكعب من المياه المخصصة للري. وهذه الكمية مرشحة للارتفاع بمقدار ما تستطيع تكريره المشاريع الاسرائيلية المتزايدة في هذا المجال.
انتشار الآبار الارتوازية
يلاحظ ان المنطقة الزراعية الواسعة في سهل صردا والعمرة والميسات اضافة الى مرج الخيام تشهد حركة نشيطة لحفر الآبار الارتوازية لري الأراضي. علماً ان قسماً كبيراً من هذه الأراضي أقلها سهل صردا والعمرة والميسات البالغة مساحتها نحو 20 الف دونم ينبغي ان تُروى من مياه الوزاني.
لكن "حتى الري بواسطة الآبار الارتوازية - المياه الجوفية في المنطقة مسألة محفوفة بالمخاطر ومعرضة للتهديدات والاعتداءات الاسرائيلية". على حد قول ابراهيم صادق. قام ابراهيم صادق في العام 1974 بحفر بئر ارتوازية على عمق 250 متراً في منطقة سهل وطى الخيام وحصل على مياه بطاقة 6 إنشات ونفذ مشروعاً زراعياً كبيراً يصل الى حوالى 1500 دونم وكان يعمل لديه ما بين 70و80 عامل زراعي يومياً بمعدل 3 مواسم في السنة. الا ان هذا المشروع دمر عام 1978 وتهجرت المنطقة. ويقول: اسرائيل قامت بتفكيك محطة الكهرباء وبعد فشلها بسحب طلمبة الضخ الغاطسة قامت بانزالها داخل البئر وتدميرها وتسكير البئر. وقام عملاؤها بتفكيك كامل شبكة قساطل الري التي كان يبلغ طولها حوالى 3 كلم.
وبعد العام 1982 تمت اعادة تأهيل المشروع وحفر بئر جديد، بالقرب من البئر القديم وتم تركيب طلمبة ضخ جديدة ومحطة كهرباء أيضاً جديدة. ولكن الاحتلال الاسرائيلي للمنطقة حال دون إحياء المشروع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.