كيف يمكن ان نفسر سقوط بغداد من دون مقاومة؟ على عكس تصريحات القادة العراقيين الذين وعدوا بالعمل من اجل منع سقوطها، او على الأقل جعل سقوطها مكلفاً واحتلالها صعباً؟ كيف حدث ان لا الحرس الجمهوري الشهير، ولا الجيش، ولا الشعب قاوموا هجومات القوى الأميركية - البريطانية؟ ان انسحاب الحرس الجمهوري ناتج من خيانة اللواء ماهر سفيان التكريتي، ابن عم صدام حسين الذي اشترته وكالة الاستخبارات الأميركية، ويشغل منصب نائب قصي حسين. وارتشى جنرالان هما عبدالرشيد التكريتي، كبير امناء القيادة العامة، وقائد فدائيي صدام حسين وميليشيات عدي احد ابناء صدام حسين، وكان الأول يقدم للأميركيين المعلومات عن تحركات القوات العراقية، وأرسل الثاني قوات الى الكمائن المنصوبة ضدهم. اما عدم مقاومة الشعب فيمكن تفسيرها بالهوة العميقة التي تفصل بينه وبين قادته. ولا احد ينكر كراهية النظام الاستبدادي الذي فرضه البعثيون على الشعب العراقي ومن دون انتخابهم من طرف الشعب. وأسال هذا النظام الدماء طوال ثلاثين سنة. وحاول النظام من دون جدوى فرض العلمانية، على الشعب العراقي المسلم طوال عقود. وقاد البلاد بقبضة حديد ضد المعارضة، خصوصاً الإسلامية، وقام بمجازر في حق السكان الأكراد والشيعة، وشن حرباً ظالمة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وكانت حرباً شنعاء اسفرت عن سقوط قرابة مليون ضحية وأضرار مادية كبيرة. في الواقع هذه الهزيمة هي عقاب إلهي جزاء طغيان البعث على غرار فرعون الذي كان يعتقد انه إله أزلي، وغير قابل للانهزام، واقترف الظلم. وهي عقاب الشعب العراقي الذي استسلم للطغيان، على عكس واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولو ان العراقيين ثاروا ضد الديكتاتور صدام، ووقفوا معاً ضد الظلم، لأعانهم الله على تغيير النظام. ولما سمح للأميركيين بغزو بلادهم تحت ذريعة البحث عن اسلحة الدمار الشامل. فهذا كان قبل كل شيء ما يجب على العراقيين القيام به. ولكن للأسف انهم لم يقوموا بأي شيء، في الوقت الذي كان فيه بعض العراقيين يعانون السحق والتعذيب والقصف بالغاز الخردل، ويتضرعون الى الله ضد اضطهاد وظلم النظام. وبعد التخلص من الطغيان اصبح على الشعب العراقي ان يجتهد من اجل التخلص من الاحتلال الذي هو كلفة استسلامهم وتخاذلهم امام الديكتاتورية. الشعوب وحدها هي القادرة على الدفاع عن بلدانها وقادتها، في حال تهديد بعدوان اجنبي. ولكن للأسف الشعوب مسحوقة، ومهينة منكسرة، ومقيدة من طرف الديكتاتوريين الذين تعاني الشعوب منهم منذ الاستقلال. وبذلك تصبح الشعوب تحت النير عاجزة جامدة، وغير حساسة. ولا شك في ان هذا ما حدث للشعب العراقي، وتقريباً للشعوب العربية الأخرى. فهذه الشعوب في حاجة الى ان يتم نهوضها حتى تستعيد طاقتها وقواها وحيويتها وكرامتها وحريتها واستقلالها. وبما ان هذه القيم لا تمنح، بل تنتزع، فلم يبق خيار آخر سوى انتزاعها إما بالضغط والتظاهر السلمي، في اطار الديموقراطية، او الثورة العنيفة. ومن الواضح ان الانفتاح الديموقراطي هو افضل مخرج للأنظمة الحالية، لأنه في كل الأحوال ليست الشعوب المضطهدة هي الخاسرة. احمد سي مزراق محام ومسؤول دائرة حقوق الإنسان في الجبهة الإسلامية للإنقاذ [email protected]