سقط الاسد مريضاً ورقد في الكهف، فقال لصديقه المفضل الثعلب: لو اردت شفائي حقاً فعليك ان تستخدم لسانك الحلو وكلماتك المعسولة في إغراء ذلك الغزال السمين الذي يعيش في الغابة المجاورة ليأتي لزيارتي ولتطوله مخالبي.. أنا جائع وما اشد شوقي لأحشائه وتلهفي على قلبه. واطاع الثعلب أمر الاسد وذهب الى الغابة المجاورة وراح يبحث عن الغزال حتى وجده يرقص مرحاً هنا وهناك. اخذ الثعلب يحيي الغزال بمعسول القول ثم قال له: عندي لك انباء طيبة، انت تعلم ان مليكنا الاسد جاري وهو الآن مريض وعلى وشك الوفاة، وقد اخذ يفكر في أمر الحيوانات ومن الذي يحكمها من بعده فقال لنفسه مَن؟ هل يحكمها الخنزير؟ تلك البهيمة الخالية من الاحساس؟ أم يحكمها الدب ذلك الكسول الغبي، أم يحكمها الفهد السيئ الطباع الحاد المزاج، أم يحكمها النمر ذلك المتبجح المدعي... كلا... لا احد من هؤلاء يصلح للحكم، لا اجد سوى الغزال افضل الحيوانات في الطبع وفي الصفات التي تؤهله للعرش، فطوله مناسب، وهو حيوان يعيش طويلاً، وقرونه تخيف الافاعي... وهكذا باختصار عيّنك الاسد ملكاً علينا، فما الذي تكافئني به بصفتي اول من حمل إليك هذه الاخبار الطيبة، قل لي بسرعة لانني في عجلة من امري... إن الاسد يثق في نصيحتي ويعتمد عليها في كل ما يفعل، وقد يكون الآن في حاجة إليّ. لو استمعت الى نصيحة ثعلب عجوز فلا بد أن تأتي معي لتبقى مع ملكينا حتى تحضره الوفاة، بعدها يتم صعودك الى العرش. امتلأ رأس الغزال بكلام الثعلب وانتفخ غروراً فذهب معه الى الكهف الذي يرقد فيه الاسد المريض من دون ان يخامره ادنى شك في ما يمكن ان يحدث له، وما ان شاهده الاسد حتى انقض عليه في لهفة، لكنه لم ينجح إلا في قطع اذنه بمخالبه لان الغزال اسرع بالفرار الى الغابة واختفى بين اشجارها العالية. وضرب الثعلب بقدمه الارض في يأس وحسرة على جهوده التي ضاعت سدى. وراح الاسد يزأر ويئن من الجوع ثم في النهاية اخذ يرجو الثعلب ان يحاول مرة اخرى إغراء الغزال بالعودة اليه. قال الثعلب: إن ما تطلبه مني في غاية الصعوبة، لكنني سأحاول من اجلك. وراح الثعلب يشحذ مواهبه في المكر والدهاء ويسأل الرعاة عن مكان الغزال الى ان وجده. كان الغزال يغلي من الغيظ وعندما رأى الثعلب داخلاً عليه انفجر فيه قائلاً: انت مرة اخرى ايها الوغد، طبعاً جئت توقع بي، إذا اقتربت مني فستدفع حياتك ثمناً لذلك، اذهب واخدع آخرين ممن لا يعرفون من أنت... ابحث عن شخص آخر تجعله ملكاً وتدفعه الى الجنون. اجاب الثعلب: هل انت جبان ويائس الى هذا الحد؟ هل تتشكك في اصدقائك؟ عندما امسك الاسد بأذنك اراد ان يعطيك آخر نصيحة له وآخر تعليماته قبل ان يموت، إن مسؤولياتك هائلة كملك، لكنك لم تتحمل حتى مجرد خدش بسيط من مخالب مخلوق مريض يعيش ايامه الاخيرة. إن الاسد غاضب منك ويريد ان يجعل من الذئب ملكاً على الغابة، وسيكون الذئب اسوأ سيد علينا. تعال معي ولا تخشَ شيئاً وكن حليماً كالخراف، أقسم لك بجميع اوراق الشجر هذه، وأقسم لك بجميع الينابيع ان الاسد لن يؤذيك وإنني لن ارضى بغيرك بديلاً.. سيداً وملكاً على جميع الحيوانات. بهذه الكلمات اغرى الثعلب الغزال بالعودة معه الى حيث يرقد الاسد. وهكذا عاد الثعلب والغزال وراءه الى عرين الاسد، وما ان دخلا الكهف حتى نهض الاسد وابتسم فظهرت انيابه القوية. وقفز الاسد قفزة واحدة فصار فوق الغزال ومزقه تمزيقاً وجعل منه وجبة شهية. اكل اللحم والعظام حتى النخاع، وتلا ذلك كله بالأحشاء. كل هذا والثعلب واقف يشاهد... واثناء التهام الاسد الغزال، سقط قلبه فجرى اليه الثعلب والتهمه واعتبره مكافأة على جهوده، وعندما انتهى الاسد من التهام الغزال تذكر انه لم يأكل القلب فبدأ يبحث عنه في الاشلاء. ولاحظ الثعلب حيرة الاسد فقال له: عم تبحث...؟ قال الاسد: ابحث عن قلب الغزال. قال الثعلب: عليك ان تكف عن البحث، فالواقع انه كان من دون قلب... وأي قلب هذا الذي تتوقعه من مخلوق يأتي الى عرين الاسد مرتين وتطوله مخالبه... هذه حكاية من حكايات ايسوب اليوناني، ترجمها ودرسها إمام عبد الفتاح إمام.