تراسلني بانتظام عبر البريد الالكتروني صديقة للعائلة كل ما عندها هذه الأيام عن العراق لأنها عراقية. وآخر ما تلقيت منها دعاء للعراق تلقته بدورها من صديقة سعودية. معك حق يا "فتم"، في هذه الأيام لم يعد ينفعنا سوى الصوم والصلاة. وأبقى يوماً آخر مع بريد القراء، فالأخ عبدالعزيز محمود أرسل إليّ رسالة الكترونية بالعربية، على طريقة مختصر مفيد، هي كلها "أحيي فيكم الموضوعية واحترام عقلية القارئ". وأسأل لماذا عندما أمدح يختار القارئ البلاغة عبر الايجاز، ولكن عندما انتقد فعادة ما يكون ذلك بالتفصيل الممل؟ القارئة سهام الصافي الإمضاء غير واضح تماماً تسألني لماذا أقرأ "الديلي تلغراف" طالما انني أنتقدها باستمرار. الواقع، وبالنسبة إليّ شخصياً، "الديلي تلغراف" مثل الولاياتالمتحدة، فأنا معجب بكل ما فيهما ما عدا سياستهما إزاء الشرق الأوسط. وثمة علاقة تربطني ب"التلغراف" فعندما كنت في وكالة "رويترز" كانت هذه الجريدة جارتنا عبر شارع الصحافة، فليت ستريت، وعندما عملت في "غاف سكوير" أصبحت أقرب، فقد كان هناك حائط مشترك بين مكاتبنا. "الديلي تلغراف" جريدة ممتازة، وكذلك "الصنداي تلغراف"، ولكن منذ اشتراها الكندي كونراد بلاك تحولت من محافظة الى صهيونية ليكودية بفضل زوجته الشارونية بربارة امبيل. ولكن اذا تجاوزنا هذه العجوز التي تكره العرب والمسلمين، فإن قراءة "التلغراف" متعة، خصوصاً عددي السبت والأحد. القارئ علي الصميلي غاضب، وقد أرسل إليّ بالفاكس رسالة يبدو من رقم الهاتف عليها انها من الإمارات العربية المتحدة، وهو يقول: كفانا يا سيد جهاد موضوعية. لا نحتاج تذكيراً بتاريخ صدام حسين وأفعاله. كلنا يعرف هذا التاريخ، وكلنا يعرف من كان أول المدافعين عن صدام حسين والمساندين له، ومن دفعه الى الهجوم على إيران، ومن أوحى إليه بغزو الكويت. كلنا يتمنى لو كان صدام حسين أكثر انفتاحاً وديموقراطية، وأكثر إيماناً بالحريات وحقوق الإنسان. لكن اليوم ليس يوم محاسبة صدام حسين، يوم محاسبة صدام حسين فات، وقد برئت ساحته يوم أعلنه جورج بوش عدواً... يوم جيّش جورج بوش الطائرات والصواريخ والمدافع لغزو العراق لم يعد صدام حسين قاتلاً أو مجرماً أو بعثياً أو عدواً للشيعة أو منكلاً بالأكراد... نتساءل عن أهداف هذه الحملة الهمجية، وأين كانت مصلحة الشعب العراقي عندما كان صدام حسين صديقاً عزيزاً في واشنطن. قليلاً من الرأفة بصدام حسين يا سيد جهاد. قل الحقيقة ولا تخف. ان الحقيقة هي أساس الملك، وقولها هو أساس النجاح. ان صدام حسين، بكل سيئاته وتاريخه، أصبح اليوم عبرة وبطلاً. انه نبض الجماهير المقهورة والمحبطة، وسيكون ثمن تدمير بغداد بداية نهضة عربية لا مثيل لها منذ الرسالة... القارئ بعد ذلك يقول ان صدام حسين "يكاد يكون نبياً"، وهو إذا كان كذلك فلا بد من أنه الأعور الدجال الذي حذرونا منه. الحقيقة يا أخ علي هي انني اختلف معك كثيراً، وصدام حسين كان كارثة على العراق والمنطقة. ولا أفهم كيف تبرئ الهجمة الهمجية صدام حسين من جرائمه. أما القارئ كمال الزوادي فبعث اليّ برسالة طويلة بالفاكس، من الرياض، تزيد حجماً على مساحة هذه الزاوية كلها لذلك أعتذر عن الاختصار، وهو يقول: لا أفهم كيف نقف عاجزين مسلوبي الإرادة لا نملك الفعل ولا حتى رد الفعل. لا أفهم ما الشيء الأكثر خطورة من الذي يجرى الآن والذي من شأنه أن يحرك ضمائرنا. لا أفهم ما الشيء الذي يمكن أن يوقظنا من سباتنا العميق. لا أفهم سبب تفرقنا، تخاذلنا، خوفنا، قهرنا. وهو يقول انه يستطيع أن يسوق ألف سبب لعجز العرب، إلا أنه لا يستطيع أن يجد بينها سبباً واحداً مقنعاً. أهم ما سبق ان القارئ يقترح خطوات عملية: - على كل من يملك بطاقة ائتمانية أميركية أن يلغيها فوراً، ويستعيض عنها بالدفع نقداً. - مقاطعة منتجات أميركا وبريطانيا وإسبانيا، وهناك بدائل متوافرة. - استخدام جميع الوسائل المتوافرة عبر التكنولوجيا لكتابة رسائل الإدانة والاستنكار وإرسالها الى سفارات الدول المعتدية. - التظاهر أمام سفارات هذه الدول، ولكن مع تجنب أعمال الشغب. - حث الأنظمة العربية من خلال المسيرات والتظاهرات والضغط عليها لتقف صفاً واحداً وتتجاوز خلافاتها لاستشعار الخطر المحيق بها جميعاً. - استدعاء السفراء العرب من هذه الدول وتهديدها بقطع العلاقات، وطرد جميع الديبلوماسيين الإسرائيليين، حيث وجدوا في البلدان العربية. القارئ كمال الزوادي اتبع ما سبق بالفعل، فهو أرسل إليّ رسالة أخرى بعث بها الى أميركان اكسبرس يلغي بطاقته معها. وأختتم بالقارئ حيدر موسى الهاني، وهو عراقي مقيم في لندن، بعث إلي برسالة تعترض على حملة الدعاية اللئيمة، كما وصفها، لأن العراق وزع صور الأسرى الأميركيين، ويقول القارئ ان الجنود الأميركيين المعتدين يستحقون القتل، لا مجرد تصويرهم. أرجح أن القارئ غاضب ولا يعني ما يقول حرفياً، وكنت شخصياً أتمنى لو أن النظام العراقي يطلق الجندية الأميركية السوداء الأسيرة، لأن السود الأميركيين معنا، وإطلاقها سيكون خبطة دعائية طيبة. المهم من أمر تصوير أسرى الحرب انني عدت الى اتفاقية جنيف الثالثة، ووجدت في المادة 13نصاً يدعو الى معاملة الأسرى بالحسنى، وعدم إرهابهم، وتوفير العناية لهم. إلا أنه لا يوجد في النص أي منع لتصوير الأسرى وعرضهم عبر شاشات التلفزيون. وهذا يعني ان الناطقين الأميركيين والبريطانيين كذبوا عندما زعموا ان عرض الأسرى على شاشات التلفزيون ينتهك اتفاقية جنيف الثالثة.