المشتبه به في الاعتداء على رئيس الوزراء السلوفاكي يمثل أمام المحكمة    جوارديولا : مويس سيفعل كل ما في وسعه لإفساد تتويج مانشستر سيتي بلقب الدوري    المملكة رئيساً للمجلس التنفيذي ل "الألكسو" حتى 2026م    المربع الجديد: وجهة لمستقبل التنمية الحضرية بالمملكة    «الحج والعمرة»: لا تصاريح عمرة ابتداء من 16 ذو القعدة وحتى 20 ذو الحجة    «تعليم الطائف»: اعتماد حركة النقل الداخلي للمعلمين والمعلمات    القاهرة : لاتراجع عن دعم دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل    سفارة المملكة في قرغيزستان تحذر المواطنين بأخذ الحيطة والحذر والابتعاد عن أماكن التجمعات    دراسة: الشركات الألمانية لا تسوق للسيارات الكهربائية بشكل جيد    توطين تقنية "الجينوم السعودي" ب 140 باحث سعودي    بسبب الجوال.. صدمة كهربائية كادت أن تودي بحياة مراهق أمريكي    «المركزي الروسي» يرفع الدولار ويخفض اليورو واليوان أمام الروبل    استمرار هطول أمطار على جازان وعسير والباحة ومكة والمدينة    جيرارد: فخور بلاعبي الاتفاق    نيفيز: الهلال لا يستسلم أبدًا    آلية الإبلاغ عن الاحتيال المالي عبر "أبشر"    تيليس: ركلة جزاء الهلال مشكوك في صحتها    "الذكاء" ينقل مبادرة طريق مكة إلى عالم الرقمية    "تيك توك" تزيد مدة الفيديو لساعة كاملة    السمنة والسكر يزيدان اعتلال الصحة    مهارة اللغة الإنجليزية تزيد الرواتب 90 %    الهلال يتعادل مع النصر في الوقت القاتل في دوري روشن    رئيس جمهورية موريتانيا يغادر جدة    ضمك يتعادل مع الفيحاء إيجابياً في دوري روشن    رقم جديد للهلال بعد التعادل مع النصر    موعد والقناة الناقلة لمباراة الأهلي والترجي اليوم في نهائي دوري أبطال إفريقيا    «الدفاع المدني» محذراً: ابتعدوا عن أماكن تجمُّع السيول والمستنقعات المائية والأودية    الأمير سلمان بن سلطان يرعى حفل تخرج طلاب وطالبات البرامج الصحية بتجمع المدينة المنورة الصحي    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة يحصد 27 جائزة في «آيسف 2024»    مستقبلا.. البشر قد يدخلون في علاقات "عميقة" مع الروبوتات    العلماء يعثرون على الكوكب "المحروق"    الصين تستعرض جيش "الكلاب الآلية" القاتلة    طريقة عمل مافن كب البسبوسة    طريقة عمل زبدة القريدس بالأعشاب    طريقة عمل وربات البقلاوة بحشو الكريمة    ضبط مقيم ووافد بتأشيرة زيارة لترويجهما حملات حج وهمية ومضللة بتوفير سكن ونقل للحجاج    ولي العهد في المنطقة الشرقية.. تلاحم بين القيادة والشعب    تدشين أول مهرجان "للماعز الدهم" في المملكة بمنطقة عسير    السالم يلتقي رواد صناعة إعادة التدوير في العالم    «تعليم جدة» يتوج الطلبة الفائزين والفائزات في مسابقة المهارات الثقافية    المملكة تتسلم رئاسة المؤتمر العام لمنظمة الألكسو حتى 2026    النفط يرتفع والذهب يلمع بنهاية الأسبوع    الإعلام الخارجي يشيد بمبادرة طريق مكة    ‫ وزير الشؤون الإسلامية يفتتح جامعين في عرعر    أمر ملكي بترقية 26 قاضيًا بديوان المظالم    قرضان سعوديان ب150 مليون دولار للمالديف.. لتطوير مطار فيلانا.. والقطاع الصحي    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    رئيس الوزراء الإيطالي السابق: ولي العهد السعودي يعزز السلام العالمي    محافظ الزلفي يلتقي مدير عام فرع هيئة الأمر بالمعروف بالرياض    الكليجا والتمر تجذب زوار "آيسف 2024"    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    مدير عام مكتب سمو أمير منطقة عسير ينال الدكتوراة    الشريك الأدبي وتعزيز الهوية        حراك شامل    العام والخاص.. ذَنْبَك على جنبك    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرب تتويج للشراكة الأميركية - الاسرائيلية
نشر في الحياة يوم 21 - 03 - 2003

تباشر الولايات المتحدة دخول مغامرة إمبراطورية في الشرق الأوسط. ذلك هو المعنى الحقيقي للحرب ضد العراق، فهي ليست في الواقع من أجل نزع أسلحة العراق... فذلك الادعاء الأجوف يستدعي السخرية، إذ ليس هناك بين المطلعين على حقيقة الأوضاع من يصدق بأن العراق الراكع منذ اثني عشرة عاما تحت آثار حربين مدمرتين وعقوبات اقتصادية، يشكل "خطراً وشيكاً" على أي إنسان أو أي بلد. ولكن الصقور في واشنطن كانوا في أي حال، ومنذ صدور قرار مجلس الأمن الرقم 1441 في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، يريدون من المفتشين أن يفشلوا في مهمتهم. وحين بدأت مهمة هؤلاء تبشر بنتائج ايجابية حقيقية نفذ صبر أولئك وأخذوا يلحون على الحرب.
كذلك فإن الادعاء بأن الهدف الوحيد من الحرب هو التخلص من صدام حسين هو ادعاء كاذب. اذ أعلن البيت الأبيض بأن القوات الأمريكية سوف تدخل العراق سواء استقال الرئيس العراقي وغادر البلاد أم لم يفعل. فأهداف الحرب أكبر من ذلك بكثير لأنها تدور حول تطبيق خطة استراتيجية جنونية.
فواشنطن، في الواقع، مهووسة برؤية معينة فحواها أن تفرض سلاما أميركياً على العالم العربي على نسق "النظام الامبراطوري" الذي فرضته بريطانيا على المنطقة بأسرها في الماضي والقائم على جعل الخليج وجنوب الجزيرة العربية نقاط الارتكاز القوية لحماية طريق الهند، ثم احتلال مصر عام 1882، ثم توسيع سيطرتها بعد الحرب العالمية الأولى على الولايات العربية التي كانت خاضعة للامبراطورية العثمانية. وكانت ثمرة ذلك كله خلق كيان تحت سيطرتها يضم العراق وفلسطين وشرق الأردن.
الطموحات الإمبراطورية الأميركية
تسعى الولايات المتحدة عبر قواعدها المنتشرة من عمان إلى آسيا الوسطى إلى إعادة خلق الامبراطورية البريطانية في أوج مجدها. فاحتلال العراق، هذا البلد العربي الواقع في قلب المنطقة الاستراتيجي سيتيح لأميركا السيطرة على موارد الشرق الأوسط وإعادة تشكيل المنطقة وفقاً لمصالحها... هذا على الأقل ما يأمل الاستراتيجيون الانكلو أميركيون بتحقيقه. ولكن إذا ما فشلت الخطط الحربية لسبب من الأسباب فإن التاريخ سوف يعتبر هذه المغامرة مشروعاً إجرامياً لا مبرر له، وغير مشروع، وكارثي النتائج بالنسبة للضحايا العراقيين، وخرقاً فاضحاً لأسس العلاقات الدولية ولقواعدها التي سار عليها العالم خلال الخمسين سنة الماضية. ولعل نقطة الضعف المشؤومة في كل ذلك هي أن المغامرة ليست أميركية بحتة، بل يجب أن ينظر إليها كتتويج لشراكة أميركا الاستراتيجية مع إسرائيل التي بدأت منذ 36 سنة حين قال شارل ديغول عام 1967 لإسرائيل بأنها ستخسر دعم فرنسا إذا ما بدأت بالهجوم على جيرانها العرب. عندها حولت إسرائيل اهتمامها من أوروبا إلى أميركا وجعلت منها تدريجاً الحليف الخارجي الأول والممول والمورد الرئيسي. وهكذا أخذت العلاقات تتوطد باطراد على مر السنين حتى صار الأجير فوق الأمير.
جاء معظم المبررات والضغوط من أجل الحرب على العراق من جانب الصهاينة المتطرفين الأميركيين، وأكثرهم من اليهود المتحالفين مع أريل شارون الذين يحتلون مواقع نفوذ واسع داخل إدارة الرئيس بوش وخارجها. وليس من المبالغة أو من اللاسامية في شيء أن نقول بأنها حرب بوش شارون ضد العراق.
وكما أصبح الآن معروفاً فإن فكرة احتلال العراق يمكن إرجاعها إلى منتصف التسعينات من القرن الماضي حين أخذ ريتشارد بيرل رئيس المجلس الاستشاري للدفاع في البنتاغون، الذي يوصف بأنه القوة الدافعة بين المثقفين وراء نظرة بوش إلى العالم الخارجي، أخذ يضغط على بلاده وعلى اسرائيل لشن حرب ضد العراق. وفي 8 تموز يوليو 1996، بعد انتصار نتانياهو على بيريز في الانتخابات الإسرائيلية، بعث بيرل بمذكرة إلى نتانياهو عنوانها : "الاستراتيجية الجديدة لتأمين المملكة"، وهي تدعو إلى إزاحة صدام حسين باعتباره هدفاً رئيساً ووسيلة لإضعاف سورية.
وفي عام 1997 تولت الدعوة الى الهجوم على العراق مجموعة من اليمينيين الأمريكيين تدعى "مشروع لعصر أميركي جديد"، تضم بالإضافة إلى ريتشارد بيرل، نائب وزير الدفاع بول ولفوفيتز، واليوت أبرامز مدير شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، وراندي شونمان رئيس "لجنة تحرير العراق"، واثنين من رؤساء التحرير من المحافظين النافذين هما وليام كريستول مجلة "ويكلي ستاندارد"، ونورمان بودوريتز مجلة "كومنتاري". وبفضل رابطة الصداقة بين هذه المجموعة وبين دونالد رامسفيلد ونائب الرئيس ديك تشيني، إضافة إلى دعم ست مراكز أبحاث وتحليل يمينية، أصبحت تشكل كتلة ضغط ذات نفوذ كبير جدا. ثم جاءت أحداث 11 سبتمبر لتمنح دعاة الإمبراطورية الأميركية ودعاة التحالف الأميركي - الإسرائيلي هؤلاء فرصتهم الذهبية، إذ جعلوا من الرئيس عديم الخبرة جورج بوش الذي وصل إلى السلطة نتيجة انتخابات تشوبها الشكوك، وسيلتهم لتنفيذ الأجندة التي أعدوها.
كانت نتيجة ذلك كله هذه الحرب التي نشهدها الآن والتي ترمي في النهاية إلى إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط بالقضاء على كل أعداء أميركا وإسرائيل أو بتطويعهم. فإذا تبين بعد ذلك أن أميركا الإمبراطورية جاءت من أجل خير شعوب المنطقة وازدهارها، وذلك موضع شك كبير، فقد يقبل بها العرب إلى حين، لكنهم سيستمرون حتماً في مقاومة الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة. تلك هي نقطة الضعف في المشروع.
ويبدو رئيس الحكومة البريطانية العمالية توني بلير رفيق درب غريباً لزمرة هؤلاء المنظرين اليمينيين. اذ تحدث بحماسة لا عن ضرورة نزع أسلحة العراق فحسب بل أيضا عن حل للنزاع العربي - الإسرائيلي عن طريق إقامة دولتين جنبا إلى جنب. وانتقد فرنسا لمعارضتها للحرب معتبراً أنها بذلك تفوّت فرصة السعي إلى إقامة السلام العربي - الاسرائيلي. إنه لمنطق ملتوٍ وغير مقنع.
يعلم بلير أن شارون الذي داس على "خارطة الطريق" وكرس حياته لتحقيق "اسرائيل الكبرى"، لا ينوي أبداً السماح بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. بل إنه على العكس يستغل الأزمة لمواصلة تدميره الشامل للمجتمع الفلسطيني.
ولم يعلق بلير على الثمانين فلسطينياً الذين قتلتهم إسرائيل، ولا على المئات الذين أصابتهم بجراح خلال الأيام الثمانية عشر الأولى من هذا الشهر، كما لم يشر إلى تدمير 48 ألف منزل فلسطيني خلال السنتين الماضيتين. وقد أضاع بلير جزءاً كبيراً من نزاهته لحماية ما يسمى ب "العلاقة الخاصة" مع واشنطن. ولكن إذا ما عاد الاهتمام، بعد الحرب، إلى النزاع العربي - الإسرائيلي، فسيكتشف بلير أن لشارون نفوذاً في العاصمة الأمريكية يفوق نفوذه، وذلك رغم ال45 ألف جندي بريطاني الذين بعث بهم إلى جبهة القتال. وكدليل على هذا النفوذ أن البيت الأبيض أو وزارة الخارجية لم يكلفا نفسهما الاحتجاج على وفاة نصيرة السلام الشابة الأميركية راشل كوري، التي سحقتها جرافة اسرائيلية هذا الأسبوع في غزة حين كانت تحاول منع تدمير منزل فلسطيني.
هل ستواجه الحرب الأميركية بمقاومة؟
تراهن الولايات المتحدة على حرب سريعة وناجحة و"نظيفة" نسبياً في العراق، ينظر فيها إلى القوات الأميركية كقوى تحرير لا قوى احتلال. وهي تنوي كسب ود الشعب بالشروع فوراً في تنفيذ برنامج لإعادة بناء الطرق ومحطات التوليد والمستشفيات والمدارس الخ... ولكن من سيدفع تكاليف إعادة البناء هذه؟ هل سيأتي المال من عائدات النفط العراقي؟ وهل ستقبض الشركات الأميركية التي ستحصل على حصة الأسد من العقود أرباحها من الحساب الخاص للأمم المتحدة المتعلق ببرنامج "النفط مقابل الغذاء"؟ ذلك يتطلب قراراً جديداً من مجلس الأمن. فإذا ما حرمت فرنسا وروسيا والصين من عقود إعادة البناء ومن الامتيازات النفطية، فإنها ستقاوم حتماً أي محاولة أميركية احتكارية. ويرى بعض الديبلوماسيين الغربيين في ذلك بذور المعركة الديبلوماسية القادمة.
ولعل السؤال الذي لم يجد جواباً بعد في هذه الحرب هو ما إذا كانت القوات الأميركية والبريطانية ستواجه أي مقاومة جدية لا من قبل القوات الخاصة العراقية بل من جانب الأهالي المدنيين. وهل ستتعرض القوات المحتلة، بعد بهجة الانتصار الأولي، لهجمات كر وفر من جانب المقاتلين العراقيين كما حصل لإسرائيل عند احتلالها لبنان عام 1982؟ وهل سيظهر "حزب الله" عراقي على نسق ذلك الذي أجبر إسرائيل على الانسحاب من جنوب لبنان؟ إن أي مقاومة ناجحة ستحتاج إلى دعم خارجي بالسلاح والمال، وأماكن للجوء عند الحاجة. فحزب الله حصل على مثل هذه المساعدات من سوريا وإيران. وفي عام 1983، كانت سورية وحلفاؤها المحليون هم الذين أفشلوا المحاولات الأميركية التي قام بها جورج شولتز، وزير الخارجية آنذاك، ليجر لبنان إلى دائرة النفوذ الإسرائيلي. فمن ترى في المنطقة يستطيع أن يمد يد العون إلى حركة المقاومة العراقية؟ فسورية من ناحية في وضع دقيق لا يسمح لها بأن تلعب مثل هذا الدور، وإيران من ناحية أخرى تخشى أن تكون هي الهدف التالي بعد العراق، وأما تركيا فهي قلقة تحاول أن تحكم القبضة على التطلعات الكردية في إنشاء دولة في شمال العراق.
وربما كان من الأرجح أن تجد المقاومة تشجيعاً من جانب لاعب آخر خارج إطار الدول مثل أسامة بن لادن وتنظيم "القاعدة" الذي يستطيع أن يستغل المشاعر المعادية العنيفة التي تعصف الآن في العالم الإسلامي ضد أميركا وإسرائيل. فالاحتلال يولد الثورة، وهذه حقيقة تاريخية.
* كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الاوسط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.