أعلن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في حضور ممثلين عن الاتحاد الاوروبي وروسيا والاممالمتحدة وفي غياب الاميركيين موافقته رسمياً على تعيين رئيس وزراء فلسطيني مستجيباً بذلك للضغوط الهائلة التي مورست عليه خلال الاسابيع الماضية والتي شملت اربعة لقاءات متتالية بينه وبين ممثلي "اللجنة الرباعية" في اقل من شهر. تزامنت موافقة الرئيس ياسر عرفات على ابرز مطالب "اللجنة الرباعية" المتعلقة بالاصلاح في اجهزة السلطة الفلسطينية مع اتساع رقعة الصدع في صفوف حلف الاطلسي على خلفية الحرب التي تريد واشنطن شنها على العراق. واكدت مصادر فلسطينية مطلعة ل"الحياة" ان احد الاهداف الاوروبية من وراء الضغط على الرئيس الفلسطيني للاعلان في هذا الوقت بالذات، قبل انعقاد مجلس الامن الدولي، هو لفت نظر الولاياتالمتحدة الى ضرورة منح القضية الاساس في الشرق الاوسط اي القضية الفلسطينية، الاهتمام الذي تستحقه، وكذلك التأكيد على ان دور اوروبا في احراز تقدم فيها. وعلمت "الحياة" ان الاتحاد الاوروبي ابلغ الرئيس الفلسطيني انه ان لم يعلن جهاراً قراره هذا فإن الباب سيفتح على مصراعيه امام رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون لازاحته من منصبه اذا لم ينزع فتيل الحرب مع العراق. ويتزامن الاعلان مع اقتراب اجتماع اللجنة الرباعية في لندن في الثامن عشر من الشهر الجاري ما يمنح الاوروبيين ورقة فاعلة للضغط على واشنطن لتضغط بدورها على حكومة شارون لتطبيق التزاماتها التي نصّت عليها "خريطة الطريق". وعلى رغم توجيه عرفات دعوة للمجلسين التشريعي والمركزي الفلسطينيين للانعقاد "لاتخاذ الاجراءات اللازمة" والموافقة على التعيين الذي لم يحدد له موعداً ولم يختر له مرشحين، تبقى مسألة استحداث منصب رئيس وزراء فلسطيني منوطة بالمصادقة واقرار دستور فلسطيني ما زال قيد الاعداد والبحث ويحتاج الى وقت وظروف مواتية من المرجح استمرار عدم توافرها بسبب الاحتلال العسكري الاسرائيلي الجديد. ورجحت مصادر في القيادة الفلسطينية ل"الحياة" ان لا يعقد اي من المجلسين اجتماعات في هذا الشأن قبل الحرب على العراق ان وقعت، وذلك في ظل استحالة انعقادهما في ظل وجود الدبابات الاسرائيلية في المدن الفلسطينية. وقال احد الوزراء الفلسطينيين ل"الحياة" انه اذا وقعت الحرب فان "اعلان عرفات سيوضع على الرف لأن اجندة الولاياتالمتحدة لما بعد الحرب ستختلف عن اجندتها الحالية". وتداولت محافل فلسطينية بعض الاسماء المرشحة لاشغال منصب رئيس الوزراء منها محمود عباس ابو مازن الرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية الذي اعلن الاسرائيليون والاميركيون غير مرة عن قبولهم به. ويذكر ايضاً اسم وزير الاعلام والثقافة الفلسطيني ياسر عبدربه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، غير ان بعض اوساط "فتح" استبعدت هذا الخيار، ورشحت مصادر اسرائيلية وزير المال الفلسطيني سلام فياض الذي اكد ل"الحياة" انه لا يطمح الى هذا المنصب حتى لو عُرض عليه. كما رشحت اسرائيل محمد دحلان رئيس جهاز الامن الوقائي السابق في قطاع غزة والذي استقال من منصبه العام الماضي ولكنه ابقى على اتصالات وثيقة مع الرئيس الفلسطيني طوال الشهور الماضية. ولم تبد اسرائيل من جهتها حماساً لاعلان الرئيس الفلسطيني ووصفته بأنه محاولة "لتضليل العالم". اما وزير الخارجية الاسرائيلي السابق شمعون بيريز فقد وصف القرار بأنه "خطوة في الاتجاه الصحيح"، داعياً الى الانتظار حتى تتكشف مدى صلاحيات رئيس الوزراء الجديد. وقال بيريز ان المشكلة الاساسية تكمن في "مدى استعداد الفلسطينيين في السيطرة على التنظيمات المسلحة في الميدان". ويرى مراقبون ان رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون الذي التقى عدداً من المسؤولين الفلسطينيين اخيراً في محاولة لاقناع حزب العمل المعارض الذي يريد استقطابه للانضمام الى حكومة وحدة، سيلجأ الى مزيد من التصعيد العسكري ضد الفلسطينيين رداً على الخطوة الفلسطينية الاخيرة. من جهة اخرى، باريس - "الحياة" اشادت فرنسا امس باعلان الرئيس عرفات عزمه على دعوة المجلس التشريعي الفلسطيني للاجتماع لتعيين رئيس حكومة فلسطينية. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية فرنسوا ريفاسو ان فرنسا "تحيي هذه الخطوة المهمة للرئيس عرفات، التي تندرج في اطار تعميق الاصلاحات المرجوة من قبل الشعب الفلسطيني والمجتمع الدولي". واضاف ان فرنسا تأمل ب"أن يتحمّل الجميع مسؤولياته وان يقدم على الجزء المطلوب منه من الطريق للمساهمة في اطلاق ديناميكية ايجابية في الشرق الاوسط". واشار ريفاسو الى ان "نشر وتطبيق خريطة الطريق بلا تريث ينطوي على اهمية خاصة" وان هذا هو الاتجاه الذي ستعتمده فرنسا في اطار تحركها. واكد ريفاسو ان اوضاع حقوق الانسان في اسرائيل وفي المناطق الفلسطينية "يثير قلقنا الشديد"، وان النزاع الدائر بين الاسرائيليين والفلسطينيين "يؤدي بكلا الطرفين الى انتهاكات غير مقبولة للحقوق الاساسية للانسان". وتابع ان فرنسا تعتمد، حيال هذه المسألة، و"بموجب البند الثاني من اتفاق الشراكة الاوروبية الاسرائيلية، يقظة خاصة" وان الاتحاد الاوروبي يستغل كل فرص الحوار مع اسرائيل "ليذكّر هذا البلد بالالتزامات المفروضة عليه وبضرورة احترامه لقواعد القانون الدولي ومنها تحديداً معاهدة جنيف الرابعة لحماية المدنيين في زمن الحرب". وذكر ان هذه المسألة اثيرت خلال اجتماع مجلس الشراكة الاوروبي الاسرائيلي في 21 تشرين الاول اكتوبر 2001 وخلال التحركات المتتالية التي قام بها الاتحاد لدى الحكومة الاسرائيلية وايضاً في اطار الجمعية العامة ولجنة حقوق الانسان في الاممالمتحدة كما انها تطرح بانتظام خلال الاتصالات الثنائية الفرنسية الاسرائيلية.