الهدوء الذي ساد جلسات مجلس الوزراء اللبناني خلال اليومين الماضيين اثناء مناقشة مشروع قانون الموازنة خلافاً للتوقعات كان نتيجة تضافر مجموعة من الاعتبارات في مقدمها الجهد الذي بذلته القيادة السورية من خلال رئيس جهاز الأمن والاستطلاع في القوات العاملة في لبنان العميد الركن رستم غزالة، الذي نجح في نزع صواعق التفجير ومهد الطريق امام ايجاد مناخ يساعد على الحوار، ويؤسس في حال استمرت الاجواء على حالها في الجلسات اللاحقة لعلاقة مستقرة بين رئيسي الجمهورية اميل لحود والحكومة رفيق الحريري. وفي معلومات "الحياة" ان العميد غزالة وبناء لتوجيهات القيادة السياسية في دمشق بادر بالتحرك في كل اتجاه ناصحاً بالتهدئة وداعياً الى حوار من شأنه ان ينتج توازناً يتيح التوافق على مشروع الموازنة. والتقى غزالة الحريري ورئىس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ووزراء يمثلون كل التيارات السياسية في الحكومة، وبقي على تواصل مع مقربين من لحود، مؤكداً للجميع ان ما يهم دمشق هو التحرك على عجل لقطع الطريق على انجرار مجلس الوزراء او جره الى مشكلة جديدة يمكن تلافيها. واكد وزراء ل"الحياة" ان غزالة تحرك بناء لمعلومات توافرت له وتقاطعت مع معطيات شبه مؤكدة بأن الاجواء الراهنة اذا ما استمرت فانها تنذر بحصول مشكلة ولا بد من التدخل، ليس لتبديد هذه الاجواء فحسب، وانما لتحضير المناخ الذي يسهم في تحقيق تفاهم على عناوين مشروع الموازنة. ولفت الوزراء، الى ان تجنبه الدخول في التفاصيل، يأتي من قناعة ان الدور السوري يبقى مساعداً ولا يجوز ان يتحول الى دور الوصي مهما تفاعلت المشكلة وترتبت عليها تداعيات سياسية. واعتبر هؤلاء ان الدور الضاغط الذي لعبته دمشق دفع البعض الى مراجعة حساباته واضطر البعض الآخر الى ممارسة المزيد من طول البال من اجل اسقاط الذرائع التي يمكن ان يستخدمها هذا او ذاك لخرق التهدئة المحصنة سورياً. وأكدوا ان التوجه السوري كان وراء اشعار كل طرف بأنه لا يمتلك دفع فاتورة سياسية بالاضرار التي يمكن ان تنجم عن تفخيخ الاجواء خصوصاً ان القوة الثالثة في مجلس الوزراء، اخذت على عاتقها التفاعل مع النصيحة السورية واشعرت من يعنيهم الامر بأنها لن تكون مجيرة "على بياض" لمصلحة احد بل ستتصرف من وحي حساباتها في لعب دور ضاغط وفاعل وقد اعطت قبل بدء الجلسات اشارات كانت بمثابة رسائل التقطها الجميع وعملوا بموجبها. وقد يكون الوزراء المحسوبون على رئىس المجلس النيابي نبيه بري وجنبلاط اضافة الى آخرين وراء الامساك بزمام المبادرة، لا سيما ان الصرخات التحذيرية التي اطلقها جنبلاط كانت في محلها وهو يتمتع برصيد سياسي وبدعم سوري مكنه من تغيير المسار العام الذي كان مرسوماً لمجلس الوزراء. ويشير الوزراء بايجابية الى موقف جنبلاط عند الحديث عن رفض وزراء "اللقاء النيابي الديموقراطي" وحركة "أمل" تظهير مشروع الموازنة كانعكاس للتأزم السياسي المحكوم بقرب الاستحقاق الرئاسي وبالتالي اصرارهم على ممارسة حقهم في اعادة الحسابات رغبة منهم في عدم التضحية بالثوابت السياسية التي انتجها اتفاق الطائف الذي كرس دور المؤسسات في النظر في اي خلاف طارئ. وتدخلوا مراراً لقناعتهم بأن لدى مجلس الوزراء كل القدرات لاعادة صورته الى وضعها المستقر لأنها خلاف ذلك تبقى مهزوزة وتعطي الآخرين فرصة مجانية لاستخدامها ضد حلفاء سورية، سيما ان استمرار الصراع لن يجلب سوى المزيد من المآسي.