أرادت مصر السادات، من خلال توقيعها على معاهدات كامب ديفيد، الإنكفاء عن التورط الناصري في مشروع للوحدة مشابهع لمشروع محمد علي التاريخي. وما طرد الخبراء السوفيات، قبل حرب 1973، إلا علامة على الكف عن محاولة إزالة اسرائيل من الوجود. ومنظمة التحرير الفلسطينية لم يكن هدفها أوسلو في حد ذاته، بل إرادة تطبيق قرارات المجموعة الدولية فيما يخص القرار 242، وتحديد مفهوم النضال باستعادة الأراضي الفلسطينية، وتجاوز الشعارات الواسعة السابقة مثل النضال "حتى النصر". والآمال معقودة اليوم على مؤسسات الأممالمتحدة لتطبيق الحلول التي ارتأتها، ووافقت عليها أطراف النزاع، وعلى الأحزاب اليسارية التي مرت كذلك بتجربة التجديد. وهي تتماشى مع الأممالمتحدة، من حيث اعتناقها المبادئ الأممية، ولأنها تشكل نقيض القومية المتطرفة، ونقيض عقلية الإنهزام كذلك. فالأحزاب اليسارية كانت، قبل نهاية الاتحاد السوفياتي وفي عزّ صراعه الأممي، ذات طابع قومي. ولكن مسحتها اليسارية جعلت خطها خطاً وطنياً. فكانت الوطنية هي الطريق الى الإصلاحات اليسارية. أما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، فمفهومها للتجديد يمكن ان يجنح لتبني خيارات قومية متطرفة. لذلك فالأجدر بها، في هذا الظرف، خدمة للقضايا الحالية وخصوصاً القضية الفلسطينية، ان تكون أكثر عالمية وإنسانية، وتعود الى نظرة الاتحاد السوفياتي في شكل الصراع. فكما ان الخط المعتدل و"الحائر" الذي اتبعه عبدالناصر أضرّ بالسوفيات، كذلك أضرّ الصراع القومي، مع اسرائيل بالقضية، لأنه منعنا من رؤية السبب الحقيقي الامبريالي للصراع، وكذلك خطورة التحالف الاسرائىلي - الأميركي ضمن هذا الإطار. فالعالم اليوم كله يعترف بالآخر، وبحقه في الوجود، ويدين قتل المدنيين. وانطلاقاً من ذلك نستطيع ان نُقيم نظاماً صالحاً للجميع. سوق الغرب لبنان - بيتر قشّوع