منطقياً، كان يجب على العرب ان يكونوا حلفاً داعماً لفلسطين وقضيتها، والأميركيون وسيط يبحث عن حل بأقل الخسائر الممكنة. وعملياً، العرب هم الآن في دور الوسيط الباحث عن اقل الخسائر التي يمكن ان تلحق بأنظمتهم، والأميركيون حليف، ولكن لاسرائىل. كيف يمكن هذه المعادلة ان تقبل، وان تسهم في ايجاد حل عادل وشامل يفضي الى الاستقرار والأمن في المنطقة. والسؤال لماذا بدأ العرب تنفيذ رؤية الرئىس الأميركي جورج بوش، وتقاعسوا في الضغط لتنفيذ القرارات الدولية؟ هل هو ناتج ضعف ام ارتهان لأسباب خفية لا تعرفها الا مراكز القوى في السلطة العربية؟ لقد بدأ يتضح ان بوش ما كان ليعلن رؤيته، الا اذا أمن لها عوامل النجاح: موقف عربي مؤيد ضمناً تغطيه بعض الاعتراضات الاعلامية وذرائع ميدانية تسهم في اقناع الرأي العام الدولي. وهذا ما حصل عليه من التكتيكات الفلسطينية الخاطئة عبر بعض العمليات العسكرية التي عمد الى تأجيل خطابه الى حين حصولها. وعندما توافر هذان العاملان اعلن رؤيته التي اقل ما يمكن القول فيها ما جاء على لسان الاسرائىليين انفسهم من ان بوش اصبح عضواً في الليكود. في مراجعة لمسار المفاوضات السياسية العربية - الاسرائىلية، كان العرب يعتمدون في مواجهة التعنت الاسرائىلي مطالبة الادارة الاميركية بالتدخل لتأدية دور الوسيط والضغط على الاسرائىليين، ولا شك في ان الضغط الاميركي سابقاً دفع الاسرائىليين الى القبول بالمفاوضات ومبادئ التسويات السياسية المتعددة وادي ريفر - شرم الشيخ - الخليل - طابا - الخ... وعلى رغم ذلك كان هذا الدور غير ثابت ومستقر وقد عانى من مشكلتين، الاولى انه كان ضغطاً مرهوناً بالقبول والرضى الاسرائىليين بسبب العلاقات الاميركية - الاسرائىلية التي وصلت الى حد الشراكة، والثانية مدى رغبة كل رئىس للادارة الاميركية وقبوله بالمساهمة في العملية السلمية لتحقيق مكاسب ومصالح شخصية... وتبدو الادارة الاميركية الحالية التي يترأسها بوش وتحكمها مجموعة من الصقور غير مستعجلة او بالأحرى غير مهتمة بالبحث عن مشروع تسوية حقيقية للصراع في الشرق الاوسط، ولا في اي بقعة من العالم، بقدر ما هي مصممة على ابقاء المواطن الاميركي يعيش هاجس الخوف والاضطراب مما يمنحها التأييد الداخلي لحربها ضد وهم الارهاب المصطنع، وبالتالي تصميمها على قيادة حرب مستمرة وشاملة ضد العالم لفرض هيمنتها وسيطرتها وإملاء شروطها وارادتها على المجتمع الدولي. هذا ما يحصل الآن في الحالات الفلسطينية والعراقية والافغانية، ناهيك بالحالات الموضوعة على قائمة الانتظار كسورية ولبنان وايران وكوريا الشمالية وغيرها. وبما ان الولاياتالمتحدة اصبحت زعيمة العالم من دون منازع في الوقت الحالي، وستجد نفسها مضطرة لارتداء ثوب الحمامة في دفع الاطراف المتنازعة للدخول في مفاوضات سياسية في اطار شروط تعجيزية، ما يوفر عليها وهي في هذا الوضع من تأدية دور سياسي نشط لسببين. الاول، رفض الطرف الفلسطيني للانحياز الاميركي ورفض التعامل مع املاءاته وشروطه" والثاني، معرفتها بالغطرسة والصلف الاسرائىليين اللذين يحكمان سياسة اليمين الحاكم، وهذا ما يؤمن لها عدم التدخل القوي لارغام اسرائىل على الالتزام فتستثمر الاخيرة ذلك وبالتالي فرض شروطها على العرب وجرهم الى طاولة المفاوضات في وضع يستوجب تنازلاً اكثر من ذلك الذي قدموه في الماضي. من هنا على العرب ان يعيدوا حساباتهم وبدقة، وان يتجهوا الى بناء معادلة جديدة، تفرض ميزان قوى جديداً يرغم الادارة الاميركية على تغيير مفاهيمها ومعاييرها في ايجاد حل عادل للصراع في الشرق الاوسط يستند الى قرارات الشرعية الدولية، واحترام ارادة المجتمع الدولي وعدم اخضاعها لرغبته الخاصة. فلا يجوز في قراءة لامكانات اطراف الصراع العربي - الاسرائىلي، ان نستسلم لقوة اللوبي الصهيوني في اخضاع القرار الاميركي لارادته تحت وهم صوت انتخابي موسمي. في وقت نمتلك نحن من الامكانات والثروات والعلاقات اليومية مع الادارة الاميركية ما يفوق التصور. ولا بد من اشعار الادارة الاميركية تدريجاً بأهمية هذه القوة من خلال الانسحاب التدريجي من الحياة الاميركية السياسية والاقتصادية، والتوجه الى طرف آخر سيجد في خطوتنا ما يعزز ويقوي مواقفه المؤيدة لنا نظرياً، لكن ضعفنا يمنعه من ترجمة ذلك عملياً. احسان الجمل كاتب وصحافي فلسطيني