تركت "معركة" طرح الثقة بوزير المال الكويتي الدكتور يوسف الابراهيم في مجلس الامة البرلمان الاربعاء الماضي، جميع الفرقاء يعيدون جرد حسابات الربح والخسارة. واذا كان افلات الوزير من الاستجواب واخفاق المعارضين في جمع 24 صوتاً لسحب الثقة منعا تصعيداً سياسياً خطيراً كان سيبدأ باستقالة الحكومة، فإن "النار ستبقى تحت الرماد" كما تكهن احد النواب، فيما قال المعارضون: "خسرنا معركة لكننا سنكسب الحرب". وكان المنتصر الاول في المواجهة هو رئيس الوزراء المفوض وزير الخارجية الشيخ صباح الاحمد. فهو خاض مخاطرة جلسة التصويت في البرلمان وكسبها، بعدما زحزح ثلاثة اصوات حاسمة من صف التحالف الاسلامي المحافظ الى صف الحكومة. لكن هذا الانتصار التكتيكي تحقق بثمن مرتفع، اذ القى الشيخ صباح بكل اوراقه في معركة التصويت، بما في ذلك ورقة "الدفاع عن هيبة الحكم" التي كانت شعاراً لتوحيد الصفوف من اجل الابراهيم. واستنزفت الحكومة ورقة التهديد بالاستقالة والتلويح بحل المجلس، بعدما كرر صباح الاحمد الاشارة الى ذلك خمس مرات في الاسابيع الثلاثة السابقة للاستجواب، وتبعه وزراء آخرون، لا سيما وزير الاعلام المتحمس الشيخ احمد الفهد. وفي أي مواجهة مقبلة مع المجلس اي في الخريف المقبل على الارجح سيكون لمثل هذه الاوراق تأثير اقل بكثير من تأثيرها عشية الاربعاء الماضي، وهو ما كان نواب ومعلقون سياسيون يسائلون فيه الحكومة، هل بقاء الابراهيم في منصبه يستحق كل هذا الجهد وكل هذه الكلفة. وهناك نواب مثل احمد الدعيج برروا تصويتهم الى جانب الحكومة بأنه "درء للفتنة" وانقاذ للكويت من "الدخول في نفق مظلم" لو سحبت الثقة من الابراهيم، وهؤلاء واجهوا ردود فعل غاضبة وساخرة من الجمهور والصحافة. والمسألة الاهم في حسابات الحكومة ان تجاوزها التحدي البرلماني لم يرافقه تجاوز للمعضلة الاكثر حساسية في الدوائر السياسيا العليا، وهي استمرار حال عدم الحسم في توزيع السلطات بين اقطاب في الاسرة الحاكمة، في ظل استمرار الحال الصحية لولي العهد رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله الصباح. فقبل التصويت على الثقة، تداولت الاوساط ان قسماً من افراد الاسرة كان يأمل من تداعيات سحب الثقة من الابراهيم لو حدث بان يضغط على زناد التغيير في مثلث السلطات، ويقود الى ما سمته صحيفة ليبرالية "القرار الكبير" اي الفصل بين ولاية العهد ورئاسة الحكومة. ولكن يبدو الآن ان على الجميع انتظار ازمة جديدة، وهذه ستأتي وان تأخرت. الليبراليون او مجموعة "سبعة زائد واحد" في مجلس الامة ربما كانوا الاقل كسباً في المواجهة. فهم تجرعوا "السم" من اجل استمرار تحالفهم مع "حكومة صباح الاحمد"، ومن اجل زميلهم يوسف الابراهيم، لكن ذلك كان على حساب التخلي عن ملفات سياسية حساسة، كانوا هم حملتها سنوات طويلة، خصوصاً موضوع تدخل اموال من البنك المركزي في الانتخابات، ثم ملف الفساد في الاستثمارات الخارجية للدولة، وهو ما كان شعار الطرح الانتخابي لليبراليين طيلة التسعينات. لذلك ليست مفاجأة ان يكون النواب الليبراليون اسبق في التحرك الى تشكيل لجنة للتحقيق في اموال البنك المركزي، ولجنة اخرى للتحقيق في اوضاع مكتب الاستثمار الكويت في لندن، وكانوا أزمعوا على تقديم الاقتراحين خلال جلسة التصويت على الثقة، لكن التوتر الذي ساد التصويت حال دون ذلك. ويتعرض الابراهيم بعد انتهاء "محنة" الاستجواب الى ضغوط من زملائه الليبراليين لاستعجال اصلاحات في الهيئة العامة للاستثمار، ترفع عنهم الاحراج الشعبي. اما التحالف الخاسر لمعركة التصويت، ويتألف من "التكتل الشعبي" و"الكتلة الاسلامية"، فكانت اول دروسه منها ان رقم 23 صوتاً الذي يشكله نوابه ليس رقماً ثابتاً يعول عليه. وكان من ظاهر الامور ان التحالف يحتاج الى صوت واحد فقط لكسب الجولة، لكنه لم يعجز عن كسبه فحسب بل خسر صوتين هما حسين القلاف من "الشعبي" واحمد الدعيج من "الاسلامي"، ما اوضح للتحالف ان الاختراق الحكومي لصفوفه رهن بحجم الضغط الذي يمارس عليه. لكن هناك من يعتقد ان التحالف كسب المعركة شعبياً، وهو عازم على استثمار ذلك، اذ يبدأ النائبان مسلم البراك ووليد الجري ليل السبت، ثم نواب آخرون من التحالف بعد ذلك، سلسلة ندوات شعبية لحصد ثمار استجواب الابراهيم، ولتسجيل كل النقاط الممكنة في الملفات التي فتحها استجواب الوزير. اذ سيسهل على التحالف تقديم كل خطوة اصلاحية او استرضائية للجمهور باعتبارها من ثمرات الاستجواب. اما الوزير الابراهيم فربما كان منحه الثقة مكسباً معنوياً مهماً له لكنه يعلم انه بات نقطة تماس ساخنة بين الحكومة والنواب المعارضين، وستوضح جلسة الاثنين التي سيبحث فيها المجلس "الحال المالية للدولة" هذه الحقيقة، عندما يصبح وقوفه للحديث مناسبة للمشادات الكلامية مع المعارضين.