انخفاض الذهب بعد محادثات إيجابية بين الصين وأمريكا    "الأرصاد": أمطار غزيرة ورياح شديدة على منطقة الباحة    إنقاذ مريضة تسعينية من بتر الطرف السفلي    الجيش الهندي يعلن عن "أول ليلة هادئة" في كشمير    الناصر: أرامكو أثبتت قوة أدائها وأرباحها ر    اليوم..القمر يظهر بحجم أصغر في سماء السعودية لتزامنه مع نقطة الأوج    أين يقف الطب في زمن الذكاء الاصطناعي    عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى    رياح نشطة على عدة مناطق بالمملكة وأمطار على الجنوب    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة ينهي تحضيراته ل "آيسف 2025"    حاجة ماليزية تعبر عن سعادتها بالقدوم لأداء فريضة الحج    استشهاد 16 فلسطينيًا    انطلق بمشاركة 100 كادر عربي وأوربي.. أمين الرياض: «منتدى المدن» يعزز جودة الحياة ويقدم حلولاً مشتركة للتحديات    السعودية تقود المشهد من حافة الحرب إلى طاولة التهدئة    "اعتدال" و"تليجرام" يزيلان 16 مليون مادة متطرفة في 3 أشهر    بعد 50 عامًا في المدار… سقوط مركبة سوفيتية فاشلة    القادسية ل" الثالث".. والرائد إلى" الأولى".. الاتحاد يقترب من " روشن".. والشباب يعبر الأهلي    سورلوث مهاجم أتلتيكو يتفوق على ميسي ورونالدو    تحضيرًا لجولتي الحسم في تصفيات مونديال2026.. الشرقية تجهز الأخضر لمواجهتي البحرين وأستراليا    حفل خريجي «المنشآت التدريبية» برعاية أمير تبوك.. غداً    ديوانية الأطباء تكرم البحرينية بثينة عجلان    5.6 % نمو "غير النفطية".. ارتفاع الرقم القياسي للإنتاج الصناعي    أسرة الجهني تحتفي بزواج عمّار    91 % نسبة رضا المستفيدين عن أداء الموظفين بديوان المظالم    40 مليون عملية إلكترونية لمنصة "أبشر" في أبريل 2025    تخريج دفعة من "رواد العلا"    عودة «عصابة حمادة وتوتو» بعد 43 عامًا    أمريكية وابنها يحصلان على الماجستير في اليوم نفسه    الهروب إلى الخيال..    عبدالعزيز بن سعد يشهد حفل تخرج جامعة حائل.. غداً    بتنظيم من وزارة الشؤون الإسلامية.. اختتام تصفيات أكبر مسابقة قرآنية دولية في البلقان    عبدالعزيز بن سعود يرعى حفل تخريج 1935 طالبًا من كلية الملك فهد الأمنية    المملكة تواصل ريادتها الطبية والإنسانية    القادسية يحسم لقب الدوري الممتاز لكرة القدم تحت 17 عامًا    دوليون يستكشفون إرث المملكة الحضاري ونهضتها    «الدرعية لفنون المستقبل» و«سكاتاريلا أسوسياتي» يفتتحان «البصمة الخفيفة»    أبشر.. أكثر من 33 مليون عملية إلكترونية في مارس    لوران بلان: الاتحاد لا يخشى أحدًا!    العميد على بعد خطوة من التتويج    نادي القادسية يتوّج بكأس وزارة الرياضة لكرة الماء    جراحة روبوتية لإنقاذ طفل مصاب بفشل كبدي بالرياض    22.6 مليون ريال تعويضات عام لانقطاعات الكهرباء    تعافي أسواق الأسهم بعد تقلبات أزمة رسوم الجمارك    جدة تستضيف بطولتي العالم للبلياردو والماسترز للسنوكر يوليو وأغسطس 2025    الأمير سعود بن نهار يطلع على الخدمات المقدمة للحجاج في مطار الطائف    الحصار الإسرائيلي يحرم مستشفيات غزة من توفير الغذاء للمرضى    السعودية تقود جهود السلام كأول دولة ترسل مبعوثا إلى الهند وباكستان    172 ألف مستفيد من مركز دعم القرار بالمظالم    من أعلام جازان.. اللواء الركن أحمد محمد الفيفي    مستشفى الرس ينقذ طفلا تعرض لاختناق قاتل    الأمير ناصر بن محمد يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تعيينه نائبًا لأمير منطقة جازان بالمرتبة الممتازة    "فرع الإفتاء بعسير"يكرم القصادي و الخرد    الانتهاء من تطوير واجهات مبنى بلدية الظهران بطراز الساحل الشرقي    جامعة الإمام عبد الرحمن تكرم الفائزين ب"جائزة تاج" للتميز في تطوير التعليم الجامعي    سمو ولي العهد يجري اتصالًا هاتفيًا بسمو أمير دولة الكويت    "الشؤون الدينية" تكلف 2000 كادر سعودي لخدمة ضيوف الرحمن.. 120 مبادرة ومسارات ذكية لتعزيز التجربة الرقمية للحجاج    انقطاع النفس أثناء النوم يهدد بالزهايمر    «تعليم الرياض» يفتقد «بادي المطيري».. مدير ثانوية الأمير سلطان بن عبدالعزيز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رد على رد المخرج نجدة انزور: لماذا لم ندرك بعد ان العالم تغير... كثيراً ؟
نشر في الحياة يوم 21 - 06 - 2002

في مقالته "صلاح الدين حرر القدس وانا لم أخترع العنف" المنشورة في "الحياة" 14 حزيران/ يونيو 2002، يرد المخرج نجدة أنزور على مقالي المنشور في "الحياة" بتاريخ 17/5/2002 والمتمحور على رفض العنف في الدراما السورية، الأنزورية خصوصاً، ويستشهد بغوبلز ولمن لا يعرف غوبلز أقول انه وزير الدعاية النازية في عهد هتلر وصاحب الجملة المشهورة: "كلما أسمع كلمة ثقافة أشهر مسدسي".
لم يكن مقالي تهجماً على شخص المخرج نجدة انزور فأنا اقدّر انه واحد من المخرجين الذين ساهموا في نهضة الدراما السورية، وأحترم اعماله المهمة مثل "نهاية رجل شجاع" و"اخوة التراب" و"البحث عن صلاح الدين"، لكن التقدير لا يعني بالضرورة الغاء أي نقد او اختلاف في وجهات النظر في العمل الفني. كما ان النقد، حتى لو كان حاداً، لا يلغي الاعتراف بمساهمة نجدة انزور في تطوير الدراما العربية على الصعيد البصري خصوصاً. فهل تراني في حاجة الى أن أكرر مرة اخرى ان الاعجاب والتقدير والاحترام لعمل المخرج شيء، والنقد الفكري والفني والدرامي شيء آخر؟ إن التطابق في وجهات النظر على اية ظاهرة، اصبح اليوم مثار شبهة وريبة ولا يليق بمن يحملون شرف الكلمة، خصوصاً اذا كانوا ينطلقون من دافع ثقافي في النقد، وليسوا مدفوعين من جهة كما اوحت المقالات الكثيرة التي انطلقت تهاجم مقالي حول العنف، إذ ان مقالة أنزور لم تكن الوحيدة.
من لهجة المخرج انزور غير الراضية عن النقد حتى ولو جاء طفيفاً، يظهر انه يحب ان يشهر مسدس "التخوين"، في وجه كل من ينتقد اعماله الفنية وشعاره: اما معي او ضدي. ومن هنا نراه وقد سخر، كما بدا الامر واضحاً، آلته الدعائية خلال اقل من شهر للرد على النقد الذي سقته، فاذا بنضال قوشحة وهو موظف اعلامي في مكتب نجدة انزور يكتب في بريد القراء في جريدة "الحياة" حول الموضوع، والقاص والصحافي حسن م يوسف الذي تعاون في اكثر من عمل فني مع المخرج نفسه، يتناولني برد ناري في زاويته الاسبوعية "آفاق" في جريدة "تشرين" السورية. وأخيراً يأتي المخرج انزور ذاته، في جريدة "الحياة" ليكتب مسفهاً افكاري في مسألة العنف، رابطاً بينها وبين الفاشية والنازية والعنصرية، وكأنني هنتغنتون القائل بصراع الحضارات او شارون الداعي الى ابادة الفلسطينيين. ولا اعرف من أين جاء خلط الأوراق هذا والاصطياد في الماء العكر!
في مقالي المنشور في "الحياة"، انطلقت من وجهة نظر انسانية، لها علاقة بتأثير وسائل الاعلام المرئية في الاطفال في مجتمعاتنا، وبالذات قضية العنف، واتخذت اعمال المخرج انزور نموذجاً باعتبارها غذاء شبه يومي للمجتمع العربي في غالبية الفضائيات العربية، وباعتبارها تتنطح لقضايا شائكة تخص التاريخ والصراع الحضاري والاسقاطات التي يمكن للمشاهد ان يزاوجها مع احداث الواقع المعاصر. واعتقد ان أي عاقل، لا يمكنه ان يكون في صف ظاهرة استشراء العنف في التلفزيون او السينما، لما لها من انعكاسات خطيرة في تخريب روحية الطفل والمراهق والشاب في مجتمعاتنا في زمن اصبح فيه المشهد البصري اكثر اقناعاً من الكتاب او من الواقع احياناً، مع الأخذ في الاعتبار نسبة الامية العالية في مجتمعاتنا وقوة الصورة وهيمنتها على اذهان الافراد غير المتعلمين. وكنت من خلال المقال، اتحدث عن مجتمعاتنا العربية بالتحديد، وهي مبتلاة بالعنف والقتل والتعذيب والتلذذ بإهانة الانسان، هذا على صعيد الواقع، فكيف الامر على صعيد الصورة؟ هل يعكس انزور الواقع مثل مرآة في اعماله الفنية؟ وهل يظن ان الفن هو نقل الواقع فوتوغرافياً؟ واذا كان مجتمعنا مملوءاً بالعنف والحوادث والقتل، فهل من الصائب فنياً وثقافياً تكريس الأمر على الشاشة، التي يشاهدها ملايين البشر في الوطن العربي؟ وانا استغرب من مقالات الثلاثة نضال قوشحة وحسن يوسف ونجدة انزور، عن الموضوع، ربط العنف وما تطرقت له في مقالي من افكار، بالصراع مع العدو الصهيوني. وفي الحقيقة ان معظم اعمال انزور التاريخية او المدعوة خطأ بالفانتازيا لا علاقة له بالصراع مع العدو الصهيوني الا في تصريحات المخرج وتفسيراته خارج نطاق الشاشة. فما علاقة الجوارح وسيوفهم وكواسرهم ومخلوقاتهم المشوهة بقضية فلسطين؟
اذا كان النص الفني لا يمتلك اي منطق ويلعب على التلفيق والاثارة ولا يخضع لقانون تاريخي ما، في الصراع، او في نمط المكان، الا يصادر أنزور عقل المشاهد مثلما صادره السياسيون والسلطويون حول البطولات، في واقع ننهزم فيه كل يوم مئة مرة؟ الا يشارك في هذه المصادرة الشاملة للمنطق والعقل في وقت نحن احوج ما نكون فيه الى العقل والعلم والابتعاد عن الخرافة والجهل والتلفيق لأنها اساس هزيمتنا؟
اما حسن م يوسف فيرتفع بحواره حول مقالي الى مصاف التخوين، إذ يربط نقدي للعنف بقضية النضال ضد الفرنسيين والشهداء الذين ضحوا بأرواحهم ضد المحتل الفرنسي، وانا لم اشر الى شيء من هذا القبيل. أنا لم اقل ان المقاومة والعنف ضد المحتل او الغاصب تشويه للانسان او للمجتمع، ولكنني انطلقت من الحديث عن العنف لدى نجدة أنزور الذي يجعل منه محوراً للإثارة والتقاط الصورة الغرائبية لا غير، اي العنف الذي لا يخدم النص الفني، انما يخاطب غرائز الانسان. فما علاقة هذه القضية بالوطنية والصراع العربي الصهيوني والعولمة والفاشية وصراع الحضارات؟ الربط هو واحد لا غير في المقالات الثلاثة التي كتبت عن مقالي، وهو تجريم كل من ينتقد نجدة انزور، اذ يوصف باللاوطنية والخيانة والفاشية والجهل والحساسية المريضة وما الى ذلك من اوصاف استهلكت منذ زمن بعيد ولم تعد معياراً لأن اطلاقها سهل على اي حال. وهذا ما ظهر ليس معي فقط، انما في كل الردود التي كُتبت ضد الصحافيين والكتّاب الذين تناولوا عمل نجدة انزور. انه فوق النقد، وفوق الاعتراض الفني، ما دام قد "طفش" من بلده كما قال حسن م يوسف لأسباب تخص عمله الخارق. وهذه اسطورة اخرى يحاول حسن م يوسف ان يبلّعنا اياها، فانزور من اكثر المخرجين السوريين حضوراً على الشاشة السورية، وهو من اكثر الشخصيات "تدليلاً" وسط النخب الفنية والسياسية، مكتبه مفتوح على مصراعيه وسط دمشق، وممثلوه من اهل نخبة الفن الدرامي السوري، اما اذا قصد يوسف مسألة اقامته في دول الخليج فهي كما يعرف هو جيداً ليست طفشاً من البلد، بل لاسباب تتعلق بالانتاج والدعم والتمويل والتسويق لا غير .
في المقالات الثلاثة اتكاء على مسلسل "البحث عن صلاح الدين"، باعتبار انني ادين عنفاً كهذا مع انه يصب "في مصلحة الواقع العربي الراهن ورفع معنوياته المنهارة". والغريب أنني في مقالي عن العنف لم اتطرق الى هذا المسلسل. لقد تابعت مسلسل "البحث عن صلاح الدين"، وهو كما ذكرت سابقاً من مسلسلات أنزور المهمة والأقل عنفاً من بين أعماله، ولكن لي ملاحظة عابرة عن مسألة صنع البطل الخارق، على رغم انني انحني اجلالاً لصلاح الدين وتحريره للقدس في الحرب الصليبية، فهل يمكن اقناع المشاهد العربي بأنه يعيش لحظات بطولة فذة وشهامة وانتصارات كما ورد في المسلسل، هو الذي في الواقع يعيش هزائمه المتلاحقة، ويعيش التخاذل والعجز امام الغطرسة الصهيونية والعنجهية الاميركية؟ أليس ضحكاً على الذقون أن نقنع المواطن المذل والمهان حضارياً بأنه بطل وسليل ابطال، ونجعله يتماهى مع صلاح الدين الايوبي زوراً وبهتاناً؟ ألا يشارك انزور في هذه الخدعة الحضارية الكبيرة؟ الا يتماهى السادة مع آلة قمع الرأي الآخر ودعاة تعليق تخلفنا وهزيمتنا الحضارية على مشجب الصهيونية والامبريالية الاميركية؟ وأليست هذه طريقة سهلة للهروب من مسؤوليات واستحقاقات مجتمع وعصر وزمن لم يعد يقر بدكتاتورية غوبلز التي لا تقبل بتفسير بديل؟ هل يمكن ان تجر اسرائيل ابناء الحضارة العربية برمتها، وهذه الحضارة المعروف عنها التسامح وتقبل الرأي الآخر والصلابة في مقاومة المعتدي، الى ان يكونوا برابرة لا يميزون بين العنف المثير المجاني في النص الفانتازي الملفق، وبين المقاومة المشروعة على ارض الواقع؟
أنا لا اعرف كيف يفسر نجدة انزور حساسيته تجاه النقد، فالاشارة الى اعماله سلباً او ايجاباً هي قراءة اخرى للعمل الفني، والمخرج حين يطلق عمله امام ملايين المشاهدين لا بد من ان يتعرض للنقد، لكن النقد لا يعني انه يتناول شخصه بالذات، اذ اصبح العمل ملك الجميع. وعلى الفنان انزور ان يعي هذه الحقيقة سواء في ممارسته الفنية ام في الحقل الصحافي والإعلامي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.