وجدت أوجاع مدينتي رام الله والبيرة وآلامهما صدىً لها في آلام المخاض المبكر الذي دهم سناء ابنة الخامسة والعشرين وهي تئن على اطراف رام الله من دون ان تتمكن سيارات الاسعاف من الوصول اليها. لم تجد من ينقلها الى المشفى لتضع جنينها الآتي مبكراً عن موعده، وتمكن افراد عائلتها من نقلها الى منزل الطبيبة شفى الجوهري التي كانت انتهت للتو من توليد امرأة حامل اخرى في غرفة تفتقر الى ادنى الشروط الصحية. وبعد مأساة الولادة بعيداً عن المراقبة الطبية، تبقى حياة المولود "الخداج" في خطر، إذ يحتاج الى وضعه في حضانة فور خروجه الى الحياة. أما في داخل المدينتين المحاصرتين والمعزولتين فلم يكن الوضع أقل كارثية. جنازير عشرات الدبابات "حرثت" الشوارع والأرصفة والسيارات واطلقت الدبابات الاسرائيلية حمم نيرانها الى داخل المباني والمتاجر. اعمدة كهرباء اقتلعت من جذورها وشوارع لا يتحرك فيها شيء آخر غير الآلة العسكرية الاسرائيلية. في اليوم الرابع للاحتلال، وجد الرعب سبيله الى قلوب المدنيين الذين باتت مشاهد "الاعدام الميداني" تتوالى امام اعينهم. ستة وعشرون شهيداً فلسطينيا امتلأت بهم ثلاجات الموتى سعتها القصوى في مشفى رام الله، وترفض قوات الاحتلال الاسرائيلي السماح بدفنهم "إلا بعد انتهاء العملية العسكرية" من دون ان تلتفت الى تحذيرات الجهات الصحية من وقوع كارثة صحية لأنه لم يعد هناك مكان للشهداء القادمين. ورفض المدير العام للمستشفيات في رام الله الدكتور موسى ابو حميد حصر عدد الشهداء، مشيراً الى ان منع سيارات الاسعاف من التحرك يحول دون البحث عن جثث اخرى يؤكد الجميع وجودها ولا يستطيع احد الوصول اليها. وكشف ان تسعة طواقم اسعاف طبية تم اعتقال افرادها وصودرت خمس سيارات اسعاف. واضاف انه "لا يعرف الأهداف التي سيستخدمها الجيش في مهماته". وقال ابو حميد: "نحن كاطباء نعيش لحظات عصيبة هي الأشد مأسوية في مهنتنا، نعلم بوجود جرحى ولا نستطيع ان نصل اليهم، اطلقوا الرصاص على سيارات الاسعاف، ولا يتوانون عن توقيفها واخلاء الجرحى منها على قارعة الطريق وارغام الطواقم الطبية على خلع ملابسهم بينما الجرحى ينزفون". واكد رئيس قسم الطوارئ في مشفى رام الله الدكتور محمد عيدة ان غالبية الشهداء الذين وصلت جثثهم قتلوا من مسافات قصيرة ما يؤكد عمليات اعدامهم، فيما وصلت البقية وقد تمت تصفية دمائها. في اللحظات التي كان يتحدث فيها الاطباء وصل اليهم نبأ "اعدام" الشاب مراد عوايصة 18 عاماً امام عتبة منزله، فيما اقتيد رفيق له، وهو جريح، الى مكان مجهول. وصل الى مشافي المدينتين 90 جريحاً أصيب معظمهم في الجزء الاعلى من الجسم. وفي مشفى الشيخ زايد وقف طبيب بدا عليه الاعياء الشديد وقال: "نحن لا يصلنا جرحى... شهداء فقط". لم يجد سكان رام الله والبيرة عزاء حتى في المؤسسات الانسانية الدولية. ولم تجد صرخات المواطنين في ليل الاحد المتوسلة لوقف مذبحة ترتكب ضد افراد من الامن الوطني والشرطة المدنية الفلسطينية علقوا في احدى البنايات، إلا سيارات الهلال الاحمر الفلسطيني لتلبية النداءات والوصول الى الموقع بعدما ابلغهم الصليب الاحمر الدولي بأنهم "لا يتحركون في ساعات الليل"، فما كان من طواقم الهلال الاحمر إلا أن توجهت، فكان ان اجبر افرادها على خلع ملابسهم واهانتهم ثم ارغامهم على العودة من حيث جاؤوا. وقال احد شهود العيان ل "الحياة" انه شاهد بأم عينه عملية اعدام سبعة من افراد الامن الوطني بعدما خرجوا بدون سلاح. وقال لو لم يصل الصليب الاحمر في الوقت المناسب ربما كان من الممكن ان ينقذ الجرحى الذين نقلوا الى مكان مجهول. وقال صاحب مخبز ل "الحياة" ان ممثلي الصليب الاحمر وعدوه بالقدوم لتوزيع الخبز على عائلات اجرت اتصالات هاتفية تطلب الخبز "وعدوا قبل يومين وحتى اليوم لم يأتوا". اما "انصار الشعب الفلسطيني" من الاوروبيين فإما انه تم ترحيلهم تحت تهديد السلاح من رام الله، وإما تم اطلاق النار عليهم كما حدث في بيت جالا حيث اصيب خمسة منهم احدهم بجروح بالغة الخطورة لأنهم حاولوا حماية المدنيين. وللصحافيين قصة اخرى، فالعرب والفلسطينيون منهم "ابلغوا" بأوامر الجيش بعدم الحركة، اما الاجانب فبدأ الامر بتحذيرات من "خطورة الوضع" وبتهديدات مبطنة، وانتهى باخلاء طاقم تلفزيون "سي بي اس" الاميركي واطلاق النار على طاقم تلفزيوني اميركي آخر.