أطلق حقوقيون فلسطينيون ودوليون صرخات انذار من استمرار جنود الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ "جرائم حرب" بشعة ضد الفلسطينيين، سواء المدنيين أو أفراد الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، في اليوم الثاني للحملة التي يشنها الجيش والتي وصفها رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون بأنها "حرب لن يستثنى منها أحد". وهز مشهد جثث خمسة من أفراد الأمن الوطني الفلسطيني من كبار السن والعزل من السلاح الذين تشير تفاصيل قتلهم إلى إعدامهم بدم بارد من مسافات قصيرة بعد اعتقالهم، الشارع الفلسطيني الذي بات يخشى على مصير أربعين ألف عنصر في الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، ويتوزع الآلاف من عناصر هذه الأجهزة في مبانٍ مختلفة بعدما دمرت القوات الإسرائيلية كل المؤسسات والمقار الأمنية الفلسطينية. وروى ل"الحياة" مواطنون في محيط ميدان "المنارة" وسط مدينة رام الله، كيف تحول الميدان إلى "مسرح لتمثيلية سادية" كان أبطالها الجنود الإسرائيليين وضحاياها 12 جريحاً وعشرات المعتقلين الذين ارغموا على اخلاء مبنى علقوا فيه منذ بدء الاجتياح الإسرائيلي لمدينتهم. قالت إحدى السيدات الفلسطينيات: "لم أرَ مثل هذا المشهد حتى في أفلام الرعب. ارغموا الجميع على خلع ملابسهم في البرد القارس، بمن فيهم الجرحى الذين عجزوا عن الحركة بسبب اصاباتهم التي أزال الجنود الضمادات الطبية عنها، وشرعوا بركلهم بأرجلهم وأعقاب البنادق في مواضع الجروح بتلذذ يثير التقيؤ". وشنت القوات الإسرائيلية حملة دهم من منزل إلى منزل ومبنى إلى آخر، على مدى الساعات الثماني والأربعين الماضية، أسفرت عن اعتقال حوالى مئتي فلسطيني، نقِل معظمهم إلى مقر قيادة الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، في مستوطنة بيت ايل شمال رام الله. وحجبت الأوامر الصارمة بمنع التجول كثيراً من الجرائم التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي، وكشف بعضها في أروقة المستشفيات. وكانت سُريدة أبو غربية الضحية الأولى لهذه الجرائم سقطت في الساعات الأولى للاجتياح في حي عين مصباح في مدينة رام الله. حملت سريدة 20 سنة رضيعها الذي لم يتجاوز الشهور الثمانية وألحت على زوجها رامي أن يقلها في سيارتهما إلى بيت والدتها "حيث المنطقة قد تكون أكثر أمناً" لرضيعها. وما أن تحركت السيارة حتى عاجلها القناصة الإسرائيليون الذين احتلوا المباني السكنية بوابل من الرصاص، لتخترق احداها رأس الأم ويصاب الأب بجروح، لكنه زحف برضيعه مئات الأمتار، وبقيت سريدة تنزف حتى الموت من دون أن تتمكن سيارات الاسعاف من الوصول إليها. واقتحم جنود إسرائيليون مستشفى الرعاية الطبية وفتشوا في طوابقه الخمسة بما في ذلك غرف "العناية المركزة". في إحدى هذه الغرف كان الفتى محمد زلوم 15 سنة يصارع الموت بعدما اصيب برصاصة في الكبد، ولم تتمكن سيارة اسعاف من الوصول إلى محمد، الذي اطلقت عليه النار وشقيقيه الصغيرين أمام منزلهم، إلا بعد بضع ساعات. ولم تسلم سيارات الاسعاف من الجنود، إذ أكدت مصادر طبية فلسطينية احتجاز اثنتين من هذه السيارات واستخدامهما مع فريقيهما "دروعاً بشرية" لاقتحام مناطق في مدينتي رام الله والبيرة. واحتجز الجنود الإسرائيليون سيارة اسعاف تنقل جريحين من مقر "المقاطعة"، مقر الرئيس الفلسطيني من الساعة الرابعة بعد ظهر أول من أمس حتى الساعة الواحدة فجراً، قبل نقلهما إلى مستوطنة بيت ايل وتركهما في العراء ساعات ونزع ضماداتهما الطبية، وفي داخل مقر الرئيس ياسر عرفات، كما في مناطق أخرى من رام الله والبيرة، ما زال عدد الجرحى والشهداء مجهولاً في ظل الحصار، بل ان محتجزين داخل المقر أكدوا أنهم لا يعلمون عدد الجرحى في غرف مجاورة.