لا غرابة ان ينتهي اللقاء الثاني بين الرئيس ياسر عرفات والوزير كولن باول الى ما انتهى اليه. وربما لم يبالغ وزير الاعلام الفلسطيني ياسر عبد ربه حين اعتبره "كارثياً". ففي الحساب الفلسطيني والعربي كانت جولة وزير الخارجية الاميركي "كارثية" فعلاً. في هذا السياق لا يمكن عزل النتائج عن المقدمات. فحين طالب الرئيس جورج بوش رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون بسحب قواته من مناطق السلطة الفلسطينية بلا ابطاء او بلا تأخير حرص على توجيه انتقادات قاسية الى الرئيس الفلسطيني وصلت الى حدّ اتهامه بأنه "خان اماني شعبه". واذا تذكّرنا ان عرفات لم يدخل البيت الابيض في عهد الادارة الاميركية الحالية ادركنا حجم التراجع في علاقات السلطة الفلسطينية بواشنطن لا سيما بعد تحول احداث 11 ايلول سبتمبر عاملاً حاسماً في رسم السياسات واعادة تقويم المصالح والصداقات والعلاقات. ولا بد في قراءة نتائج مهمة باول من الالتفات الى ان الادارة الاميركية لم تشترط لبدئها ان يقدم شارون دليلاً ملموساً على رغبته في انسحاب سريع. لم يتحول مثل هذا الانسحاب شرطاً لبدء المهمة التي سرعان ما تحولت وساطة في ظله وفي ظل "تفهّم الولاياتالمتحدة لحق اسرائيل في الدفاع عن النفس". وحين توجه باول لعقد لقائه الاول مع الرئيس الفلسطيني المحاصر من دون اشتراط ابتعاد الدبابات الاسرائيلية على الاقل عن مقر الرئيس المنتخب الذي عاد الى الارض الفلسطينية بموجب اتفاق اوسلو اتخذت مهمة باول عملياً وجهة اخرى. على الصعيد العملي ذهب وزير الخارجية الاميركي الى الرئيس المحاصر وكأنه يطالبه بدفع ثمن انقاذ المهمة الاميركية. المجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال في جنين ونابلس لم تدفع الوزير الاميركي الى اتخاذ موقف علني يساعد على الاقل في امتصاص الغضب الفلسطيني. ذهب الى الرئيس المحاصر يسأله عن وقف النار فيما يتابع شارون اضرام النار في مدن الضفة الغربية وبلداتها. وذهب يطالبه بخطوات ملموسة ضد "الارهاب" فيما كان شارون يمعن في تدمير ما تبقى من الماكينة العسكرية والامنية للسلطة الفلسطينية. وذهب حاملاً مطالب اسرائيل بتسليمها مطلوبين تعتقلهم السلطة متجاهلاً ان قبول عرفات بذلك يعني عملياً تنازله عن كونه رئيساً لسلطة تمتلك شرعية شعبية ودستورية واعترافاً دولياً بها. عندما اعلن باول امس اختتام مهمته، على امل العودة، بدا واضحاً ان ارييل شارون حقق اكثر من نجاح على رغم المقاومة البطولية التي ابداها الفلسطينيون. ظهر جلياً انه ربح المعركة اولاً داخل الادارة الاميركية التي قبلت ان تتم مهمة وزير خارجيتها على هدير الدبابات الاسرائيلية على رغم زعم بوش انه "يعني ما يقول" حين يطالب شارون بالانسحاب بلا تأخير. وربح معركته على الارض حين ألحق دماراً واسعاً ببنية السلطة الفلسطينية بذريعة تدمير "البنية الارهابية". وسجل نقطة لمصلحته حين اطلق الدعوة الى مؤتمر سلام لإشغال العالم عن رائحة الجثث ومشاهد المجازر في مخيم جنين. هذا عدا ان مهمة باول لجمت عملياً ما سبقها من تحركات في مجلس الامن وعلى الصعيد الاوروبي. وما كان لشارون ان يحقق ما حققه لولا الانحياز الاميركي الفاضح. لقد استفاد شارون من المهلة التي شكلتها مهمة باول. وربما سيستفيد من المهلة التي تفصل عن موعد عودته الى المنطقة. وثمة من يعتقد ان الخيار الوحيد المتبقي للرئيس المحاصر وشعبه هو الخيار الوحيد المتاح اصلاً، وهو خيار المقاومة.