لا بد وان نلحظ سياسة ضبط النفس واسقاط مصطلح "العمل بالمثل" التي انتهجتها الثورة الكردية في مراحل نضالها، في مقابل سلطةٍ هي السلطة العراقية لم تُبق على وسيلة ارهابية الا واستخدمتها في أبشع صورها، ليس ضد المنضوين تحت لواء الثورة ومؤيديها فحسب، بل طاولت أناساً أبرياء لا حول لهم ولا قوة. وليس أدل على ذلك من تهجير السلطات عشرات بل مئات الألوف من سكان المدن والقرى الكردية، واستقدام العوائل والعشائر العربية اليها، واسكانهم عنوة بالنسبة للكثيرين منهم، انصافاً للحق في مساكن الأكراد، وتوزيع أراضٍ يملكها الأكراد عليهم. وغيرت أسماء القرى والمدارس والمعالم الكردية في المنطقة الى أسماء عربية. ولم تتوان عن قصف القرى والمدن الكردية بالغازات الكيماوية والنابالم، وسوق أكثر من مئتي ألف انسان كردي، من أطفال ونساء وشيوخ الى غياهب الصحارى، ليدفنوا فيها أحياء في عمليات "الأنفال" السيئة الصيت. مع كل هذا، وعلى رغم محاولات النظام المستميتة لجر الثورة الكردية الى مطبات النعرة القومية وإثارة مشاعر الحقد والانتقام، أبت الثورة الكردية في كردستان العراق أن تلجأ، ولو مرةً واحدة، الى تفجير عبوة ناسفة في مقهى أو في محل عام، ولم تُقدِم على قتل المدنيين العرب، لأكثر من أربعين سنة من النضال المتواصل. بل ان الرعاة العرب من أبناء العشائر العربية وفي بعض مواسم الجفاف ساقوا قطعان مواشيهم الى المناطق التي كانت تحت سيطرة الثورة، من دون ان تخونهم ثقتهم في الأكراد ورجال الثورة الكردية. ولم تمس نعجة من نعاجهم ولا دابة بسوء. والأمثلة تكثر، والقائمة تطول في سرد مواقف من هذا القبيل في يوميات الثورة خصوصاً في أثناء الانتفاضة 1991م، أخلي سبيل الألوف من الجنود والقوات التي وقعت في أيدي المنتفضين من دون ان تكون هناك حالة انتقام واحدة. وهي تكشف عن مفهوم حقيقي للثورة، وعن رؤيا استراتيجية عميقة تجاه مستقبل العلاقات العربية - الكردية، وعن سياسة راقية تتجاوز حدود المحلية. أما حزب العمال الكردستاني، ومن غير ان نتحامل عليه وهو في واقع أليم، فإن الحوادث والظروف التي تعرض لها الحزب منذ بدايات تأسيسه كشفت عن قراءته الخاطئة للواقع الكردي، فانساق بموجبها وراء املاءات العواطف، منتهجاً التطرف في كل شيء وفي كل آن. الى ان كرّت الأحداث على النحو الذي رأينا، ولجوء زعيمه عبدالله أوجلان الى أوروبا، ثم اختطافه في كينيا في شباط فبراير 1999، وايداعه السجون التركية. فأضاع الاتجاه على بوصلته، وبات لا يدري ما يريد ومن يمثل. وتحولت شعاراته الى نشدان العفو من الحكومة التركية، والسماح له بالنشاط السياسي، وتقزيم مطالبه الى الحقوق الثقافية. وأبدى رئيسه استعداده لمحاربة الكردية في الأجزاء الأخرى ويقصد كردستان العراق في مقابل اطلاق سراحه، واعتبر الادارة الكردية الحالية في كردستان العراق نواة لدولة كردية جاعلاً من وجودها خطراً على الدولة التركية تارةً، وعميلة لأميركا تارةً أخرى. هولندا - كامل ساله يي كردي عراقي مقيم