إطلاق برنامج للإرشاد السياحي البيئي بمحميتين ملكيتين    البنك الإسلامي يناقش تحوُّل دوله لاقتصادات مستدامة    تكريم الطلبة الفائزين بجوائز "أولمبياد أذكى"    الإبراهيم: المنتدى الاقتصادي سيعيد تحديد مسارات التنمية    المالية تعدل اللائحة التنفيذية لنظام المنافسات والمشتريات الحكومية    نقل حالتين طبيتين حرجتين لمواطنين من مصر    رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي: الرياض تحتضن اجتماعا دوليا حول غزة هذا الأسبوع    مدرب توتنهام: لا يهمني تعطيل آرسنال نحو التتويج    بالاسيوس: أتمنى أن يبقى ميسي مع الأرجنتين للأبد    "الداخلية" ترحل 12 ألف مخالف    تحديد مواعيد التقديم على بوابتي القبول الموحد للجامعات الحكومية والكليات التقنية بالرياض    قتل مواطن خان وطنه وتبنى منهجاً إرهابياً    "911" يتلقى أكثر من 30 مليون مكالمة خلال عام 2023    فرنانديز يدعو يونايتد لزيادة دعم جارناتشو وماينو    الحقيل يبدأ زيارة رسمية إلى الصين الأسبوع المقبل    بايدن يدرس تقييد مبيعات السلاح لإسرائيل إذا اجتاحت رفح    الوزير الفضلي يدشّن "أسبوع البيئة".. غدًا    إبداعات 62 طالبًا تتنافس في "أولمبياد البحث العلمي والابتكار"غدا    قطاع صحي خميس مشيط يُنفّذ فعالية "النشاط البدني"    استكشاف أحدث تطورات علاج الشلل الرعاشي    المكتب التنفيذي لجمعية الكشافة يعقد اجتماعه الأول الاثنين القادم    ترقية الكميت للمرتبة الحادية عشر في جامعة جازان    القيادة تهنئ رئيس جنوب أفريقيا بذكرى يوم الحرية لبلادها    جعجع: «حزب الله» يعرّض لبنان للخطر    «الاحتياطي الفدرالي» يتجه لتغيير لهجته مع عودة التضخم    زلزال بقوة 6.5 درجة يهز جزر بونين باليابان    ابن البناء المراكشي.. سلطان الرياضيات وامبراطور الحساب في العصر الإسلامي    عهدية السيد تنال جائزة «نساء يصنعن التغيير» من «صوت المرأة»    أمطار خفيفة على منطقتي جازان وحائل    فرصة مهيأة لهطول أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    بينالي البندقية يزدان بوادي الفنّ السعودي    كبار العلماء: من يحج دون تصريح "آثم"    الأهلي والترجي إلى نهائي دوري أبطال أفريقيا    فريق طبي سعودي يتأهل لبرنامج "حضانة هارفرد"    "طفرة" جديدة للوقاية من "السكري"    إغلاق منشأة تسببت في حالات تسمم غذائي بالرياض    الصحة: تماثل 6 حالات للتعافي ويتم طبياً متابعة 35 حالة منومة منها 28 حالة في العناية المركزة    وفاة الأمير منصور بن بدر    نائب أمير منطقة جازان يرفع التهنئة للقيادة بما حققته رؤية المملكة 2030 من إنجازات ومستهدفات خلال 8 أعوام    اختتام المرحلة الأولى من دورة المدربين النخبة الشباب    ريال مدريد يهزم سوسيداد ويقترب من التتويج بالدوري الإسباني    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    الاتحاد يخسر بثلاثية أمام الشباب    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أصبحت مستهدفات الرؤية واقعًا ملموسًا يراه الجميع في شتى المجالات    رؤية الأجيال    وزيرة الدفاع الإسبانية: إسبانيا ستزود أوكرانيا بصواريخ باتريوت    المخرج العراقي خيون: المملكة تعيش زمناً ثقافياً ناهضاً    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    ترميم قصر الملك فيصل وتحويله إلى متحف    السعودية تحصد ميداليتين عالميتين في «أولمبياد مندليف للكيمياء 2024»    الأحوال المدنية: منح الجنسية السعودية ل4 أشخاص    خطبتا الجمعة من المسجد الحرام و النبوي    خادم الحرمين يوافق على ترميم قصر الملك فيصل وتحويله ل"متحف الفيصل"    "واتساب" يتيح مفاتيح المرور ب "آيفون"    صعود الدرج.. التدريب الأشمل للجسم    مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الامير خالد الفيصل يهنئ القيادة نظير ماتحقق من مستهدفات رؤية 2030    مقال «مقري عليه» !    التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن وكالة الأونروا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكراد تركيا بين الحلم المندثر والصحوة الثائرة
نشر في الحياة يوم 03 - 01 - 2012

[... في 1922، طلب مصطفى كمال من النواب الأكراد، الرد على الاستفسار حول رغبة الأكراد في البقاء ضمن الدولة التركية الجديدة. فردّ النائب الكردي عن أرضروم في المجلس قائلاً :" إن هذه البلاد هي للأكراد والأتراك (...) وحينما وجد المشاركون في مؤتمر لوزان، أن النواب الأكراد، لا يريدون انفصال كردستان عن تركيا، وافقوا على غض اطرف عن أي فكرة لاستقلال كردستان، وحذفوا ذكر الأكراد من الوثائق الرسمية للمؤتمر...]
كانت رغبة نابعة من الأكراد أنفسهم في البقاء تحت سيطرة الحكم التركي، ولم تكن إقامة وطن قومي يدعى كردستان حلماً يراود الأجداد الأكراد. ولهذا عند البحث عن بلاد كردستان في الأطاليس الجغرافية، فإنك لن تجدها، لأن هذا التعبير غير معترف به دولياً.
تتكون كلمة كردستان من كلمتين: "كُرد أو "كورد"، أي الأكراد، و"إستان" أو "سِتان"، أي أرض أو منطقة أو بلد، إقليم، باللغة الفارسية. ولذا فإن كردستان، أو كوردستان، تعني "بلاد الأكراد".
لم تشكل كردستان بلداً مستقلاً ذا حدود سياسية معينة، في يوم ما، على رغم من أنه يسكنها شعب متجانس، عِرقاً.
تعيين حدود كردستان، التي يطالب بها الأكراد، يُعتبر مشكلة سياسية شديدة الحساسية، لأنها، اليوم، جزء من أربع دول في الشرق الأوسط، هي: تركيا وإيران والعراق وسورية. ويعتبر كل دولة من هذه الدول الجزء الواقع فيها، من كردستان، جزءًا من ترابها القومي، لا مجال للمساومة به.
واختلف الباحثون، قديماً، في تحديد كردستان، جغرافياً. فقصد بها اليونانيون والسريانيون، البلاد التي يسكنها الكاردوخيون، وتقع في الجبال بين ديار بكر ونصيبين وزاخو.
وأطلق الكتّاب العرب عليها اسم "إقليم الجبال"، ويقصدون بها المنطقة الواقعة شمال غربي إيران حتى أورمية، مشتملة على منطقة جنوب شرقي آذربيجان. وقد سمى المؤرخون العرب هذه المنطقة، فيما بعد عراق العجم، تمييزاً له عن العراق العربي وهو منطقة السهول.
ظهرت كلمة "كردستان"، كمصطلح جغرافي، للمرة الأولى، في القرن الثاني عشر الميلادي، في عهد السلاجقة، عندما فصل السلطان السلجوقي سنجار (المتوفى عام 552ه/1157م ) القسم الغربي من إقليم الجبال، وجعله ولاية تحت حكم قريبه سليمان شاه، وأطلق عليه اسم كردستان.
وكانت هذه الولاية، تشتمل على الأراضي الممتدة بين آذربيجان ولورستان (مناطق سِنّا، دينور، همدان، كرمنشاه ... إلخ) إضافة إلى المناطق الواقعة غرب جبال زاغروس، مثل شهرِزور وكوي سنجق. واستخدم هذا المصطلح في المؤلفات، في العصر السلجوقي، كذلك، أول مرة، في كتاب "نزهة القلوب"، الذي ألّفه، بالفارسية عبد الله المستوفي القزويني، عام740ه (بين أعوام 1335م 1340م)، إذ يقول: " تتألف كردستان من 16 ولاية. وهي ذات مناخ معتدل. وتتاخم ولايات العراق العربي وخوزستان والعراق العجمي وآذربيجان وديار بكر".
وقد حدد الأمير شرف خان البدليسي بلاد كردستان، في كتابه "شرفنامه" الذي ألّفه عام 1586، بالحدود التالية:
"ويبتدئ حدّ بلاد الكرد (كردستان) من ساحل بحر هرمز المتفرع من المحيط، على خط مستقيم، ممتد من هناك إلى آخر ولايَتي ملطية و مرعش. فيكوّن الجانب الشمالي لهذا الخط ولايات فارس، والعراق العجمي، وآذربيجان، وأرمينيا الصغرى وأرمينيا الكبرى. ويقع في جنوبه العراق العربي، وولايتا الموصل وديار بكر".
وكتب الرحالة التركي، أوليا جلبي في كتابه "سياحت نامه" (توفي في حدود 1093ه/1682م)، بعد تجواله في جميع أرجاء كردستان، يقول: "إن ولايات أرضروم ووان وحكاري وديار بكر والجزيرة والعمادية والموصل وشهرِ زور وأردلان، تؤلِّف بمجموعها كردستان، التي يستغرق قطعها 17 يوماً".
ويبدو أن هذا المصطلح، عمم فيما بعد حتى شمل جميع الإمارات الإقطاعية الكردية، في تركيا وإيران.
أما في العصر الحديث، فقد حدد أدموندز (C.J. Edmonds)، كردستان، على النحو التالي: "تتبع الحدود، في الشمال، الخط الممتد من يريفان وأرضروم وآذربيجان. ثم تمتد، في قوس، خلال مرعش نحو حلب. وتمتد، غرباً، مع سفوح الجبال، حتى نهر دجلة. ثم تتجه شرقي مجرى النهر. ثم تسير إلى الشمال، قليلاً من جبال حمرين، حتى الحدود العراقية - الإيرانية قرب مندلي.
وفي إيران، أي الجهة الشرقية، فتمتد حدود الأكراد في إتجاه جنوبي شرقي، تبدأ من إريفان (يريفان في أرمينيا)، ومشتملة على ماكو وجزء من كوي ورضائية (على بحيرة أورمية) ومهاباد (سابلاخ أو صاوجبلاق) وصاقز وسِنّا، حتى كرمنشاه. ويكوّن الطريق الممتد من كرمنشاه إلى كرند، ثم إلى مندلي، حدّاً فاصلاً بين الأكراد الحقيقيين وأقربائهم اللور (اللاخ)، الذين يُعَدون، أحياناً، من الكرد".
ولئن كان تحديد إقليم كردستان، صعباً، فإنه، في الإمكان تحديد المنطقة، التي يقيم بها الأكراد، بكثافة، مع الأخذ في الحسبان، أنه لا يمكن عَدّ أي أرض، يقيم بها مجموعة من الأكراد، جزءاً من كردستان، فقد تعرضوا لهجرات وعمليات تهجير واسعة، منذ القرن الماضي وحتى الآن. فهم يشغلون 19 ولاية من الولايات التركية، البالغ عددها 90 ولاية، وهذه الولايات، تقع في شرقي تركيا وجنوبيها الشرقي وهي: أرزنجان أرضروم قارص ملاطية تونجالي ألازيغ بينجول موش آغري (قرا كوسه) باطمان آدي يمان ديار بكر سعرت (سيرت) بيتليس (بدليس) وان أورفا ماردين حكّاري (جولامريك) شرناخ. كما يوجد عدد كبير منهم في ولايتَي سيواس وأنقرة، وفي مستوطنات قرب أضنة. هذا عدا عن أكراد إيران والعراق وسورية
أصول الأكراد
الأكراد شعب من الشعوب الإسلامية. ولا يزال هناك نقاش حول أصلهم، وإن كان أغلب الباحثين متفقين على أنهم ينتمون إلى المجموعة الآرية، الهندو أوروبية، وأنهم أحفاد الميديين. وأصل تسميتهم ب "كرد"، مختلف فيه، كذلك فهناك نظريتان:
الأولى، ترجع كلمة كرد إلى كلمة كوتو (kutu)، التي تربط الأكراد بشعب كوتو، وهو من الأقوام التي عاشت في مملكة غوتيام (Gutiam)، الواقعة على الضفة الشرقية لنهر دجلة وبين نهر الزاب ونهر ديالي. ويرى باحثون أن كلمة كوتو مأخوذة من الكلمة الأشورية Kurtu، وتطورت إلى شكلها (لفظها) الحالي، بانصهار (أو إدغام) حرف الراء (R) بعد الواو القصيرة (U)، أي أن كورتو أصبحت جوتو Gutu. ومثل هذا الانصهار، هو قاعدة لغوية، في أغلب اللغات الهندو - آرية.
وأما النظرية الثانية، فترجع التسمية إلى كلمة كيرتي Kyrtii أو سيرتي Cyrtii فتربط الأكراد بالكيرتي، وهم قوم كانوا يعيشون، أصلاً، في المنطقة الجبلية في غرب بحيرة وان. ثم انتشروا انتشاراً واسعاً في بلاد إيران وميديا، وبقية المناطق التي يقطن فيها الأكراد، اليوم. ويعتقد باحثون أن كلمة كيرتي تطورت إلى كلمة كورتو Qurtu أو كاردو Kurrdu أولاً، ومن ثَم، إلى كلمة كورت Kurt، ثم إلى كاردوخي Kardouchi التي ذكرها، للمرة الأولى، القائد اليوناني زنفون (Xenephon).
وينقسم الأكراد إلى أربعة شعوب رئيسية، هم: الكُرمانج والكوران (الجوران) واللور والكلهور.
لا توجد إحصاءات دقيقة لعدد الأكراد، اليوم، في الدول التي يتبعون لها، لأن بعض هذه الدول لا تعترف بالوجود الكردي على أراضيها، فلا تشير إحصاءاتها إليهم. كما أنهم يتعرضون لعمليات تهجير، وإعادة توطين في غير مواطنهم.
أما عددهم، فتقديراته تتفاوت تفاوتاً كبيراً. إذ قدر تقرير اللجنة، التي شكلتها عصبة الأمم، المنشور في 16 يوليو1925، عدد الأكراد بثلاثة ملايين ومائتي ألف نسمة، يوجد في تركيا وحدها مليون ونصف المليون نسمة.
ويقدر بعض الباحثين عدد الأكراد، اليوم، بأكثر من خمسة وعشرين مليون نسمة، ويعيش في تركيا نحو نصف الشعب الكردي (ويشكل 20% من سكانها البلغ عددهم 13 مليون نسمة).
تنتمي اللغة الكردية إلى مجموعة اللغات الإيرانية، التي تمثل فرعاً من أُسرة اللغات الهندو - أوروبية. ويضم الفارسية والأفغانية والطاجيكية. وتضم اللغة الكردية ألفاظاً كثيرة، من العربية والفارسية وبعض المفردات التركية.
وتنقسم إلى لهجتَين رئيسيتَين، هما: الكُرمانجية والبهلوانية. ويتفرع منهما العديد من اللهجات المحلية. فتنقسم الكُرمانجية إلى الكرمانجية الشمالية، أو البهدينانية، والكُرمانجية الجنوبية، أو السورانية.
وتنقسم البهلوانية إلى الكوراني (الجوراني Gurani)، والزازا أو الديميلي.
وتتفرع عن اللهجات الأربع الأخيرة عشرات اللهجات، التي يسود كل منها في منطقة، أو قبيلة، أو قرية.
تسود اللهجة الكرمانجية الشمالية، أو البهدينانية، في شرقي تركيا وجنوب شرقيها. وتسود لهجة الزازا (ظاظا) في المنطقة المحيطة بولاية تونجالي (درسيم)، في تركيا. ويقدر عدد المتكلمين بها نحو 4.5 ملايين نسمة.
وهناك اختلاف بين هذه اللهجات إلى درجة تجعل التفاهم بين الأكراد أنفسهم صعباً.
وسبب ذلك، أن كردستان بلاد جبلية، يفصل بعضها عن بعض سلاسل جبلية وعرة جداً وأنهار، فضلاً عن حدود الدول، التي اقتسمتها. ولا ترتبط كردستان بخطوط مواصلات حديثة، تسهل اتصال الأكراد بعضهم ببعض. ولم تتألف منها وحدة سياسية.
وكانت اللهجة الكرمانجية هي السائدة في الأدب الكردي، حتى الحرب العالمية الأولى. ولكن بعد حظر استعمال اللغة الكردية في تركيا، أخذت لهجة السوراني تسود الأدب الكردي. كما أن غياب حروف موحدة للكتابة باللغة الكردية، يؤثر تأثيراً سلبياً في تطورها، ويقف عقبة أمام توحيد اللغة الأدبية الكردية.
يتميز الشعب الكردي بالأخذ بالثأر والميل إلى الانتقام. ويميل الاكراد إلى العزلة ويسيطر على نظامهم الاجتماعي النظام القبلي، العشائري، الإقطاعي، نتيجة لطبيعة بلادهم الجبلية الوعرة.
ُثم إن ولاء الكردي هو لقبيلته، أولاً، وقبل كل شيء. ولهذا، تكثر بينهم العداوات الناجمة عمّا ينشأ بين الزعماء من صراع. ويعتبر شيخ القبيلة الإقطاعي"الآغا"، سيداً مطاعاً في أتباعه.
يعتبر يوم 21 آذار عند الأكراد عيداً قومياً يحتفلون به لمدة أربعة أيام حيث يوقدون شعلة نوروز في كل المدن الكردية والمعروفة بشعلة كاوة الحداد، ويصادف هذا اليوم رأس السنة الكردية، ويحمل هذا العيد للاكراد بعداً قومياً مرتبطاً بقضية التحرر من الظلم، وفق الأسطورة التي تشير إلى ان إشعال النار كان رمزاً للانتصار.
وبينما يسود التوتر، العلاقات التركية - الكردية إثر استهداف الجيش التركي عدداً من المهربين الأكراد، ودعوة الآخيرين إلى الانتفاضة رغم الاعتذار التركي عن هذا "الخطأ"، تبقى العلاقات بين أنقرة وأكراد تركيا متأرجحة، شهدت صفحاتها التاريخية سلسلة من المآسي والكر والفر، ولم تفلح الجهود في وضع حد للقضية الكردية. ولدى مراجعة التاريخ نجد أن الأكراد أنفسهم ساهموا إلى حد بعيد في بقاء أحوالهم على ما هي عليه حين أعربوا عن عدم رغبتهم في الاستقلال عن تركيا.
ففي 10 آب (أغسطس) 1920، قبلت الحكومة العثمانية في اسطنبول، مرغمة، معاهدة "سيفر"، sevres، التي نصت في أحد بنودها على "حصول كردستان على الاستقلال حسب البندين 62 و63 و64 من الفقرة الثالثةK والسماح لولاية الموصل بالانضمام إلى كردستان، استناداً إلى البند 62 ونصه: "إذا حدث، خلال سنة من تصديق هذه الاتفاقية أن تقدم الكرد القاطنون في المنطقة التي حددتها المادة 62 إلى عصبة الأمم قائلين إن غالبية سكان هذه المنطقة ينشدون الاستقلال عن تركيا، وفي حال اعتراف عصبة الأمم بأن هؤلاء السكان أكفاء للعيش في حياة مستقلة وقدّمت توصية بمنح هذا الاستقلال، تتعهّد تركيا بقبول هذه التوصية وتتخلى عن كل حق في هذه المنطقة. وستكون الإجراءات التفصيلية لتخلي تركيا عن هذه الحقوق موضوعاً لإتفاقية منفصلة تعقد بين كبار الحلفاء وبين تركيا".
لكن الحكومة الوطنية، التي شكلها مصطفى كمال أتاتورك، في الأناضول، رفضت الاعتراف بهذه المعاهدة، وبادرت إلى حركة وطنية، من شرقي تركيا، لتحرير الوطن التركي.
حرص أتاتورك على ضمان انضمام الأكراد إليه، في حركته الوطنية. فأخذ، بعد مؤتمر أرضروم، يؤثر في زعماء الأكراد، ويطلب منهم إرجاء القضية الكردية ريثما يكتمل تحرير البلاد التركية كلها من المحتلين، وينعقد الصلح. وذلك لا يكون إلا باتحاد العنصرَين، التركي والكردي، أصحاب البلاد، كما نص الميثاق الوطني، الصادر في 1920. وكان أتاتورك قطع لهم الوعود الصريحة، بأن تعترف تركيا للكرد، ولكردستان، بالاستقلال بمساحة أكبر وأوسع مما ورد في معاهدة سيفر. وكان عدد النواب الأكراد، الذين يمثلون كردستان في المجلس الوطني الكبير، في أنقرة، 72 نائباً.
في بدايات الحركة الكمالية، بالأناضول، لم يظهر الكماليون أي بادرة سوء نحو الأكراد، بل قدموا العون للأكراد في تركستان الجنوبية (العراق)، للضغط على الإنكليز، وإجبارهم على التخلي عن الموصل.
إزاء ذلك، لم يتخلَّ الأكراد عن الأتراك، في وقت الشدة، ومواجهة العدو الأجنبي، خصوصاً أن قسماً كبيراً من جنوبي كردستان، كان تحت احتلال الإنكليز، وأما شمالي كردستان فكان تحت احتلال الروس.
في هذا الوقت كان رؤساء الحلفاء، في باريس، يؤكدون لرئيس الوفد الكردي إلى مؤتمر الصلح الجنرال شريف باشا، في العاصمة الفرنسية (1919 - 1920)، أن إخلاد الكرد إلى السكينة والهدوء، هو ضروري، لتحقيق آمالهم القومية.
وقد نشر قائد القوات الإنكليزية في كردستان، حينذاك، الجنرال ماك اندرو، منشوراً باللغة الكردية، ورد فيه ما يأتي: "بما أن مصير الأراضي العثمانية ذات الأكثرية الكردية، سيتقرر في مؤتمر الصلح، الذي سوف يحقق الأماني القومية الكردية، والحقوق الطبيعية للكرد وكردستان، فإن هذه الحالة توجب على الأكراد التزام السكينة والهدوء، وعليهم أن يطمئنوا إلى عدالة إنكلترا، التي ستحافظ على حقوقهم".
ومن ناحية أخرى، منع رئيس الاستخبارات الإنكليزية في حلب، العقيد بل، إصدار منشور، أراد نشره الأمير الكردي، ثريا بدرخان، سكرتير جمعية الاستقلال الكردي، في حلب لكشف نيات مصطفى كمال إزاء الكرد، قائلاً: "إن أكبر خدمة، وأعظم فائدة، تقدم إلى الشعب الكردي، الآن، هي دعوته إلى الإخلاد إلى الهدوء والسكينة".
وكذلك حضر هذا القائد الإنجليزي إلى ملاطية، في الأناضول، حينما شعر أن الأمير الكردي جلادت بدرخان، والأمير كامران بدرخان، وأكرم جميل باشا زاده، مندوبي جمعية "تقدم كردستان"، يحشدون في جبال كاخته قوات كردية، لرد هجمة مصطفى كمال التي يريد أن يشنها بغتة، ومن دون سبب معلوم، على الأكراد. فأرسل الرائد إدوارد و.س. نويل إلى المندوبين الأكراد المذكورين، يبلغهم، باسم حكومته، وجوب تفريق القوى الكردية، حالاً، وأن أقلّ مقاومة مسلحة تعرض القضية الكردية للأخطار الشديدة، بعد أن حازت قبول الدول الأوروبية.
وأخلد الأكراد للسكون، خاصة بعد تعهّد الدول الحليفة، بأن الأتراك، إذا لم ينفذوا معاهدة سيفر سوف يحرمون من الآستانة، كذلك. وهكذا أضاع الحلفاء، وخاصة الإنكليز، على الأكراد فرصة تحقيق آمالهم الاستقلالية.
وفي 1922، طلب مصطفى كمال من النواب الأكراد، في المجلس الوطني التركي، في أنقرة، الرد على الاستفسار، الذي وصله من رئيس الوفد التركي، عصمت باشا، إلى مؤتمر لوزان، حول رغبة الأكراد في البقاء ضمن الدولة التركية الجديدة. فردّ النائب الكردي عن أرضروم في المجلس، حسين عوني بك، في 1922، قائلاً :" إن هذه البلاد هي للأكراد والأتراك. وإن حق التحدث من فوق هذه المنصة، هو للأُمتَين، الكردية والتركية". وأيده في ذلك النواب الأكراد في المجلس الوطني الكبير. وقوبل ذلك بالترحيب والاستحسان من أتاتورك. وبناء على هذا الجواب من النواب الأكراد، أعلن عصمت باشا، الكردي الأصل، مندوب تركيا في مؤتمر لوزان، أن "تركيا هي للشعبَين، التركي والكردي، المتساويَين أمام الدولة، ويتمتعان بحقوق قومية متساوية". وحين وجد المشاركون في مؤتمر لوزان، أن النواب الأكراد، لا يريدون انفصال كردستان عن تركيا، وأن حكومة تركيا وعدت بتلبية مطالب الأكراد القومية، وافقوا على غض النظر عن أي فكرة لاستقلال كردستان، وحذفوا ذكر الأكراد من الوثائق الرسمية للمؤتمر.
وهكذا وقعت معاهدة لوزان، في23 تموز (يوليو) 1923، بين الحلفاء وحكومة أنقرة الوطنية. وبهذه المعاهدة ألغيت معاهدة سيفر. وقدم الإنكليز والأتراك تنازلات بعضهما إلى بعض، في خصوص المسألة الكردية. ولم يذكر فيها شيء عن استقلال الأكراد، سوى ما جاء في المواد (38) و(39) و(44) من الفصل الثالث:
إذ تنص المادة (38) على أن تتعهد الحكومة التركية بمنح جميع السكان الحماية التامة والكاملة، لحياتهم وحريتهم، من دون تمييز في العِرق والقومية واللغة والدين. وتنص المادة (39) من معاهدة لوزان على أنه "لن تصدر أي مضايقات في شأن الممارسة الحرة لكل مواطن تركي لأية لغة كانت، إن كان ذلك في العلاقات الخاصة أم في العلاقات التجارية، أم في الدين والصحافة، أم في المؤلفات والمطبوعات، من مختلف الأنواع أم في الاجتماعات العامة.
والمادة (44) تنص على أن تعهدات تركيا هذه، هي تعهدات دولية، لا يجوز نقْضها، في أي حال من الأحوال، وإلا فيكون لكل دولة من الدول الموقعة معاهدة لوزان، والدول المؤلفة منها عصبة الأمم، الحق في الإشراف على تنفيذ تركيا هذه التعهدات، بدقة، والتدخل ضدها، لحملها على تنفيذ ما تعهدت به أمام العالم.
وهكذا، أضاعت معاهدة لوزان كل الحقوق القومية للأكراد في تركيا. وكانت معاهدة لوزان خطوة إلى الوراء، مقارنة بمعاهدة سيفر.
وحين وقّعت معاهدة لوزان، لم يبقَ في تركيا من الشعوب سوى الأكراد والأتراك. ورأى الكماليون بعد قيام الجمهورية، أنه لا مكان لشعب غير الشعب التركي، ويجب تتريك كل القوميات الأخرى، التي تضمها هذه الجمهورية، وصهرها في المجتمع التركي. ورفض الكماليون الاعتراف بوجود شعب آخر غير الأتراك، وأطلقوا على الأكراد اسم "أتراك الجبال"، وألغوا اللغة الكردية من المدارس والمعاهد، وحرّموا التحدث بها في الشوارع والمجالس، فضلاً عن تحريمها في المصالح الحكومية وأمام المحاكم، على الرغم من تعهداتهم السابقة، في معاهدة لوزان.
سعى الأكراد، من جانبهم، إلى إظهار رفضهم لعدم الاعتراف بحقوقهم من جانب الحكومة التركية. فبادر الفريق خالد بك الجبرانلي، الذي كان قائداً في الألوية الحميدية، إلى تنظيم لجنة استقلال كردستان (آزادي) السرية ، وأرسل مندوبين عنها إلى جميع أنحاء كردستان، لإنشاء فروع وتشكيلات عامة لها، ولتوزيع أسلحة وذخائر حربية. ودخل في هذا التنظيم الشيخ سعيد الكردي، من قرية بيران، وهو من المشايخ ذوي النفوذ الديني لدى أتباعه.
وتقرر أن تبدأ الثورة، صباح 21 اذار (مارس) 1925، وهو يوم الاحتفال بعيد النوروز، أو رأس السنة عند الأكراد. ولكن وصلت قوة تركية إلى قرية بيران، حيث يقيم الشيخ سعيد الكردي، في 7 اذار 1925، فنشب القتال بينها وبين أتباع الشيخ سعيد فانفجرت الثورة في كل أنحاء كردستان. وكان من أبرز شعاراتها "إقامة كردستان مستقلة، في ظل الحماية التركية، وإعادة حكم السلطان".
وبادر الفريق خالد الجِبرانلي، ومن معه من الضباط الأكراد، الذين كانوا خارج المكان، الذي انفجرت فيه الأحداث، إلى التوجه إليه، للإشراف على الثورة، وإدارة دفة القتال. ولكنهم اعتُقلوا قبْل وصولهم إلى هناك، وأعدموا من دون محاكمة. وبذلك، حرمت الثورة من اشتراك المخططين لها، والعارفين بالفنون الحربية. فقادها من لا خبرة لهم بها ولا بأسرارها.
وتوسعت الثورة، وانتشرت في مناطق شاسعة من البلاد. ولكن الأكراد صرفوا همهم نحو السيطرة على المدن الكبيرة، في الوقت الذي كانت القوات التركية تصل إلى المنطقة، وتصل إليها الإمدادات من كل ولايات تركيا.
وبعد سلسة من المعارك، أخمدت الثورة. وقدِّم الشيخ سعيد ورفاقه إلى المحاكمة، وسيقوا إلى محاكم عسكرية، عرفت باسم "محاكم الاستقلال"، ثم شنقوا، وتركوا معلقين على المشانق، عِبرة لمن يعتبر. وفر قسم من المقاتلين إلى قمم الجبال، أو إلى الدول المجاورة، سورية والعراق وإيران.
وأعلن رئيس المحكمة، الذي حكم بالإعدام على ثلاثة وخمسين زعيماً من زعماء الثورة، أثناء المحاكمة، في 28 حزيران يونيو 1925، قائلاً: "لقد اتخذ بعضكم إساءة استعمال السلطة الحكومية، والدفاع عن الخلافة، ذريعة للثورة. ولكنكم كنتم متفقين جميعاً على إقامة كردستان المستقلة".
وقد استخدمت الحكومة التركية 35 ألف جندي و12 طائرة حربية، لإخماد الثورة، التي شكلت خطراً على الجمهورية التركية الناشئة. وجرى حشد ثمانين ألف جندي تركي في كردستان. ودمرت القوات التركية، بعدها، 206 قرى كردية، وأحرقت نحو 9 آلاف منزل، وقتلت أكثر من 15 ألف شخص. وقالت، يومها، جريدة "وقت" التركية: "ليس هناك مسألة كردية، حين تظهر الحِراب التركية".
وتكبّد كلٌّ من الأكراد والأتراك، خسائر فادحة، من جراء هذه الثورة. وكان من نتائجها صدور قانون الحفاظ على الأمن أو "تقرير سكون قانوني"، الذي جرى، بموجبه، تشتيت آلاف الأُسر الكردية وتهجيرها، ودمِّر كثير من القرى الكردية ونُفي زعماؤها ورؤساؤها إلى مختلف الولايات التركية.
على أثر ما نزل بالأكراد، وما حل ببلادهم عقب ثورة 1925، من الخراب والتشريد، عقد الاكراد مؤتمراً، في 1927، حضره كل الفئات الكردية ومندبو الجمعيات ورؤساء العشائر ووجوه البلاد والمراكز، وذلك لاتخاذ القرارات السريعة، لجمع الفصائل الكردية المشتتة، واستجماع القوى، لمواصلة نضالهم ضد تركيا. وعقد المؤتمر داخل الحدود التركية، ودامت جلساته مدة شهر ونصف الشهر. واتخذ قرارات منها:
- حل الجمعيات الكردية القائمة، وتأسيس قيادة موحدة للفصائل الكردية، تجمعها باسم جمعية "خويبون" (أي الاستقلال).
- تدريب المقاتلين الأكراد على وسائل الحرب الحديثة، وتنظيم قوات وفق أساليب عسكرية متطورة، وإنشاء مركز عام ومقر للقيادة العليا للثورة، في جبال كردستان، في تركيا.
نجحت جمعية "خويبون"، في 1930، بتنظيم انتفاضة مسلحة في إقليم أرارات (جبال آغري)، بقيادة الفريق إحسان نوري باشا. وكان السبب المباشر لاشتعالها، اتخاذ الحكومة التركية الاجراءات اللازمة لتتريك الأكراد، والأقليات الأخرى. وقد سمحت الحكومة الإيرانية للقوات التركية باستخدام الأراضي الإيرانية لمهاجمة مؤخرة المقاتلين الأكراد. وبعد حرب طويلة، قضي على الانتفاضة، بوساطة القوات والمدفعية والطائرات. واستناداً إلى إحصاءات غير رسمية، فإن 165 قرية و6816 بيتاً تم تدميره.
وبدا للحكومة التركية أنها قضت على الحركة الكردية. فأكد رئيس الوزراء التركي عصمت إينونو، في خطبة ألقاها في 30 أغسطس 1930، عدم أحقية الأكراد في الاعتراف بهم: "ليس في هذه البلاد جماعة لها الحق بادعاء كيان قومي ووطني، غير الجماعة التركية".
بعد انتفاضة 1930، أمعنت الحكومة التركية في سياستها الرامية إلى صهر السكان الأكراد، وادماجهم في المجتمع التركي. وأصدرت قانوناً يجيز لها فرض الأحكام العرفية، واستدعاء القوات إلى المناطق الكردية، في الأقاليم الشرقية من تركيا. وصدر قانون، في أيار (مايو) 1937، رحِّل، بموجبه، مئات الألوف من الأكراد من مناطقهم إلى مناطق أخرى، لا يكونون فيها سوى 5% من السكان. وينص ذلك القانون على أن "أولئك الذين ليست لغتهم التركية، يحرَمون من إعادة بناء قراهم، أو تشكيل منظمات، حِرفية أو كتابية أو طبقية، ويمنح وزير الداخلية حل هذه المنظمات. وهذا القانون ينافي ما جاء في معاهدة لوزان، من احترام حقوق الأقليات. وشرعت الحكومة التركية، بعد ذلك تنفذ حملة فكرية، لصهر الأكراد وتتريكهم.
بعد تردي الأوضاع، الاقتصادية والمعيشية، للسكان الأكراد، شهد عام 1937، انتفاضة في إقليم درسيم، الذي حوِّل إلى ولاية باسم تونجالي، في شكل عصيان كبير، تزعمه سيد رضا.
كانت العمليات العسكرية ضد الأكراد، في درسيم، قوية وعنيفة، إلى درجة أن الحركة القومية الكردية، ظلت، بعدها، ساكنة على مدى نصف قرن تقريباً.
ولقد عزا بعض المؤرخين هذه الثورة إلى إجراءات القمع، التي مارستها الحكومة ضد زعماء القبائل، في تلك المنطقة.
وفي حزيران 1937، عقد "ميثاق سعد آباد" بين تركيا وإيران والعراق وأفغانستان، تحت إشراف بريطانيا. وكان هذا الميثاق موجَّهاً، بصورة رئيسة، ضد الحركات الكردية، حيث تعهدت الأطراف الموقعة، على اتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون قيام أي نشاط لعصابات مسلحة، أو جمعيات، أو منظمات، تهدف إلى إطاحة المؤسسات الحالية، التي تتحمل مسؤولية المحافظة على النظام والأمن، في أي جزء من حدود الأطراف الأخرى"، ولقد انتهى أثر ذلك الميثاق بنشوب الحرب العالمية الثانية.
استكانت الحركة الكردية المسلحة، خلال فترة الحرب العالمية الثانية وظلت المناطق الكردية، بشرق تركيا، في العهد الجمهوري، تعاني التخلف، في الزراعة والصناعة والتعليم، ويطلق عليها "المناطق المحرومة". ولم تَجِد الحكومة التركية وسيلة لإخماد الثورات والانتفاضات الكردية، غير القمع العسكري، والتهجير والنفي والتعذيب، والتمادي في حرمان الأكراد حقهم في التحدث بلغتهم، أو إصدار جريدة أو مجلة باللغة الكردية.
وكان التعسف يزداد في فترات الانقلابات العسكرية، التي شهدتها تركيا الحديثة، في 1960 و1971 و1980. ولم يطرح أي حلول سلمية لهذه المعضلة، التي لا تعترف بها الحكومة، أصلاً. ولم تسمح الدساتير التركية، في 1924 و1961 و1981، للأقليات القومية في تركيا، بتأسيس أحزاب سياسية، ما ولّد في نفوس الأكراد شهوة الانتقام، والتطلع إلى التحرر، ورد العنف بالعنف.
وظلت المناطق الكردية مغلقة، حتى أوائل الستينيات، حين بدأ التململ بين الأكراد، فأسسوا الجمعيات والأحزاب السرية، التي كانت تأخذ، في مسيرتها، بالمناهج الشيوعية الماركسية، اللينية أو الماوية، والاشتراكية، وأخذت تعمل بطريقة سرية، وأحياناً، متضامنة مع حزب العمال التركي اليساري، الذي حظرته السلطات، فيما بعد.
وفي أعقاب الانقلاب العسكري، عام 1960، بقيادة جمال جورسيل، أصدرت لجنة الاتحاد الوطني القانون الرقم 105، في 17 تشرين الاول (أكتوبر) 1961 الذي جرى، بمقتضاه، تهجير العائلات الكردية غير المرغوب فيها، وبصورة قسرية، إلى مناطق أخرى في تركيا.
استمرت الحكومات التركية في سياسة صهر الأكراد، بعد أن منعتهم من فتح مدارس لهم، أو إصدار المطبوعات الكردية، واستخدمت محطات الإذاعة، التي أنشئت في أرضروم وديار بكر ووان، لبثّ اللغة والثقافة التركيتين بين الأكراد. وأغفلت اللغة الكردية وثقافتها.
من جانب آخر، أَولى قادة الحركة القومية الكردية في تركيا، ثقافة الشعب الكردي، اهتماماً كبيراً. فنشطوا نشر نتاجهم الأدبي باللغة التركية. فترجمت ملاحم الشعب الكردي مثل ملحمة "ميم وزين" للشاعر الكردي أحمد الخاني (1591 – 1652) إلى اللغة التركية، عام 1968. ولكنها صودرت، ولم تصل إلى القراء.
نشأت منظمات سرية كردية، في كردستان تناضل من أجل الاعتراف بحقوق الأكراد القومية. فأُسِّس الحزب الديموقراطي الكردستاني، في تركيا في أواسط الستينيات، وحزب تحرير الأكراد، في تركيا، ورابطة الحرية، ومنظمة مقاتلي كردستان.
إلى جانب المنظمات الكردية السرية، أخذت تتشكل، في السيتينات، منظمات شبابية، علنية، متسترة بالمؤسسات والمنظمات، الاجتماعية والثقافية، اليسارية التركية. ففي آب (أغسطس) 1969، أنشأت مجموعة من الشباب الأكراد مراكز ثقافية، في شرقي تركيا، ضمن تنظيمات حزب العمال التركي، وبارتباط وثيق معه.
أرسلت الحكومة التركية وحدات من قوات الكوماندوز والدرك، في أوائل السبعينيات، لشن هجمات على الأكراد، في مناطق: حكاري وماردين وسلوان وباطمان وبيسميلي وديار بكر وملازكرت وتوتاك وتيكمان وكار يازي وكيفي. ورافق هذه الهجمات اعتقالات بين صفوف الأكراد، والتنكيل بالسكان. وفي أوائل نيسان (أبريل) 1970 حاصرت قوة مسلحة من الكوماندوز مدينة سلوان، بحجة مصادرة السلاح، فلجأ الأهالي إلى العصيان ضد السلطات المحلية. وقد اعتقل أكثر من ثلاثة آلاف كردي في تلك الأحداث.
بعد انقلاب عام 1971 أُعلنت الأحكام العرفية، وحالة الطوارىء، ظلت الأحكام العرفية وحالة الطوارىء مفروضة على ولايات شرقي تركيا، مثل: آدي يمان وديار بكر وسعرت وماردين وتونجالي وأرضروم وغيرها، حتى الانقلاب العسكري، بقيادة الجنرال كنعان أفران، في 12 سبتمبر 1980، الذي أطاح الحكومة المدنية، وأوقف العمل بالدستور، وحل المجلس النيابي، وحل الأحزاب والجمعيات السياسية، وفرض الأحكام العرفية في كافة أنحاء تركيا. وشدد قبضته على البلاد، وأخذ يتعقب الجمعيات والمنظمات السرية الكردية، لاجتثاثها. فاعتقلت السلطات العسكرية آلافاً من الشباب الكردي اليساري.
عمد حزب العمال الكردستاني (Parti-ye Karkaran-e Kurdistan)، المعروف، اختصاراً، ب (PKK) والذي تأسس عام 1979، إلى النشاط ضد المصالح التركية، في الداخل والخارج عام 1984، مطالباً بالانفصال عن تركيا، وتأسيس كردستان المستقلة في شرقي تركيا. وتعاون في بعض المراحل مع المنظمة الأرمنية "أصالا" (ASALA)، التي تحارب، هي الأخرى الدولة التركية.
وتعقبت السلطات العسكرية التركية، منتهزة فرصة انشغال العراق بالحرب مع إيران، العناصر الكردية المقاتلة في شمالي العراق، مستفيدة من المعاهدة الموقعة في عام 1978، بين تركيا والعراق، التي نصت المادة الأولى منها على: "أنه في حالة تسلل أفراد من أي دولة إلى داخل حدود الدولة الأخرى، يلقى القبض عليهم ويسلمون إلى دولتهم". ونصت المادة الرابعة على "أن يتخذ الطرفان التدابير الكفيلة بإيقاف عمليات التخريب، التي تجري في المناطق الحدودية للبلدين".
فاجتازت القوات التركية، في أيار 1983، الحدود العراقية، للمرة الأولى، بموافقة الحكومة العراقية، وتوغلت في شمالي العراق إلى عمق 30 كلم. وبلغ قوام تلك القوات 15 ألف جندي، لضرب قواعد الثوار الأكراد. ولكنها اصطدمت بمقاومة عنيفة من قوات البيشمركة، التابعة للحزب الديموقراطي الكردستاني، المتمركزة في تلك المنطقة.
حاول رئيس وزراء تركيا توركوت أوزال (1983 - 1989) النهوض بمنطقة جنوب شرقي تركيا. فاعتمدت حكومته مشروع جنوب شرقي الأناضول (Güney Anadolu Projesi GAP) الذي يشمل إقامة سد أتاتورك على الفرات، ويهدف إلى تنشيط الزراعة والصناعة والحياة الاقتصادية في المنطقة، خاصة بعد اكتمال العمل في سد أتاتورك على الفرات. وأسست الحكومة، عام 1984، مناطق حرة للاستثمار، في 27 ولاية تركية، ضمت كل ولايات شرق وجنوب شرقي تركيا، أعفيت من 60% من الضريبة المستحقة.
وأعلن أوزال، مبادرته، في ديسمبر 1990، رفع الحظر عن استخدام اللغة الكردية، في الحديث والتخاطب فقط. ثم أصدرت الحكومة التركية قراراً، في فبراير 1991، برفع الحظر عن اللغة الكردية، خاصة فيما يتعلق باستعمالها في الأماكن العامة. كما أصدرت الحكومة، في عهد أوزال، عفواً عاماً عن السجناء الأكراد.
واستقبلت تركيا آلاف النازحين الأكراد من العراق، عقب الانتفاضة، التي قاموا بها، في نيسان 1991
كما خطا أوزال خطوة أخرى، غير تقليدية، وهي فتح قنوات الاتصال الرسمية مع القيادة الكردية في العراق، إذ سمح للجبهة الكردستانية العراقية بفتح مكتب لها في أنقرة، يرعى عملية إيصال المساعدات الغربية، الإنسانية والطبية، إلى كردستان العراقية.
وقد أحدثت قرارات أوزال صدى واسعاً، وساعدت على كسر الحاجز النفسي في تركيا تجاه المسألة الكردية. لكن قرارات أوزال، لم تكن كافية، في نظر بعض القوميين، من الأكراد، لأنه لم يرفع الحظر عن اللغة الكردية، في الدوائرالتعليمية. وردَّ أوزال على ذلك، قائلاً: "في المستقبل، ستتخذ إجراءات أخرى نحو الاعتراف بالحقوق القومية للكرد، ولكن الأمر يحتاج إلى صبر".
لم يُكتب النجاح لخطوات أوزال تلك، بسبب الضغط الذي تعرض له من قِبل العسكريين، حماة الجمهورية الأتاتوركية. ثم جاءت وفاته المفاجئة في 17 نيسان 1993، لتعود الأمور الكردية، في تركيا، إلى الخيارات العسكرية.
عمدت الحكومة التركية، في محاولة منها لخلق حاجز بين الشعب الكردي ومسلحي حزب العمال، إلى تشكيل جيش من الأكراد المسالمين، برئاسة شيوخ العشائر الكردية، وأبناء الإقطاعيين، وأطلقت عليهم اسم "كوي قوروجولري"، أي حراس القرى. وناهز تعدادهم، 15 ألف مسلح.
ورد حزب العمال على الخطوة الحكومية، بالقضاء على الرؤوس المدبرة لهذا الجيش، وطاول عنفه عائلات هؤلاء المتورطين مع الحكومة، علماً بأن كثيراً من سكان القرى الحدودية أجبروا على حمل السلاح ضد حزب العمال. إذ وضعتهم قوات الأمن التركية أمام خيارَيْن، لا ثالث لهما؛ إما حمل السلاح مع قوات حراس القرى، أو اعتبارهم من أنصار حزب العمال، فتدمَّر قراهم.
وحاول الاتحاد الوطني الكردستاني، العراقي، بقيادة الطالباني، التوسط بين حزب العمال والحكومة التركية، لإيجاد صيغة ملائمة لوقف العمليات العسكرية، في مقابل حصول حزب العمال على بعض الميزات. وقد أبدى "عبدالله أوج آلان"، رئيس الحزب موافقته على الوساطة ، والتخلي عن "مطالب الاستقلال". إلا أنه لم تمضِ إلا فترة قليلة، حتى اشتعل قتال "بشمركة" الحزب مع الحزب الديموقراطي الكردستاني، العراقي، في صيف 1992.
شن الجيش التركي، في تشرين الثاني (نوفمبر) 1992، هجوماً على مواقع لحزب العمال الكردستاني في شمالي العراق، بقوة تقدر بحوالي خمسة عشر ألف مقاتل، يساندهم حوالي 300 دبابة ، واستمرت القوات التركية في أراضي العراق لمدة شهر، ثم انسحبت.
وانطلقت حملة تركية أخرى، في الفترة من اذار إلى أيار 1995، بقوات ضخمة، قوامها 35 ألف جندي، وتوغلت إلى مسافة 40 كم داخل العراق. وشُن، خلالها، الكثير من الهجمات والإغارات والقصف، الجوي والمدفعي، ضد قواعد حزب العمال الكردستاني، في هافتانين وميتنا وهاكورك. وكانت هذه الحملة متسقة مع الحملات العسكرية، اليومية، التي يشنها الجيش التركي، ضد المتمردين الأكراد في جنوبي شرقي تركيا.
كان هجوم الجيش التركي، في الفترة من أيار إلى تموز 1997، هو الأشد والأعنف، وأعلنت البيانات التركية، خلال هذه الحرب، قتل مئات من أعضاء حزب العمال ، وتدمير قاعدة نراب (Nirab)، وهي قاعدته الرئيسية، ورفع العلم التركي عليها . ثم أعلنت القوات التركية أنها ستقيم منطقة آمنة، داخل حدود العراق، يراوح عمقها بين 10 و 50 كم، وكانت قد توغلت حوالي 100 كم داخل الأراضي العراقية. إلا أن هذا الإعلان، وُوجه برفض تام من جميع الدول.
الهجوم الكاسح، بدأ في 23 أيلول (سبتمبر) 1997، لضرب مواقع لحزب العمال في شمالي العراق. وأعلن العراق أن حجم القوات التركية المهاجمة، حوالي 16 ألف مقاتل، ومائتي دبابة، وأذاعت وكالات الأنباء، أن هذا الهجوم جرى بالتنسيق مع الحزب الديموقراطي الكردستاني، بعد تأمين ضفتَي نهر دجلة لقطع الطريق على حوالي ألف من أعضاء حزب العمال الكردستاني، ومنعهم من الهرب في اتجاه سورية أو إيران.
واستمر هذا الهجوم حوالي 23 يوماً، أعلنت، خلاله، تركيا، أنها قتلت أكثر من 800 فرد من أعضاء حزب العمال ، ودمرت العديد من القواعد. ثم أعلنت القوات انسحابها، لتبدأ حرب بالوكالة، بين الحزب الديموقراطي الكردستاني، المتحالف مع تركيا، لاستكمال تدمير قواعد حزب العمال ، وبين الاتحاد الوطني الكردستاني،
لقد أسفرت الحملات العسكرية التركية عن عدد كبير من الضحايا الأكراد، قدِّر، حتى أواسط عام 1996، بنحو عشرين ألف قتيل، معظمهم من المدنيين. وبحلول 1994، أُرغم حوالى 4 آلاف مدرسة على إقفال أبوابها، بسبب استهداف حزب العمال المدرسين، الذين يحمّلهم مسؤولية نشر الثقافة التركية بين الأكراد. وأدى القتال، والشعور بعدم الأمان، الناجم عن ممارسات القوات الحكومية، إلى إفراغ أكثر من 2600 قرية ودسكرة من سكانها، مما أسفر، بدوره، عن تدفّق أكثر من مليونَي فلاح كردي على المدن، القريبة والبعيدة، على حد سواء. وشكل هؤلاء عبئاً على تلك المدن، بسبب افتقاد الترتيبات لإيوائهم، كما أنهم تحولوا إلى خزان بشري، تولى إمداد حزب العمال بالأعضاء والمناصرين.
وأنفقت الخزينة التركية ملايين الدولارات، لقمع الحركات الكردية المسلحة. فقد بلغت نفقات الحرب في كردستان التركية، حتى مطلع عام 1994، وفقاً لوزير الدولة السابق علي شوقي أرك 8.2 مليارات دولار سنوياً. وبلغت نفقات الحرب، ضد حزب العمال منذ اندلاعها وحتى اليوم، 40 مليار دولار، وفقاً للتقديرات المتداولة.
تاريخ الصراع بين تركيا والأحزاب الكردية طويل لن تنتهي فصوله بسهولة ولن تطوى الصفحات الدموية بينهما إلا بإيجاد حل مثمر لقضية الأكراد في تركيا على وجه الخصوص.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.